لفت انتباهي هذا الأسبوع حديث د. نورة الصويان (سبق 03-اكتوبر-2021) ، حول انعكاس التحولات التي تمر بها المملكة ، على سلوكيات الشباب وأوضاعهم النفسية ، ومن ثم تحولات العلاقة داخل العائلة وبين الجيران. وتقول الدكتورة الصويان ، وهي أستاذة جامعية بارزة واستشارية في مشكلات العائلة والزواج ، ان تسارع التحولات في المجتمع تؤدي بالضرورة الى تحولات موازية في شعور الافراد بذواتهم وتصورهم للعلاقة مع الاخرين في محيطهم.
في العادة ينسب هذا النوع من التحولات الى تغير ميزان القوى بين
الجنسين. المرأة التي كانت تصنف اجتماعيا وقانونيا ك "تابع" باتت اليوم
مستقلة الى حد كبير. ومع انه لا زال امامها مسافة قبل المساواة الكاملة ، الا ان
ما حصل حتى اليوم يعتبر تحولا جذريا ، حتى
بالقياس الى ما كان عليه الحال في 2018 فضلا عما قبلها.
اني أميل الى مراقبة
هذا النوع من التحولات الاجتماعية والاقتصادية ، من خلال انعكاسها على ذهنية الفرد
، أي مجموع العناصر التي تسهم في تشكيل سلوكه العفوي ورؤيته لذاته والمحيط. هذه
التحولات تعيد تشكيل الهوية الفردية ، على نحو يتناسب مع توجهات الفرد نفسه ، حتى
لو جاء على خلاف ما تربى عليه ، او ما ورثه من ثقافة. في الحقيقة فان هذا هو الذي
يحدث في أغلب الأحيان. ان ذهنية الفرد في مرحلة الطفولة (ومن ثم هويته) تتشكل
بتأثير العائلة والمحيط الاجتماعي والمدرسة. لكن كثيرا من مكونات الهوية يعاد
تشكيلها في مرحلة النضج ، ولا سيما بعد انضمامه الى سوق العمل ، تحت تاثير المحيط
الأوسع.
ان الانفتاح على
خارج المحيط الاجتماعي ، إضافة الى تغير نمط العيش او مصادره ، يشكلان العامل
الأكثر تأثيرا في تشكيل هوية الفرد الجديدة. ولهذا السبب تحديدا ، فان علينا
التأمل في النطاق الذي يتعامل معه الفرد ، في كل مرحلة من حياته. ان انفتاح
الأطفال والمراهقين على العالم من خلال الانترنت ، يسمح بإعادة تشكيل ذهنيتهم
وهويتهم في تلك المرحلة المبكرة. وبالتالي فان مفارقة الثقافة الموروثة ، وما فيها
من تقاليد وأعراف وعلاقات ، ستبدأ في مرحلة مبكرة.
جوهر التغيير الذي
يحصل في هذه المرحلة يتناول تقدير الفرد لنفسه ، حيث يشتد الميل الى مركزية الذات
في مقابل الجماعة. ان رد الفعل العائلي والاجتماعي ، هو الذي يقرر ميل الفرد
للانسجام او المنازعة او الانكفاء والخنوع. الافراد الذين يلقون تفهما وترحيبا من
قبل العائلة والمدرسة ، سوف يحاولون التعبير عن ذواتهم المستقلة في إطار الجماعة.
أما الذين يواجهون تثبيطا او مناكفة ، فهم على الأرجح سيركبون قطار التمرد ، اللين
او الخشن.
مرحلة الانفتاح
وامتداداتها هي التي تقرر الى حد بعيد ، مستقبل البلد ككل. اذا اردنا صناعة مستقبل
مزدهر ، فعلينا ان نستوعب الشباب في لحظة انفتاحهم وما بعدها ، ان نتحمل نزوعهم
القوي للاستقلال والتفرد ، وان خالف قناعاتنا المستقرة. اما اذا واجهناهم بالانكار
، فسوف ننتج جيلا فوضويا ، بعضه يحترف المناكفة وبعضه منكفيء على ذاته.
الأربعاء -
29 صفر 1443 هـ - 06 أكتوبر 2021 مـ رقم العدد [15653]
https://aawsat.com/home/article/3229136/