23/03/2016

أسس بنكا او ضع عقلك في الدرج



حسنا فعل د. حمد العيسى وزير التعليم بعرض رؤيته العامة لاتجاهات الاصلاح في النظام التعليمي وأبرز الصعوبات التي تواجه مهمته (الحياة 20-3-2016). هذه مسألة يعتبرها السعوديون اهم قضاياهم على الاطلاق.

دار معظم النقاشات المحلية في السنوات الاخيرة حول المحتوى العلمي للمناهج وكفاءتها في الاستجابة لحاجات سوق العمل. ويهمني هنا الاشارة الى جانب آخر ، هو فلسفة العمل داخل النظام التعليمي نفسه وانعكاسه على نظيره في السوق.

خلال الثلاثين عاما الماضية زاد عدد السعوديين الذين تخرجوا من جامعات غربية او درسوا تخصصات علمية بحتة داخل المملكة عن نصف مليون. لكن مازلنا نستعين بخبراء وشركات استشارية اجنبية ومقاولين اجانب في تنفيذ معظم المشروعات الكبرى.

هذا لا يدل على ان طلابنا غير مؤهلين ، بل يؤكد ان "بيئة العمل" سلبية في التعامل معهم. نجاح الاستشاري والمقاول الاجنبي لا يرجع لكفاءة موظفيه بل كفاءة منظومة العمل. تعرفت في السنوات الاخيرة على عشرات من الشبان السعوديين ، كانوا مغمورين في وظائف ثانوية  في القطاع الحكومي او في شركات محلية ، فلما انتقلوا الى شركات اجنبية ، اصبحوا "بيضة القبان". ظهرت كفاءاتهم وقدراتهم ، وباتوا العصب الرئيس لهذه الشركات.

لطالما سألت – مازحا – اصدقائي العاملين في البنوك: متى ستملك بنكك الخاص؟. هؤلاء الشبان يديرون اعمال البنك اعلاها وادناها ، فلماذا نشعر بالحاجة الى "مشرف" امريكي او بريطاني او هولندي او فرنسي؟. هذا الكلام بعينه ينطبق على معظم مقاولي ارامكو مثلا. فالمهندس السعودي يشارك في وضع المخططات ويدير تنفيذها. فمتى سنثق بقدرته على استلام العمل كاملا؟.

في "بيئة العمل السلبية" يقتصر دور الموظف على اتباع قائمة تعليمات وضعها آخرون. هذا يساوي غالبا ان يضع عقله في الدرج حتى نهاية الدوام.

اول الطريق لتصحيح بيئة العمل ، هو تطبيق مفهوم "الشورى" ، اي النظر لمجموعة العمل كفريق مسؤول عن منظومة ، يتشارك في النقاش حول اهدافها ووسائلها وحقوق اعضائها وواجباتهم ومعايير النقد والمحاسبة على تلك الاعمال.

-         هل للمدرسة او الجامعة دور في هذا؟

اشار الوزير العيسى في مقاله الى "التلقين" كمحور لعلاقة المدرسة بالطالب. وهذا في ظني جوهر مشكلة التعليم في العالم العربي ككل. يقوم التلقين على فرضية ان الطالب عنصر سلبي منفعل ، كأس فارغ يملأه الكبار.

نحن نحتاج لتعزيز الروح الجمعية في الجيل الجديد ، لكنا نواجه حقيقة مزعجة فحواها ان قيمة الفرد غفل في ثقافتنا العامة ، نعتبر الشاب مجرد "برغي" في مكينة المجتمع ، يزرعه ويديره اخرون ، ويبقى فعله ودوره مشروطا بارادة الاخرين. هذا الفهم الاعوج سائد في علاقة المعلم بالطالب وفي علاقة المعلمين بالادارة وعلاقة المدرسة بمدير التعليم والوكيل والوزير. انها سلسلة كاملة قائمة على علاقة سلبية من الادنى للاعلى.

حين ينتقل الطالب الى العمل ، فسوف يطبق ما تربى عليه ، ما ألفه وعرفه. بعبارة اخرى فان بيئة العمل السلبية هي نتاج لفلسفة سلبية بدأت في المجتمع والمدرسة.

زبدة القول ان للتعليم العام دورا مؤثرا في تصحيح بيئة العمل ، بما يؤدي الى تمكين الشباب من الامساك بمفاصل الاقتصاد الوطني ونظام الخدمات العامة. لكن هذا مشروط بتصحيح بيئة التعليم والعمل في المدرسة وفي وزارة التعليم نفسها. لا يمكن للوزارة ان تعالج مرضا في المجتمع ما لم تبدأ باكتشافه وعلاجه في جسدها الخاص. اذا اصبحت بيئة العمل في المدرسة ايجابية تفاعلية ، فسنرى انعكاسها في السوق ، والعكس بالعكس.

الشرق الاوسط 23 مارس 2016 http://aawsat.com/node/598476

مقالات ذات صلة


أسس بنكا او ضع عقلك في الدرج

 اول العلم قصة خرافية

تطوير التعليم من الشعار إلى المشروع

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

التمكين من خلال التعليم

حول البيئة المحفزة للابتكار

سلطة المدير

فتاة فضولية

المدرسة وصناعة العقل

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

التخلي عن التلقين ليس سهلا

هوية سائلة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...