‏إظهار الرسائل ذات التسميات الخلافة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الخلافة. إظهار كافة الرسائل

05/07/2017

تجنبا لداعش أخرى: اربعة عوامل للوقاية



؛؛ أربعة عوامل هيأت لظهور داعش: الهوية المتأزمة ، تعثر التنمية ، غياب الحريات والمشاركة الشعبية ، وجمود الفكر الديني؛؛

سقوط تنظيم "داعش" في الموصل ، وفر فرصة لبعض المعلقين لتكرار القول بان داعش لم ينته ، طالما بقي الفكر الذي ولد في رحمه. من يتبنى هذه الرؤية ، ينظر الى داعش كتنظيم مغال في العنف والتشدد لا اكثر ، وان الفكر هو الذي يحول الانسان العادي الى قاتل. التحول الفكري يتمثل تحديدا في تبني نحلة او مذهب متشدد.

لكني انظر من حولي فأرى آلافا من الناس يحملون نفس القناعات ، لكنهم يعيشون في سلام مع العالم. "داعش" ليس مجرد تنظيم عنيف. بل نموذج معياري لمفهوم ومشروع سياسي ، يختلف كليا عن بقية الجماعات التي تشاكله ظاهريا. يتألف هذا النموذج من اربعة أجزاء متكاملة:
1- الخلافة التي تذكر باعتقاد سائد فحواه ان التاريخ عجلة تدور باستمرار حول نفس المحور ، وان ما أصلح حال المسلمين في الماضي سيصلحهم في الحاضر.
2- القوة الباهرة وممارسة الحسم في حده الاعلى. وهو الذي جعل التنظيم ودولته قضية ضخمة تشغل العالم. هذا الانشغال ملأ فراغا موحشا عند شريحة واسعة من المسلمين ، تشعر بان العالم لا يهتم بها ولا يقيم لها وزنا.
3- الانتصارات المتلاحقة خلال مدى زمني قصير. وهو يغذي اعتقادا عميقا بان من يملك مصدر قوة خفي (ربما يكون غيبيا او نوعا من الكرامات الخاصة) فانه سيكمل مهماته بنفسه ولا يحتاج للتفاوض مع أحد.
4- مشروع عابر للحدود والقوميات ، يفسح مجالا لأي مسلم من أي مكان ، كي يسهم في اعادة ما يعتقدون انه دولة الاسلام.
لا يؤمن الناس بهذا  المشروع النموذجي لأنهم ينتمون الى مذهب متشدد ، او لانهم يحملون افكارا متشددة. بل لأنهم – من جانب - يعيشون أزمات كبرى في أنفسهم وفي أوطانهم ، أزمات اقتصادية او اجتماعية او سياسية. ولانهم – من جانب آخر – يرون التساقط المتوالي للحلول والبدائل التي ظنها الناس حلولا ممكنة لتلك الأزمات. الفشل المتوالي هو الذي يعيد احياء الفكرة القائلة بانه "لا يصلح آخر الأمة الا بما صلح به أولها" ، حيث تشكل عودة الخلافة عمودها الأول.

هذا هو السر في تميز مشروع "داعش" بميزتين مؤثرتين ، أولاهما ان الذين التحقوا به جاؤوا من مذاهب وقوميات شتى ، وبعضهم لم يكن في الاساس متدينا ، اي ان الحاضن الاجتماعي للمشروع ليس مركزيا محصورا في نطاق اجتماعي محدد. والثانية ان شريحة مهمة ممن راقب هذا المشروع من خارجه لا يؤيدون داعش ، لكنهم في الوقت نفسه لا يستبعدون نجاحه. بل ربما شعروا بالسرور لما حقق من انتصارات ، حتى لو لم يكونوا مستعدين للاسهام فيها.
حين اعلنت دولة الخلافة في الموصل ، كتبت انها قصيرة العمر مستحيلة النجاح ، لانها ضد حركة التاريخ. لكن المهم الآن هو مراجعة الاسباب التي تجعل العالم العربي مهيأ لظهور نموذج كهذا. وأراها محصورة في أربعة عوامل: الهوية المتأزمة ، تعثر التنمية الاقتصادية/الاجتماعية في مفهومها الشامل ، غياب الحريات المدنية والمشاركة الشعبية في القرار ، وأخيرا جمود الفكر الديني وعدم تفاعله مع متغيرات العصر.
هذه العوامل الأربعة ساهمت في إفشال كل مشروع مستقبلي بديل ، وعمقت الشعور بالاحباط بين الجمهور العربي. وبالتالي وفرت الفرصة والشرعية للحلول المستوردة من التاريخ. ومن هنا فان المصل الوحيد للوقاية من ظهور مشاريع شبيهة لمشروع داعش (او ربما اكثر سوء منه) هو التعامل الجاد مع تلك العوامل.
الشرق الاوسط  05 يوليو 2017 
http://aawsat.com/node/967121

مقالات ذات علاقة

01/07/2015

الحل يبدأ في الموصل

 

  ربما ننشغل كثيرا في البحث عن كلمات مناسبة لإدانة المجزرة ، التي ارتكبها تنظيم داعش في مسجد الإمام الصادق في الكويت. وعلى أي حال فقد فعلنا شيئا كهذا بعد الحادث المماثل في الأحساء قبل تسعة أشهر، ثم في القطيف والدمام.


حقيقة الأمر أن بعضنا يضع يده على قلبه خائفا ، من أن تأتي الجمعة التالية بمجزرة مماثلة في مسجد ما، في هذه المدينة أو تلك. بعض المتحدثين قال: إن «داعش» بدأ للتو في استهداف المجتمعات الخليجية. وهذا تقدير غير دقيق، فقد حاول سابقا، وحاول تكرارا. ونحمد الله أن مجتمعات الخليج وحكوماتها ما زالت مصممة على مقاومة هذا الوحش الأعمى.

أظن أن الهدف المباشر لتنظيم داعش ، هو التشكيك في قدرة النظام الاجتماعي على الصمود أمام العواصف الصغيرة. وهذا تمهيد ضروري كي يتخلى الجمهور عن إيمانه بالنظام العام والجماعة الوطنية، ويستبدل بها مبدأ «حارة كل من ايدو الو» حسب تعبير دريد لحام في واحدة من مسرحياته القديمة. هذه الحارة مثال لمجتمع مفكك يأخذ أعضاؤه حقهم بعضلاتهم وليس بالقانون، ويحكمه حملة السلاح وليس الإجماع الوطني أو الإرادة العامة، كما هو شأن الدول الحديثة والمجتمعات المتمدنة.

بعد عام كامل من إعلان «داعش» دولته المزعومة في الموصل، لم يعد ثمة شك في أن الدماء والخراب هي الوعد الوحيد لهذا التنظيم المتوحش. لا زلت واثقا أن مجتمعات الخليج ستقاوم هذا التوحش. لكني في الوقت نفسه أشعر – مثل جميع الناس – بأن علينا أن لا نستهين بقدرته على التمدد في أوصالنا وثنايا مجتمعاتنا. لقد قيل الكثير عن الثغراث وخطوط الانكسار التي يتسرب منها هذا الوحش. وعلينا أن نواصل البحث الجاد والعمل الجاد لسد تلك الثغرات.

لكن لعل من اللازم اليوم أن نتجه إلى رأس الأفعى أيضا، وأعني بها تنظيم داعش في العراق، وفي مدينة الموصل على وجه التحديد. في الأربعينات الميلادية كانت حركات التحرير الماركسية تتحدث عن الدولة - القاعدة كضرورة لتدعيم وتعزيز انتشار تنظيماتها في المجتمعات الأخرى. ويعرف جميع أصحاب التجارب الحركية أن وجود سلطة حليفة مستقرة على أرض، توفر دعما عظيما، ماديا ونفسيا وسياسيا، للتمدد والانتشار.

صحيح أن «داعش» تمدد في مساحة واسعة من الأرض السورية، فضلا عن انتشاره المادي في العراق وليبيا، وربما غيرهما. لكن «داعش» العراق هو الرأس وهو مصدر الخطر الحقيقي. «داعش» السوري ليس مستقرا ولا مستقلا عن عاصمته في شمال العراق. ولهذا فإن القضاء المبرم على هذا التنظيم يبدأ من رأسه أي من عاصمته في الموصل.

منذ احتلال هذه المدينة نهاية يونيو (حزيران) 2014 حاول العراقيون جهدهم، ولم يفلحوا في القضاء على رأس الأفعى. يمكننا أن نقول الكثير في فشل الحكومة العراقية وأسباب إخفاقها والمبررات التي طرحت لتركها وحيدة تصارع مشكلاتها. لكن الحقيقة الماثلة أمامنا اليوم تخبرنا ببساطة أن كل يوم إضافي يمضيه التنظيم في الموصل، يزيده قوة وقدرة على التمدد، ليس في العراق فحسب، بل في الخليج وشمال أفريقيا وصولا إلى أوروبا.

إنني أدعو دول الخليج خصوصا والدول العربية عموما إلى الوقوف صفا واحدا مع الحكومة العراقية، وتنظيم حملة كاسحة للقضاء على هذا التنظيم في العراق.

في رأيي أن تبادل اللوم مع العراق وكيل الاتهامات لحكومته، مهما كانت صحيحة أو جدية، ترف لا يحتمله الموقف الحرج القائم اليوم. لو واصلنا سياسة التفرج والانتظار فقد نضطر لمحاربة التنظيم، ليس في الموصل، بل في كل شارع ومدينة على امتداد الخليج.

دعونا إذن نصغي لدعوة الإمام علي بن أبي طالب «اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا».

حتى أسابيع قليلة كانت الموصل تبدو بعيدة جدا عن حدودنا، وكان «داعش» مجرد تهديد يلوح في الأفق. أما اليوم فالواضح أن المسافات طويت، وأصبح «داعش» تهديدا داهما وجديا. وقد رأينا فعله رأي العين في الكويت والسعودية وفي تونس ومصر، ولا نعلم أي هدف آخر سينضم إلى هذه القائمة خلال الأسابيع التالية.

رأس الأفعى يوجد في الموصل والقضاء على تهديد «داعش» يبدأ في الموصل. والطريق إلى ذلك هو الاصطفاف مع الحكومة العراقية، مهما كانت سيئة أو ناقصة أو معيبة، الاصطفاف معها في مهمة محددة، هي القضاء المبرم على إعصار التوحش الذي يوشك أن يقضي على مكاسب قرن من المدنية والنظام في بلادنا وجوارها.

الشرق الاوسط الأربعاء - 14 شهر رمضان 1436 هـ - 01 يوليو 2015 مـ رقم العدد [13364]

https://aawsat.com/node/396766

24/12/2014

يوم رحب الناس بالخلافة


التمدد السريع لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على مساحات شاسعة في سوريا والعراق ، وانضمام الاف المقاتلين الى صفوفه ، يكشف عن ظرف اجتماعي متأزم ، مستعد للترحيب بأي قوة ترفع شعارا مواتيا ، او على الاقل غير مبال بانهيار الدولة القائمة وحلول جماعة مسلحة مكانها.
صحيح ان النزاعات الاهلية توفر مثل هذه الفرص في أي مكان. لكن هذا لا يحدد المسؤولية عن العوامل التي تدفع الناس للترحيب او عدم الاكتراث بتطور من هذا النوع. كما لا يحدد مستوى وطبيعة النزاع الذي يسمح بظهور نظائر لتنظيم "الدولة". بعبارة اخرى فنحن امام سؤالين ، اولهما: هل هناك ظرف آخر غير الحرب الاهلية يمكن اعتباره مواتيا لظهور جماعات مسلحة نقيضة للدولة؟. والثاني: اذا كان ظرف النزاع الاهلي هو الوحيد الذي يعتبر مواتيا ، فهل ثمة نوع معين من الصراعات الاهلية او مستوى معين نعتبر الوصول اليه ضروريا لظهور تلك الجماعات؟. الاجابة على هذين السؤالين سوف تمهد ايضا لتحديد بعض الحلول الممكنة ، ولا سيما تحريك الظرف الاجتماعي باتجاه جعله ممانعا لانتشار جماعات كهذه او لافظا لها.

يكشف مثال الجزائر (1997-2001) والصومال (1991-1997) عن مفارقة جديرة بالاهتمام ، وهي بقاء "الايمان بالدولة" في الحالة الاولى وغيابه في الثانية. واظن هذا اهم الاسباب التي جعلت الجزائر قادرة على اطلاق مشروع حل سياسي تمثل في قانون الوئام الوطني لعام 1999 ، بينما فشلت كافة مبادرات الحل السياسي السلمي في الصومال. الايمان بالدولة يعني تحديدا الاقتناع العميق عند عامة الناس بان حكومتهم ضرورية لحياتهم وانها تقوم فعليا بما يتطلبه هذا الدور. يتلاشى هذا الايمان اذا توقفت الدولة عن القيام بواجباتها او انحازت بشكل مفرط الى طرف اجتماعي ضد بقية الاطراف ، او فشلت لوقت طويل في معالجة مشكلات البلد الملحة.
في مقالته الشهيرة "التنمية السياسية والتفسخ السياسي-1965" ركز صمويل هنتينجتون على ما يسميه ظرف انفجار التطلعات ، وفشل الدولة في الوفاء بالوعود التي ترفع سقف توقعات الجمهور ، ويعتبره ابرز العوامل التي تنشر الاحباط في المجتمع ، وربما تمهد الطريق امام تحولات دراماتيكية ، مثل الاستيلاء على الدولة. واحتمل ان هذا هو السر وراء نجاح داعش في السيطرة المباغتة على محافظة الموصل العراقية منتصف يونيو الماضي. فرغم وجود الدولة وقواتها ، الا ان النزاعات السياسية المريرة في السنوات الماضية قضت تماما على الثقة المتبادلة بين الدولة المركزية والمجتمع. وتكرر هذا الامر في محافظة تكريت التي نعرف ان شريحة واسعة من سكانها شاركت قوات داعش في اسقاط مؤسسات الدولة.
لم يكن ثمة حرب اهلية فعلية في العراق كحال سوريا ، ولم تكن الدولة غائبة. الغائب الحقيقي كان الايمان بالدولة القائمة وانهيار الثقة بينها وبين مواطنيها. وهي حالة قد تظهر حتى في الدول القوية. ترى هل نستطيع تطوير وسيلة لقياس مستوى "الايمان بالدولة" في كل مجتمع عربي؟. هل نستطيع كعرب مصارحة انفسنا بالعوامل التي تؤدي الى تعزيز هذا الايمان او اضعافه؟. 
الشرق الاوسط  24  ديسمبر 2014 

