الاتفاق
النووي مع ايران ، مثل اعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا ، يعتبران – في واشنطن
تعبيرا عن سياسة جديدة فحواها تشجيع التحول داخل الانظمة المعادية بدل مقاطعتها او
العمل على اسقاطها.
يوم
الاثنين الماضي أقر مجلس الامن الدولي بالاجماع اتفاق لوزان النووي بين ايران
والمجموعة السداسية ، كما أقره في اليوم نفسه مجلس وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي.
وبهذا تبدأ مهلة التسعين يوما السابقة لدخول الاتفاق حيز التنفيذ.
منذ
اعلان الاتقاق بدا ان العالم يتعامل مع نتائجه كموضوع على اهبة التحقق فعلا.
الشروط الكثيرة التي تضمنها الاتفاق لن تغير من حقيقة ان ايران وشركاءها الدوليين
قد فتحوا صفحة جديدة ، مختلفة بعمق عما كان عليه الحال منذ العام 2006.
في
داخل ايران ، ثمة مؤشرات قوية عن انبعاث
جديد للتيار الاصلاحي الذي يتبنى الآن طروحات اكثر ليبرالية مما كان عليه في ظل
الرئيس الاسبق محمد خاتمي. برز هذا التيار خلال عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني
(1989-1997) وكان محور خطابه هو الانتقال الى مرحلة الدولة المدنية. حافظ التيار
على وجود معقول في السلطة حتى 2005 ، لكنه كان على الدوام هدفا لحرب ضروس من جانب تيار المحافظين
، الذي اعتبره تهديدا لمكاسب الثورة وقيمها.
انتخاب
محمود احمدي نجاد رئيسا للجمهورية في 2005 حسم الصراع لصالح المحافظين. لكنه كان
ايضا الذروة التي تخفي وراءها المنحدر. فقد تباطأ النمو الاقتصادي الذي عرفته
البلاد في العقد السابق ، كما توترت علاقاتها مع دول العالم ، وخضعت لعقوبات شديدة
، سيما بعد قرار مجلس الامن رقم 1696
لعام 2006 ، فضلا عن ستة قرارات مماثلة في الاعوام التالية.
تباطؤ
الاقتصاد اثمر عن تمرد اجتماعي غير مسبوق ، اجج التنازع بين حكومة نجاد وداعميها
المحافظين. كان السلوك التحرري للرجال والنساء في شوارع طهران والمدن الكبرى مثيرا
لانزعاج رجال الدين ، الذين رأوا فيها استمرارا لما كان يجري في ظل منافسيهم
الاصلاحيين. بينما كانوا يطالبون برقابة اشد ، وقمعا صريحا لكل سلوك يتنافى مع
تقاليد المجتمع الديني الخاصة بالمظهر واللباس.
في
2011 تحول المحافظون الى كتل مفككة متصارعة. وبدا ان عودة الاصلاحيين الى الحكم هي
المخرج الوحيد من مسلسل الازمات. حين اعلن حسن روحاني ترشيح نفسه للرئاسة في 2013
قال انه استبق ذلك بعرض برنامجه السياسي على مرشد الثورة علي خامنئي ، وان هذا
البرنامج يتضمن خصوصا ترميم علاقات ايران الدولية واطلاق مصالحة وطنية.
من
المفهوم ان زعماء المحافظين وقادة الحرس الثوري ليسوا سعداء بخطوات روحاني. بل ان
قائد الحرس الثوري قال صراحة ان قرار مجلس الامن الذي أقر اتفاق فيينا قد
"خرق الخطوط الحمراء للجمهورية الاسلامية". من المتوقع ايضا ان يواجه
وزير الخارجية مساءلة قاسية في مجلس الشورى الذي يسيطر عليه المحافظون حين يعرض
عليهم الاتفاق. لكن الجميع في طهران يعلم ان المجلس سيوافق ، لأن المحافظين لا
يملكون خيارات بديلة ، ولأن الحكومة ذات الميول الاصلاحية تراه حجر اساس في
سياساتها الداخلية والخارجية.
هذا
يعني اننا نقترب من تحول جذري في المشهد السياسي الايراني ، عنوانه انبعاث التيار
الاصلاحي من جديد. اذا نجح روحاني في تثمير اتفاق فيينا على صعيد الاقتصاد ، من
خلال اعادة تحريك المشاريع المجمدة ، وزيادة الاستثمار المحلي والاجنبي ، اي –
بشكل عام – اخراج الاقتصاد الايراني من حالة الانكماش الحالية ، وتحسين مستوى
المعيشة لعامة الناس ، فانه سيعزز صورة التيار الاصلاحي كخيار وحيد لقيادة البلاد.
هذا سيؤدي بالضرورة الى تراجع النفوذ السياسي لرجال الدين المتشددين وقادة الحرس
الثوري ، لصالح الصناعيين ورجال الاعمال.
بالنسبة
للرئيس الامريكي باراك اوباما فان تشجيع تحولات مثل هذه ، حتى مع بقاء النظام ، يعتبر
هدفا يستحق العناء. وهي سياسة اتبعها مع كوبا ايضا ، خلافا للاستراتيجية الامريكية
السابقة التي تؤكد على تفكيك الانظمة السياسية المعادية وليس اصلاحها.
الشرق الاوسط 5 شوال 1436
هـ - 22 يوليو 2015 مـ رقم العدد [13385]
https://aawsat.com/node/412161/مقالات ذات علاقة
الانتخابات الايرانية : صراع بين منطقين
الانتخابات الايرانية وعالم السياسة المتغير
الايديولوجيا السياسية للتيار الاصلاحي في ايران
تأثير الاتفاق النووي على بنية السلطة في ايران
حدود الديمقراطية الدينية : عرض كتاب
د. توفيق السيف: ولاية الفقيه نظرية ادت غرضها وحان الوقت لتجاوزها
دور الخميني في تعديل نظرية السلطة عند الشيعة
الديمقراطية في بلد مسلم- الفصل الاول
قراءة في كتاب "حدود الديمقراطية الدينية"
المرأة الغامضة في مفاوضات جنيف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق