19/09/2018

قادة الغرب يقولون دمروا الاسلام ابيدوا اهله


  ظهرت الطبعة الاولى من كتاب "قادة الغرب يقولون: دمروا الاسلام ابيدوا اهله" أوائل 1974 حين كانت مشاعر العرب تجيش بالحماس والتفاؤل ، اثر انتصارهم على الجيش الاسرائيلي في حرب رمضان المجيدة. وفي هذه الاجواء الساخنة ، حقق الكتاب انتشارا واسعا بين الشباب المتعطش لكل شيء يساعد في توكيد الذات.
بعد عقدين علمنا ان مؤلف الكتاب لم يكن "جلال العالم" كما يظهر على الغلاف ، بل عبد الودود يوسف. وهو كاتب سوري يرجح انه قتل في 1983. اشتهر الكتاب في النصف الثاني من الثمانينات ، حين وزع مجانا في المكتبات المدرسية والتجمعات الدينية ، واعتبر جزء من الخطاب الديني السائد يومئذ.
يتألف الكتاب من 60 صفحة ، مليئة بأقاصيص تشبه ما يتداول هذه الأيام في مجموعات الواتس أب. فمصادرها غير متخصصة وفقيرة من حيث المستوى العلمي والمنهجية. كما ان المنقول محور على نحو يخرجه تماما من سياقه الاصلي.
بيت القصيد ليس الكتاب نفسه. بل الوظيفة التي شغلها ضمن النسق العام للتوجيه الديني ، خلال العقدين التاليين لحرب اكتوبر 1973. وأخص بالذكر الجانب المتعلق باعادة تشكيل الهوية الدينية/القومية. شهدت هذه الحقبة تحولا عميقا في ذهنية الشباب العربي ، باتجاه نوع من الوعي الجمعي ، يلبس رداء الدين ، ويعبر عن نفسه على نحو شبيه باللغة المألوفة في التراث الديني.
نعرف من تاريخ المجتمعات ، ان جميع تحولاتها الكبرى دفعت الى السطح بسؤال: من نحن؟. وهو سؤال يستدعي بالضرورة تعريف الاخر المختلف ، وتحديد المسافة بين الطرفين ، اي طبيعة العلاقة القائمة بينهما فعليا ، والبدائل المقترحة. وفي هذا السياق فان علاقة المسلمين بالغرب كانت أبرز شواغل المثقفين والدعاة في تلك الحقبة. ونعلم ان الجواب الذي جرى اعتماده هو اعتبار الغرب عدوا تاريخيا على كل المستويات.
كان أبو الحسن الندوي ، وهو منظر بارز لثقافة تلك المرحلة ، قد بدأ بتأييد رؤية محمد اسد ، التي  تقترح الانفتاح على التيارات العلمية في الغرب. لكنه عاد في كتابه "الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية" للتأكيد على انه ليس لدى الغرب ما يستحق العناء. هذا التوجيه الذي عرض بلغة لينة نسبيا ، تراه ايضا عند الشيخ محمد الغزالي وآخرين.
جلال العالم (عبد الودود يوسف)
اما جلال العالم فاختصر الطريق ، مقتصرا على عرض صور مرعبة ، على شكل اقاصيص تجمع المتناقضات. منها مثلا ما ينسبه الى شاهد عيان عن تعذيب عالم دين مسلم ، على يد محقق الماني نازي ، في سجن يديره ضابط يهودي ، في بلد مسلم. ثم يعلق بان حكومة هذا البلد اطلقت يد الضابطين اليهودي والالماني ليفعلا ما يحلو لهما بعلماء المسلمين. الطريف في القصة ، ان اسم العالم المذكور لا يظهر في اي وثيقة تاريخية ، كما ان المؤلف أغفل اسم البلد الذي شهد الحادث. ومثل ذلك بقية القصص التي لا تختلف في السياق والرسالة.
تم تدوير مثل هذه القصص في عشرات المقالات والخطب. وكانت تلقى كحقائق مسلمة ، اعتقد انها ساهمت في صياغة الجواب على سؤال "من نحن" سيما عند الجيل الذي تشكل وعيه في تلك الحقبة.
يظهر لي ان الجيل الجديد يتخلص بالتدريج من هذه الاثقال. لكن المؤكد ان بعضها لازال عالقا في الاذهان. وهو ينبعث من جديد كلما حدثت قضية ذات علاقة ، الأمر الذي يؤكد حقيقة ان السؤال الأصلي ، اي سؤال العلاقة مع العالم ، مازال موضع جدل ولم يحظ بجواب أخير.
الشرق الاوسط الأربعاء - 9 محرم 1440 هـ - 19 سبتمبر 2018 مـ رقم العدد [14540]
https://aawsat.com/node/1399976

مقالات مماثلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...