"حقبة
الخلف الصالح" هو عنوان مقال الزميل حسين
شبكشي،في هذه الصحيفة يوم الاحد
الماضي. لا بد ان بعض القراء قد تبسم وهو ينظر في هذا العنوان الغريب. وقد ذكرني بتقليد
سائر بين دارسي العلوم الشرعية ، فحواه انهم يطلقون وصف "بقية السلف"
اذا أرادوا المبالغة في مدح عالم كبير ، ولا سيما عند وفاته. فكأن الأصل ان هذا العظيم
قرين للماضين ، فنلحقه بهم وليس بأقرانه الأحياء.
ويعتقد
الزميل شبكشي ان التقدير الوافر للاسلاف ، مقابل قلة الاكتراث بالمعاصرين (الخلف)
مرجعه الحديث المنسوب للنبي "خير القرون قرني" الذي فسر في ان عموم
المعاصرين له عليه السلام والجيل الذي يليهم ، خير من عامة من يأتي تاليا.
ويجري
نفس المجرى – في ظني - الروايات المتعلقة بخروج المهدي في آخر الزمان ، إذا "امتلأت الأرض ظلما
وجورا". فهذه وذاك يتحدثان عن سير تراجعي للتاريخ: كلما تأخر
الزمن زاد فساده ، وكان أهله أقل خيرية ممن سبقهم .
لا
استطيع تكذيب تلك الروايات ، مع اني لاحظت ان علماء الحديث قد صرفوا جل اهتمامهم
الى سنده ، اما دراسة المتن فاقتصرت على التحقق
من اتحاد او اختلاف الالفاظ ، في الروايات المتعددة للحديث الواحد ، ونادرا ما
اهمتموا بمعقولية المتن ومطابقته للواقع الذي نعرفه ، او حتى مطابقته لروح الرسالة
المحمدية وما نفهمه من آيات الكتاب المبين. وقد أشار الى طرف من هذه العلامة ابن
خلدون ، في نقده لمناهج بحث الرواية التاريخية ، في "المقدمة".
لست
إذن في صدد التعرض لصحة هذه الاحاديث وغيرها. لكن يهمني الإشارة الى ان مفادها
مخالف لما نعرفه من الواقع وأوامر القرآن الصريحة ، وحكم العقل. والمفاد المقصود
هو فرضية ان التاريخ البشري يتراجع ، وان التالي اقل خيرية من السابق.
اما مخالفتها
لأوامر القرآن فيظهر في مفاد الأمر بالجهاد والدعوة للفضائل. فلو لم يكن متوقعا ان
يفضى هذا الامر الى تغيير الحال الى ما هو أحسن ، لكان الأمر به عبثا ، لا سيما
اذا كان تنفيذ الامر مستوجبا لتضحيات جسيمة ، فكيف يكلفنا الله بشيء مع علمه بان
الأمور لن تتعدل ، لانها تسير -وفقا لحتمية تاريخية - في الاتجاه المعاكس؟.
وأما
مخالفتها لحكم العقل فيظهر في الربط بين العمل والناتج. يأمرنا العقل بفعل معين ، بناء
على تقدير منطقي سابق ، فحواه أن سوء الحال وحسنه ثمرة لفعل البشر وتصرفهم. القول
بان الآتي سيكون حتما أسوأ من الماضي ، معناه ان كل سعي للخير سينتهي الى عكسه ، أي
ان العمل للخير وعدم العمل سواء في النتيجة.
وأما
مخالفتها للواقع ، فظاهر في المقارنة بين واقع البشرية في الماضي والحاضر. فعدد
المسلمين تضاعف الف مرة ، وانتشارهم في العالم كذلك ، وتقلص الظلم في العالم ، وبات
القرآن ميسرا لكل البشر بمختلف لغاتهم ، وتعاظمت العلوم والمعارف ، وارتفعت قيمة
الانسان ، وزاد الاهتمام بالعمران وحماية الطبيعة والحيوان. وهذه كلها من مقاصد
الشريعة التي لا خلاف فيها. أي ان العالم سائر في تطبيق ما أراد النبي تبليغه ،
ولو تحت مسميات أخرى. فهل زمننا هذا اقل قيمة من أزمان الامويين او العباسيين او
المماليك او السلاجقة او امراء الطوائف على سبيل المثال؟.
لقد
اثار الزميل شبكشي مسألة في غاية الأهمية ، وهي تثير سلسلة من الأسئلة ، يتلخص
احدها في مسألة التفاضل بين الأزمنة ، وفق المتعارف في التراث. وارى اننا بحاجة
للتأمل فيها من دون انبهار ولا توجس.
