‏إظهار الرسائل ذات التسميات مصطفى ملكيان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مصطفى ملكيان. إظهار كافة الرسائل

02/05/2018

تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة

|| ادعو لصياغة نموذج جديد للفكرة الدينية مواكب لتحولات الحياة المعاصرة ، يتأسس على رؤية غير تقليدية لمكانة الانسان في العالم الجديد ، وموقع الدين في حياته ||
مع اقتراب شهر رمضان المبارك ، يتجدد الحديث عن الحاجة الى تجديد الخطاب الديني. وهو مطلب يتفق غالبية المسلمين على عمومه. لكن آراءهم تتباين في معنى التجديد ومجالاته وحدوده. فمعظم الناس يصرفه الى تجديد الفقه وتيسير الاحكام ، وترك الشاذ والعسير. ويدعو فريق منهم الى مراعاة ما استجد في حياة الناس ، وما جاء في سياق الحداثة من تحولات ، في مصادر العيش وأنماطه أو في العلاقة بين الناس.
مصطفى ملكيان
لكني أود دعوة القاريء الى معنى أبعد قليلا مما سبق. أعني به صياغة نموذج جديد للفكرة الدينية ، قادر على مواكبة تحولات الحياة في العصر الجديد ، الذي أهم سماته عولمة السوق والثقافة وسيولة القيم والهويات. نموذج كهذا ينبغي تأسيسه على رؤية غير تقليدية لمكانة الانسان في العالم الجديد ، وموقع الدين في حياته. وهو يستدعي بالضرورة تحررا من الانساق والاعراف الموروثة ، أي ما ورثناه وما تعارفنا عليه باعتباره صورة وحيدة للدين ، او تعبيرا وحيدا عن الايمان. 
 في رمضان الماضي قدم العلامة د. محمد شحرور رؤية عميقة في هذا الاتجاه ، خلاصتها ان العالم الديني هو العالم الذي تتجلى فيه عقلانية البشر. الدنيا العاقلة هي التطبيق القاعدي للدين. ومن هنا فهو يميز بين الرؤية الكونية التي تصل الانسان بالعالم ككل ، وما فيه من بشر وأشياء ، وبين التشريعات والاحكام التي تحمل سمات الجماعة والمكان.
وفي هذا السياق يلح شحرور على ان الواجبات والمحرمات الدينية محدودة العدد. أما العشرات من الاحكام الاخرى التي تنطوي على الزام او منع ، فهي جزء من نظام ثقافي او قانوني ، يضعه المجتمع في ظرف محدد ، بحسب حاجاته أو أعرافه. ومن هنا فهي ذات مضمون محلي ان صح التعبير ،  وليست قواعد عمل  كونية ، كنظيرتها المستقاة من القيم العليا الاساسية.
في سياق قريب اقترح د. مصطفى ملكيان التركيز على ركني العقلانية والمعنوية ، كعمودين متساندين لأي رؤية دينية جديدة. المعنوية عنده هي جوهر الدين ومحور تمايزه عن الايديولوجيات البشرية. انها جوهر كافة الاديان ، وربما تشكل نقطة التقاء بين أتباعها ، بل وحتى نقطة توافق مع اولئك الذين لا يتبعون أي دين.
أما العقلانية عنده فتعني في أحد وجوهها ، قابلية الدعاوى الدينية للاختبار في هذه الدنيا. الدين المفيد هو ذلك الذي يمكنه تقديم حلول لمشكلات البشر الدنيوية ، ولا يكتفي باحالة العلاج الى الاخرة. لو اخذت نوعين من العلوم ، احدهما يعرض حلولا يمكن لك اختبار ثمراتها الآن ، بينما يدعوك العلم الثاني لتطبيق مقولاته ، وانتظار نتائج اختبارها العملي في الاخرة ، فما الذي سيتخاره الانسان العاقل؟.
الواضح ان كلا الرجلين يشير الى ثلاثة أركان للتفكير الديني الجديد: أولها محورية العقل في التشريع وتقديمه على النقل. وثانيها التمييز بين القيم الكبرى المعيارية ، وبين التشريعات ذات الطبيعة المؤقتة او المحلية. وثالثها هو التركيز على آنية الحل الديني ، وضرورة كونه قابلا للاختبار في الحياة الدنيا.
ينطلق الرجلان من فرضية ان الله سبحانه انزل الدين من أجل الانسان. ولم يخلق الانسان من أجل الدين. وبهذا فان مفهوم الطاعة والعبادة والايمان والسلوك الى الله ، يتخذ معنى مغايرا لما عرفناه من خلال تراث الماضين.
قد تتفق مع شحرور وملكيان وقد تخالفهما. لكن تنظيرات الرجلين تفتح افاقا للتأمل في معنى التجديد ، يتجاوز ما تعارفنا عليه حتى الآن. 
الشرق الاوسط الأربعاء - 16 شعبان 1439 هـ - 02 مايو 2018 مـ رقم العدد [14400]
http://aawsat.com/node/1255201

