لم
يختلف الايرانيون حول رجل مثلما اختلفوا حول رئيسهم السابق محمد خاتمي ، ولم يحبوا
رئيسا مثلما احبوه . طيلة السنوات الثمان التي قضاها في رئاسة الدولة ، حافظ خاتمي
على درجة رفيعة من اخلاقيات الفيلسوف والمفكر التي عرفت عنه قبل الرئاسة. وهي صفات
سارت جنبا الى جنب مع عنف فكري وشجاعة في التعبير عن اراء تتناقض كليا او جزئيا مع
تلك السائدة بين انداده ونظرائه في النخبة السياسية والمجتمع الديني بشكل عام .
ولا شك ان توجهات خاتمي قد اسهمت الى حد بعيد في تغيير البيئة السياسية في ايران ،
ولهذا فان فترة رئاسته تشكل علامة فارقة في مسيرة ايران الجمهورية .
آمن
خاتمي بان انعتاق الانسان الروحي وتحرره من سطوة الدولة وهيمنة الخرافة وقيود
التقاليد هو الطريق الوحيد للعالم الاسلامي كي يلتحق بركب الحضارة . كما يعتقد ان
تراث الاسلاميين السياسي يفتقر الى ارضية فلسفية وفقهية مناسبة لاقامة نظام سياسي
يحول دون الاستبداد ويعيد الاعتبار الى الانسان الفرد ، لان المعرفة الدينية لم
تتطور في فضاء حر ، بل كانت في معظم الازمان انعكاسا لعلاقة بين المجتمع والدولة
ذات طابع استبدادي في المجمل. وينظر الى الديمقراطية كنموذج للعمل السياسي يمثل
ارقى ما توصل اليه الانسان .
يتناول
الجدل حول الديمقراطية في ايران ثلاثة مجالات . يتعلق الاول بجانبها الوظيفي ، اي
كونها نظاما للتمثيل الشعبي ، التداول السلمي للسلطة ، الفصل بين السلطات ، عمومية
القانون ، وما اشبه . ويتعلق الثاني بارضيتها الفلسفية ، اي حاكمية الشعب ،
المساواة ، الحقوق الطبيعية ، وما اشبه .
ويتناول الثالث اساسها الايديولوجي ، اي
تطورها في الاطار التاريخي - المعرفي الغربي . وينظر المحافظون الى الديمقراطية
كجواب خاص للمجتمعات الغربية على الازمات التي واجهتها. وكما ان من السفه استيراد
المشكلات من مجتمعات اخرى ، فانه بنفس القدر مخالف للعقل استيراد الحلول الخاصة
بتلك المشكلات.
في
مقابل هذا ، يرى الاصلاحيون ان استبداد الدولة واحتكارها للموارد العامة ومصادر
القوة طيلة التاريخ الماضي والحديث كان سببا في اذلال الشعب وتشويه شخصيته وثقافته
، والمعيق الابرز لتمدن البلاد وارتقائها . وان الديمقراطية هي وسيلة عملية وفعالة
لاصلاح الخلل في موازين القوى ، على وجه يجعل المجتمع سيدا للدولة . ويذهب ايةالله شبستري بالجدال الى مدى ابعد حين يقرر ان الديمقراطية ضرورة للدين مثل
ضرورتها للمجتمع ، فالنموذج الديمقراطي الليبرالي هو (الوحيد الذي يوفر الفرصة
لتحقيق الغايتين الاعظم من غايات الدين ، اي العدالة وانعتاق الانسان).
ويتفهم الاصلاحيون
حقيقة انه لا يمكن تاسيس نموذج ديمقراطي على ارضية التراث الذي ورثناه من الاجداد
. لكن في الوقت نفسه فان خاتمي يندد بالتقليد الطفولي لتجارب المجتمعات الاخرى كما
يندد بالرفض الاعمى لنتائج تلك التجارب دونما سبب سوى كونها اجنبية. بدلا من هذا ،
فهو يدعو المثقفين المسلمين الى تعامل نقدي مع ما يصفه باعمدة الحضارة المعاصرة
مثل الليبرالية ، الفردانية ، الحقوق الطبيعية ، والعقلانية . الحداثة في رايه هي
أحد الحلول التي توصل اليها الانسان في كفاحه الدائب للتقدم ، وهي تنطوي مثل اي منجز انساني آخر على عناصر
ايجابية واخرى سلبية ، وهي متغيرة ومتفاعلة وليست نظاما مغلقا تأخذه كله او تتركه
كله. ولهذا يدعو الى اعادة انتاج الحداثة ولا سيما جانبها السياسي ، اي
الديمقراطية ، في اطار الثقافة المحلية كي تأتي متناغمة مع روحية الشعب وقادرة على
استيعاب همومه وتطلعاته .
"توطين الديمقراطية" يتضمن صيانة عمودها
الاساس ، اي حاكمية الشعب ، وفي الوقت نفسه تمكين الشعب من اختيار الطريقة
الملائمة لوضع هذا المبدأ موضع التنفيذ. توطين الديمقراطية يعني بصورة محددة جعلها
متلائمة مع الدين ، باعتباره المكون الابرز للثقافة والهوية الوطنية.
2 ابريل 2006
مقالات ذات علاقة
الايديولوجيا السياسية للتيار الاصلاحي في ايران
خاتمي وفكرة توطين الديمقراطية
دور الخميني في تعديل نظرية السلطة عند الشيعة
هل تتلاءم الثقافة الإسلامية مع الديموقراطية؟
د. توفيق السيف: ولاية الفقيه نظرية ادت غرضها وحان الوقت لتجاوزها
حدود الديمقراطية الدينية : عرض كتاب
خاتمي وفكرة توطين الديمقراطية
جدل الدين والدولة في ايران
حول الحاجة الى فقه سياسي جديد
د. السيف: فقد الدِين وظيفته الاجتماعية لأنه أصبح حكرا على طبقة خاصة
التراث الاسلامي بين البحث العلمي والخطاب
الـدين والمعـرفة الدينـية
حول تطوير الفهم الديني للعالم
الديمقراطية في بلد مسلم- الفصل الاول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق