‏إظهار الرسائل ذات التسميات اية الله السيستاني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات اية الله السيستاني. إظهار كافة الرسائل

25/01/2010

تجريم الكراهية


.
اتفق تماما مع الصديق الدكتور حمزة المزيني (الوطن 21-1-2010) في ان بلادنا بحاجة الى قانون يجرم اثارة الكراهية ويمنع المساس بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي. المجادلات الطائفية التي اثارها الشيخ محمد العريفي وردود الفعل عليها في اكثر من دولة خليجية كشفت عن تطور هام في العلاقات الداخلية باتجاه رفض استعمال الدين او المذهب كمبرر للتفارق او التمييز بين الاطياف الاجتماعية المختلفة .
د. حمزة المزيني
 تعرض الداعية المذكور لنقد واسع من جانب عدد كبير من الكتاب المحترمين في جميع الصحف السعودية ، وكانت الرسالة الضمنية في كل مقالة كتبت هي التشديد على اولوية الوحدة الوطنية واحترام المواطن سواء اتفق معك او اختلف عنك. بالنسبة للمملكة فان رد الفعل هذا دليل على اننا خرجنا او اوشكنا على الخروج من مرحلة سوداء شهدت انتقال الجدل المذهبي الى كل تفصيل من تفاصيل الحياة الاجتماعية وكلفتنا الكثير من الخسائر والالام .
 اعتاد مروجو الكراهية على التصفيق حين يتحدثون ، لكن هذه الحادثة كشفت عن انقلاب واسع النطاق ، فالرجل الذي اعتبر في الماضي نجما تلفزيونيا بارزا يتحمل الان اللوم من جانب القريبين اليه فضلا عن سائر الناس . هذا يشير في الحقيقة الى استعادة المجتمع للمبادرة ولا سيما في التعبير عن ارادته في احترام نفسه واحترام اعضائه بغض النظر عن انتماءاتهم الثقافية والدينية.
هذه الحادثة وامثالها تعيد الى دائرة النقاش مسالة العلاقة بين حرية الراي وحقوق الجماعة. وبالنسبة للداعين الى اطلاق الحرية الكاملة لاصحاب الاراء – ومن بينهم كاتب هذه السطور – فان تجاوز المتحدثين للمعايير المقبولة عند العرف او القانون يمثل تحديا جديا لتلك الدعوة .
 في الحقيقة فان مروجي الكراهية لا يملون من الادعاء بان ما يقولونه هو تعبير عن حرية الراي ، وسمعنا في الاسبوع الماضي زعيم الحزب اليميني الهولندي كيرت فيلدر ينتقد القضاء في بلاده لانه قبل دعوى تتهمه باثارة الكراهية. وكان فلدرز قد دأب على مهاجمة المسلمين في هولندا قائلا انه يمارس حقه الدستوري في التعبير عن رايه بحرية.
يعرف جميع دارسي القانون والسياسة ان حرية الراي حق لا نزاع فيه ، لكنهم في الوقت ذاته يؤكدون على ان ممارسة هذا الحق تترتب عليها مسؤولية تعادل – سعة وضيقا – نطاق التاثير وعمق الاثر الناتج عن تلك الممارسة . حين تتحدث في مسجد او راديو او تلفزيون او صحيفة ، حيث يستمع اليك مئات من الناس ممن تعرفهم وممن لا تعرفهم ، فان مستمعيك جميعا ، الحاضرين منهم والمحتملين ، لهم حصة في تحديد ما هو مقبول وما ليس مقبولا. انت الذي تحدد ما تفعله في مجالك الخاص اما في المجال العام فان المجتمع كله هو الذي يحدد ما هو مقبول من سلوك الانسان وكلامه وما هو غير مقبول. القانون هنا هو الحاكم لانه يمثل ارادة الجماعة.
نحن نعول على التزام الناس جميعا – ولا سيما الدعاة واهل الراي منهم – بحسن التعامل والحكمة ، وفوق ذلك بتقوى الله سبحانه في السر والعلن . لكننا ايضا نعتقد ان وجود القوانين ضروري لضمان الحريات الفردية من جهة وتعيين المسؤولية على من يسيء استخدام حقه وحريته او يسيء الى مصالح وطنية كبرى مثل الوحدة والسلام الاجتماعي .
واذا كان لنا ان نتعظ بتجارب غيرنا ، فان جميع دول العالم التي يتمتع مواطنوها بحريات واسعة ، وضعت في الوقت نفسه تشريعات تمنع بحزم استغلال الحرية في الاساءة للغير او اهانته او الحط من شأنه او التحريض على ايذائه. التوازن بين الحرية والمسؤولية هو السطر الاول في كل قانون يحمي حرية الراي والتعبير في كل بلد متقدم .
ثم اننا نفرق بين شخصية عامة وبين مواطن عادي . كلام الفرد العادي يؤثر على القليل من الناس ، بخلاف الشخص المعروف الذي يتاثر بكلامه كثير من الناس. لكل من هذين حق في التعبير الحر عن الراي ، وللشخصية العامة حق ارسخ واقوى ، لكنه بنفس المقدار يتحمل مسؤولية اكبر واثقل . اي ان المسؤولية عن الكلام والتصرف تتناسب طرديا مع النطاق الذي يتاثر بممارسة الحق. لا احد يستطيع تكميم افواه المتحدثين وليس من الصالح ان يفعل حتى لو قدر. لكن لا ينبغي السماح بتدمير السلم الاهلي والوحدة الوطنية ايا كانت المبررات ، وهل يوجد مبرر اهم من حفظ الاوطان ؟

