في مقال الثلاثاء الماضي ، ظننت العالم العربي مقبلا على عقد ثقافي جديد ، وبررت ظني بما أجده من علاقة بين الارتخاء السياسي / الأمني ، واتساع طريق الثقافة ، لكن زميلا لي لفت انتباهي اليوم إلى قضية أخرى ، حين تساءل عن صدقية اعتبار الثقافة النشطة سبيلا إلى تقدم المجتمع العربي ، فهو يلاحظ ان بعض أقطار العرب تشهد نشاطا ثقافيا ، وتعتبر بلدا مثقفا بالمعايير الدولية للنشاط الثقافي ، لكنها ـ رغم ذلك ـ لم تحرز تقدما مهما ، بمعايير التنمية الشاملة ، المقبولة على الصعيد العالمي (يمكن اخذ مصر ولبنان كامثلة مناسبة هنا).
على صعيد التعليم العام مثلا ، يرجع
تاريخ التعليم الحديث في بعض الاقطار العربية إلى أكثر من قرن من الزمان ، وكذلك
الأمر على مستوى التنظيم الحكومي والاتصال بالخارج ، ودخول الطباعة والصحافة ،
وبشكل عام فان للعالم العربي تجارب في التنمية الاقتصادية ، ترجع إلى خمسين عاما
أو اكثر ، ومع هذا فان المقارنة بين أي قطر عربي والأقطار الصناعية أو شبه
الصناعية ـ حتى تلك التي بدات متأخرة مثل الهند وأقطار شرق آسيا ـ لن تكون في أي حال لمصلحة العرب .
وقد التفت مفكرون وسياسيون كثيرون إلى
هذه المفارقة ، ووضعوا دراسات وتحليلات ، تشير جميعها إلى ان صورة التقدم الذي
نريد ، ليس واضحا في أذهاننا بدرجة كافية ، فبعضنا يتصوره في مزيد من المباني
والشوارع ، وبعضنا يتصوره في المصانع ووسائل الاتصال ، وآخرون يرونه في مزيد من
وسائل الرفاهية ، ولكل من هؤلاء منظور ومبرر ، ولعله يكون محقا في حدود ما يدعو
إليه .
وللثقافة في كل واحد من هذه التوجهات
دور تلعبه ، فالانسان المتعلم أقدر من نظيره الجاهل على إنجاز التزاماته ، وهو
أسرع استيعابا للتغيير الذي لا بد ان يرافق الجديد المستحدث .
ومع تقدير دور الثقافة وأهميتها في أي مشروع تمدين ، ينبعث السؤال البديهي حول طبيعة الثقافة التي يمكن ان تلعب هذا الدور ، وهذا يقودنا إلى منبع الثقافة التي نتحدث عنها ، فالمعروف بديهة ان الثقافة والحراك الاجتماعي يتفاعلان عطاء وأخذا ، تراث المجتمع بما هو تعبير عن ثقافة سابقة ، يحاول البقاء واحتلال المساحة المخصصة للثقافة في كل وقت ، والثقافة الجديدة الآتية في سياق مشروعات التمدين وتطور الاتصال بالخارج ، تحاول الاستئثار بالمشهد الثقافي ، باعتبارها فلسفة الزمن الجديد ، ولفت نظري ـ كمثل على هذا ـ مقال الاستاذ عبد الله ابو السمح في عكاظ السبت الماضي ، المكرس للحديث عن طريقة العزاء التقليدية ، وهي تحاول الحفاظ على مكانتها كوسيلة في التعبير عن العلاقة بين أحياء المجتمع وأمواته ، ومع تحفظي الشديد على رأي الكاتب ، إلا ان فكرته تعبير عن الصراع بين ثقافة سابقة (سائدة) وثقافة تريد احتلال المشهد ، بذرائع بعضها من النوع الذي اقترحه أبو السمح .
مقالات ذات علاقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق