‏إظهار الرسائل ذات التسميات الدولة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الدولة. إظهار كافة الرسائل

06/06/2006

جدل الدولة المدنية ، ام جدل الحرية



|| معظم نقاشات الفلسفة السياسية تتناول سؤال: الى اي حد نسمح للدولة بتقييد حرية الفرد، وكيف نمنعها من تحويل الانسان الى عبد||.
  النقاش الدائر في الصحافة ومجالس المثقفين السعوديين حول صفة الدولة  ، هل هي دينية ام مدنية ، يخفي وراء سطوره خلافا اساسيا حول مفهوم "الحرية". في حقيقة الامر فان الخلاف حول الحريات المدنية وحقوق الانسان الاساسية هو الباعث الرئيس وراء هذا الجدل وان لم يصرح به المتجادلون. مشكلة الحرية تراها ماثلة في كل سطر من سطور ذلك النقاش الطويل ، وهي ايضا ماثلة في الاطار الموضوعي "الاجتماعي والزمني" لهذا النقاش. المدافعون عن فكرة "الدولة الدينية" لا يقولون بان الدين ضرورة لتعزيز العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر ، او المساواة بين خلق الله الذين يعيشون على ارض واحدة ويشتركون في عمرانها. فيما يتعلق بالاطار الموضوعي للجدل ، فالمعروف انه ثار على خلفية التغير الذي شهده المجتمع السعودي خلال الفترة  الاخيرة ، والذي عبر عنه في توسع الصحافة المحلية في تناول القضايا التي جرى التعارف سابقا على تحاشيها ، مثل نقد الهيمنة المذهبية الاحادية ونقد ممارسة الهيئات الدينية ، اضافة الى نقد ما يعتبر مغالاة في الدين ولا سيما استعماله لقهر القوى الاجتماعية الخارجة عن هيمنة التيار الديني المتشدد. وكان عود الكبريت الذي اشعل النار هو قرار وزارة العمل بالسماح للنساء بالعمل في محلات بيع الملابس النسائية ، خلافا لما جرى عليه العرف حتى الان من منع النساء من العمل في الاسواق .
كتب الكثير من الكلام حول جزئيات هذه القضايا ، لكن المسألة التي بقيت معلقة هي مسألة الحرية والحقوق المدنية. السؤال المطروح باستمرار على الفاعلين السياسيين هو: ما هو تعريفهم لمفهوم الحرية ؟. وما هو الحد الادنى من الحقوق المدنية التي يتمتع بها الفرد ولا يجوز خرقها او التدخل فيها من جانب اي سلطة ؟. مثل هذه الاسئلة هي جوهر العلاقة بين اعضاء اي مجتمع. من البديهي ان يسأل كل انسان نفسه: هل انا حر ام عبد ؟. وماذا يعني ان يكون الانسان حرا او يكون عبدا.
الذين يصنفون انفسهم كاسلاميين – في الاطار السعودي على الاقل – يقولون بانهم يدعون لحرية منضبطة ، فما هو معنى الحرية المنضبطة ؟. هل انا حر في ان استعمل عقلي وافكر كما اشاء ، ام على ان استأذن احدا قبل التفكير في اي مسألة ؟. هل استطيع اختيار نمط حياتي ومعتقداتي بناء على ما يوصلني اليه عقلي ، ام يجب على الرجوع الى "دليل المستعمل" كي اتبع ما يقرره واضع الدليل ؟. هل اتمتع بحقوق متساوية مع الغير ، وهل اختار مكاني الاجتماعي بحسب كفاءتي ، ام ان مكاني محدد سلفا ونهائيا على ضوء المخطط الكلي الذي وضعه مهندس هذا المجتمع ؟. وفي نهاية المطاف: هل املك مساحة خاصة من الحياة الشخصية استطيع ان اعيش فيها متحررا من كل احد ام ان حياتي كلها ، من الحمام وغرفة النوم الى الشارع والمدرسة ومكان العمل ، كلها خاضعة لولاية شخص ما وسلطته ؟.
"الحرية المنضبطة" مفهوم متناقض ، يشبه الى حد كبير مفهوم "المستبد العادل" الذي طرحه الفلاسفة اليونانيون قبل قرون ، وكرره بعض مفكري العرب في اواثل القرن العشرين. ثمة تعارض داخلي بين جزئي الحرية والانضباط ، مثلما يتعارض الاستبداد مع العدالة. يمكن لنا ان نتحدث عن المسؤولية كمقابل للحرية، اي ان يكون الانسان حرا ويتحمل مسؤولية قراره وعمله ، وهذا يختلف عن مفهوم "الحرية المسؤولة" الذي لا يقل تناقضا عن سابقه.
مسؤولية الانسان مثل حريته ليست تكليفا تفرضه سلطة ما على الفرد ، بل هي اختيار يقرره الفرد بارادته وقناعته ومعرفته . انت تقرر تحمل المسؤوليات (التي تؤدي بالضرورة الى تحديد بعض حرياتك) مقابل شيء تأخذه من المجتمع مثل الضمانات القانونية التي تحميك من عسف الاقوياء ، ومثل الفرصة في ان تحصل على منصب عام يتوقف الوصول اليه على موافقة المجتمع ، ومثل التمتع بفضائل الحياة الاجتماعية الاخرى التي لا تستطيع ضمانها حين تعيش منفردا . لكن هذا لا ينبغي ان يؤدي ابدا الى تجريد الانسان من حريته الشخصية وحقوقه المدنية الاساسية التي هي جزء من جوهر وجوده كانسان .
 بكلمة اخرى فان العاقل لا يقبل بان يتحول الى عبد مقابل انضمامه الى المجتمع او حصوله على وظيفة او تمتعه بحماية القانون . السجناء جميعا يتمتعون بحماية الشرطة ، وهم يحصلون على وجبتهم اليومية كما يحصلون على فرشة او سرير ينامون عليه ، وكل منهم - اضافة الى ذلك - يعيش وسط جماعة ، فهل هذا ما نرغب في الحصول عليه ؟ . السجن مثال لنوع من الحياة الاجتماعية لكنه مثال لا يريد احد ان يشارك فيه لانها ببساطة حياة تنعدم فيها الحرية .

يمكن للدين ان ياتي بالحرية ويمكن له ان يزيلها ، كما يمكن للدولة المدنية ان تحمي حريات المواطنين او تحولهم الى عبيد . وبناء عليه فان ما هو مهم في هذا النقاش ليس صفة الدولة ، بل انعكاس وجودها على حقوق الفرد وحريته . من البديهي ان وجود الدولة بذاته هو سبب لتقييد الحرية ، ولهذا فان  كل النقاشات الفلسفية والنظرية منذ ظهور علم السياسة وحتى اليوم ، تدور حول نقطة جوهرية هي : الى اي حد نسمح للدولة بتقييد حرية الفرد ، وكيف نمنعها من تجاوز الحدود النهائية التي اذا اخترقت تحول الانسان الى عبد.

07/02/2004

جدل الدين والدولة في ايران


  

اذ نظرنا الى الجدل الدائر بين المحافظين والاصلاحيين في ايران من خارج اطاره ، فهو مجرد صراع سياسي يرتبط بالسمات الخاصة للمجتمع والنظام السياسي في هذا البلد . لكن اذا نظرنا الى المكونات الاولية لهذا الجدل ، ولا سيما المقدمات التي اوصلت اليه ، فهو نموذج قابل للمقارنة بنظائر له في مختلف البلدان الاسلامية. من هذا المنظور ، فهو صراع بين القوة السائدة ، او ما يعرف في الادبيات السياسية بالمؤسسة ، وبين تيار يسعى للتغيير، وحينئذ فان كلا من الطرفين هو عنوان لقوة اجتماعية تتبنى منظومة خاصة من المفاهيم والاهداف ، تتعارض جوهريا مع الاخرى.

يتبنى المحافظون فكرة الدولة الدينية المثالية ، ويجادلون بان تطبيق الشريعة في مداه الاقصى يتطلب تدخلا واسعا  من جانب الدولة في حياة الناس . وهذا يترجم عمليا في سيطرة الدولة على وسائل الاعلام ، ومراقبة المطبوعات غير الحكومية ، وفرض معايير خاصة للسلوك الاجتماعي. على المستوى الاقتصادي يسعى المحافظون الى اقتصاد حر تتحكم فيه اليات السوق. ولمعالجة التناقض الظاهر بين فكرة تدخل الدولة سياسيا واجتماعيا وانكماشها على المستوى الاقتصادي ، اقترح محمد جواد لاريجاني ، وهو احد منظري التيار المحافظ ، احتذاء النموذج الصيني. لقد نجحت الصين ، التي اتبعت نظاما يجمع بين التخطيط المركزي وتحرير الاستثمار ، في تحقيق معدلات نمو اقتصادي كبيرة ومنتظمة طوال اكثر من عقد من الزمن ، بلغت احيانا سبعة في المائة ولم تنخفض ابدا عن اربعة في المائة ، في مقابل معدل نمو يدور حول الواحد في المائة في معظم الاقطار الغربية. والاشارة بالطبع هنا الى ان النمو المنتظم في الصين لم يتلازم مع تنمية سياسية موازية ، فلا زالت الصين دولة غير ديمقراطية ولا زالت حقوق الانسان فيها دون الحد الادنى المتعارف في العالم .

يتبنى الاصلاحيون في المقابل نموذج الديمقراطية الليبرالية باعتباره الصورة الامثل لدولة حديثة. وطبقا لآية الله شبستري وهو احد المنظرين الاصلاحيين البارزين ، فان هذا النموذج هو الوحيد الذي يسمح بتحقيق ابرز اهداف الشريعة الاسلامية ، اي كرامة الانسان وانبعاث العقل. وهو يرى ان تحرير ارادة الانسان هو السبيل الوحيد لاقامة مجتمع رشيد ، وتحرير العقل هو السبيل للنهوض العلمي الضروري لاستثمار الامكانات المادية والطبيعية التي لا تستغل فعلا على افضل الوجوه.

 ويريد الاصلاحيون تخصيص الاعلام الحكومي والغاء الرقابة على المطبوعات بشكل كامل. كما يدعون الى دولة صغيرة يقتصر تدخلها في المجتمع على الحد الادنى . وفي رأيهم ان التدين والسلوك الاجتماعي بشكل عام ، ليست من مهمات الدولة ولا اشغالها ، بل ان التدخل في مثل هذه الامور يتناقض نظريا وسياسيا مع فكرة التكامل بين السلطة السياسية والمجتمع التي هي الاساس في نظرية الدولة الحديثة.

على المستوى الاقتصادي لا يختلف الاصلاحيون كثيرا عن منافسيهم المحافظين لكن الربط بين الحريات العامة ، سيادة القانون ، الانفتاح على العالم ، وحرية الاستثمار هو نقطة القوة التي تميز الخطاب الاصلاحي. وخلال السنوات الاربع الماضية حقق الاقتصاد الايراني معدل نمو منتظم ، زاد في العام المنصرم عن سبعة في المائة كما وفر نصف مليون وظيفة جديدة.

وكما هو واضح ، فان خلاف الطرفين يدور حول حدود تدخل الدولة ، ولا سيما علاقة الدين بالدولة . وفي هذا المجال بالخصوص ، فان جوهر الجدل يدور حول ما اذا كان للدولة الحق في اجبار المواطنين على الالتزام بطريقة معينة في التدين ام ترك الامر لهم . بكلمة اخرى ، فان المحافظين يدعون الى استخدام سلطة الدولة وامكاناتها في فرض خطاب ديني محدد ، بينما يرى الاصلاحيون ان المجتمع اقدر من الدولة على ادارة اموره الدينية والاخلاقية . الدولة – بكلمة اخرى – مسؤولة عن دنيا الناس ، اما دين الناس فالناس اولى به وهم المسؤولون عنه.

على المستوى النظري يبدو الامر بسيطا ، لكن على المستوى العملي، فان هذا الاختلاف يتناول حدود الدولة ومدى قانونية تدخلها في حياة الناس وسلوكهم ، وبالتالي حقها في استعمال القوة لفرض نموذج سلوكي معين ، وبهذا المعنى فان الخلاف يتناول فلسفة الدولة والاساس الذي تقوم عليه . المحافظون مع دولة فوق المجتمع وسيدة له ، بينما يدعو الاصلاحيون لدولة تستمد شرعيتها من المجتمع ، فهي خاضعة لارادته تابعة لتوجهاته.


Okaz ( Saturday 7 Feb 2004 ) - ISSUE NO 965

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...