الشرق
الاوسط الأربعاء - 7 شوال 1442 هـ - 19 مايو 2021 مـ رقم
العدد [15513]
نشر ضمن كتاب "ابراهيم البليهي: مفكر ووطن" منشورات منتدى الثلاثاء - اغسطس 2020 ص ص 49-71
الاستاذ ابراهيم البليهي واحد من المفكرين النوادر في المملكة العربية السعودية. اني اشبه دوره التنويري بادوار مفكرين كبار ، مثل جون لوك وجان جاك روسو ، الذين لم يعرفوا كنجوم في عالم الفكر ، الا بعد وقت طويل من طرحهم الأولي لافكارهم. هؤلاء الافذاذ حصلوا على التقدير الذي يستحقونه بعد زمن طويل من رحيلهم. اما انكار الناس لقيمة افكارهم يوم طرحوها ، فسببه أن الناس يكرهون من يحدثهم عن أخطائهم. وسيغضبون عليه أكثر لو أخبرهم ان آباءهم كانوا خاطئين أيضا ، وسيمقتونه أشد المقت ، لو قال لهم ، دون ان يرف له جفن ، بأنهم – فوق كل ارثهم البائس وأخطائهم الحاضرة – عاجزون عن إصلاح انفسهم وحياتهم. هذا ما فعله البليهي على وجه التحديد.
ولكي يزيد الطين بلة ، فانه لم يقل ذلك في كتاب علمي لا يقرأه الا قلة من ذوي الاختصاص. بل قاله في كل مكان استطاع الوصول اليه ، من الصحيفة اليومية ، الى محاضرة في منتدى مفتوح ، الى حديث على التلفزيون. بعض الناس رأوا انه كان على البليهي ان يحافظ على خطاب أقل خشونة مما اعتاد ، كي يتجنب عداوة التيارات القوية في المجتمع. لكن الواضح انه لم يعبأ بمثل هذا الكلام. آخرون حاولوا اقناعه بأن يتحدث في قضايا أخرى ، غير رؤيته الرئيسية التي تسببت في الصدام بينه وبين اولئك النافذين ، لكنه أيضا لا يرى قضية تستحق العناء سوى النظرية التي يدعو اليها ويعمل على بناء اطارها النظري ، اي ما يسميه "علم الجهل".
اختار البليهي ان يذهب مباشرة الى ما يعتقد انه جوهر المشكل الاجتماعي ، كي يعرضه عاريا امام الناس ، دون قلق من ردود الفعل ، التي كانت -كما هو متوقع - قاسية جدا ومؤلمة.
الارث العليل
يعتقد البليهي ان جوهر المشكل الذي يواجه العرب ، هو ان أذهاننا وهويتنا تشكلت تحت تأثير تراث ثقافي عتيق ومنفصل عن زمنه. لقد ورثنا هذا التراث من آبائنا ، وبات من ثم ارضية نبني عليها رؤيتنا لانفسنا وعالمنا ، ونعيد انتاجها كارث جديد ننقله الى ابنائنا. هذا الثقافي متخم بالأساطير التي أبطلها العلم الحديث. هيمنة الموروث الثقافي ليس حالة خاصة بالعرب ، فهو يرى ان "الناس من كل الانساق الثقافية المتضادة ، يلتقون في العقلانية العملية والتنظيمية والفنية والمادية ، وفي كل ما هو مشترك بين كل البشر، لكنهم يفترقون افتراقا حادا في الانساق الثقافية المتوارثة"[1].
تبدو عناصر الثقافة العامة جذابة في عيون اصحابها ، لانها تنسجم مع ما يعرفون من قيم وأعراف. لكنها مع ذلك ليست شيئا ينبغي الحفاظ عليه. لقد أبدعها اسلافنا كاستجابة لظروف خاصة بهم ، في أزمان متفاوتة. ثم ، وبسبب ظروف التخلف والجمود ، وما يفرزه من ميل نفسي شديد لتقديس الأسلاف ، جرى تجريد تلك الاعراف والتقاليد من إطارها التاريخي الخاص ، فباتت مطلقة ، ثم تحولت الى نوع من المسلمات المقدسة او شبه المقدسة ، التي لا يجادلها أحد ، او التي – على اقل التقادير – تثير الفزع ، حين يعترض عليها بعض الناس.
بكلمة واحدة ، هذه الاعراف المقدسة أوهام متراكمة ، وضعناها في مرتبة المعرفة حينا ، وفي مرتبة القيمة حينا آخر ، فتحولت نتيجة لذلك الى جهل مقدس ، او حجاب على العقل ، يريك العالم على نحو غير ما هو عليه في الواقع. ومن هنا ، يرى البليهي ، ان المجتمع العربي غير قادر على التحرر من جهله ، وغير راغب في التحرر أيضا ، لانه لا يرى في هذا الركام الثقافي سوى صورته وصور اسلافه ، على النحو الذي يحبه ويرتاح اليه.
معظم الذين قرأوا البليهي او استمعوا اليه سيشعرون بصدمة ، خفيفة بالنسبة للبعض ، وقاسية للبعض الآخر ، لأنه ببساطة لم يؤجل صراعاته مع أحد كما لم يجامل احدا. ولذا فان أيا من التيارات التي تصارعت في المجتمع السعودي لا ترى فيه حليفا او سندا ، كما انه لا يستطيع الاتكال على أي منها او التعويل على دعمه ، في مواجهة موجات الكراهية والتحريض السلبي التي توجهت اليه في معظم الاوقات.
ليس سهلا ان يكون الانسان ناقدا للجميع ، لانه ليس سهلا ان يكون خصما للجميع. وفي مجتمع تقليدي كمجتمعنا ، فان اي ناقد سيصنف عدوا ، ولن يقر له أحد بالحق في ان يتبنى فكرته الخاصة او قناعاته المختلفة. والحق ان البليهي اختار اصعب طريق ممكن للتعبير عن قناعاته. فقد اصطدم مبكرا بالتيار الديني التقليدي وذراعه المنظم ، وهذا الاخير فريق احترف خوض المعارك وتشويه المعارضين وعزلهم اجتماعيا وتخريب مبادراتهم.
جوهر الرؤية التي يدعو اليها البليهي ، هو السبب في اصطدامه بالتيار الديني التقليدي. هذا تيار يقدس الموروث ، ينظر الى التاريخ كمرجع للأفكار والاراء والمعايير ، ويعلن صراحة انه يسعى لقولبة الجيل الجديد وبرمجته وفق ما يراه صالحا للدين والدنيا.
برمجة الاذهان وادلجة الجيل هي محور جدالات البليهي ، وهي – عنده – سبب العجز المشهود عن التحرر من الجهل المقدس والأوهام الموروثة. وهي بالتالي سبب التخلف الاجتماعي الذي يركد فيه العرب والمسلمون عموما.
يسعى البليهي لتأسيس نظرية جديدة يطلق عليها اسم "علم الجهل". وهو يبني هذه الرؤية على أرضية علمية ، سوسيولوجية وابستمولوجية ، معروفة ومقولاتها رائجة بين دارسي الاجتماعيات والثقافة. ولهذا أيضا فهي تتعرض للنقد الذي يتوجه لتلك المقولات ، فضلا عن النقد الخاص بالعلاقة بينها وبين المستخلصات النهائية.
علم الجهل:
تاسيس "علم الجهل" هو المهمة التي يقول البليهي انه نذر لها حياته. والحقيقة انه من السهولة بمكان ان تلاحظ ان كل احاديثه وكتاباته خلال الثلاثين عاما المنصرمة ، دارت بشكل رئيسي حول هذا الموضوع. دعنا مثلا نستعرض المبرر الذي ساقه الى هذا المسار ، منذ وقت مبكر نسبيا. في 1993 كتب البليهي:
كلما استمعت الى طوفان الاحكام التي يصدرها الناس على كافة القضايا وعلى مختلف الافكار والاشخاص والمواقف والاشياء بشكل جزافي وجائر وخال من الاحساس بمسؤولية الكلمة (....) وكلما اصغيت الى جدال بين مختلفين ، احسست بالحاجة القصوى الى تاسيس علم الجهل ، ليرافق حياة الناشئين منذ البدايات الاولى لطلب العلم ، وليصطحبوه في كل حياتهم ، حتى يدركوا ضآلة ما يعرفون ،قياسا بما لا يعرفون (...)
ان علم الجهل هو المدخل الحقيقي للعلم. لان الناس لا يفطنون ان الجهل في الفرد هو الاصل ، اما العلم فهو شيء طاريء وضئيل وهش . ومع ذلك لا بد من المجاهدة الدائمة لاكتسابه. فالجهل بلا حدود اما العلم فهو تقميش محدود.[2]
المشكلة الجوهرية التي يواجهها الناس في الحياة اليومية ، حسب تقدير الاستاذ البليهي ، هي التعالم الناتج عن الجهل المركب ، اي جهل الانسان بكونه جاهلا "ان جهل الجهل هو اصعب عوائق المعرفة. فالذي يجهل جهله لا يحاول ان يتعلم. والذي تغيب عن ذهنه احتمالات الخطأ ، لا يكون حذرا في اصدار الاحكام"[3]
وهي مشكلة جوهرية لانها تشكل ما يمكن وصفه بسلوك عام عند البشر. معظم الناس يجهلون نقاط جهلهم ، وهي – بطبيعة الحال – اكثر بكثير من نقاط علمهم. اما السبب الذي يرجع اليه البليهي هذه السمة فهي طبيعة البشر في الثقة المطلقة بما استقر في اذهانهم من تصورات او مواقف تجاه البشر والاشياء. [4]
انطلاقا من هذه النقطة يذهب البليهي بعيدا ، واظنه يتجاوز ما هو ممكن بحسب الطاقة البشرية وطبائع الحياة ، فينتقد ما يمكن وصفه بجهل المفكرين "حتى حين يكون الفرد على جانب كبير من التفتح وسعة الاطلاع وعمق المعرفة ، فان النقص البشري يبقى ملازما له ، لان معارفه محكومة باهتماماته وهو في الغالب لا يرى الا ما تجسده هذه الاهتمامات"[5] .
