في مايو 2012 شهد
مجلس الشورى جدلا حاميا حول مشكلة السكن في المملكة ، اثر معلومات قدمها وزير الاقتصاد، فحواها ان 61 بالمائة من السعوديين يملكون مساكنهم. استند الرقم الى
تقدير لمصلحة الاحصاءات العامة. لكنه يتعارض مع ابحاث عديدة اجرتها هيئات مستقلة
وتجارية، اظهرت ان النسبة الحقيقية لا تتجاوز 40 بالمائة.
والحقيقة انه لا يمكن الجزم
باي من التقديرين ، فليس لدينا قاعدة معلومات موثوقة عن عدد المساكن ونسب التملك. لكن
الواضح ان المسألة امست هما شاغلا لشريحة عريضة من المواطنين. وحين انظر حولي ارى
ان الاغلبية الساحقة ممن اعرفهم تملكوا منازلهم بعدما جاوزوا 45 سنة من العمر. في
المقابل، كشفت دراسات حديثة في بريطانيا
ان معظم الناس يملكون منزلهم الاول في سن 35.
واظهر مسح ميداني في مدينة
الرياض ان تملك منزل متوسط الكلفة (850 الف ريال) يعادل سبع سنوات من الدخل السنوي
لاسرة متوسطة. هذا يعني ان اقلية صغيرة سيملكون بيتهم الاول قبل تجاوز الاربعين
عاما من العمر. وتظهر تقديرات متقاربة ان المملكة بحاجة الى 2,5 مليون وحدة سكنية
جديدة في السنوات السبع القادمة.
السؤال الملح هو: لماذا لا
نستطيع تطبيق المعالجات التي جربتها مجتمعات كثيرة قبلنا؟
قيمة المنزل في الولايات
المتحدة مثلا تعادل دخل الاسرة لثلاث سنوات ونصف ، وفي دول الاتحاد الاوربي تعادل
اربع سنوات ونصف ، فلماذا تزيد في المملكة عن سبع سنوات؟
احتمل ان السبب الرئيس هو
مركب من انخفاض الاجور + افتقار البلاد الى قنوات تمويل بشروط تناسب الطبقة
الوسطى+ تمحور جزء كبير من الاستثمارات الخاصة حول العقار.
لا اظننا قادرين على حل
المسألة طالما بقي المتوسط العام للرواتب دون 200 الف ريال في السنة. ولن نستطيع
حلها ما لم تفرض الحكومة على البنوك نظاما للتمويل السكني، يختلف جوهريا عن انظمة الاقراض
القائمة ، ويتجه خصوصا نحو دعم الاقل دخلا وليس العكس ، او السماح – بدل ذلك -
بانشاء مؤسسات متخصصة في التمويل السكني خارج النظام المصرفي الحالي.
اتفهم قلق الاقتصاديين من
شبح التضخم الذي سيرافق مضاعفة الاجور. وقد شهدت ظرفا مثيلا لهذا في بريطانيا في
اواخر الثمانينات. ولهذا فاني ادعو للتفكير في اعادة هيكلة شاملة للاقتصاد الوطني
، على نحو يمكن من حصر التضخم ضمن امد زمني محدد ، وانشاء شبكة حماية رسمية لتلك
الشريحة العاجزة عن مجاراة التحول. وثمة تجارب رائدة في هذا المجال من بينها
التجربة الصينية بعد اصلاحات 1980 الاقتصادية.
زبدة القول ان مشكلة السكن
التي كانت بسيطة نوعا ما قبل 15 عاما ، اصبحت الان عسيرة. وما لم نتداركها فانها
ستمسي في 2020 معضلة مستحيلة. اعلم ايضا ان المشكلات العسيرة لا يمكن حلها دون
قرارات شجاعة، مهما كانت مؤلمة.
الاقتصادية 13 اغسطس 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق