12/08/2020

التعليم كما لم نعرفه في الماضي


مع اقتراب العام الدراسي الجديد ، يتكرر التاكيد على ان مستقبل البلد ومصيرها ، يتقرر في هذه المباني التي يرتادها ابناؤنا صباح كل يوم.
ولمناسبة استمرار الاحتياطات الخاصة بمواجهة وباء كورونا ، قالت الصحف المحلية ان مسؤولي التعليم يناقشون فكرة التعليم عن بعد ، لتلافي مخاطر اجتماع الطلاب في مكان واحد.
واجد في هذا مناسبة لعرض فكرة تلح على ذهني ، منذ أن ظهرت الى السطح فكرة "الثورة الصناعية الرابعة". سوف أبدأ بسؤال قرائي الاعزاء ، واعلم ان فيهم طلاب وآباء لطلاب وعاملون في قطاع التعليم. سؤالي هو: هل هناك علاقة جوهرية بين التعليم والمباني المدرسية؟.
الواضح انه حين نذكر المدرسة ، فان صورة "مبنى" المدرسة هي اول ما يقفز الى الذهن. فهل نتحدث – حقيقة – عن المدرسة ام عن مبناها. بعبارة اخرى: هل نعتقد في اعماقنا ، ان المبنى اساس العملية التعليمية ، فان لم يجتمع الطلاب فيه ، فان العملية التعليمية ناقصة او حتى منتفية؟
لعل بعض القراء سيقول في نفسه: هذا جدل لاجدوى منه ، فليس في العالم من يفكر في الاستغناء عن المباني. البعض الاخر سيقول ان ترك المبنى يشبه ترك الشركة لمكاتبها واعتمادها العمل من المنزل بشكل كامل. قاريء ثالث ربما يهمس ساخرا: لماذا لا نلغي الشوارع ايضا ، كي تسير السيارات حيثما شاءت؟!.
حسنا. انا اتفهم الاشكالات المحيطة بالموضوع. لكن دعني أطرح خلفية السؤال: من المفهوم ان انشاء المباني المدرسية ، كان على الدوام ضروريا لقيام عملية تعليمية منتظمة وموحدة. لكن هذا المفهوم يرجع الى عصر سابق ، يوم كان العالم جزرا متباعدة جدا. اما عالم اليوم فهو اقرب الى قرية متواصلة. من ناحية اخرى فان حضور المعلم مع الطلبة في غرفة واحدة ضروري ، يوم كان توصيل المادة والفكرة رهن بالنقل المباشر من شخص الى شخص ، وكانت متابعة المعلم للطلبة تقتضي التأكد من مذاكرتهم ، وادائهم للامتحان ورؤية اوراقهم وتصحيحها. وكان انضباط الطالب والتزامه ، يتجلى في سجل الحضور والغياب.
لكن العالم اليوم لم يعد كعالم الامس. ان العملية التعليمية آخذة في التحول بشكل جوهري ، فلم يعد دور المعلم كما كان في الماضي ، ولا الكتاب المدرسي ولا الادوات المساعدة ولا فكرة الانضباط. ومن هنا فاننا بحاجة الى مناقشة موضوع جديد ، دعني اسميه "التعليم الموازي للثورة الصناعية الرابعة" اي التعليم المتوائم مع احتياجات مستقبل العالم.
يهمني جدا التمييز بين هذا المفهوم وبين المفهوم الذي يناقش في الصحف ، اي الذي يركز على التعليم عن بعد ، تلافيا لمخاطر وباء كورونا. ما اقترحه لا يرتبط بموضوع كورونا ، رغم ان هذا الوباء الكريه قد وفر الارضية اللازمة لطرح الفكرة وتنفيذها. انني ادعو للبحث عن منهجية تعليم تعتمد فلسفة جديدة ، مختلفة عما اعتدناه حتى الآن. في إطار هذه المنهجية ، يمكن ان يلعب "المبنى" دورا ، لكن: أ) لا ينبغي ان يكون هو المحور ، بحيث تتعطل الدراسة اذا تعطل المبنى. ب) وان لايكون للمدرسة مبنى واحد قسري. المدرسة هي اي مكان يجتمع فيه الطلاب: ربما في شارع ندرس فيه التخطيط العمراني ، أو مسجد ندرس فيه الثقافة الاسلامية ، او متحف للتاريخ ، او جبل ندرس فيه طبقات الارض او مصنع او معسكر او مستشفى ..الخ.
احسب ان المفهوم قد اتضح الان. ولعلي اعود لتفصيل بعض النقاط في وقت لاحق.
الشرق الاوسط الأربعاء - 22 ذو الحجة 1441 هـ - 12 أغسطس 2020 مـ رقم [15233]  
 https://aawsat.com/node/2443051/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...