مقالات ذات علاقة

15/07/2014

احتواء الخطاب المتطرف


ستمر بضعة اسابيع ثم تتراجع الموجة الداعشية كما حدث لاخواتها من قبل. هذه طبيعة الامور في بلدنا وفي سائر البلدان. لكن هذي ليست نهاية القصة. فكل حادث يخلف اثرا في النسيج الاجتماعي ، سطحيا او عميقا. ويهمنا اليوم التامل في الاجراءات الوقائية التي تتناول بصورة خاصة البيئة الاجتماعية التي يحتمل ان تمد تيار العنف بالقوة البشرية والمادية.
طبقا لما نعرفه عن المجموعات العنيفة التي ظهرت في منطقة الشرق الاوسط ككل ، فان ابرز نقاط قوتها تتمثل في القدرة على استثمار نسق ايديولوجي ، وخصوصا ديني او مذهبي ، استثمار مقولاته باعادة تفسيرها على نحو يبرزها كجواب على عوامل الاحباط القائمة في المحيط. بعبارة اخرى فان الاحباط والايديولوجيا يتفاعلان لانتاج أمل جديد يعيد للشاب المحبط ثقته بنفسه وقدرته على تحقيق مراداته. الداعية المتطرف لا يقول للشاب ان الصلاة في المسجد هي التي ستجعله ناجحا ، بل يعرض له نماذج عن الاشخاص الذين اكتشفوا ذواتهم وتحولوا من اصفار على هامش الحياة الى ارقام في قلب المجتمع والحياة حين انضموا الى الجماعة المتطرفة. اكتشاف الذات وتحقيق الذات يأتي هنا متوازيا مع شعور داخلي عارم بالرضى عن الذات وضمان رضا الله ايضا.
مهمة دعاة التطرف ليست صعبة لانهم يستثمرون القناعات الدينية التي يجري شحنها في عقول وقلوب الشباب منذ الطفولة حتي اخر العمر. بعبارة اخرى فالشاب يسمع ذات اللغة والمفاهيم التي يقولها الجميع ، لكنه يضعها في اطار مختلف ويعطيها تفسيرا مختلفا تؤدي غرضا معاكسا لما يريده معلم المدرسة او خطيب المسجد مثلا.
العلاج اذن ليس في الغاء التربية الدينية او الوطنية ، بل في تغيير النسق الاحادي الذي اعتدنا عليه منذ عقود ، اي اقرار التعددية الثقافية والدينية والحياتية ، واستبعاد العناصر التي تصف الاراء والمناهج المختلفة باعتبارها بدعا او كفريات او خروجا عن الدين. ويستتبع ذلك فتح المجال امام الرموز الثقافية والاجتماعية التي تقدم خيارات موازية في فهم الدين واهدافه ، ولا سيما تلك التي تتبنى خطابا يعزز الامل في الحياة والمستقبل.
اما الخط الثاني فيركز على معالجة بواعث الاحباط ، ولعل ابرز تمثيلاته هي دعم المناشط الاجتماعية الاهلية ، سيما تلك التي يقيمها الناس بانفسهم لانفسهم من دون تدخل الدولة وبيروقراطييها. اني اشعر بالاسف لان نظام الجمعيات الاهلية الذي كان ينبغي اصداره في بداية 2011 لازال الى اليوم حبيس الرفوف في مجلس الوزراء ، واظن انه كان سيلعب دورا فعالا في استيعاب الهموم  وفائض الحركة الذي هو سمة للمجتمعات الشابة كالمجتمع السعودي.
زبدة القول ان التعامل الجاد مع احتمالات تمدد الايديولوجيا الداعشية ونظائرها يتطلب قرارات صعبة ، لكن الامر ما عاد يحتمل التردد أو التأجيل وعلينا ان نبادر اليوم قبل فوات الاوان.
الاقتصادية 15 يوليو 2014
http://www.aleqt.com/2014/07/15/article_867319.html
مقالات ذات علاقة
·         فلان المتشدد
·         ثقافة الكراهية
·         تجريم الكراهية
·         تجارة الخوف
·         في انتظار الفتنة
·         العامل السعودي

·          

01/07/2014

في مواجهة التيار الداعشي


اعلان داعش عن دولتها وتنصيب زعيمها خليفة للمسلمين ، يمثل نقطة تحول كبرى تستدعي حسم الخيارات: مع نمط الحياة الذي يمثله التيار الداعشي او نمط الحياة الذي اختاره المجتمع بارادته. لقد جربنا العيش كما نريد وعلمنا عن نمط العيش الذي ارادته داعش في العراق وسوريا وشقيقتها طالبان من قبلها. 
داعش ليس فزاعة صنعتها طهران او دمشق او واشنطن كما حاول البعض ايهامنا. حوادث العقدين الماضيين علمتنا ان هذا التيار لا يستطيع العيش الا منفردا متحكما في محيطه. لا يتعلق الامر بهزيمة الشيعة كما يود البعض ، ولا بالمشاركة في السلطة كما يتمنى آخرون. اجتهد الجزائريون عقدا كاملا لاقناع زعماء هذا التيار بترك العنف والمشاركة في الحياة السياسية. كذلك حاولت الحكومة الافغانية لما يزيد عن ثمان سنين. وتكرر الامر في الصومال. لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل التام. هذه تجارب تكفي لاستنتاج ان التيار الذي تمثله داعش ، لا يرى نفسه مدينا لاحد ولا شريكا لاحد ، ولا جزءا من اي عملية سياسية طبيعية. هذا تيار يتمثل مقولة اسامة بن لادن المشهورة في 2001 "هذه الأحداث قد قسمت العالم بأسره إلى فسطاطين ، فسطاط  ايمان لا نفاق فيه وفسطاط كفر أعاذنا الله وإياكم منه ". والرسالة التي ينطوي عليها هذا القول هي ببساطة: اما ان تكون جنديا في صفوفنا والا فانت في فسطاط الكافرين.
قبل بضعة ايام نشرت على الانترنت خريطة تظهر ان قوات داعش اصبحت على بعد 60 كيلومترا من الحدود السعودية. واعلم ان هذه كذبة واضحة ، هدفها استثمار القوة الظاهرة للتشكيك في شرعية الانظمة الاجتماعية القائمة. لكن على اي حال فانه لاينبغي التهوين من خطر داعش او اخواتها ، على السلم الاهلي والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط باكملها. وعلى حكومات المنطقة ان تأخذ الموضوع بمنتهى الجدية ، قبل ان يصبح الخطر على ابوابها او ربما اقرب.
وفي ظني ان الخطوة الحاسمة لمواجهة خطر التيار الداعشي هو حسم الخيارات باتجاه الحداثة الصريحة واستيعاب المتغيرات الثقافية والاجتماعية الناتجة عن تحولات الاقتصاد وانضمام الاجيال الجديدة الى ساحة الفعل الاجتماعي. لن نستطيع مقاومة المد الداعشي بالاعتماد على سياسات الاحتواء والاستيعاب القديمة ، ولن نستطيع صيانة السلم الاجتماعي والتطور المنتظم من دون تحولات كبيرة في اتجاه المشاركة الشعبية في صناعة القرار وتحقيق اكبر قدر من الرضا العام عن سياسات الدولة.
لن تصل داعش الى الحدود السعودية اليوم ولا بعد خمس سنين. ولا ينبغي ان نخدع انفسنا بهذا الخطر المتوهم. الخطر الواقعي يكمن في امكانية احتلال داعش لقلوب الناس من خلال التشكيك في شرعية النظام الاجتماعي ونمط الحياة القائم. ولهذا نحتاج الى حسم خياراتنا ، اليوم وليس غدا. واظن ان المشاركة الشعبية في صناعة القرار هي اول الطريق.
الاقتصادية 1 يوليو 2014
http://www.aleqt.com/2014/07/01/article_863117.html
مقالات ذات علاقة
·          خيار الصفر
·          فلان المتشدد


اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...