‏إظهار الرسائل ذات التسميات التعليم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التعليم. إظهار كافة الرسائل

14/10/2020

هوية سائلة؟

 واجهت هذا التعبير خلال قراءة سابقة حول التحولات الاجتماعية ، وما يرافقها من تهميش للمفاهيم والقيم المؤثرة في حياة الجماعة. نعلم ان التغير في نفوس الناس يجري بسرعات متفاوتة: فالشباب اسرع تغيرا ، وأبناء الطبقة الوسطى  المدينية أكثر عرضة للتغيير ، كما ان ثبات الهويات الموروثة او انحسارها ، رهن بسعة العوالم التي يطرقها الشباب ، حين يبحرون في فضاء الانترنت.

سالت نفسي عن معنى ان تكون الهوية سائلة؟ فتخيلت هاتفا يقول لي: كيف تصورت عالما كاملا ليس له اي واقع مادي ، اسميته "الواقع الافتراضي" ، ثم تستغرب سيولة الهوية؟. سمها ان شئت بالهوية الافتراضية ، اي ذلك الوجود الذي لا يمكن تحديده في هيئة خاصة ، مع ان آثاره وتمثلاته تؤكد اهميته وامتلاكه لكل ما تتصف به الحقائق المادية.

- ما الذي أثار هذا السؤال؟

- لقد كنت أتأمل في مايقوله الطلبة وآباؤهم عن تجربة التعليم عن بعد ، وكيف أصبح العمل على الانترنت روتينا يوميا لمئات الآلاف من الشبان والشابات. هذه التجربة فرصة نادرة للتامل في تحول ثقافي واجتماعي ، يجري امام اعيننا ، وربما تترتب عليه آثار مدهشة.

المدرسة هي محور التجربة ، لأنها الرمز الابرز للنظام الاجتماعي السائد ، بما فيه من ضوابط وتراتب وتصور عن الذات والحياة. كان يفترض ان تلعب المدرسة دور عامل التغيير للاجيال الجديدة ، لكن لاسباب مختلفة ، تحولت على يد آبائنا الى قناة لتثبيت التقاليد والقيم الموروثة ، أي نقل الثقافة السائدة في الفضاء الاجتماعي الى الاجيال الجديدة ، كي يواصلوا المسار الذي ورثه الآباء عن الاجداد.

نحن نحاول جعل ابنائنا صورا مكررة عنا. ولهذا نشعر بالسخط اذا وجدنا سلوكهم مفارقا لما الفناه. ولعل بعض القراء يتذكر غضب المعلمين من الملابس غير المألوفة وقصات الشعر الغريبة عند الطلبة ، في السنين الماضية. نعلم ان هذه قد انتهت تقريبا ، لكنها لاتزال جديرة بالتحليل.

** لماذا كان بامكان المعلم ان يصرخ في وجه التلميذ اذا رأى شعره طويلا ، ولماذا يشعر الطلبة بالرهبة من المعلم والمدير والنظام المدرسي؟.

** الجواب ان ذلك النظام وما يحيط به من معان وتقديرات ، مصمم لتعزيز مفهوم مركزي واحد ، هو تفاوت القوة بين التلميذ والمعلم. يمكن للمعلم ان يصرخ في وجه الطالب ، لأنه يملك نوعا من السلطة ، ويصمت الطالب مخزيا لان موقعه في هذا الترتيب يحدد له هذا السلوك وليس غيره. ان حضور المعلم وهيئته ، وجدران المدرسة وابوابها المغلقة ، كلها مصممة كي تخدم فكرة "تفاوت القوة" بين التلميذ والمعلم.

اما الغرض من هذا الترتيب ، فهو جعل التلميذ مفتوحا ومهيئا كي تمارس المدرسة دورها في نقل الثقافة السائدة للجيل الجديد.

نحن الآن في واقع مختلف. ابرز ملامحه غياب فارق القوة الصريح  بين المعلم والتلميذ ، وغياب ما يحيط بالعلاقة بين الاثنين من ترتيبات ورموز السلطة. جدران المدرسة تركت مكانها لعالم لامتناه ، يجيد التلميذ الابحار فيه ، ويملك الادوات اللازمة للرحلة ، كل يوم ، بل كل ساعة لو شاء.

لهذا السبب فان المدرسة لم تعد قناة وحيدة لنقل الثقافة ، بل مجرد قناة بين عشرات ، بل مئات من القنوات الاخرى ، الاكثر لينا وربما الاكثر امتاعا وترحيبا. بعبارة اخرى ، فلن تقدر المدرسة على توليف هوية ابنائنا بعد اليوم ، وبالتالي فلن يكونوا على الصورة التي الفناها. ولا اعلم – وهم بالتاكيد لا يعلمون ايضا – ماهي الهوية او الهويات البديلة التي نتوقع ان يحملوها. ربما تكون هوية متحولة ، او حتى سائلة ، تتبدل بين حين وآخر ولا تستقر على حال.

الشرق الاوسط الأربعاء - 27 صفر 1442 هـ - 14 أكتوبر 2020 مـ رقم العدد [15296]

https://aawsat.com/node/2563231/

مقالات ذات صلة

أسس بنكا او ضع عقلك في الدرج
 اول العلم قصة خرافية
تطوير التعليم من الشعار إلى المشروع
التعليم كما لم نعرفه في الماضي
التمكين من خلال التعليم
حول البيئة المحفزة للابتكار
سلطة المدير
فتاة فضولية
المدرسة وصناعة العقل
معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

التخلي عن التلقين ليس سهلا

هوية سائلة؟

07/10/2020

سجن الارواح

غرض هذه المقالة هو توضيح المقصود بالتفكير الاخلاقي. أي كيف يضبط الناس علاقاتهم كي لا يتحول الاختلاف الى عداوة او طغيان.

والمتوقع في الغالب ان يلتزم الناس بشكل طوعي بالاحسان في تعاملهم مع بعضهم. لكن هذا لا يحصل دائما. لهذا تقوم المجتمعات بتحويل بعض القواعد الاخلاقية الى انظمة ملزمة (ومن الامثلة عليها تحريم الكلام العلني عن الفواحش ، ومنع الاساءة اللفظية والتهديد ، ومنع الاهمال المؤدي الى الضرر ، وغير ذلك) فهذه في الأصل قواعد اخلاقية ، كان المفروض ان يلتزم الافراد بها طوعا ، أي دون خوف العقاب او الطمع في الثواب. لكن الأمور لا تجري دائما على هذا النحو ، لهذا تحولت الى قانون.

رغم ذلك ، فان غالبية القواعد الاخلاقية بقيت اعرافا عاما ، يلتزم الناس بها عن طيب خاطر. وينبغي القول للمناسبة ان اسوأ المجتمعات حالا ، هي تلك التي تركت الالتزام الطوعي بالمعروف ، وحولت معظم اعرافها وقواعدها الاخلاقية الى قوانين ملزمة ، فباتت حياة الافراد مقيدة ومحدودة ، لا يتحركون الا بامر ولا يتوقفون الا بأمر ، وبات الخوف من العقاب والغرامة والسجن ، هاجسا يسيطر على نفوس الناس طوال يومهم. وأذكر لهذه المناسبة حادثا شهدته في منتصف ثمانينات القرن العشرين ، حين لقيت استاذا جامعيا في ديار بكر ، جنوب تركيا ، فتحدثنا في مسائل شتى ، وحين سألته عن تاثير الحكم العسكري – الذي كان قائما وقتها – على الجامعات ، التفت يمينا وشمالا ، ثم نهض وودعني من دون كلام. وفي اليوم التالي ابلغني صديق مشترك ان الرجل يأسف ، لأنه شعر بخوف شديد لمجرد وصول الكلام الى الوضع السياسي القائم.

لا يوجد مجتمع من دون اخطاء او مشكلات ، صغيرة أو كبيرة. المجتمع الذي يعاقب افراده  على كل خطأ ، والمجتمع الذي يمتنع أفراده اختيارا عن ارتكاب "أي" خطأ ، سيتحول الى سجن للروح ، سيكون اقرب الى حظيرة دواجن ضخمة وليس مجتمعا للناس. لا اعلم ان كان احد القراء قد زار حظائر الدواجن الحديثة ، فالدجاج الذي فيها يقضي معظم وقته ذليلا ناعسا صامتا ، يأكل ثم يتراجع ، ليبقى من دون حركة طوال ساعات. هذا هو المثال الاقرب الى المجتمع الشديد الانضباط.

