طيلة ثلاثين عاما (1978-2012) حاول الرئيس السابق علي صالح استعادة
السيطرة على المناطق القبلية التي كانت – تقليديا – خارج سلطة الدولة. لكنه في
نهاية المطاف نجح فقط في جعل نفسه القوة الاكبر بين قوى متعددة ، واقناع الجميع
بأنه الخيار الاقل سوءا بين مجموع المتنافسين على السلطة. كانت الثورة الشعبية
فرصة لتغيير هذا الميزان الذي استقر نسبيا منذ 1994 ، حين اثمرت الحرب الاهلية عن اضعاف
ابرز منافسي الرئيس ، اي الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب وحزب الاصلاح في
الشمال.
يعرف دارسو العلوم السياسية ان الثورات الشعبية والصراعات الاهلية تؤدي
دائما الى قلب موازين القوى: اقوياء الامس يضعفون وضعفاء الامس يستقوون ، كما تولد
قوى جديدة من رحم الصراع. حصل هذا في مصر وليبيا وتونس وسوريا والعراق ، وجميع
الاقطار التي مرت بتجارب مماثلة. لكن هذا التغيير يبقى غالبا في الشارع ، ولا
ينعكس على تشكيل الحكومة. ذلك ان النخب القديمة وحلفاءها في الاعلام والجيش
والاقتصاد وحتى في المؤسسات الاجتماعية يعيدون انتاج قوتهم السياسية في اطار يناسب
التحولات الجديدة. تتمتع النخب القديمة بخبرات متراكمة في العمل السياسي والقيادة.
اما القوى الجديدة فهي تحسن تنظيم الاحتجاجات لكنها لا تجيد ترجمتها الى قوة
انتخابية. في مصر مثلا ، كان الشباب صناع ثورة يناير 2011 ووقودها ، لكنهم فشلوا
في تحقيق اي مكسب مهم في الانتخابات التالية للثورة. كذلك الحال في العراق بعد
2003. واظن هذا سببا رئيسيا لاستمرار الفوضى والتوتر في هذا البلد.
في ينايرالماضي انتهى مؤتمر الحوار الوطني في اليمن بعد عشرة اشهر من
النقاش حول صورة النظام السياسي الجديد. علق اليمنيون آمالا عريضة على نتائج
الحوار ، باعتبارها اساسا لما يعرف في العلوم السياسية بالاجماع الوطني الجديد. ولأنها
شكلت نوعا من الاقرار الجمعي بتغير التوازنات السياسية وضرورة استيعاب القوى
الجديدة والمهمشة. لكن الواضح ان النخب القديمة واصلت محاولاتها للالتفاف على تلك
النتائج ، فلم تفلح الحكومة في تطبيقها رغم مرور ثمانية اشهر.
سيطرة الحوثيين على صنعاء كشفت عنصرا جديدا في الصراع الاهلي: استمرار هيمنة النخب القديمة على
المشهد السياسي قد يدفع القوى المهمشة الى اعاقة الدولة. الامساك بمراكز القيادة
والقرار لا يعني بالضرورة سيطرة موازية على الارض. واذا قرر المنافسون خوض الصراع
، فقد يجد القائد نفسه مثقلا بالاوصاف والنياشين ، لكن من دون سلطة على الارض.
ليس ثمة حلول سهلة للازمة اليمنية. والحل لن يكون محليا بالكامل. اعتقد ان
الحل يبدأ باستيعاب القوى الجديدة ، سيما الحوثيين والحراك الجنوبي وشباب الثورة ،
في منظومة القرار السياسي والقوات المسلحة. كما اعتقد ان اليمن بحاجة الى حلفائها
التقليديين ، سيما المملكة ومصر ، للعب دور الوسيط والضامن لما يجري من تفاهمات
تجنب المنطقة ويلات وآلاما ، فيما لو تطاولت الازمة وتفكك الجيش والدولة.
الاقتصادية 30 سبتمبر 2014
http://www.aleqt.com/2014/09/30/article_892078.html