02/06/2007

اول تقرير وطني عن حقوق الانسان في المملكة


 رغم ما اتسم به من تعميم واضح، فان التقرير الاول عن حالة حقوق الانسان في المملكة يعد وثيقة هامة، يمكن ان تشكل قاعدة للكثير من النقاشات، سواء على المستوى القانوني – التشريعي او على المستوى السياسي. رسم التقرير الذي اصدرته الجمعية الوطنية لحقوق الانسان صورة بانورامية تسلط الضوء على مواضع القصور وعيوب الممارسة، لكنها تتحاشى التفصيلات وسرد الوقائع. وهذا نقص في التقرير لا يفوت اي مطلع على هذا النوع من الاعمال.

اتبع التقرير منهجية مقارنة، تبدأ بتحديد الاطار الديني الذي يرجع اليه في كل بند، ثم الاطار القانوني المحلي، وموقعه من مواثيق حقوق الانسان الدولية، قبل ان يعرض تقييم الجمعية لاداء الهيئات الحكومية فيما يتعلق بذلك البند. ويكشف الجزء الاخير عن تطور كبير في تعامل الجمعية مع المهمات الموكلة اليها. فقد جرت العادة على غمض العين عن انتهاكات حقوق الانسان في حقول معينة، سيما تلك التي تتعلق بهيئات دينية او أمنية. لكن التقرير تحدث عنها تكرارا وبأسلوب محدد وصريح، رغم اغفاله ذكر وقائع بعينها، كما هو منتظر في مثل هذا النوع من التقارير.

يحدد واضعو التقرير ثلاثة اسباب رئيسية لانتهاكات حقوق الانسان في المملكة، اولها ضعف البنية القانونية التي تحدد الحقوق والالتزامات. والثاني هو غياب التنظيم الاداري المناسب لمتابعة ومنع تلك الانتهاكات.

 اما الثالث فهو ضعف الثقافة الحقوقية بين الموظفين الرسميين، لا سيما في المواقع التي تنطوي على احتكاك يومي قد يقود الى خروقات. ويضرب التقرير مثلا بنظام الاجراءات الجزائية الذي يعد اطارا للعلاقة بين الجهاز القضائي والمواطنين فهذا النظام يحوي كثيرا من الضمانات الحقوقية الجيدة، لكنه لا يطبق بصورة كاملة لأنه اولا يفتقر الى لائحة تنفيذية، ولأنه ثانيا غير معروف او غير مستوعب من جانب كثير من الموظفين في الاجهزة ذات العلاقة، سواء من القضاة او رجال الامن. ويعرض التقرير اشكالا عديدة من انتهاك حقوق الانسان في هذه الاجهزة، ترجع بمجملها الى احد الاسباب الثلاثة المذكورة.

يعرض التقرير قائمة طويلة من التوصيات تصلح برنامج عمل للجمعية في السنوات القادمة من بينها مثلا التوصية باقامة هيئة عليا للفصل في دعاوى مخالفات القواعد الشرعية والنظام الأساسي للحكم والاتفاقيات الدولية التي انضمت المملكة اليها. وافترض ان الهيئة المقصودة هي نظير للمحكمة الدستورية او المحكمة العليا في الدول الاخرى، التي تعتبر المرجع في تفسير القوانين او تعطيل الاجراءات الادارية فيما يؤدي الى خرق لحقوق الانسان.

واظن انه كان من الاوفق تسليط الضوء على عمل هيئة التمييز وديوان المظالم، وهما مرجع ذلك النوع من المنازعات في الوقت الراهن، والمطالبة بتطويره بدل اقتراح هيئة جديدة. ولعل ابرز موارد التطوير المطلوبة هو اعادة تنظيم الهيئتين على نحو يجعل كلا منهما محكمة متكاملة، تجري فيها المرافعات وتحال اليها القضايا من دون المرور بهيئات السلطة التنفيذية.

أشار التقرير ايضا الى مشكلة التمييز في الوظيفة العامة على اساس مذهبي او قبلي او مناطقي، وهي من المشكلات الشائعة. وكان حريا بالجمعية ان تتعامل مع قضية خطيرة كهذه بجدية اكبر مما يبدو من السطور القليلة التي حشرت فيها، خاصة مع تأكيدها على ان التمييز «يهدد وحدة الشعب ويؤثر سلباً على مفهوم الانتماء إلى الوطن كما يعزز العصبية والانتماء إلى جماعات عرقية أو إقليمية». فضلا تعارضه مع استراتيجيات الحكومة وقيم الشريعة الغراء.

تحدث التقرير ايضا عن انتهاك حقوق العاملين الاجانب، واشار الى جوانب ثقافية وسلوكية، كما دعا في التوصيات الختامية الى الغاء او استبدال نظام الكفيل. واظن ان المشكلة اوسع كثيرا من هذه الحدود.

بصورة ملخصة سلط تقرير الجمعية الضوء على عدد من الحاجات الجوهرية للمجتمع السعودي، لعل ابرزها هو الحاجة الى اعتماد مباديء حقوق الانسان عند وضع القوانين والتشريعات والتعليمات التي تنطوي على الزامات او عقوبات. كما دعا الى نشر ثقافة حقوق الانسان. لكنه من زاوية اخرى اغفل التعليمات الادارية التي تصدر من دون اساس قانوني وتنطوي على تدخل في حياة المواطنين الشخصية او انتهاك لحقوقهم المضمونة بموجب القانون. كما اغفل الاشارة الى «هيئة حقوق الانسان» وهي الجهة الحكومية المكلفة بمراقبة التزام الهيئات الحكومية بهذه المباديء. وكان حريا بواضعي التقرير ان يعرضوا تقييمهم الخاص لهذه الهيئة، ولا سيما قدرتها على انجاز المهمة الموكلة اليها بعد اكثر من عام على تاسيسها.

خلاصة القول اذن ان التقرير الاول عن حقوق الانسان في المملكة يعد وثيقة في غاية الاهمية، وقد نجح في ازاحة بعض الخطوط الحمراء التي جرى التعارف عليها فيما مضى، واحسب ان تقرير «هيئة حقوق الانسان» الحكومية الذي ننتظره بفارغ الصبر سيبدأ من حيث انتهي تقرير الجمعية، فالمتوقع ان تكون الهيئة اكثر تحديدا وادق ملامسة للمشكلات، لا سيما تلك التي احجمت الجمعية الوطنية عن التوسع فيها واكتفت بالمرور عليها مرور الكرام.
 2 / 6 / 2007م 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...