15/09/2017

تطور فكرة الدولة في المجال الديني الشيعي

نشر ضمن كتاب الدولة في التنظير العربي والاسلامي : التاصيل والتحديات ، مجموعة باحثين ، الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث – سبتمبر 2017  صص 101-120

تمهيد

موضوع هذه المقالة هو تطور فهم المجتمع الديني الشيعي لفكرة الدولة والمجال العام ، سيما في ربع القرن الاخير. اخترت هذه الفترة لأنها تشهد مراجعات عميقة لابرز التعبيرات عن تلك الفكرة ، اي نظرية  "ولاية الفقيه".
نعرض في البدء موجزا  لأبرز المنعطفات في فقه الشيعة السياسي ، طمعا في ابراز بؤرة اهتمام المدرسة الفقهية، أي مصدر شرعية السلطة. فضلا عن كشف محرك التحولات السابقة والحاضرة على حد سواء ، اي اقتراب الفقهاء من السياسة ، الأمر الذي يتيح المجال لتجريب نظرياتهم في الواقع.
عرضت المقالة بايجاز لآراء الشيخ محمد مهدي شمس الدين ، الذي قدم رؤية أكثر تطورا من "ولاية الفقيه" في نسختها المعيارية. وغرضنا من هذا ايضاح الحدود النهائية لما يمكن ان يصل اليه التطوير الملتزم بمنهج ومعايير الفقه الموروث ، مقارنة بالنظريات التي حاولت معالجة الموضوع بذاته ، اي الحكومة الدينية ، دون التزام بمعايير المدرسة الفقهية.
الجزء الاخير من المقالة مخصص لاستعراض رؤية بديلة ، تنطلق من مراجعة معمقة لا تقف عند مجادلة النظريات الفقهية ، بل تذهب الى مجادلة الاساس الفلسفي الذي قام عليه الفقه الاسلامي ككل. وهي تنفي قدسيته وثبات أحكامه. ومن هنا فانها تقدم منظورا جديدا لدور الدين في الحياة العامة وعلاقته بالدولة ، يقترب كثيرا من المنظور الليبرالي ، ويدعو دون مواربة الى ديمقراطية تكفل مشاركة المسلمين ، ليس فقط في صناعة السياسة ، بل وايضا في انتاج وصياغة الرؤية الدينية التي تناسب زمنهم.
وقد اخترت كنموذج ، النظريات التي يطرحها محمد مجتهد شبستري ، مصطفى ملكيان وعبد الكريم سروش ، لاعتقادي انها ساهمت في العبور من "ولاية الفقيه" حين فتحت الباب لمجادلتها من زوايا غير مسبوقة ، فلسفية ومفهومية ، تضاف الى سجالات قائمة حول نجاحها في تحقيق الوعود المفترضة للحكومة الدينية. المفكرون الثلاثة ، ينتمون للوسط الديني لكنهم يحملون دعوة تجديد جذرية ، وقد باتت آراؤهم محركا رئيسيا للنقاشات الراهنة حول الدولة والدين ودوره في المجال العام.
موضع اهتمام المقالة ليس سؤال "كيف ينظر الشيعة الى الدولة" ، بل كيف يريدونها ان تكون. نحن اذن لا نعني كيف يتعاملون مع الحكومة القائمة. نعلم بطبيعة الحال ان تطور الافكار يجري في سياق تجاذب وتفاعل (ديالوج) بين التطلعات الذهنية وبين حدود الواقع والزاماته. ولذا افان الحديث عن "تطور" في زمن محدد ، قد يشير في الحقيقة الى تباعد عن المثال النظري ، واقتراب من الواقع الحياتي في ذلك الظرف التاريخي على وجه الخصوص.
يتناول نقاشنا هنا ذلك التطلع عند النخبة الدينية بشكل خاص. وهو قد يعكس او لا يعكس تطلعات الجمهور. لكنا - تبعا لماكس فيبر - نتحدث عن المسألة في صورتها النموذجية ideal type نظرا لكونها الاكثر تعبيرا عن المذهب كعامل تمايز فكري او اجتماعي ، رغم ان النظر في الواقع يسمح بقدر من التغاير.

