‏إظهار الرسائل ذات التسميات معمر القذافي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات معمر القذافي. إظهار كافة الرسائل

06/04/2022

الذات الجمعية وعقلية القطيع

 

ذكرت في الاسبوع الماضي ان اول مقدسات التغيير هو تعزيز الايمان بالذات الجمعية ، وخلاصتها اننا – كمجموع – قادرون على النهوض وصناعة مستقبل مختلف. وقد أشكل الصديق سامي الخزاعي على هذه الفكرة ، بأنها قد تنتهي الى تسويد عقلية القطيع ، وقتل الروح الفردانية الضرورية للنهضة.

وقد وجدت الخزاعي محقا في قلقه. لدينا تجارب عديدة تشير لانقلاب الحراك النهضوي الى حالة شعبوية ، تخدم مصالح خاصة لطبقة او فئة حزبية ، او ربما تخضع لقناعات شخصية ، يصعب القطع بكونها مطابقة لمصالح المجتمع العليا.

مصنع مدرعات في المانيا النازية

أمامي أمثلة عديدة ، أبرزها تجربة الحزب النازي الذي نجح خلال فترة وجيزة في انهاء الفوضى العارمة التي أغرقت ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى ، وحولها الى دولة صناعية في غاية القوة والانضباط. لقد انضم غالبية الألمان الى مشروع النهضة هذا ، إيمانا بشعاره المحوري "ألمانيا فوق الجميع" ، الذي شكل صلة الوصل بين مشروع النهضة والمجتمع الألماني. لكننا نعلم ان هذا المشروع العظيم ، انقلب الى مبرر للقضاء على كل راي مخالف ، وقمع كل مختلف أو معارض للأيديولوجيا الرسمية.

وجدنا حالة قريبة من هذه في مصر الناصرية ، التي سعت لحشد المجتمع وراء فكرة التحرير والنصر على اسرائيل. ونعرف ان مصر قد تأخرت بمسافة شاسعة عن أقرب منافسيها ، بسبب هيمنة العسكر والمصفقين ، وانكفاء اصحاب الرأي والخبرة او اقصائهم. واسمع عن حالة قريبة من هذه في المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله في لبنان ، حيث لا يسمح بأي صوت يتعارض مع شعارات الحزب ومتبنياته الايديولوجية والسياسية ، وكل ذلك تحت عباءة المقاومة والتصدي لما يسمونه المؤامرة الدولية.

ورأيت بعيني تطبيقا لنفس الفكرة في ليبيا في عهد العقيد القذافي ، الذي نجح في جعل أساتذة الجامعات واهل الرأي ، يرتجفون رعبا أمام موظف حصل بالكاد على الشهادة الثانوية ، لا لشيء الا لأنه حفظ مقولات "الكتاب الأخضر" واقاصيص الزعيم الملهم.

هذه اذن مشروعات ، بدأت – ربما - بحسن نية ، وساندها جمهور الناس عن قناعة بأن الحركة – ولو كانت خاطئة – خير من الجمود. لكنها انقلبت الى حركات شعبوية ، تحول الناس من فاعلين في الحياة او صانعين للحياة ، الى كومبارس في فرقة موسيقية ، دورهم الوحيد هو ترديد ما يقوله الرئيس/المايسترو.

لا ينبغي الظن بأن هذا مصير كل حركة نهضوية. فلدينا تاريخ البشرية كله ، شاهد على أن غالبية التجارب النهضوية ، انتجت حضارات او شاركت في انتاج مسارات حضارية. ولولا ان معظمها نجح وأفلح ، لما كنا نستمتع اليوم بعالم متطور تكنولوجيا ومتطور قانونيا وانسانيا. في تجربة الهند واليابان والولايات المتحدة وغيرها ، أمثلة ناصعة على قابلية المجتمع لتوليف حراك جمعي ، رغم كثرة الاختلاف بين اطيافه ، وفيها أيضا دليل على قابلية المجتمع الناهض ، للحفاظ على التوازن الضروري بين بروز الذات الجمعية من جهة ، واحترام استقلال الأفراد من جهة ثانية.

زبدة القول انه ليس مستبعدا ، ان يتحول النهوض الاجتماعي الى محرقة للحريات العامة وحقوق الانسان. لكن تجربة الانسانية التي كشفت لنا عن هذه الامكانية ، أكدت لنا ايضا ان معظم التجارب انتهت الى نتائج سعيدة للانسان وعالمه.

أبرز ما نستخلصه من تلك التجارب ، هو الترتيب الموضوعي بين المقصد الاساس ، اي النهضة ، وبين النواتج الجانبية المحتملة ، مثل الاستبداد وقمع الحريات العامة. لا ينبغي بطبيعة الحال التهوين من خطورة هذا الناتج. لكن علينا ان لا نغفل ايضا حقيقة انه يأتي في المرتبة الثانية ، فلا يصح التردد في المشروع النهضوي خوفا من الاحتمالات السلبية المصاحبة له.

الشرق الأوسط الأربعاء - 5 شهر رمضان 1443 هـ - 06 أبريل 2022 مـ رقم العدد [15835]

https://aawsat.com/node/3574801

 

مقالات ذات علاقة

احتواء التحدي وتحييده

اخلاق المدينة وحدودها

استنهاض روح الجماعة

اعادة بناء الاجماع الوطني

انهيار الاجماع القديم

حول الاجماع الوطني

مقدسات التغيير

مقدسات التغيير: مراجعة أولى

من الكويت الى نيوزيلندا: "هذولا عيالي..."

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

03/01/2018

ربيع ايراني..؟


هل تتجه ايران الى "ربيع" شبيه بما حدث في مصر وتونس؟.

ربما نعم وربما لا. الثورة الشعبية من الظواهر التي لازالت غامضة. لا أعرف في علم الاجتماع أو السياسة ، نظرية متقنة ، تسمح بقياس قابلية ظرف سياسي محدد لاطلاق ثورة او نجاحها. لهذا أظن ان أسئلة من نوع هل ستنفجر الثورة ومتى وكيف وهل تنتصر ، غير واقعية على الاطلاق ، رغم انها ما زالت تثير خيال الباحثين.

عند انطلاق الربيع العربي تابعت بشكل حثيث مسارات الأحداث ، وتأملت طويلا في العوامل التي اتفق الدارسون على انها "خطوط انكسار" اي تلك الصدوع في بنية النظام الاجتماعي/السياسي ، التي تدعم احتمالات سقوط نظام سياسي او صموده. وتوصلت حينها الى ترجيح احتمال سقوط النظام السوري وصمود النظام التونسي. لكنا نرى الآن ان النتيجة جاءت معاكسة تماما. أعلم ان باحثين آخرين رجحوا الاحتمالات نفسها التي اكتشفنا لاحقا انها خاطئة في الحالتين.


نستطيع القول ان أسئلة "هل" و "متى" ليس لها جواب مبني على اساس علمي. لهذا يميل الباحثون للاهتمام بنطاق آخر ، يرونه أكثر فائدة من الناحية العملية ، يدور حول سؤال: كيف يمكن للنظام الاجتماعي ان يتفادى الثورة.

أهمية هذا السؤال تأتي من حقيقة ان الثورة ليست من التحولات المريحة لغالبية الناس. انها قفزة في المجهول ، فرارا من حالة يأس عام من إصلاح النظام السياسي اعتمادا على ادواته القانونية او عرف المجتمع.

أرى ان جميع المعالجات المندرجة ضمن استراتيجية تفادي الثورة ، تستهدف نتيجة واحدة ، هي تعزيز الأمل في قابلية النظام للاصلاح بالادوات التي يتيحها النظام ذاته. وحين يتلاشى هذا الأمل ، فسوف يتجه الى واحد من خيارين: اعتزال الدولة واغفالها تماما ، او التفكير في استبدالها.

فيما يخص ايران ، أظن ان فقدان الأمل يرجع لعاملين متعاضدين ، هما: استيلاء الدولة على المجال الأهلي ، وتخشب القانون.

تاريخيا كان المجال الديني خارج هيمنة الدولة ، وحاضنا لجانب واسع جدا من النشاط الاهلي المدني ، حيث تعاون الناس فيما بينهم على حل مشكلاتهم. منذ  1979 وسعت الحكومة هيمنتها على المجال الديني ، فتحول الى صدى للسياسات الرسمية. ومع الاخذ بعين الاعتبار ان اي خطاب ديني رسمي ينطوي – بالضرورة – على مضمون إقصائي ، فان الصوت الآخر غاب عن المجال الاهلي او عزل في نطاقات ضيقة.