 اما المجتمع الاعتيادي فهو مجال حيوي مفتوح للخطأ والصواب ، يتصارع الناس فيه من اجل مساحة او مكانة او مال او فكرة ، او غير ذلك. التكاثر غريزة طبيعية في البشر ، وهي – في اعتقادي – من اسرار تقدم الانسان. الاختلاف ثم الصراع نتيجة طبيعية لنشاط تلك الغريزة. وهذا هو الذي حمل البشر على تطوير المثل والقواعد الاخلاقية ، التي تساعدهم على تقليل الاحتكاكات الضارة فيما بينهم ، وحل المشكلات اذا وقعت.

التفكير في الاخلاق إذن ، هو الفحص المنتظم للعلائق التي تربط البشر الى بعضهم ، والقواعد التي يتبعونها في فهم الاشياء وادراكها ، واختبار المصالح والمثل التي تشكلت على ضوئها أساليب العيش والتعاملات العامة ، وانظمة القيم التي تحدد اغراض حياتهم. منظومات القيم هذه عبارة عن اعتقادات حول الكيفية التي ينبغي للحياة ان تعاش ، كيف ينبغي للرجال والنساء ان يكونوا ، وماذا ينبغي لهم ان يفعلوا.

نحن بحاجة الى الاخلاق لاننا بشر خطاؤون ، ولو لم يكن ارتكاب الخطأ طبعا لازما لحياتنا ، لما كان ثمة حاجة لأي من القيم الاخلاقية او آداب السلوك.

الشرق الاوسط   الأربعاء - 20 صفر 1442 هـ - 07 أكتوبر 2020 مـ رقم العدد [15289]

https://aawsat.com/home/article/2550031

مقالات ذات علاقة

اساطير قديمة

ايديولوجيا الدولة كعامل انقسام: كيف يحدث التفارق الآيديولوجي والثقافي؟

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

الحرية التي يحميها القانون والحرية التي يحددها الق...

الحرية المنضبطة والشرعية: مفهوم الحرية في مجتمع تقليدي...

الحرية والانفلات

السعادة الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا

كلمة السر: كن مثلي والا..!

مجتمع الخاطئين

مجتمع العبيد

مدينة الفضائل

نافذة على مفهوم "البراغماتية"


16/09/2020

العلم والحيرة


تتعلق الافكار التالية بحالة مغفلة وربما غير مستساغة ، مع انها تشكل – في رايي – جوهر مفهوم التعليم وسر المعرفة. ولذا سأغامر بالادعاء بان قبولها او رفضها يحدد طبيعة العلاقة المفترضة بين المعلم والمتعلم. دعني اسمي هذه الحالة ب "الاطمئنان او الحيرة".

التعريف المبسط للاطمئنان ينسبه للشعور المتولد في نفس الانسان ، حين ينجح في حل مشكلة ، أو يجيب على سؤال يشغل ذهنه. أما الحيرة ، فهي حالة الانسان الذي يقف امام المشكلة عاجزا عن حلها ، وغير عارف بالطريق الذي يوصله الى الجواب. عندئذ يسيطر السؤال على ذهنه فيشغله عن كل شيء. ولعلك سمعت يوما من يقول بان انشغاله الذهني قد سبب له الارق. وربما ترى شخصا ساهما ، منشغلا عن كل ما يدور حوله ، فهو معك بجسده ، لكن عقله وقلبه في مكان بعيد. فهذه امثلة عن الحيرة.

مادمنا بدأنا بالحديث عن التعليم ، فالمؤكد ان اذهانكم مشغولة الان بسؤال: هل يستهدف التعليم توفير الاطمئنان في نفس التلميذ ام اثارة حيرته؟.

قبل الجواب ، يهمني استبعاد التقنيات البسيطة ، التي يقع الناس في خلط بينها وبين العلم. حين تشتري ثلاجة مثلا ، يطلب منك صانعها ان تقرأ دليل الاستعمال ، الذي يحوي معلومات تقنية ابتدائية ، لكن هذا الدليل لايخبرك عن هندسة التبريد او المفاهيم العلمية التي بنيت على ضوئها الثلاجة. ولو اخبرك بهذه التفاصيل لاوقعك في حيرة شديدة. ولهذا ينصحون عادة بجعل دليل الاستعمال مصورا ، يحوي الكثير من الاشكال والالوان والقليل من الكلام ، وان يكون بسيطا "كي لايشوش ذهن المستعمل".

أما الطالب الذي يدرس هندسة التبريد في الجامعة ، فانه لايقرأ دليل استعمال الثلاجة ، بل يبحث عن مصادر مليئة بالتفاصيل والشروح الفنية الدقيقة والمعادلات.. الخ. بعبارة اخرى فان المهندس يبحث عن العلم ، مع انه كثير التفاصيل ، وقد يؤدي الى تشويش ، بخلاف مستعمل الثلاجة الذي لم يكن بصدد البحث عن العلم اصلا. المقصود اذن ليس "دليل الاستعمال" او التقنيات الابتدائية.

العلم لايؤدي للاطمئنان ولا اليقين. يتولد العلم من السؤال والشك ، وكلما ازداد العلم ، ازداد معه التشويش والشك الذي يثيره. ثم ان العلم لايعطيك جوابا نهائيا ، بل يقودك من سؤال اولي الى سؤال متقدم او شك مضاعف. من يبحث عن الاطمئنان واليقين ، فلن يجده في العلم. والمقصود هنا هو البحث العلمي الذي غرضه التوصل الى اجوبة او حقائق جديدة ، او نقد اجوبة قائمة.

*** هل ينبغي لنا ان نجعل هذا عمود الخيمة في تعليم الاطفال والشباب؟

*** الجواب نعم.

أعلم ان كثيرا من الناس يريدون بابا مواربا. فيقولون مثلا: دعنا نشحن عقول اطفال الابتدائية والمتوسطة بالمعلومات الجاهزة ، فاذا انضموا للثانوية والجامعة ، نقلناهم الى مرحلة البحث والتفكير ، لانهم اذ ذاك ناضجون يحتملون الشك والحيرة.

 لكن هذا وعد مستحيل. اذا بدأ تلميذ الابتدائية بالركض وراء الاسئلة ، فسوف يواصل وينضج في المراحل التالية. واذا بدأ بنظام "تكديس البيانات في الخزنة" اي التلقين ، فلن يستريح لأي طريقة بديلة. لقد جربت شخصيا الطريقة المعتادة في حلقات العلم الشرعي ، وهي تدمج بين الطريقتين: السعي لتوليد الاطمئنان + البحث عن فكرة جديدة ، لكني وجدت ان الطريقة الاولى هي التي ستهيمن في كافة الاحوال ، الا القليل النادر. ولهذا فلن يفيدنا التفكير في ابواب مواربة او طرق مشتركة او حلول وسط.

الأربعاء - 29 محرم 1442 هـ - 16 سبتمبر 2020 مـ رقم العدد [15268]

https://aawsat.com/NODE/2510041/

 مقالات ذات علاقة

02/09/2020

التخلي عن التلقين ليس سهلا

 


لا أغالي لو قلت ان جميع من دعوا لتطوير التعليم المدرسي ، متفقون على نقطة واحدة في الحد الأدنى ، وهي التخلي عن اسلوب "التلقين" واعتماد التعليم التفاعلي ، حيث يمسي الطالب شريكا في تشكيل موضوع الدرس. لكني ايضا ازعم ان غالبية المعلمين المؤمنين بهذه الفكرة لايطبقونها أبدا.

فكرة التخلي عن "التلقين" ترجع الى 30 عاما على الأقل. وقد كتب عنها عدد من وزراء التربية ووكلائهم ، قبل تولي مناصبهم او بعد تقاعدهم ، مما يؤكد قناعتهم بالفكرة. لكننا رغم مرور تلك المدة الطويلة ، لانزال مشغولين بمناقشة الموضوع ، ونشعر انه لم ينضج بعد.  اليست هذه مفارقة محيرة؟.

أعلم ان نظام التعليم العام قد تطور بشكل ملموس خلال العقد الجاري. كما اعلم ان المعلمين باتوا أكثر كفاءة واستيعابا لمناهج التعليم الحديث وما تنطوي عليه من تحديات.

لكن دعنا نطرق زاوية ، ربما لم يلتفت اليها اكثر الناس ، او لم يرغبوا في نقاشها. وهي تشكل التحدي الأهم في التعليم التفاعلي ، اعني بها ما ينتج عنه من بروز لفردانية الطالب واستقلاله.

بيان ذلك: لو سالني معلم عن محور التعليم التفاعلي وجوهره ، لقلت انه استثارة ذهن الطالب وتشجيعه على ان يفكر ، اي ان يرتكب الأخطاء دون خوف. وهذا بدوره يعزز فردانية الطالب واستقلاله. سوف اعود في مقال لاحق لشرح العلاقة بين التعليم وارتكاب الاخطاء ، لكن دعنا نركز الآن على نقطة الاستقلال والفردانية:

تبرز فردانية الشاب حين يعتاد على البحث والتجريب بنفسه. سيقوده البحث الى عوالم وآراء جديدة ، وسيتصل بمحيط اجتماعي/ثقافي ، وراء المحيط المحمي باعراف الجماعة ، اي انه سيعيد تكوين هويته واكتشاف ذاته المستقلة والمختلفة عن ابيه ومعلمه ، بل عموم الجيل الذي يتوقع من الابناء ان يكونوا "مطيعين" وملتزمين بالاداب والاعراف المتوارثة.

التعامل مع هذا التحدي أمر مقلق حقا للآباء والمعلمين ، ومن يوازيهم في المرتبة او الدور. نحن ننظر الى نظام التعليم المدرسي كامتداد للتنشئة العائلية. ونفكر في ابنائنا كامتداد مادي وثقافي لاشخاصنا ، وننزعج أشد الانزعاج اذا سمعنا انهم تباعدوا عنا ، في تفكيرهم او سلوكياتهم او التزامهم باعراف الجماعة وتقاليدها ، بل حتى لو لبسوا أزياء غير ما اعتدنا لبسه.

في المقابل ، فان الغرض الأول للتعليم المدرسي ، هو اعداد الجيل الجديد لزمن مختلف وتحديات مختلفة. ولهذا احتاج الى معلمين محترفين. نحن نرى هذا كل يوم في حديث الناس ، عن عدم التواؤم بين مايسمونه "مخرجات التعليم" وحاجات سوق العمل. اني اخالف هذه الفكرة. لكن تكرارها على السن الناس ، يؤكد قناعتهم بان على المدرسة ان تؤدي دورا مختلفا عن ذلك الذي يؤديه الابوان في المنزل.

نحن إذن امام تعارض جدي بين إرادتين تنشطان في اتجاهين متعاكسين: ارادة تريد أن يكون الابناء استمرارا للآباء وتاريخهم ، وارادة تريد قطع الحبل السري الذي يشدهم الى هذا التاريخ ، كي يكونوا جزء من مستقبل مختلف.

السؤال الذي يجب طرحه هنا: الى اي درجة يود المعلم ان يرى طلابه مستقلين عنه ومتحررين من توجيهه؟. والى اي حد يسمح الآباء لابنائهم بالاستقلال ، في ثقافتهم وسلوكهم وما يتبنونه من قيم؟. وأخيرا ، وهذا هو الاكثر جدية في نظري: هل تريد الادارة الرسمية القائمة على التعليم بلوغ هذه النقطة ، ام ان حديثها عن "التعليم التفاعلي" ينصرف الى  المعنى التقني فحسب؟.

الأربعاء - 15 محرم 1442 هـ - 02 سبتمبر 2020 مـ رقم العدد [15254]

https://aawsat.com/node/2482806/

مقالات ذات علاقة

19/08/2020

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق



ركز مقال الاسبوع الماضي على حاجتنا لتطوير النظام التعليمي ، على ضوء التحولات التي سيشهدها العالم مع نضج "الثورة الصناعية الرابعة". مع هذه الثورة سنرى عالما جديدا واقتصادا غير ما عهدناه. وأذكر هنا بما شهد العالم من تحول في الثقافة والاقتصاد بعد الثورة الاولى ، يوم صنع المحرك البخاري في اواخر القرن الثامن عشر ، وما حصل عقب الثورة الصناعية الثانية ، التي تنسب الى ظهور الكهرباء ومكائن الاحتراق الداخلي ، والثورة الثالثة التي ترتبط بظهور الكمبيوتر والانترنت والادوات الرقمية عموما. نحن الان نفهم التحولات الهائلة في حياة البشرية التي أثمرت عنها هذه الثورات ، ونعلم ان الثورة القادمة ستحمل تحولات اعمق واوسع ، ليس فقط في الاقتصاد ، بل في الاخلاق والثقافة أيضا.

ان السمة الابرز في التحولات الجارية اليوم ، هي اتساع الأفق. التكامل الفائق بين الآلات في احجامها الصغيرة ، مع انظمة الذكاء الصناعي والاتصالات العالية السرعة ، ادى فعليا الى توسيع المساحات التي يراها الانسان ويستوعبها ، على نحو غير مسبوق. الواقع ان انتشار الانترنت خلال العقدين الماضيين ، قد مهد هذا الطريق ، فبات كل انسان قادرا على رؤية أجزاء من العالم ، لم يتخيل وجودها سابقا.
لكن ما نعرفه حتى الآن هو نموذج مصغر ، عما سيعرفه العالم في السنوات القادمة. مع توفر انظمة الاتصال الفوري بكلف منخفضة ، فان كافة شرائح المجتمع ستكون متصلة بالعالم الافتراضي ، ولن تعود مصادر المعلومات قصرا على المثقفين او المهندسين او من يتقن اللغات الاجنبية.
كل شخص على هذا الكوكب ، سيكون قادرا على التفاعل المباشر مع أسواق ومجتمعات ، ومصادر عيش ووسائل عمل وترفيه ومصادر معلومات ، لم يتواصل معها سابقا بسبب حواجز اللغة او المال او القيود السياسية. هذه كلها ستزول تدريجيا ، ان كثافة المعلومات وسرعة الاتصال ، سوف تجعل المراقبة والحجب المادي مكلفة وغير فعالة ، اما حاجز اللغة فهو زائل بالتأكيد مع تطور برامج الترجمة الفورية الذكية.
ان غالبية الناس يهتمون بالتعليم ، لأنه الطريق الوحيد تقريبا لضمان حياة مستقرة لابنائهم. التقديرات المتوفرة فعلا ، تشير الى ان الثورة الصناعية الرابعة ستلغي 700 نوع من الوظائف ، او تحولها الى الآلات. هذا يعني ان على الآباء ان يفكروا في وظائف لابنائهم ، من نوع مختلف عما اعتادوا عليه.
في ظني ان الموضوع الذي ينبغي ان يشغل القائمين على التعليم هو  "سعة الافق" اي السمة الرئيسية للثورة الصناعية الرابعة. سعة الافق تعني مثلا الاستعداد التام للتكيف ، مع اقتصاد جديد واشخاص جدد وثقافات مختلفة ، وانماط عيش غير مألوفة. ومنها أيضا اعداد الشباب كي "يخلقوا" مصادر عيشهم ، ولا ينتظروا وظيفة في دائرة حكومية او شركة. هذا يعني ان يركز التعليم على تعزيز كفاءات التفكير والابداع عند كافة الشباب ، كي لا تكون الوظيفة بالمعنى التقليدي غاية ما يطمحون اليه.  
تطور التقنية سيلغي مئات الوظائف التي نعرفها. لكنه سيأتي أيضا بفرص جديدة كثيرة جدا. المهم في كل الاحوال هو تجهيز ابنائنا بوسائل احتواء التحدي ، ومن أهمها التفكير العلمي ، حيوية الذهن ، الابداع  ، الاعتماد المطلق على الذات والرغبة في التعلم.
ان الخطوة الاولى في تطوير التعليم ، هو تحريكه بهذا الاتجاه ، اي مساعدة الشبان كي يكونوا مستقلين ، راغبين في التعلم ، ومستعدين للمغامرة.
الشرق الاوسط الأربعاء - 29 ذو الحجة 1441 هـ - 19 أغسطس 2020 مـ رقم العدد [15240]

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...