تطور فكرة السلطة في المجال الفقهي

خلال تاريخه الطويل ، عبر الفقه السياسي الشيعي ثلاثة منعطفات رئيسية. يرجع أولها الى القرن الحادي عشر الميلادي ، حين وضع محمد بن النعمان ، المعروف بالشيخ المفيد (948-1022م) تنظيرا نقل بموجبه مسألة السلطة من دائرة "الامامة" وهي ضمن الحقول التي تبحث في علم الكلام (العقائد) الى الحقل الفقهي ، فبحثها في إطار الحسبة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[1]. وترتبط هذه المراجعة بصعود البويهيين الشيعة الى السلطة في بغداد.
مع هذا التحول ، بات ممكنا النظر في نموذج سلطة ، لا تلبس ثوب الامامة ، لكنها ليست عارية تماما من الشرعية. وفقا لهذه الرؤية فانه لا غنى للمجتمع المسلم عن حكومة تقوم بما هو ضروري لحياته ، مثل مدافعة الغزاة وتنفيذ أحكام القضاة وردع البغاة.. الخ. ومن هنا فان العمل فيها يعد نوعا من الاحتساب والتعاون على الخير. قدم الشريف المرتضى (966-1044م) تلميذ المفيد ، تنظيرا مفصلا لدعم هذه الرؤية. التي بقيت أساسا لمعظم النقاشات الفقهية اللاحقة[2].
 اما المنعطف الثاني فيرجع الى عهد الشاه الصفوي طهماسب (1524-1576م) ، حين أصبح الشيخ علي الكركي (1464-1533م) اول فقيه شيعي يحمل لقب "نائب الامام" [3]، وهو مسمى ذو محمول ديني محدد ، فحواه ان الفقيه الاعلى مرتبة ، يملك الصلاحيات المخولة للامام ، ومن بينها خصوصا تفويض السلطة الى غيره. أطلق هذا التحول مرحلة جديدة فحواها ان الفقيه شريك للسلطان ، وليس مجرد قاض يعمل في إدارته أو مفت لرعيته[4].
لا شك ان المنعطف الثالث كان انتصار الثورة الايرانية في 1979 ، التي انتقل الفقيه على إثرها من مكانته السابقة كشريك محتمل في السلطة ، الى سلطان منفرد يمسك بجميع أزمتها. هذه المرحلة هي الاهم والأعمق تأثيرا. لكنها أيضا الأقصر عمرا. سرعان ما سينفتح باب جديد ، عنوانه سؤال: هل تحتاج الدولة الى إمام أو فقيه ، بل هل هي – من الأصل – موضوع فقهي ، كي نناقشه في هذا الاطار؟.
***
لقد اغفلت عامدا التطورات السابقة للقرن الحادي عشر ، لانها في رأيي غير ذات أهمية في موضوعنا الحاضر ، ولأنها أشبعت بحثا ودراسة ، فلا ثمرة في مراجعتها من جديد.
** منذ ظهور مسألة السلطة في الوسط العلمي الشيعي وحتى وقت قريب ، كانت اشكالية "الشرعية السياسية" محور النقاش الوحيد تقريبا ، في اطار علم الكلام ، ثم اصبحت خلفية للنقاش الفقهي في المسألة. يمكن بسهولة اكتشاف ان جميع النقاشات الخاصة بالخراج (المال العام) والولاية والحسبة وصلاة الجمعة والحدود والجهاد ، انطلقت من فرضية ان شرعية السلطة تبقى منقوصة ما لم  يكن الامام المعصوم هو الحاكم.
الاعمال الفقهية المهمة هي التي حاولت التوصل لتسويات نظرية تسمح بالتفكير في سلطة لا يرأسها الامام ، تتمتع بقدر من المشروعية ، كي تسمح للمؤمنين بالعمل السياسي او التعاون مع الحكم القائم في مستوياته المختلفة ، دون قلق الوقوع في محضور اعانة الظالم. ومن هنا أيضا فان الفقهاء الذين عارضوا ولاية الفقيه – وهم الشريحة الاوسع بين علماء الشيعة – انما عارضوا بشكل محدد ادعاء اصحاب النظرية بان شخصا غير معصوم ، يمكن ان يتمتع بنفس الصلاحيات المطلقة المدعاة للامام. وحسب تعبير الانصاري(1781-1864م) الذي يوصف بـ "الشيخ الاعظم" وتعتبر اراؤه مرجعية في الفقه الشيعي ، فان اثبات السلطات المطلقة للفقيه على النحو الذي يدعيه اصحابها "دونه خرط القتاد"[5].
ان سبب معارضة الانصاري ، هو ذات السبب الذي جعل الفقهاء قبله وبعده ، حذرين من الاقرار بمشروعية كاملة لاي حاكم. المشروعية الكاملة تعني صلاحيات مطلقة للحاكم ، وطاعة مطلقة من جانب المحكومين ، مبنيان على اساس ديني. يتعلق الامر إذن بتصورهم لفكرة الحكم التي تتلخص في "شخص" يملك صلاحيات مطلقة على انفس الناس وأموالهم[6].
** انتقال مسألة السلطة من مجال علم الكلام الى المجال الفقهي ، سمح بالفصل الذهني بين الدولة كمؤسسة قائمة بذاتها وبين شخص الحاكم. الهدف الأولي للبحث في المسألة هو ايجاد مسوغ للمؤمنين الراغبين في العمل ضمن اجهزة الدولة. لكنه اتسع لاحقا ليناقش قضايا مثل ولاية الخراج (المال العام) ، حيث جرى الاقرار بكونه مرتبطا بمنصب الامامة وليس شخص الامام ، وبالتالي فانه سيكون من المنطقي ان يدار من جانب الحاكم الفعلي ، ولو كان متغلبا ، اي منقوص الشرعية ، بناء على الوجوب الشرعي/العقلي لصيانة المصلحة العامة والنظام ، لان فوات مصلحة قيام ولي الاصل بامرها ، "لا يسوغ تفويت مصالح المسلمين واهمال شؤونهم" ، حسب تقدير الاصفهاني[7]. وهو يقترب من الرأي الشائع في الفقه السني ، كما عبر عنه الغزالي اوائل القرن الثاني عشر[8]. 
لكن نقاش الفقهاء لم يتسع ليتناول الدولة كهيئة قائمة بذاتها. كما يلاحظ ان قلة اهتمام الفقهاء بالموضوع على المستوى النظري ، كان متوازيا مع اعراض شبه كلي عن الاهتمام العملي. معظم الفقهاء الذين اتيحت لهم فرصة المشاركة في السلطة ، اعرضوا عنها. والذين شاركوا فعليا ، سرعان ما اعتزلوها. ربما لان العرف السائد يربط بين السياسة