28/02/2006

في انتظار الفتنة


آية الله السيستاني
في الاسبوع الماضي ، كان العراق على وشك الانزلاق الى مذبحة ، لولا المبادرة السريعة لزعمائه وعقلانية الاكثرية الساحقة من جمهوره . التطورات التي اعقبت التفجير الاثم لمرقد الامامين العسكري والهادي في سامراء كشفت عن ظواهر جديدة تخالف ما قيل سابقا. 
من ذلك مثلا ان "تيار الصدر" الذي كان يعتبر فوضويا ومتطرفا ، اظهر انضباطا متينا وحرصا استثنائيا على منع الفتنة ، وادى دورا بارزا في الحيلولة دون تعرض مساجد الشيعة والسنة في بغداد لاعمال انتقام . في المقابل فان "هيئة علماء المسلمين" لعبت على وتر الاثارة الطائفية وحاولت استغلال التوتر لتصفية حسابات صغيرة ، بدل الانخراط في جهود التهدئة وتطييب الخواطر ، كما هو المتوقع منها . 
مثل كل المصائب فقد انطوت تلك الحادثة على عبر تستحق المطالعة والتامل . واولها خطورة العبث بالمشاعر الدينية للجمهور . بالنسبة لنا في الخليج فان هذه المسألة تنطوي على حساسية خاصة ، اذ يشكل الخليج اكثر المجتمعات العربية استهلاكا لمواد الاثارة الدينية والمذهبية واكثرها انسا بالجدالات التاريخية والعقيدية العقيمة ، التي لم نكسب من ورائها حتى اليوم سوى المزيد من الفرقة والتباغض وتعطيل الاصلاح السياسي  المنشود وبالتالي اطالة عمر الاستبداد ومعه التخلف . في كل بلد من بلدان الخليج هناك اشخاص يعيشون على تجارة الفرقة والاحتراب المذهبي ، حرفتهم الوحيدة هي البحث عن نص هنا او حادثة تاريخية هناك ، او عيب حقيقي او مفتعل ، وتغليفها في عبوة دينية ثم توزيعها على الغافلين من الناس باعتبارها حقيقة الدين وجوهر ما يسأل المؤمن عنه في يوم الحساب .
اتمنى ان يقرأ هؤلاء ما حدث في العراق باعتباره احتمالا قائما في كل مجتمع آخر . العبث بالمشاعر الدينية والرموز الدينية واهانتها ، قد يطلق تيارا من الغضب يستحيل ضبطه ، وعندئذ فان الخسارة لن تقتصر على الغير ، بل تنال ايضا اولئك الذين لعبوا على وتر الاثارة الدينية والمذهبية عن قصد ومعرفة بالعواقب او عن جهل وانسياق وراء العصبية او عن رغبة في الاستثمار المؤقت كما يفعل المضاربون في سوق الاسهم .
ويتعلق الدرس الثاني بعوامل تامين المجتمع من الانزلاق في تيار الفتنة .  واشير خصوصا الى عاملين : اولهما دور الحكومة والثاني دور الاحزاب والقوى الاهلية . كي تكون الحكومة عامل تامين ضد الفتنة ، ولا سيما الفتن المنبعثة من نزاعات دينية او مذهبية ، فان عليها ان تتعالى على هذا النوع من المجادلات وان لا تكون باشخاصها او مؤسساتها او سياساتها طرفا في الجدال او داعما لاي طرف فيه . لا يتعلق الامر هنا بحق او باطل ، بل يتعلق بالسلم الاهلي واستقرار البلاد . لو اعتقد فلان من رجال الدولة بان مذهبه هو الحق وان مذهب الاخرين باطل ، فلا يجوز له ان يتخذ موقفا على هذا الاساس ، واذا كان يرى ان واجبه الديني يقتضى منه اتخاذ موقف من هذا النوع فعليه ان يتخلى اولا عن مسؤولياته في جهاز الدولة .
الدولة ليست هيئة دينية ولا دورها هو الدفاع عن فريق من المجتمع ضد آخر . بل ادارة المجتمع على نحو يبقي المصالح المتعارضة والافكار المختلفة ضمن حدود الامان ويمنع تحولها الى نزاعات مادية تهدد النظام العام . ان أسوأ الخيارات هو دخول الدولة بذاتها او من خلال بعض افرادها او مؤسساتها طرفا في النزاعات الدينية والمذهبية ، لانه يؤدي مباشرة الى تقسيم المجتمع والقضاء على ما نسميه بالارادة العامة التي تشكل جوهر الوحدة وضمان الاستقرار. وفي هذا الصدد فان على الدولة ان تكون مستعدة للعض على اصابعها احيانا او معاقبة بعض انصارها او الوقوف الى جانب معارضيها كي تحمي السلم الاهلي .
 العامل الثاني لتامين المجتمع من الانزلاق الى الفتنة هو القوى الاجتماعية القادرة على التفاهم مع بعضها ومع الدولة . وقد اشرت سلفا الى الدور الهام الذي لعبه تيار الصدر ، واشير هنا الى دور مماثل في الاهمية لمجلس عشائر الرمادي غرب العراق وبطبيعة الحال دور اية الله العظمي السيستاني . في الحقيقة فان معظم الاحزاب والمجموعات المنظمة والقوى الفاعلة العراقية لعبت في الاسبوع المنصرم دورا ايجابيا ومؤثرا . وهذا يشير الى اهمية دور المنظمات والاحزاب و – بشكل عام – قوى المجتمع المدني . لا شك ان اخطر الظروف هو الظرف الذي ينطلق فيه الغوغاء ، اي الجمهور غير المنظم ، الذي لا يعرف حدودا ولا يحترم قيودا . وفي حالة كهذه فان السياسة تتحول الى ردود فعل متعاكسة ومتواصلة ، ويتحول العنف والانتقام الى سلوك اعتيادي ، ويفلت الزمام من ايدي العقلاء وتصبح الريبة والاتهام والخوف والرغبة في الثار هي القائد . 
وعلى العكس من ذلك فان وجود قوى كبيرة ومؤثرة ، يقودها اشخاص عقلاء ، قادرون على التفاهم والمساومة مع منافسيهم ، وقادرون في الوقت نفسه على اقناع جمهورهم ، هو السبيل الوحيد لحصر النزاعات ضمن حدود مقبولة ، والحيلولة دون استغلال الحوادث المؤلمة في تفجير النظام العام . 
لا يخلو مجتمع من عدد من الافراد او القوى الصغيرة التي تتسم بالسلبية  او الجهل ، او الانتهازية ، وهي قد لا تتورع عن دفع المجتمع الى الفتنة ، عن قصد او جهالة . تتوسع هذه القوى كلما ضيقت الدولة الخناق على القوى العاقلة التي هي ضمير المجتمع ، وتنحسر كلما نجح العقلاء في تحقيق اماني جمهورهم . ربما يظن بعض الحاكمين ان وجود قوى كبيرة هو امر مزعج ، ولعله يضعف من سلطانهم . لكن عليهم ان يفهموا بان البديل الحتمي عن القوى العاقلة هو القوى السلبية . الاختيار بين الاثنين هو اختيار بين استقرار طويل الامد وبين فتنة في الانتظار.

الايام 28 فبراير 2006

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...