حديث وزير الخارجية الامريكية جون كيري
عن "اضطرار" واشنطن للتفاوض مع الرئيس السوري يشكل نقطة انعطاف مهمة في
مسار الأزمة السورية. كيري يتحدث اليوم عن
مقررات مؤتمر جنيف-1 كاطار مناسب للخروج من الازمة ، وهو نفس الموقف المعلن من
جانب روسيا ، الحليف الرئيس للنظام السوري.
تبرير هذا التحول جاء على لسان مدير
وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية جون برينان الذي قال ان واشنطن وحلفاءها
قلقون من تفكك الدولة وسقوطها بيد الجماعات المسلحة المتطرفة.
لم يكن هذا التحول متوقعا قبل الثالث
والعشرين من سبتمبر الماضي ، يوم بدأ سلاح الجو الامريكي عملياته فوق الاراضي
السورية. لكنه منطقي تماما هذا اليوم ، لأن واشنطن لم تعد مجرد حليف للمعارضة او راعيا
لمؤتمر جنيف ، بل أضحت شريكا مباشرا في الحرب.
نحن اذن امام مشهد سوري جديد. الولايات
المتحدة اضحت شريكا مباشرا في الصراع ، وهي تدعو لمفاوضات مع دمشق بينما ترفض
الاعتراف بدور للجماعات التي تعتبرها متطرفة ، رغم انها تقوم بمعظم الجهد العسكري
للمعارضة. في الوقت نفسه يشهد العراق نوعا من تفاهم ميداني بين واشنطن وطهران ،
ربما يمثل نموجا لتفاهم سياسي بين واشنطن وموسكو في سوريا. بعبارة اخرى فان الساحة
السورية تشهد تحولا جذريا في المواقف ، سيؤدي دون شك الى تحول ارتدادي في صفوف
المعارضة ، ربما يكون تجسيده الابرز هو ظهور اصطفاف جديد ، يضم بشكل رئيسي دعاة
التفاوض مع النظام مثل معارضة الداخل وهيئة التنسيق وتيار الشيخ معاذ الخطيب الذي
ترأس "الائتلاف الوطني السوري" اواخر 2012.
ما يهمنا في هذا المجال هو الدور
العربي. خلال السنوات الثلاث الماضية انقسم العرب بين اقلية متعاطفة مع النظام
واخرى داعمة للمعارضة ، واكثرية نأت بنفسها عن الصراع. المؤكد ان اي تفاوض بين
طرفي الازمة سيجري برعاية واشنطن وموسكو. والمرجح ان يكون لطهران والاتحاد الاوربي
دور مباشر او خلفي. لكن الدور العربي مازال غير واضح حتى اليوم. لا اتحدث عن
مشاركة احتفالية كما جرى في جنيف 1 و 2 ، بل ادعو الدول العربية الى وضع مبادرة حل
تتضمن استراتيجية الخروج من الازمة ، واستراتيجية لاحقة لاعادة تأهيل الدولة
الجديدة التي ينتظر ان تضم كافة اطراف النزاع.
مبرر هذه الدعوة هو ان اي تطور في
الازمة السورية ، سيكون له انعكاس قطعي على الوضع السياسي في المنطقة ككل ، وسيؤثر
على التوازنات القائمة. وليس منطقيا ان تنتظر الدول العربية قسمة الاخرين كي تعرف
نصيبها.
من المفهوم ان الدعم العربي ضروري لأي
مسار تفاوضي. في الحقيقة لا يمكن انجاز حل دون هذا الدعم. لكن عدم المشاركة
الفاعلة والمبكرة ، قد يجعل دورنا محصورا في مباركة توافق الاخرين ، وربما دفع
الكلفة المادية لما يتفقون عليه. كي يكون دورنا مؤثرا يجب وضع مبادرة عربية ، ربما
تقودها دول رئيسية مثل السعودية ومصر والجزائر وتتبناها الجامعة العربية نيابة عن
المجموعة العربية.
في هذا السياق ، ادعو كلا من الدول
الثلاث المذكورة الى تعيين ممثل خاص يشارك في صياغة المشروع العتيد. وقد اقترحت هذه الدول بالتحديد لان كلا
منها لديه علاقات مع اطراف الازمة ، وهو يتمتع في الوقت نفسه بقدر من الاحترام على
المستوى الاقليمي والدولي ، وهذه مواصفات مطلوبة في اي شريك فاعل.
الوضع العربي ليس طيبا جدا. لكننا لا
نفتقر الى الكفاءة الضرورية لابداع حلول لازماتنا. ما نحتاجه اليوم هو المبادرة
والتخلي عن سياسات الانتظار التي جعلتنا شركاء في تحمل الكلف بدل ان نكون شركاء في
صنع الحلول واستثمارها.
الشرق الاوسط 18 مارس 2015 مـ
http://goo.gl/UK57Sz
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق