‏إظهار الرسائل ذات التسميات التنمية الشاملة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التنمية الشاملة. إظهار كافة الرسائل

07/06/2023

حول العلاقة بين الثقافة والاقتصاد

 || المجتمعات العربية تفرط في مواردها الموروثة ، ثم تعيد استيراد وسائل انتاجها او منتجاتها من السوق الدولية. هذه مشكلة ثقافة||

حين تنظر في الخريطة الاقتصادية للعالم العربي ، ربما يلفت انتباهك الانحسار المتواصل للاقتصادات القديمة ، والتوسع المتسارع لأنماط الاقتصاد الحديث. بعض هذه الانماط يملك مقومات ذاتية او موضوعية تسمح له بالتجذر في البيئة المحلية ، وبعضها الآخر مجرد نسخ سطحي من أسواق العالم.

لو تأملنا حال أي مجتمع عربي في بداية القرن العشرين ، من 1901 الى 1920 مثلا (هذا اختيار عرضي لمجرد المقارنة) وتساءلنا عن مصادر الإنتاج الأكثر تأثيرا ، ونمط المعيشة الذي يتبعه غالبية الناس ، وبموازاة هذين ، نظرنا في طبيعة الثقافة السائدة يومذاك. ثم وضعنا هذه المعلومات على طاولة المقارنة ، مع نظيرتها في نفس الفترة من القرن الجديد ، أي الفترة من 2001 الى 2020. فما هي الصورة التي نتوقع ان تولد من تلك المقارنات. وفي الأساس ، لماذا نحتاج هذه المقارنة وماذا نستفيد منها؟.

انا لست خبيرا في الاقتصاد ، ولذا لا اطالع الموضوع من زاوية اقتصادية بحتة. لكني اعلم ان الاقتصاد ليس عالما مستقلا بذاته ، بل هو جزء من المنظومة الحياتية الشاملة التي نسميها "النظام الاجتماعي" ، والذي يلتزم بمقولاته وحدوده غالبية اعضاء المجتمع. من هنا فان السؤال عن مصادر الإنتاج وانماط المعيشة ، يشكل مدخلا لفهم الثقافة السائدة وكيفية تفاعلها مع الحياة اليومية للافراد ، وكيف يعاد انتاج تلك الثقافة او بدائلها ، بتأثير التحولات التي يمر بها المجتمع في جانبه الاقتصادي او السياسي. اما مقارنة نظام الحياة بين زمن وآخر ، فهي تساعدنا على فهم التحولات التي جرت في هذا المجتمع ، والعوامل التي حركتها او تلك التي تسهم في استمرارها وتحدد اتجاهاتها.

بديهي ان حديثنا يتناول الثقافة بالمعنى السوسيولوجي ، أي بوصفها الخلفية الذهنية التي توجه 90% من السلوك اليومي للفرد ، وهي بالتالي جزء مما نسميه بالعقل الجمعي. الثقافة العامة لاي مجتمع هي التي تحدد المقبول والمرفوض من أنماط العيش ، ما يستحق التقدير وما يستوجب اللوم ، وبالتالي فهي مؤثرة جدا في تحديد نوعية الحياة والإنتاج ، أي الحياة الاقتصادية لهذا المجتمع او ذاك. وعلى الجانب الآخر فان هذه الثقافة لا تبقى على حال واحد ، فهي أيضا تتحول باستمرار ، ولكن ببطء. وحين تتحول ، سنرى انعكاس هذا التحول على شخصيات الافراد وعلاقتهم ببعضهم ، وعلى نوعية الاعمال التي يميلون اليها او ينفرون منها.

لقد اثرت حتى الآن قضايا كثيرة ، لا يتسع المجال لشرح أي منها ، وهذا عيب معروف في تناول القضايا العامة. لكن يهمني الإشارة الى اننا بحاجة فعلا الى دراسة الأنماط الاقتصادية المستمرة منذ القدم ، في مقابل الأنماط التي كانت ثمرة للانفتاح على اسواق العالم.  وفدت بعد اتصاله بالعالم او تغير ظروفه الاقتصادية والسياسية.

دراسة هذه الأنماط مفيدة جدا في تحديد ما هو راسخ الجذور. ثم تطويره ان كان قابلا للتطوير ، بحيث يتحول الى مصدر انتاج رئيسي قابل للتطور المستمر اعتمادا على تفاعلات محلية. يمكن ان نضرب مثالا على هذا بالسياحة (بمختلف اغراضها) والزراعة والتعدين ، إضافة الى الصناعات التي كانت في الماضي متميزة.

الذي أرى ان العديد من المجتمعات العربية تميل الى التفريط في هذه الموارد ، ثم تعيد استيراد وسائل انتاجها او منتجاتها من السوق الدولية. نحن الان نستورد مفاهيم صناعة السياحة والفنادق ، كما نستورد أساليب الزراعة وعناصر انتاجها ، وامثال ذلك من البدائل الحديثة لقطاعات الإنتاج القديم ، البدائل التي تطورت في مجتمعات مختلفة ، وكان الأمثل هو تطويرها كجزء من نظام الحياة في مجتمعاتنا.

هل أدى هذا السلوك المزدوج الى اضعاف روحية الإنتاج في ثقافتنا العامة (العقل الجمعي)؟. هل عزز ميلنا للاستهلاك والتفاخر بالاستهلاك ، ام ساعدنا على التحرر من عقلية قديمة؟.

الشرق الاوسط الأربعاء - 19 ذو القِعدة 1444 هـ - 7 يونيو 2023 م https://aawsat.news/2n5wp

 مقالات ذات صلة

 عجلة التنمية المتعثرة

 اختيار التقدم

ارامكو واخواتها : الشفافية الضرورية في قطاع الاعمال

اعادة بناء القرية .. وسط المدينة

الأمل الآن وليس في آخر الطريق

بعد الإعلان عن غزال

البيئــة .. حاجــة اقتصــادية ايضــا

تفكيك التداخلات

التقدم اختيار.. ولكن

 تلميذ يتعلم وزبون يشتري

 التمكين من خلال التعليم

التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة

الحداثة تجديد الحياة

حـديـث النــــــــاس

حول برنامج التحول الوطني

خطباء وعلماء وحدادون

 شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

الطريق الى 2030

ظرف الرفاهية واختصار الكلفة السياسية للاصلاح

العدالة الاجتماعية كهدف للتنمية

 العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

العلاقة الاشكالية بين السوق والسياسة

فكرة التقدم باختصار

الفكرة القائدة ، مثال الواتس اب

في معنى "الدروشة" وتطبيقاتها

قرش الخليج الابيض

قرشنا الابيض ليومنا الاسود

كي نتحول الى دولة صناعية

كي نتخلص من البطالة

كي نحول العولمة الى فرصة

كيف نتقدم.. سؤال المليون

لا بد من تغيير المسار

ماذا تفعل لو كنت غنيا ؟

متى تملك بيتك؟

المجتمع السري

معالجة الفقر على الطريقة الصينية

المكنسة وما بعدها

من غزال - 1 إلى غزال - 2

نحو نماذج محلية للتنمية

النموذج الصيني في التنمية

هل نحتاج حقا إلى طريق ثالث ؟

هيروهيتو ام عصا موسى؟

04/01/2023

ما رايك في ماء زمزم؟


في ماضي الزمان ، كان يقال ان التجربة برهان قطعي على صحة الفكرة/الفرضية او خطئها. وكانت هذه القاعدة  جارية في العلوم التجريبية والنظرية على حد سواء. لكن هذه الرؤية خسرت قوتها منذ ان نشر فرانسيس بيكون (1561-1626) كتابه "الاورغانون الجديد". في هذا الكتاب تحدث بيكون عن "اصنام العقل الأربعة" التي تسهم في تشكيل ذهنية الانسان ، وتؤثر بالتالي في فهمه للعالم وفي احكامه.

الواقع ان الفكرة كانت معروفة قبل بيكون. لكن عمله رفع وزنها العلمي ، وأوضح مبررات ومسارات تأثيرها الحاسم في تفكير الأفراد. منذئذ بات ثابتا في الدوائر العلمية ان كل تأمل ذاتي ، وكذا التفكير في العالم خارج الذات ، سيكون متأثرا – بالضرورة – بالصور والقناعات التي سبق ان توصل اليها الانسان ، من خلال تجاربه الشخصية ، او انتقلت اليه من محيطه ، او اقتنع بها بعد مكابدات فكرية مقصودة.