اعتقد ان اشارة البليهي هذه غير مناسبة للموضوع ، لانها تخرج النقاش من الحدود العلمية الطبيعية (النقاش ضمن ما هو ممكن عادة وفق الطاقة البشرية) الى تقديرات مبنية على معايير مثالية متجاوزة ، ولا يمكن التحقق من امكانيتها او صدقيتها. في الحقيقة فان ما لا يستطيعه الانسان لا يعتبر جهلا بالمعنى الذي يعمل عليه الدارسون ، بل هو اقرب الى المعنى الميتافيزيقي للغيب ، والجهل به امر طبيعي ، بل لا يمكن القول بغيره.
لكن للانصاف ، سوف اضع تبريرا لهذا الموقف ، خلاصته ان البليهي ربما اراد من اطلاق هذه الدعوة المثيرة ، الاشارة الى حقيقة نعرفها وهي ان غالبية اهل العلم ، في ظرف محدد ، منسجمون مع التيار السائد ، ممتنعون عن نقده ، لأكثر من سبب ، معرفي او نفسي. فالغرض من اشارة البليهي اذن التشنيع على اهل الفكر المعرضين عن دورهم الرئيس ، اي نقد السائد.
القابليات الفارغة:
يعتقد البليهي ان الجهل هو الاصل. ويعبر عن هذا المعنى بمقولة القابليات الفارغة. خلاصة هذه المقولة ان الانسان يولد بذهن فارغ ، وان المحيط الاجتماعي يقولب عقله ويحدد توجهاته. لهذا فان الانسان يتحول – دون ان يشعر في الغالب – الى نسخة عن المثال الذي يريده المجتمع[6]. وهو يؤكد مرةبعد مرة على تأثير البيئة الاجتماعية في تشكيل الانسان ، ثقافته ولغته وتوجهاته العامة ورؤيته للعالم ، ويضرب مثلا بالانسان الذئب: لو ان انسانا تربى بين الذئاب ، لاصبح مثلهم يعوي مثلهم ويتحرك مثلهم ويأكل مثل ما يأكلون.
هذه الفكرة مثبتة علميا ، وهي الرأي الراجح عند الغالبية العظمى من علماء الاجتماع المعاصرين. لكن البليهي يفترق عن هذا الاتجاه حين يتشكك – بقوة – في قدرة الأفراد على اكتشاف حقيقة الوضع الذي يعيشونه ثم التحرر من أسر البيئة.
وللتوضيح اود البدء بالاشارة الى ان تعبير "قابليات فارغة" ينطوي على غموض في دلالته. القابلية ليست وعاء كي تكون مليئة او فارغة ، بل هي حالة ديناميكية ، توجد في الانسان عند ولادته ، ثم تتطور او تتراجع بتاثير التفاعل بين الانسان ومحيطه. دعني اميز هنا بين ثلاثة أشياء ، كي نستوضح الذي نتحدث عنه:
1-العقل والغرائز
2-القابليات الفطرية /natural endowments
3-القدرات/الامكانات capacities/capabilities
العقل والغرائز: نعرف جميعا ان الانسان يولد مجهزا بالعقل والغرائز ، وهذا مما لا خلاف فيه. العقل على وجه الدقة ، هو اداة فحص وتصنيف وخزن واعادة انتاج المعرفة وتطوير المعرفة. ان عقل الطفل الرضيع قادر على فرز ما يعتبر تهديدا لحياته وما لا يعتبر. مقاومة الفناء هي اقوى الغرائز عند كافة الاحياء. لكنها عند الانسان تتحول الى اداة دفاع عن الذات متطورة وديناميكية ، يعاد انتاجها بشكل فوري بحسب الظروف المحيطة. هذا التطور هو عمل العقل. لكن الغريزة الاخرى ، اي غريزة التملك والتكاثر في المال والعلم والقوة والمكانة ، هي الشاهد الاعظم على عمل العقل. ونستطيع تلمس آثارها عند الاطفال منذ بواكير ايامهم. ان الغرائز ليست سوى ذلك الجزء من العقل ، الذي تمت برمجته في الانسان وهو لازال في رحم أمه ، من قبل الخالق سبحانه وتعالى. المجموعة المتشكلة من العقل وادواته المادية (الحواس الخمس) والادراكية (الغرائز) هي وسيط التواصل بين المخلوق الذي هبط للتو على سطح الارض وبين العالم الذي يستضيفه.
اما القابليات الفطرية ، فهي اما بيولوجية او ذهنية/روحية. الاولى مثل الصحة وسلامة البدن ، وبعضها ارث من الابوين وبعضها الاخر نتاج لتاثير البيئة. اما القابليات غير البيولوجية ، مثل الاخلاقيات والسلوكيات والذكاء ، فلا احد يقول بانها فطرية ، بمعنى انها ضمن تكوين الانسان لحظة ولادته.