اما تخشب القانون ، فمرجعه أن قواعد القانون واللوائح التنفيذية تستهدف في المقام الأول اغلاق الفجوات على المخالفين للقانون ، وليس تمكين الاكثرية الصالحة من تحصيل حقوقها ، أي كون القانون منبعثا من الارتياب في طبيعة الانسان وليس الثقة به او بميله الفطري الى الخير. بحسب علمي فان القانون في ايران ضيق وعسير. ويزيد من عسره كون الحكم شديد المركزية ، مهووسا بالقلق من تدخل الاجانب او معارضي الحكم الديني.

المجتمع المدني الحر يمكن الناس من التعاون على حل مشكلاتهم ، والقانون اللين الواسع الأفق يعين الاكثرية على نيل حقوقها. وحين يغيب هذا وذاك عن بلد ، فان عامة الناس سيعجزون عن حل مشكلاتهم بأي وسيلة قانونية او غير مكلفة.

لا تستطيع تفادي الثورة بدعوة الانصار الى تظاهرات معاكسة. ولا تستطيع تفاديها باتهام الأجانب ، ولا باغلاق قنوات التواصل بين الناس. الحل الوحيد هو توسيع افق القانون وتليينه وتمكين الجمهور من المشاركة في حل مشكلاته.

تبدأ الانهيارات في العادة بتظاهرات صغيرة ، وقد تكون مهذبة ولطيفة ، يمكن احتواؤها بسهولة ، اذا تواضع الحاكمون وانصتوا لصوت التغيير. لكن لو كرروا سؤال "من أنتم" الذي قاله العقيد القذافي يوما ما ، فسيسمعون الجواب الذي يكرهه كل حاكم ، كما حصل فعلا في ليبيا وغيرها.

الشرق الاوسط  الأربعاء - 15 شهر ربيع الثاني 1439 هـ - 03 يناير 2018 مـ رقم العدد [14281]
 http://aawsat.com/node/1131071
 


مقالات ذات علاقة

 

الانتخابات الايرانية : صراع بين منطقين

الانتخابات الايرانية وعالم السياسة المتغير

الايديولوجيا السياسية للتيار الاصلاحي في ايران

بدل الانشغال بالتفاصيل ، راهنوا على تغير النسق

تأثير الاتفاق النووي على بنية السلطة في ايران

جدل الدين والدولة في ايران

حدود الديمقراطية الدينية : عرض كتاب

خاتمي وفكرة توطين الديمقراطية

د. توفيق السيف: ولاية الفقيه نظرية ادت غرضها وحان الوقت لتجاوزها

دور الخميني في تعديل نظرية السلطة عند الشيعة

الديمقراطية في بلد مسلم- الفصل الاول

ربيع ايراني..؟

فرصة جديدة لإيران

قراءة في كتاب "حدود الديمقراطية الدينية"

المرأة الغامضة في مفاوضات جنيف



14/09/2016

من طبائع الاستبداد



شهدت أول مظاهرة شعبية في حياتي يوم الاول من مايو 1973 ، وكانت المناسبة هي احتفال العراقيين بعيد العمال العالمي. كان الميدان غاصا بالناس الذين يهتفون بشعار وحيد "عمال وفلح فدوه لابو هيثم" ، اي  كلنا – عمالا وفلاحين – فداء لابي هيثم ، وهي كنية اللواء احمد حسن البكر ، رئيس الجمهورية يومئذ.
في الاسبوع التالي طلب منا معلم اللغة العربية الكتابة عن تلك المناسبة. ولسوء الحظ ، كلفني المعلم مع خمسة زملاء آخرين بشرح مطالب العمال. فلم يستطع احد منا استذكار اي مطلب غير الشعار السابق. فكتبنا جميعا ان المطلب الوحيد للعمال هو التضحية بأرواحهم فداء للرئيس.
تذكرت هذه القصة في منتصف العام 1992. كنت في مقهى على شاطيء طرابلس ، اتبادل الحديث مع استاذ في جامعة الفاتح. خلال اقامتي القصيرة في ليبيا ، لاحظت نفورا شديدا من اي نقاش سياسي. وحين يتحدث احدهم فلن تميز مايقوله عما سبق ان قرأته في صحيفة ذلك اليوم او ما سمعته في التلفزيون. من ذلك مثلا اني شكوت لمسؤول حكومي ، ويسمى عندهم "أمين اللجنة الشعبية" ، انتشار الاوساخ في وسط العاصمة على نحو يوحي بأن البلدية لاتعمل. فرد علي بمحاضرة مختصرة حول اللجان الثورية ومؤتمر الشعب الأساسي في فكر القائد ، اي العقيد القذافي.
ذكرت القصة للصديق الجامعي فضحك ، وقال لي ساخرا ان جوابي يوجد في نظرية "الكلاب الضالة" ، وهو الوصف الرسمي لمن يعارضون "فكر القائد". ثم اخرج محفظته واراني صورة القائد ، وعلق باسما: انها "حرز من الموت".
ذهبت هذه القصص وامثالها في تجاويف الذاكرة سنوات ، حتى قرأت كتابات حنا ارندت عن الحكم الشمولي ، وكيف يؤدي الى تجويف المجتمع ويفكك روابطه الداخلية ، ويحول اعضاءه الى ذرات هائمة تعيش ليومها ، وتفقد كل اهتمام بالشأن العام او المستقبل خارج اطار المنفعة الشخصية.
لعلها مصادفة غريبة ان تستعمل ارندت مصطلح "المجتمع الجماهيري" في وصف الناتج الاجتماعي للانظمة الشمولية. وهو ذات المسمى الذي اختاره العقيد القذافي لنظريته السياسية في 1977.  يتميز المجتمع المدني بالتعددية والاختلاف وتنوع المصالح والاهتمامات وحرية التعبير عنها والنقاش فيها. اما المجتمع الجماهيري ، تقول ارندت ، فهو فارغ مفكك ، اعضاؤه ذرات منعزلة ، يفكر كل منهم بمفرده ، وينظر للاخرين كذئاب تسعى لاستغلاله او كفرصة للاستغلال.
سطوة الاستبداد الشمولي تدمر ثقة  الناس ببعضهم ، وتميت الأمل في الاصلاح ، ويميل الكبار الى تحذير ابنائهم من التعبير الصريح عن ارائهم او السعي للتغيير ، كما يبالغون في تصوير الخطر المحدق بمن يعارض سياسات الدولة. ينعكس هذا على الجيل الجديد فيكون مثاله البارز هو الفرد المتوحد والمهمش ، المنكر لكل شيء والغاضب من كل شيء. الفرد الذي يبحث عن الاستقرار واليقين ، لكنه لا يستطيع رؤية المسارات الطبيعية ، لا يستطيع تحديد مصالحه ولا يستطيع تنظيمها ، كما لا يستطيع الثقة في الاخرين كي يعمل معهم على مصلحة مشتركة.
تتميز النظم الشمولية بقوة واستقرار بالغين. لكنها تزرع – ربما دون قصد – ميكروب التفكك وانعدام الثقة في المجتمع الذي تحكمه. وحين ينكسر السقف ، نجد انفسنا فجأة في مجتمع يفتقر تماما الى الاجماع على اي شيء ، ويسعى افراده لضمان مصالحهم ومستقبلهم الشخصي بقوة السلاح لا القانون ، مجتمع سمته الرئيسية "حرب الجميع على الجميع" ، كما قال توماس هوبز قبل اربعة قرون.
الشرق الاوسط 14 سبتمبر 2016  http://aawsat.com/node/737491

15/06/2016

أزمة ثقة.. ليبيا حيث لا احد يصدق احدا





خلال الاسبوعين الماضيين استمعت باهتمام الى تصريحات الزعماء السياسيين في ليبيا ، المبتلاة بالحرب الاهلية منذ سقوط العقيدالقذافي اواخر 2011. تابعت المسألة الليبية طوال السنوات الخمس الماضية. لكني شعرت لوهلة بأني غير قادر على الربط بين حلقات الصراع المحتدم. لهذا أردت التحقق مما يقوله أطراف الصراع في توصيف المرحلة التي يمر بها هذا البلد.

الأخذ بظاهر كلام السياسيين المتنازعين يثير العجب. فهم جميعا متفقون على ضرورة حقن دماء مواطنيهم وعلى مضاعفة الجهود الرامية لاعادة بناء النظام السياسي وترميم الوحدة الوطنية ، الخ..

كلامهم يكشف عن توافق في معظم المستهدفات على المديين القريب والمتوسط. وهذا مكمن العجب وسبب الدهشة. فهم رغم هذا التوافق الظاهري ، عاجزون عن الاجتماع ووضع النقاط المتفق عليها موضع التطبيق. فكأن كل زعيم يتحدث لنفسه. صوته لا يصل الى عقول الاخرين ، كما أن أصواتهم لا تصل اليه.

بدا لي ان عجزهم عن الانتقال الى النقاش حول الحلول ، ليس راجعا الى اختلاف الافكار والاهداف. بل سببه ببساطة قلق كل طرف على حصته في السياسة الجديدة.

هذا ليس اكتشافا جديدا ، وما يجري في ليبيا شبيه بما يجري في كل بلد آخر. النزاعات الأهلية تلبس رداء الايديولوجيا والفكرة. لكنها تدور في حقيقة الامر حول الحصص السياسية التي يعتقد كل طرف انه يستحقها في هذا الوقت أو في اي ترتيب للمستقبل.

العراقيون اختصروا الطريق ، فسموا الاشياء باسمها ، وقالوا صراحة ان نظامهم قائم على المحاصصة السياسية. اما السوريون والليبيون وغيرهم فلا زالوا خجلين من التعبير الصريح عما يريدونه ، أي حصة كل طرف في اللعبة السياسية.

العلاج النظري لهذه المشكلة هو الاحتكام الى صناديق الاقتراع. هذا على الأقل ما يقوله الوسطاء الدوليون والاقليميون. وهو أيضا ما يقوله العقل البسيط. لكن الواضح ان هذا العلاج الذي يبدو طيبا وبسيطا ، غير واقعي على الاطلاق. بمعنى انه لا يعالج المشكلة الكامنة في النفوس وتجسيداتها على أرض الواقع ، أعني بها انعدام الثقة المتبادلة بين الأطراف.

الأمر ببساطة على النحو التالي: هناك أطراف لا يملكون وزنا مؤثرا في المجتمع ، لكنهم يملكون وزنا ماديا مثل عدد المقاتلين وكمية الاسلحة والتحالفات الدولية ،  كما يملكون أسماء مثل الاحزاب والقبائل والطوائف الخ..

سنجد مثلا جماعة تسيطر عسكريا على مدينة رئيسية او على إقليم بأكمله. لكنها لو دخلت في منافسة انتخابية ، فسوف يصوت سكان هذه المدينة او الاقليم لصالح طرف آخر. ثمة أيضا أحزاب مشهورة ، لكنها لا تستطيع ترجمة هذه الشهرة الى أصوات مكافئة في الصناديق. لهذا فان هذا الحزب وتلك الجماعة وأمثالهم لن يغامروا بخوض معركة انتخابية ، ليسوا واثقين بانهم سيكسبونها. انهم يفكرون في المسألة كما يفكر التجار: استثمروا مالا وجهدا في الحرب وهم يريدون ربحا في السياسة يتناسب مع رأس المال الذي استثمروه.

هناك اضافة الى هذا المجموعات التي لم تشارك بفاعلية في الصراع السياسي ، لكنها تشعر بالقلق من عواقب القبول بخطط السياسيين والوسطاء. بين هؤلاء ستجد زعماء قبائل ورجال دين وشخصيات معروفة ، يتساءلون عن موقعهم ومكانتهم ، اي حصتهم في النظام الجديد.

زبدة القول ان انعدام الثقة يشكل ربما ابرز العوامل التي عطلت الحلول السياسية في البلدان المبتلاة بالحرب الاهلية. وأظن انها تستحق ان تكون محور محاولات الحل.
الشرق الاوسط 15 يونيو 2016
http://aawsat.com/node/665531

مقالات ذات صلة

ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...