خلال القرن العشرين ، جرى التركيز بصورة خاصة على التجارب المتعلقة بالعلوم الطبيعية والتجريبية ، بغرض اكتشاف إمكانية التوصل الى نتائج محايدة ، أي غير متأثرة بخلفية الباحث الذهنية. وكان الاعتقاد السائد قبل ذاك ان الانحياز الذهني مقتصر على العلوم الإنسانية دون الطبيعية والتجريبية ، لانها تتكون وتتطور في الذهن ، بخلاف العلوم الأخرى التي تتكون وتتطور في الخارج ، فلا تتأثر – حسب ذلك الاعتقاد – بميول الانسان. لكن تلك المسيرة انتهت بتوافق عام تقريبا ، على ان الانحيازات المسبقة تترك آثارها على كافة الاعمال العلمية ، نظرية كانت او طبيعية او تجريبية. وقيل ان ذلك التأثير يبدأ منذ الملاحظة الأولية ، ثم المراقبة المقصودة للمواد الخام والتجارب المعملية ، وصولا الى اعلان النتائج. فحين يبدأ الباحث بمراقبة المواد الخام او جمعها ، فانه ينطلق من فرضيات خاصة ، متاثرة بقناعات مسبقة. ان اختيار هذه الفرضيات دون غيرها ، يحاكي في غالب الأحيان ، الميول الرائجة في الاطار الاجتماعي او الاكاديمي للباحث ، بل وحتى ميوله الدينية والسياسية في بعض الأحيان. دعنا نأخذ مثالا على هذا بخبير أوكلت اليه مهمة تحليل "ماء زمزم" للتحقق من القول السائر بان فيها شفاء من الامراض. فاذا كان هذا الباحث مسلما ، فمن المؤكد انه سيدخل في التجربة بنية إثبات فوائد ماء زمزم ، الطبية او غير الطبية. ومن المستبعد ان يبدأ باحتمال ان يكون هذا الماء ضارا بالصحة ، أي بعكس الفرضية التي يريد كافة المسلمين الايمان بها.

حين ينظر الانسان الى شيء ، سواء كان فكرة او مادة او شخصا ، فانه لا يراه بعينيه بل يراه بعقله. انت تفهم الشيء الذي تراه ، لأنك تصورته سلفا في عقلك ، أي وضعت اطارا لفهمه واستيعاب معناه. وفي هذا الاطار لا يختلف الباحث في العلوم عن الشخص العادي ، فكلا منهما يتأثر بمسبقاته الذهنية. ومن هنا فان عدة اشخاص ينظرون الى شيء واحد ، فيفهمه كل منهم على نحو مختلف ، وقد يستمعون الى الخبر نفسه فيتأثر به بعضهم الى درجة البكاء ، بينما يقف الآخرون موقف المندهش ، لأن الخبر لم يلامس قلوبهم او يستثير عواطفهم ، بمعنى انهم لم يدركوا الحمولة التي تنطوي في داخل الخبر ، او ان هذه الحمولة لا تعني لهم شيئا ذا بال.

زبدة القول انك مثلي ومثل كل شخص آخر ، لا تنظر للاشياء نظرة محايدة ، ولا تفكر فيها متجردا من انحيازاتك. هذه الانحيازات ليست شيئا قررته ، بل هو جزء من تكوين عقلك ، وقد ترسخ عبر مراس طويل الأمد. ولذا فان ما تعتبره موضوعيا او حقيقة واضحة ، ليس – في الواقع – سوى تصوراتك الشخصية التي البستها تلك العباءة.

الأربعاء - 11 جمادى الآخرة 1444 هـ - 04 يناير 2023 مـ رقم العدد [16108] https://aawsat.com/home/article/4078766/

مقالات ذات صلة

أصنام الحياة

الاموات الذين يعيشون في بيوتنا

الصنم الخامس

 عـلم الوقـوف على الاطـلال

العودة إلى ثقافة الزمن المنقضي

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

كهف الجماعة

كيف تكون رجعيا.. دليل مختصر

كيف تولد الجماعة

مهابهاراتا.. أعظم ملحمة في تاريخ الانسان

نسبية المعرفة الدينية

 

14/03/2018

نحو نماذج محلية للتنمية



من الجزائر الى العراق مرورا بمصر والسعودية ، ثمة حديث مستجد عن اعادة هيكلة الاقتصاد والعودة لمشروعات التنمية الشاملة ، التي كانت سمة بارزة في حياة العالم العربي خلال الربع الاخير من القرن العشرين. نعلم ان تلك المشروعات قد غيرت صورة البلدان العربية ، لكنها لم تصل الى غاياتها الكبرى ، اي اقامة اقتصاد ذي قاعدة انتاج واسعة متنوعة ، يحقق الرفاه والعدالة لكافة المواطنين.
خلال العقدين الماضيين ، برز النموذج الصيني في التنمية ، كدليل على انه لا يوجد مثال كوني وحيد للنمو الاقتصادي والاجتماعي. نجح مشروع مارشال في أوربا لأنه طبق في أوربا. ولا نعلم مصيره لو طبق في غيرها. وخلال الخمسين عاما الماضية طبقت توصيات صندوق النقد الدولي في عشرات من دول افريقيا وآسيا ، لكنها أخفقت في إعادة التوازن الى اقتصاديات هذه البلدان ، فضلا عن تحقيق أهداف التنمية المتوخاة.

يقول خبراء الصندوق الدولي ان التحول الاقتصادي الذي يدعون اليه لن يتحقق في عام او عامين. فهو علاج طويل الامد لمشكلات مزمنة. وأذكر ان البروفسور هما كاتوزيان الذي درس التجربة التنموية في ايران خلال السبعينات ، كان قد أشار الى هذه المسألة بالتحديد ، حين وصف المجتمع الايراني بانه ملول او سريع الضجر short-term society بمعنى انه ينشغل بالانجازات الفورية ، حتى لو كانت على حساب الاهداف الكبرى التي تحتاج عملا على المدى الطويل. وأحتمل ان المجتمعات العربية تعاني ذات المشكل. فهي تريد حلا فوريا لمشكلة البطالة ، مع علمها بان الحلول السريعة ليست سوى اسبرين ، يخفي الالم ولا يعالج مصدره. وهي تريد حلا لمشكلة الفقر بزيادة الانفاق الحكومي ، وليس بتوسيع القاعدة الانتاجية التي تستوجب الانتظار سنوات قبل رؤية ثمراتها ، رغم انها تشكل علاجا حقيقيا للمشكلة وليست مجرد اسبرين.
لم تتبع الصين توصيات صندوق النقد الدولي ، ولم تأخذ بنظرية التنمية السائدة في الاكاديميا الغربية ، بل اختطت طريقها الخاص ، حين اعلنت في 1979 برنامجا طموحا يستهدف الوصول الى مرتبة منافسة للاقتصاديات الصناعية.
يوم اطلق البرنامج ، ووجه بالسخرية. وقيل انه مجرد غطاء للتحرر من التقاليد الايديولوجية المتشددة لعصر ماوتسي تونغ. لكن اتضح لاحقا ان ذلك البرنامج كان "طريق الحرير" العصري للصين الجديدة. بين 1979 و 2003 ارتفع الناتج الوطني الاجمالي الى 1425 مليار دولار، بمعدل نمو سنوي يصل الى 9 بالمائة ، وهو اعلى معدل في العالم يومئذ. كما انخفض عدد الفقراء من 260 مليون الى 30 مليون بين عامي 1978 و2000. وتضاعفت قيمة الصادرات الصينية بما يصل الى 40 ضعفا.
نجاح النموذج الصيني كان ثمرة لموازنة دقيقة بين المعايير المتعارفة كونيا ، مثل سيادة القانون والتركيز على التعليم والابداع العلمي وحرية الاستثمار المحلي والاجنبي ، وبين متطلبات محلية مثل حماية الطبقات الفقيرة ، لاسيما في الريف ، والمحافظة على قدر معقول من التحكم في كلف الخدمات العامة ، والاستفادة القصوى من ميزات نسبية مثل توفر الخامات والعمالة الرخيصة.
بعبارة موجزة ، فان "تقليد" النماذج الناجحة ليس شرطا لازما لنجاح التنمية في هذا البلد او ذاك. على العكس من ذلك ، فان النجاح رهن بالاستثمار الامثل للامكانات المحلية ، وتحويل التنمية من سياسة تنفذها هيئات حكومية محددة ، الى مشروع وطني يجد فيه كل مواطن فرصة لابراز قدراته وامكاناته ، حتى يصل من خلاله الى صورة المستقبل التي يريدها لنفسه ولابنائه.

الشرق الاوسط الأربعاء - 26 جمادى الآخرة 1439 هـ - 14 مارس 2018 مـ رقم العدد [14351]

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...