لا بأس بالاشارة هنا الى وجود تيار صغير بين علماء الاحياء والاجتماعيين ، يطلق عليه وصف الداروينية الجديدة، يرى ان بعض الصفات غير البدنية تنتقل من خلال الجينات ، مثل الذكاء والقدرة على تحدي عوامل الفناء. واحتمل ان عالم الاحياء الامريكي ادوارد ويلسونهو ابرز القائلين بهذا الرأي في العصر الحاضر. وقد عرضها بالتفصيل في كتابه "البيولوجيا الاجتماعية: التوليفة الجديدة"[7].لكن هذه الرؤية ليست مقبولة عند السواد الاعظم من علماء الاحياء ، فضلا عن الاجتماعيين. كما ان الاستاذ البليهي رفضها أيضا في اكثر من حديث ، من بينها محاضرته في الكويت في 10 يناير 2012.[8]
اما القدرات/الامكانات ، فلم اسمع أحدا من اهل العلم يقول انها وراثية او فطرية. الاجماع قائم على انها نتاج للتفاعل بين الفردومحيطه ، مؤثرا او متأثرا.
زبدة القول ان فكرة "القابليات الفارغة" ليست واضحة ، واذا صح تفصيلنا لها على احد المعاني الثلاثة ، فلن تكون متينة بما يكفي لدعم نظرية الاستاذ البليهي. لكننا سنأخذ منها الجزء الذي يركز على دور البنية الاجتماعية في صياغة الهوية والذهنية.
ماذا يعني ان تكون المشكلة في البنية:
البنيةالاجتماعية ليست قطعة حجر ، فهي كائن حي متفاعل مع المؤثرات المختلفة الداخلية والخارجية. تجري التحولات بشكل مستمر ، وان كان بطيئا في معظم الاوقات ، لكن التحول يتسارع في ظروف الازمة ، ويتحول الى تحول انقلابي حين تكون الازمة شديدة او عاصفة. وحين نتحدث عن تحول في البنية ، فاننا نشير بشكل اكثر تركيزا الى منظومات القيم والاعراف ومعايير العلاقات الاجتماعية التي تشكل ما نسميه بالرابطة الاجتماعية. هذه الرابطة كينونة جمعية واحدة ، تتفاعل – بشكل لين او خشن – مع هموم اعضاء الجماعة وتطلعاتهم ومعارفهم اضافة الى قدراتهم المادية.
التشديد على ثبات البنية على مدى تاريخي طويل ، يجعل البليهي في خط واحد مع العلامة عبد الرحمن بن خلدون ، الذي تحدث عن "طبائع" الشعوب والاقوام. ولا أظن هذا صحيحا. نحن نتخيل تاريخنا ولانعرفه بدقة. ومحاولتنا لفهمه تنطوي على مقاربة رجعية. وهي لا يمكن ان تكون منطقية لانك تريد ان ترى الماضي بعين الحاضر.
مفهوم ابن خلدون بعيد عن مفهوم البنية الاجتماعية المعروف في علم الاجتماع المعاصر. وهو يقع في منتصف المسافة بينها وبين نظرية الحتمية البيولوجية. وارى ان فكرة البنية التي يتحدث عنها البليهي ، اقرب الى مفهوم "الطبائع" الذي ذكره ابن خلدون. بل ان الاستاذ البليهي يذكر ايضا في سياق احاديثه ، عبارات تطابق عبارات ابن خلدون ، مثل عنوان الفصل 26 من "المقدمة" الذي اختار له " باب أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب"[9] والعنوان يكفي عن مزيد البيان.
والحقيقة ان ابن خلدون لم يقل باطلا ، فالادلة على قوله اكثر من ان تحصى. وابرزها ان بعض آثار الامم السابقة للدولة العربية لازالت قائمة ، بينما لم تترك هذه الدولة على اختلاف عصورها اي اثر يشار اليه بالبنان. او انها لم تترك ما يشير الى عناية بالبناء والعمران على نطاق واسع.
وقال ابن خلدون في تبرير هذه الحالة ، ان العرب اميل للتوحش وانكار النظام ، وهم لا يجيدون التعامل مع مكونات البيئة ، فالحجارة التي استعملتها الامم في البناء ، استعملها العرب في نصب القدور للطبخ ، كما ان الاخشاب التي اقيمت بها الاسقف اقاموا بها الخيام ، فضلا عن قيام حياتهم على الغزو والغنيمة والنهب.
