سيطرة حماس على قطاع غزة
سيقود الى نهاية حماس الاسلامية، و بداية حماس الفلسطينية، اي نهاية الحركة التي
قامت لمقاومة الاحتلال وبداية الحركة التي تعمل في السياسة كوظيفة أو «أكل عيش»
كما هو شأن جميع التنظيمات الفلسطينية الاخرى.
ماذا تستفيد حماس من السيطرة
على قطاع غزة غير تأكيد كونها حزبا حاكما ؟. لكن حماس لم تتأسس – كما يقول ميثاقها
- كي تحكم بل كي تقاوم الاحتلال. وحتى اذا قررت اليوم التحول الى حكومة، فان
فرصتها لاقامة حكم ناجح معدومة تماما بل مستحيلة. ويكفيها تجربة الاشهر الماضية
وما جرى فيها كي تتأكد ان النوايا وحدها لا تكفي لاقامة حكومة فعالة. الحكومة
الفلسطينية ليست خيار الفلسطينيين، بل هي مركب من إرادات دول عديدة مؤثرة، اضافة
بالطبع الى اللاعب الرئيس اي اسرائيل.
اراد الفلسطينيون حكومة تقودهم نحو
الاستقلال، وارادت تلك الدول حكومة تقرأ الفاتحة على ما بات يعرف بالقضية
الفلسطينية، اي تحرير الاراضي المحتلة وعودة اللاجئين. خيار الفلسطينيين مجرد حلم
لا نرى في الساحة من يرغب في حمل اعبائه. فالتنظيمات الفلسطينية على اختلاف
مسمياتها وايديولوجياتها قررت من دون مواربة الاكتفاء بالبضاعة المعروضة، اي ثلث
فلسطين التاريخية. وما جرى من توافقات واتفاقيات، ابرزها اتفاقية اوسلو، هي اعلان
عن قبول منظمة التحرير بذلك الثوب ايا كانت التحفظات الجزئية عليه.
مشاركة حماس في الانتخابات
التشريعية اوائل العام الماضي ثم تشكيلها الحكومة هو قبول ضمني بالارضية التي يقوم
عليها النظام السياسي الفلسطيني. القبول بفلسفة اتفاق اوسلو وما ترتب عليه ادى
بالطبع الى تكييف نفسي لاعضاء حماس وقادتها، وهو ما تجلى حين وافقت على وقف
الهجمات الفدائية على اسرائيل، وحولت جهدها العسكري من المقاومة الى ضبط الامن في
الشارع الفلسطيني، شأنها في ذلك شأن اي حكومة اعتيادية.
هذه التحولات هي مقدمة منطقية
لانخراط حماس في الصراع على السلطة مع فتح، منافسها الرئيس. لكن ما فعلته في هذا
الصراع فاق كل توقع بعدما اقدمت على تقسيم الاراضي الفلسطينية. المشهد السياسي
الفلسطيني هو اليوم اسوأ مما كان في اي وقت سابق.
فشرعية المقاومة اصبحت موضع شك،
والبدائل التي يمكن للناس ان يعلقوا عليها امالهم مشغولة بالسلطة والحرب من اجلها،
والمواطن الفلسطيني الذي كان يظهر على شاشات التلفزيون فيما مضى مدافعا عن خيار
المقاومة ومتحديا ماكينة القتل الاسرائيلية، اصبح اليوم مهموما بلقمة عيشه وسلامة
اولاده المهددين ببنادق فتح وبنادق حماس على حد سواء. لم يعد الفلسطيني متحديا كما
اعتدنا عليه، بل كست ملامحه سيماء الاحباط والقرف والهوان.
لن تتحول غزة الى قاعدة
للامارة الاسلامية كما يحلم الفرحون بخطوة حماس الاخيرة، ولن تعود حماس الى مقاومة
الاحتلال كما يعدنا قادتها. بل ستنشغل بالدفاع عن سلطتها وستكابد آلام الحصار
الفلسطيني والحصار العربي والحصار الاسرائيلي والحصار الدولي، بدرجة مكثفة عن
النموذج الذي رأيناه خلال العام المنصرم. كل هذا سيأكل من رصيد حماس الشعبي ومن
حماسة اعضائها. لكن ما نخشاه حقيقة هو ان يؤدي ذلك المنزلق الى تفككها، اي نهاية
القوة الوحيدة التي بدت لفترة انها امل الفلسطينيين الوحيد في الاستقلال والكرامة.
لم يعد ثمة حل، كل ما هناك
هو مخارج اضطرارية لتقليل الخسائر، ولعل ابرز هذه المخارج هو تخلي حماس عن السلطة
وتسليم غزة الى القوى الفلسطينية الاخرى عدا فتح. مثل هذه الخطوة ستحدث دمارا هائلا
في بنية حماس، لكنها على الاقل سوف تنقذها من احتمال التفكك والانهيار الكلي.
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070620/Con20070620119518.htm
عكاظ الأربعاء
05/06/1428هـ -- 20/ يونيو/2007 العدد :
2194
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق