‏إظهار الرسائل ذات التسميات لفياثان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات لفياثان. إظهار كافة الرسائل

03/06/2020

الانسان الذئب؟....

الغرض من هذه المقالة هو مجادلة فكرة "الانسان الذئب" التي اشار اليها زميلنا الاستاذ يوسف ابا الخيل ، في سياق تعليقه على الغضب المتفجر في المدن الامريكية اثر مقتل الشاب الاسود جورج فلويد قبل 10 أيام. اني اعارض هذه الفكرة ، لانها تحولت بالفعل الى مبرر للتجبر والقسوة واحتقار الضعفاء.

وردت عبارة "الانسان ذئب الانسان" في نص أدبي للكاتب الروماني لوكيوس سينيكا الذي عاصر السيد المسيح وتوفي في 65 للميلاد. ثم استعملها الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز  ( 1588- 1679م) كعنصر تأسيسي في نظريته السياسية. وكتاب "لفاياثان" الذي ضم هذه النظرية ، واحد من اهم النصوص المرجعية في علم السياسة الحديث.

هذه الفكرة تقول ببساطة ، ان الانسان في طبعه الاولي ، أميل للشر والفساد. ولو ترك وشأنه فسوف يختار مايشبع غرائزه ويلبي شهواته الانانية ، ولو على حساب الغير. فاذا اجتمع جمهور كبير ، كان احتمال ميلهم للفساد اكبر  ، نظرا لدخول عامل افساد اضافي هو "عامل الندرة" الذي يعرفه الاقتصاديون. وتبنى هذه الرؤية "ارسطو" الفيلسوف اليوناني (توفي 322 قبل الميلاد). وقرر بناء عليها  ان الناس لايطيعون القانون حبا في الفضيلة ، بل خوفا من العقاب.

بقي الحديث عن الطبع الاولي للانسان ، عنصرا  ثابتا في الفلسفة السياسية ، لزمن طويل جدا ، رغم انه لم يحض بحصة ملائمة من البحث النظري. وحسب تقدير البروفسور غاري برنت ماديسون ، فان اي نظرية حول المجتمع السياسي ، اي حول البشر بوصفهم فاعلين في الحياة العامة ، هي بصورة مباشرة او غير مباشرة ، نظرية حول طبيعة الانسان ذاته. (G. B. Madison, The Logic of Liberty (Greenwood Press, 1986), The Introduction.

وارى ان الصحيح هو القول بان اي نظرية من هذا النوع ، يجب ان تبدأ بموقف ميتافيزيقي ثابت حول طبيعة الانسان ، سيما اذا كان محور النقاش ، هو استعمال القوة ومحدداته ، من جانب هيئة مشروعة كالدولة ، او غير مشروعة كالميليشيات الاهلية.

لقد اثرت رؤية ارسطو على التفكير الديني والسياسي ، في المجال المسيحي والاسلامي. وقد لاحظت في ابحاث سابقة ، ان فكرة الانسان الذئب ، كانت خلفية لآراء العديد من علماء المسلمين ، منذ القرن الحادي عشر الميلادي حتى وقت قريب. ومن بينهم مثلا ابو الفتح الشهرستاني (ت-1153م) في كتابه الشهير "الملل والنحل" ، كما استعملها ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي  (ت-1068م) في سياق تبريره لفكرة الامامة الدينية. لكن الجدالات التي أثارها كتاب هوبز في المجال الاوروبي ، انتهت الى تقويض الفكرة ، وهيمنة الاعتقاد في خيرية الانسان وصلاح فطرته.

تحدث هوبز عن فكرة الانسان الذئب ، ضمن سعيه لوضع نظرية تفسر سبب قيام السلطة السياسية. وقد بدأ بوضع فرضية فحواها ان الظرف الاجتماعي السابق لقيام الدولة ، كان ظرف اضطراب وتقاتل بين الناس. لكنه استدرك بالقول ان الانسان عقلاني بطبعه ، قادر على احتساب عواقب افعاله. من هنا تنادى الناس الى انشاء هيئة تمثلهم وتنوب عن مجموعهم ، في منع عدوان بعضهم على بعض ، وهي الدولة.

نظرية هوبز هي المرحلة الاهم في فلسفة الدولة الحديثة. لكن تبريره فكرة الدولة المطلقة ، التي تسير بموجب هوى الرئيس وليس القانون ، لم يكن مقبولا على الاطلاق. وما يدعو الى مناقشتها اليوم ، هو انها امتداد لتراث عميق التأثير في الثقافة العربية والاسلامية الحاضرة. وهناك بالطبع بدائل افضل منها واكمل. وهذا موضوع سنعود اليه في قادم الايام.

الشرق الاوسط  الأربعاء - 11 شوال 1441 هـ - 03 يونيو 2020 مـ رقم العدد [15163]

https://aawsat.com/node/2314621/


22/04/2020

"الغول" أخطر ما يواجه البشرية بعد تلاشي الوباء

  || في لحظة الخوف على الوجود ، يتقبل الانسان التنازل عن حريته في صنع حياته المستقلة. حينها سيجد كثيرا من تجار الانجازات والاساطير ، يعززون خوفه كي يسيطروا عليه|| 
ابدأ من مقال السيدين جون ميكليثويت وأدريان ولدريدج في هذه الصحيفة يوم الاثنين المنصرم ، والذي بدأ بفرضية ان الاستجابة لتحدي وباء كورونا كانت فوضوية في معظم الدول الغربية. وهذا يرجع في تقدير الكاتبين الى ترهل الادارة الحكومية ، قياسا الى نظيرتها في الدول ذات النظام المركزي ، مثل الصين وتايوان.
Target, Whole Foods, Other Retailers Offer Special Hours for ...
استخدم الكاتبان ارجاعا في غاية الذكاء الى توماس هوبز ، لتقديم غريزة "الخوف على الوجود" كأرضية للمقالة. في 1651 نشر هوبز كتابه "لفياثان" الذي يعد لبنة اولى في فلسفة الدولة الحديثة. و"اللفياثان" حيوان خيالي ، ذكر في التوراة انه كان يبتلع البشر والمراكب في أعالي البحار ، واستخدمه هوبز كرمز لقلق الوجود الكامن في اعماق النفس البشرية ، تماما مثلما نتحدث احيانا عن الجن والتنين والغول ، وكلها كائنات اسطورية ليس لها وجود واقعي ، لكنها محرك نشط لمشاعر الخوف في اعماق البشر.
رأى هوبز ان اي مجتمع يحتاج الى "غول" كبير ومخيف ، يردع الناس عن العدوان على بعضهم. وهذه فكرة استعارها من ارسطو الذي برر التزام الناس بالقانون ، بخوفهم من العقاب ، وليس حبهم للفضيلة. الخوف من الدولة/الغول هو الذي يحمي الناس من اشكال الخوف الصغرى ، كعدوان جارهم على اشخاصهم واملاكهم. اذا لم يكن ثمة لفياثان/غول ، فلعلي اقتل جاري ، وسيضطر الجار للتسلح كي يحمي نفسه. وهكذا يتحول المجتمع الى ظرف حياة متوحشة تسود فيها "حرب الجميع على الجميع". الغول الذي يعنيه توماس هوبز هو الدولة. وهو يرى انها يجب ان تكون مطلقة وقوية كي تردع كافة رعاياها.
حسنا.. ما الذي اراد الكاتبان قوله وراء قصة اللفياثان العتيقة؟
اراد الكاتبان التحذير من ان فشل الحكومات الليبرالية ، في احتواء قلق الوجود المهيمن على نفوس الناس ، ربما يدفعهم للقبول بحكومة متغولة. طالع خريطة العالم اليوم: المدن كلها مغلقة وغالبية الناس سجناء في بيوتهم ، خوف العدوى.  كورونا هي "غول" العصر. ولن يجد الناس بأسا في الاستسلام لحكومة اكثر تغولا ، اذا أثبتت قدرتها على دحر "غول" كورونا.
سيقول احد القراء: حسنا.. وما العيب في هذا؟ طالما كانت قادرة على اعادة الحياة الى طبيعتها فلنجرب حظنا معها!.
حسنا. لقد جرب العالم هذا مرات عدة. ومن الجنون توقع نتيجة افضل اذا كررت ذات التجربة. خذ مثلا تجربة الحزب النازي في المانيا ، والحزب الفاشي في ايطاليا  ، قبل الحرب الكونية الثانية. خذ أيضا تجربة الجنرال فرانكو الذي وضع اسبانيا في الثلاجة اربعين عاما. صعد هؤلاء الى السلطة على انقاض ادارات مترهلة وفاشلة. نجح هتلر مثلا في اعادة النظام والانضباط والفاعلية الى الدولة الالمانية. ثم احتكر مصادر القوة  العامة واحدا واحدا ، حتى تحول الى "غول" حقيقي. ثم اقحم المانيا والعالم كله في حرب حصدت نحو 50 مليون قتيل.
حين يهيمن الخوف على نفس الانسان ، فسوف يتقبل الاستسلام والتنازل عن حريته في صنع حياته المستقلة ،  وسوف يوجد الكثير من تجار الانجازات وتجار الاسطورة ، الذي يعززون حالة الخوف عند الناس كي يسيطروا عليهم.
قد لا تتوفر امامنا بدائل تستحق الاهتمام ، لكن الامر ليس فوق ارادتنا. بوسعنا ان نختار بين الخضوع للخوف ومن يتاجر به ، او استنهاض ما لدينا من طاقات فكرية ومادية ، وتكرار المحاولة مرة بعد مرة ، حتى نهزم "لفياثان" كورونا.
الشرق الاوسط الأربعاء - 28 شعبان 1441 هـ - 22 أبريل 2020 مـ رقم العدد [15121]

مقالات ذات علاقة



29/03/2005

الغول

اذا لم يكن توماس هوبز ابرز صناع الفكر السياسي المعاصر على الاطلاق ، فلا شك انه اكثرهم تاثيرا على مختلف المذاهب السياسية ، والى حد كبير على الاتجاهات الفلسفية الجارية في عالم اليوم. ولد هوبز في ويلتشير جنوب بريطانيا ، في 1588 وتوفي في 1679 ، وسجل نظريته السياسية في كتابه الاشهر "لفياثان" وهو اسم يلخص جوهر فلسفته السياسية . ورد مصطلح لفياثان في التوراة كوصف لحيوان بحري خيالي هائل القوة قادر على ابتلاع الناس والمراكب. وورد في نصوص اخرى كرمز للامبراطورية البابلية في العراق القديم التي كانت يومها اعظم الدول على وجه الارض.
اظن ان قرب المصطلحات العربية الى هذا المعنى هو "الغول" وهو ايضا رمز لكائن خيالي ذي هيمنة لا تقاوم ، لكنه – مثل اللفياثان – غير موجود في الحقيقة ، بل هو رمز يصنعه الانسان لوصف القوى التي لها وجود بشكل او باخر ، لكنه لا يعرف حقيقتها ولا يستطيع مقاومتها. انه من هذه الزاوية مثل الجن الذين يرمزون لخوف الانسان اللاواعي من المجهولات. انها اذن كائنات اعتبارية ، وجودها المادي الموضوعي مشروط باعتبار الناس وليس مستقلا بذاته .
هذه الفكرة تلخص تصور هوبز للدولة التي يراها ضرورة للحياة الاجتماعية التي لا تستقيم بدون مصدر للخوف ، اي عامل ردع للافراط في استعمال الحقوق الطبيعية من جانب بعض الناس. الدولة في نظر هوبز هي كائن اعتباري ، قوتها وقابليتها للردع ليست نابعة من ذاتها بل من رغبة الناس في ان تكون كذلك . لقد ارادها الناس رمزا للقوة المطلقة فاصبحت كذلك . ولولا هذا الاعتبار لما كانت كذلك ، لانها في نهاية المطاف تتكون من افراد يمكن ان يختلفوا او يتفقوا ، يمكن للناس ان يقبلوهم او يرفضوهم ، ويستطيعون استعمال القوة المادية لفرض مراداتهم وقد يعجزوا . بكلمة اخرى يمكن للدولة ان تكون القوة المطلقة في مجتمع معين ويمكن ان تكون مجرد واحدة من قوى كثيرة تتصارع على السلطان.
رأى هوبز المجتمع الانساني قبل الدولة ميدانا للصراع بين المصالح المتنافسة المتاتية من نزعة طبيعية في الانسان للتملك والسيطرة والاستمتاع . وهو يصف هذا النوع من الحياة بالحالة الطبيعية ، حيث يلقي كل شخص على مراداته صفة الحق وما دونها صفة الباطل . الحق والباطل في راي هوبز هي اوصاف لغوية للارادات ، انها بكلمة اخرى فن بلاغي وقدرة على رسم صورة لما يريده المدعي وما لا يريده . ان قدرة هذا الشخص على استعمال فنون اللغة في اقناع الغير او دحض حجتهم هو ما يحول ارادته الى حق وارادة الاخرين الى باطل .

بهذا الوصف المتطرف لفكرة الحق (والمقصود بطبيعة الحال الحقوق الدنيوية) اراد هوبز اضعاف حجة الكنيسة التي تزعم ان الحق هو كلمة البابا ، وان هذه الكلمة لها قدسية ذاتية نابعة من اتصالها بالسماء. اراد هوبز التشديد على ان المجادلات السياسية كلها تقوم على اعتبارات دنيوية ، وتستهدف بصورة او باخرى الحصول على قدر اكبر من القوة المادية او السلطة . السعي للسلطة ، ضمن اطار الدولة او ضمن اطار المجتمع ، هو المجال الذي لا يتعب الناس منه ولا يملون ، وهو الامل المحرك لآمالهم وفاعليتهم في الحياة حتى ياتيهم الموت.

اراد هوبز من تشديده على الطبيعة الدنيوية للسلطة ، معالجة الاشكال الرئيسي في جدل الدولة والسياسة ، اي الطاعة ، وفي الحقيقة فقد اراد القول انه في مجتمع معين ، لا يمكن ان تتعدد الطاعة والا فسد النظام ، يجب – في رايه – ان تكون الطاعة العامة مختصة بالدولة خلافا للاعتقاد الذي روجته الكنيسة بان طاعة البابا مقدمة على طاعة الدولة . كان هذا التشديد ضروريا بالنظر الى الظرف الخاص الذي طرح فيه هوبز نظريته ، حيث كانت السيادة ، او ما يسمى اليوم الحاكمية العامة ، موزعة بين الدولة والامارات شبه المستقلة والكنيسة ، فقد رأى ان قيام نظام اجتماعي متين وفاعل ، مستحيل في ظل هذا التعدد .

اعتبر هوبز ان قيام الدولة هو نتاج لعقد اجتماعي فرضته الضرورة لكنه قام باراداة عقلانية من جانب كل افراد المجتمع . الناس توصلوا الى استحالة الحياة في ظل تصارع الارادات والمصالح ، فقرروا ان ضرورة النظام تقتضي حصر السيادة والسلطة والطاعة في جهة واحدة هي الدولة . من هذه الناحية فان السلطة والدولة والسياسة ، كلها كائنات اعتبارية ارضية ، اوجدها الناس لتنظيم امورهم ، وهم شركاء فيها شراكة اصلية بمقتضى الطبع الاولي ، وهي لم تقم الا على هذا الاساس ولا تستمر الا به.

استقطبت طروحات هوبز الكثير من النقد ، ولا زالت دراسات في نقد "لفياثان" تظهر بين حين واخر. لكنه مع ذلك لا زال ينظر اليه باعتباره مؤسس الفلسفة السياسية الحديثة ، والرجل الذي اضعف مرجعية الفلسفة اليونانية  القديمة ، فحولها – في نظر الباحثين - من مصدر وحيد للتفكير في السياسة الى مجرد تاملات خيالية ، اقرب الى الاخلاقيات الرومانسية منها الى تصوير السلوك الطبيعي للانسان.

اواخر مارس 2005

مقالات ذات علاقة

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...