انظر كذلك الفصل 28 من المقدمة ، وعنوانه "باب في أن العرب ابعد الأمم عن سياسة الملك"[10] وكذا الفصل 21 "باب في أن العرب ابعد الناس عن الصنائع" والفصل 35 "في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم"
وقد اغرق ابن خلدون في الكلام عن اختلاف الاعراق وامتياز بعضها بصفات واخلاقيات ، مصدرها تكويني ، رغم انه حاول ايضا ايجاد تفسير في اطار نمط المعيشة والانتاج ، اي ما نسميه اليوم بالاقتصاد السياسي. وللتاكيد ذكر التاثير الشديد للبيئة الاجتماعية والثقافة العامة ، على نمط العيش والاخلاقيات "اعلَمْ أنّ اختلاف الأجيال في أحوالهم إنّما هو باختلاف نِحْلَتهم من المَعاش"[11] و "الإنسان ٱبنُ عَوائده ومَأْلُوفه، لا ٱبن طبيعته ومِزَاجه. فالذي أَلِفَهُ من الأحوال حتّى صار خُلُقًا ومَلَكةً وعادةً، تَنَزّل منزلةَ الطبيعة والجِبِلّة"[12]. لكن لا يبدو ان هذه التفسيرات قللت من اعتقاده في الفوارق البيولوجية. ولعله اعتبر العاملين ، اي الاجتماعي والبيولوجي ، متضامنين في تشكيل الشخصية والسمات الخاصة لكل عرق.
اشرت الى انه لا يظهر في اي من كتابات البليهي ، ما يشير الى تبنيه لمنظور الحتمية البيولوجية ، القائلة بالفوارق بين الاعراق في القابليات الفطرية. لكن الحاحه على الفشل التاريخي للعرب [13]، مضافا اليه تاكيده الشديد على جبر البنية الاجتماعية ، والعسر الشديد للتحرر منها (لا سيما استبعاده الحازم لامكانية اكتشاف الحقيقة ووضع مسافة بين الذات والبيئة) يوقعه في مشكل اساسي ، هو الشك في عقلانية الانسان وخيريته. في الحقيقة هناك اشارات الى تمتع الانسان بهاتين السمتين في انحاء من كلامه عن القابليات الفارغة. لكن تشككه القوي في قابلية الانسان للتحرر ، هو الذي يعطي ايحاء قويا الى تبنيه للمنظور العكسي ، وهذا يتعارض مع مبدأ متفق عليه بين الفلاسفة المعاصرين ، بل هو احد الثوابت في الفلسفة الحديثة ، وهو اعتبار عقلانية الانسان واخلاقيته ، و – تبعا لهذا – قدرته على التصحيح. مما يعزز هذا الظن اشاراته احيانا الى ما يشبه مفهوم الجبر ، يقول مثلا في شرحه لمفهوم التلقائية:
" الانسان كائن تلقائي ، يحب رغما عنه ، ويكره رغما عنه ، ويقلق رغما عنه ، ويخاف رغما عنه ، ويفر من المخيف بشكل تلقائي ، ويصاب بالارق وتنتابه مختلف الانفعالات دون ارادته . انه يصاب بالكرب رغما عنه ويجب نفسه مدفوعا تلقائيا للتعبير عما يتفاعل ويغلي في داخله.."[14]
مخرج محتمل
وفقا للبليهي فان العقل البشري يخضع لتاثير نظم تفكير ثلاثة:
أ-نظام التفكير التلقائي المتوارث الذي يجده الانسان في البيئة المحيطة منذ اطلالته الاولى على العالم. هذا النظام يتشكل ضمن منظومة من القيم والاعراف والاوهام التي تحولت مع الزمن الى ما يشبه برنامجا ثابتا ونهائيا في حياة الجماعة وعقلها بحيث لا ترى شيئا سواه ، لا ترى حقا ولا باطلا ولا شيئا محايدا الا عبر الموازين والمناظير التي توفرها هذه المنظومة او النسق.[15]
ب-نظام التفكير العملي ، اي مجموعة المعلومات والمعايير التي يتعامل بها ومعها الانسان في حياته اليومية ، التي قد يتشارك فيها او في بعض جوانبها مع اشخاص لا ينتمون الى اطاره الثقافي الخاص. وهذا يطابق وفق البليهي مفهوم "الحكمة العملية" عند ارسطو. التفكير العملي محكوم من حيث المبدأ بنظام التفكير التلقائي السابق الذكر ومعاييره فيما يخص رؤية العالم. لكنه يختلف عنه في الاداء العملي او المهني حيث يتبع منطق المهنة وقواعدها التي قد تكون اكثر تطورا او مختلفة تماما عن النظام الاول.[16]
ت-نظام التفكير الفردي الريادي الاستثنائي: وهو نظام فلسفي ناقد ومضاد للنظام الاول. ويعتقد البليهي انه ليس ممكنا لهذا النظام ان يكون اسلوب حياة للجماعة. انه ميزة يتمكن منها بعض الافراد فحسب. ان الاختراقات العملية الكبرى نادرة جدا ، لان الاشخاص الذين يتمتعون بالمواصفات التي تتطلبها – وابرزها امتلاكهم لنظام التفكير هذا - قلة نادرة.[17]
حين تستغرق في قراءة الاستاذ البليهي ، فقد تشعر بانه لا يقترح شيئا سوى الوقوف امام طريق مسدود وربما البكاء على اطلال الذات المهشمة. لكن حديثه عن التعليم والانسان المفتوح للتغيير ، قد يكون مخرجا محتملا من اليأس. مع انه يضع شروطا لنجاح هذا الدور ، قد لا تتوفر في الاعم الاغلب من نظم التعليم في العالم. على اي حال لا ينبغي اخذ الكلام في حدوده القصوى. ثمة دائما نقاطة في الوسط يمكن اعتبارها مؤشرا على هذا الاتجاه او ذاك.
مهمة التعليم حسب راي البليهي ليست تكديس المعلومات في اذهان الطلبة ولا سرد الاحداث واستظهار الوقائع ، بل تطوير العاقل الناقد المتسائل ، العقل الذي يشعر دائما بالحاجة الى المزيد ، وليس العقل الذي يشبه وعاء امتلأ فاكتفى بما فيه.[18] بعبارة اخرى فان التعليم – في صورته المثلى – سيبني الذهنية المتسائلة الناقدة ، التي تنتمي للنوع الثالث من نظم التفكير ،بحسب الشرحالوارد في السطور السابقة.
الانسان مشروع مفتوح النهايات
رغم عسر التحرر من البرمجة الاجتماعية ، فان الانسان قادر على ذلك. لا يمكن انكار هذا. هذا ما يميز العقل الانساني عن الادراكات الغريزية للحيوان
"القطاة تهتدى الى وكرها في الفلاة دون تردد او بحث (...) لا تتوه ولا تتردد ولا تبحث ، انما تنجذب الى وكرها الخفي كما ينجذب الحجر الى الارض."
"دودة القز تنسج خيوط الحرير بنفس الطريقة وعلى نفس المستوى من الدقة منذ ان وجدت والى ان يرث الله الارض ومن عليها.
والقط يقفز من جدار الى اخر بمهارة يغبطه عليها لاعبو السيرك وبرشاقة لا يستطيعها الانسان الا بتدريبات مضنمية ومتواصلة.
انه التكوين الناجز والبرمجة المكتملة .. لان الحيوانات موجهة غريزيا وليست متروكة لجهدها ولا موكولة لاختيارها .. ولذلك لا يعتريها النقص ولا تتعر للخطا في حدود المهام التي خلقت من اجلها
اما الانسان فهو بمثابة مشروع مقترح ، فهو مفتوح لكل احتمالات التالق والانطفاء .. ولكل مستويات الفجاججة والنضج.."[19]
انعتاق الفرد من رق اهوائه وتخففه من هيمنة البرمجة التي صاغه بها مجتمعه ، يجعله قادرا على توجيه حياته بالمستوى اللائق بالانسان.
"ان مرونة العقل البشري مزية عظيمة ، لكن عفونة التقاليد احالت هذه المزية الى رزية . فالعقل المفتوحللفهم عند الولادة ..استحال بالتنشئة الى عقل مغلق بالتعصب"[20]
انتاج العلم والثورات العلمية
من المحاور التي اظنها رئيسية في فكر الاستاذ البليهي ، دور الفرد الاستثنائي في النهضة. وخلاصة رؤيته في هذا الخصوص هي ان البحث العلمي العادي ، بكل ما فيه من علماء ومؤسسات بحث وجامعات ، لا ينتج علما عظيما. العلم العظيم يتوصل اليه افراد استثنائيون حالمون ، في لحظة توهج للحلم او الخيال الذي يتجاوز كل ما هو واقعي او متعارف او مألوف. وفقا للبليهي فانه ثمة "خلط شديد التضليل وفادح الضرر بين الاختراقات العبقرية التي تتحقق بواسطة الاهتمام التلقائي القوي المستغرق ، وبين البحث العلمي الرتيب بواسطة الالتزام باحد المناهج العلمية وخطواته التقنية"[21]
حين تقرأ هذه الفكرة بمفردها ، سوف تتذكر – على الارجح – نظرية توماس كون في تقدم العلم ، التي شرحها في كتابه المرجعي "بنية الثورات العلمية"[22]. ميز كون بين مرحلتين في تقدم العلم: مرحلة العلم العادي حيث يقتصر دور الباحثين على ما يسميه "حل الكلمات المتقاطعة" اي العلم تحت سقف نظرية اساسية متوفرة فعليا[23]. هذه النظرية ليست مجرد رأي بل منظومة كاملة من الفرضيات الاساسية وتعريف موضوعات العلم والمنطلقات ومعايير التقييم وطرق البحث والقياس والمعايرة وصولا الى تقييم النتائج. ان اي علم ينتج في هذا الاطار لن يختلف – وفقا لتوماس كون – عن السياق السائد فعليا. ولذا لا نتوقع اختراقات كبرى في مرحلة العلم العادي او في اطار البارادايم الذي يتمثل في النظرية والمنظومة السابقة الذكر.
تحدث الاختراقات حين يكتشف عالم ما عجز ادوات المنظومة اياها عن حل المعضلات او الاشكالات التي تظهر في نفس البيئة العلمية ، اي ضمن حدود الباراديم ، ويعجز انصار البارادايم عن تبرير اسباب هذا العجر او انكار جديته[24]. هذا الاكتشاف سوف يزعزع الثقة الراسخة في البارادايم السائد ويفتح الباب امام بديل عنه. واذا نجح اي بديل في استقطاب الاهتمام ، فسوف ينفر الناس اليه ويتخلون عن سلفه في حركة تشبه قفزة بين عالمين. وهذا ما يسميه توماس كون بانقلاب البارادايم او الثورة العلمية ، ويعزو اليها اهم لحظات التحول الكبرى في تاريخ العلم[25].
ملاحظة اخيرة
لقدأجاب الاستاذ البليهي عن سؤال: ما هو الطريق للخلاص من الوضع السائد محل النقد ، اجاب بان الحل يكمن في متابعة الامم التي تقدمت والاحتذاء بتجربتها ، مثلما فعل اليابانيون والكوريون في النصف الثاني من القرن العشرين.
هذا الاقتراح يواجه معضلتين مهمتين: اولاهما تشديده على عسر التحرر من الزامات البنية الاجتماعية ، والحاحه الموازي على ما يمكن ان اسميه بالحالة السكونية للعقل الذي تشكل في هذا الاطار. فكيف يمكن لانسان تسكنه حالة جهل مركب – وفق تصوير البليهي – ان ينظر للاخرين نظرة التلميذ ، مثلما فعل الكوريون واليابانيون؟.
في اعتقادي ان الفكرة القائلة بان الانسان العربي يعاني من جهل مركب ، ليست دقيقة ، وان القسر الشديد للبيئة على النحو الذي صوره الاستاذ البليهي ، ليست صحيحة هي الاخرى. في كل الاوقات يمكن للانسان ان يتحرر – ولو لوقت يسير – من انحيازاته ويستذكر المباديء الاولية للعدالة كمعيار حاكم على علاقته مع الغير ، وفق التصوير الذي قدمه الفيلسوف المعاصر جون رولز ، عن الموقف الاصلي وحجاب الغفلة ، وعلاقتهما بقابلية الانسان لاكتشاف الخير والعدل[26].
أود الاشارة ايضا الى نهوض المشاعر الفردانية في العقدين الاخيرين ، وتسلحها بالقدرات الاتصالية الواسعة التي اتاحها تطور تقنية الشبكات والاتصالات ، حتى بات ممكنا لشاب ذكي في مكان ما من العالم ان يطلق فكرة ذكية يتلقاها الاف الناس ، فتصنع تيارا يؤثر بعمق في حياة العالم. ان الجيل الجديد من سكان العالم – ومنه العرب والمسلمون دون استثناء – يشكل هويته وشخصيته وثقافته من خلال مسارات تواصلية مكثفة تتجاوز النطاقات التقليدية ، اي العائلة والقوم والبيئة المحيطة. لم يعد ابناؤنا يشبهوننا الا قليلا ، وسيكون ابناؤهم اقل شبها بنا وبهم ، واكثر تشربا بالرؤى والتصورات التي تنتشر في شبكات الانترنت وتجوب العالم. واود احالة القاريء الى الرؤية العميقة ، التي قدمها البروفسور مانويل كاستلز ، حول اجتماعيات الشبكة وتوليف الهوية وتحولات القوة في عصر الانترنت[27]. يساعدنا تحليل البروفسور كاستلز على فهم ابعاد التحول الذي تمر به المجتمعات والثقافة وموازين القوى وخطوط التاثير في العالم ككل. ما يتعرض له الجيل الجديد في كل ارجاء العالم ، من تداعيات العولمة وتبدل مكونات الهوية والثقافة ، يتعرض له الجيل العربي أيضا ، وليس لدينا دليل يبرر استثناءه من هذا التحول العميق الذي يؤثر في حياة العالم شرقه وغربه.
في ختام هذه الكتابة ، اود العودة الى ما بدأت به من تأكيد على العمق الاستثنائي للرؤية التي يطرحها الاستاذ البليهي ، كما اثني على شجاعته الفائقة في تحمل الهجمات المتوالية والبغضاء المستمرة من جانب القوى التي نصبت نفسها حارسة للموروث المتخلف ، فضلا عن الأقلام التقدمية التي لم تستطع احتمال تصنيفه اياها كجزء من مركب التخلف الثقافي.
في بلدنا خير كثير ، وليس ادل عليه من وجود اشخاص مثل ابراهيم البليهي ، الذي كان قادرا على الاستمرار والتطور ، رغم كل المعوقات الاجتماعية وغير الاجتماعية.
[13]انظر مثلا حديث البليهي الى قناة العربية: فهد الشقيران: البليهي: العرب أعاقوا الحضارة واليونسكو تحمي التخلف ، موقع قناة العربية 15 نوفمبر 2016 https://bit.ly/2XrFE88