وسوءات الدنيا ، او لانه يميز بين التأهيل العلمي والتأهيل السياسي. وهو ما عبر عنه الاصفهاني بصراحة ، حين شكك في الربط بين الاجتهاد والحق في السلطة: "الفقيه بما هو فقيه اهل للنظر في مرحلة الاستنباط ، دون الامور المتعلقة بتنظيم البلاد وحفظ الثغور وتدبير شؤون الدفاع والجهاد وامثال ذلك ، فلا معنى لا يكال هذه الامور إليه"[9].
زبدة القول ان ان فكرة الدولة وعملها كان على هامش الاهتمام الفقهي. ولذا فان القضايا والاشكالات ذات العلاقة بالموضوع ، لم تناقش في إطار فكرة الدولة. بل ضمن أطر أخرى تستدعي خلفيات واشكالات ، وبالتالي معالجات ، لا تأخذ بعين الاعتبار وجود "الدولة" كحقيقة اجتماعية وثقافية ، تؤثر حتما في كل نقاش متعلق بالمجتمع باعتباره وحدة مستقلة وموضوعا قائما بذاته ، له تكييفات واحكام تختلف – مفهوميا ووظيفيا - عن تلك المتعلقة بالافراد.  لاحظ الصدر ان هذا الاتجاه " أدّى بالتدريج إلى تسرّب الفردية إلى نظرة الفقيه نحو الشريعة نفسها ". فأصبح ينظر إلى الشريعة في نطاق الفرد دون المجتمع.[10]  لاحظ شمس الدين أيضا ان  بحوث الفقهاء لم تركز على موضوعات المسائل ، ولا اهتمت بتأليف وحدة منظومية متناسقة ، كما لم تأخذ بعين الاعتبار محددات الظرف الاجتماعي/ الاقتصادي للتشريعات وموضوعاتها[11].
***
قيام الجمهورية الاسلامية في 1979 وضع قضايا الدولة والمجتمع السياسي في قلب النقاشات الدينية ، التي ذهبت في مسارات جديدة ، غير تلك التي كانت مألوفة في المدرسة الفقهية حتى وقت قريب. طبقا لشبستري فقد "قدم دستور الجمهورية الاسلامية للفكر الديني عددا من المفاهيم الجديدة ، من بينها : حقوق الشعب ، سيادة الامة [...] الحريات العامة ، الفصل بين السلطات ، الخ . كما ان مفهوم الشعب ، هو الاخر حديث الظهور في الثقافة الاسلامية ولا توجد له مرجعية في التراث [...] . ان تاييد الفقهاء لهذه المفاهيم بادرة غير مسبوقة في الثقافة الدينية.[12]
وأميل الى الاعتقاد بأن الاستفتاء الشعبي على ذلك الدستور في ديسمبر 1979 قد وضع نهاية لواحد من المباديء الأساسية التي قام عليها المذهب الشيعي ، اعني به ولاية الامام المعصوم. وبهذا ايضا طويت صفحة الوجوب الديني لطاعة الحاكم ، وفقا للتصوير الذي عرضه كاشف الغطاء أوائل القرن التاسع عشر:
 "الفرق بين وجوب طاعة خليفة النبي وطاعة السلطان ، ان الاولى واجبة بالذات لا باعتبار الاعراض والجهات. والثانية وجبت بالعرض [..] من باب وجوب المقدمات المتوقف عليها الاتيان بالواجبات"[13].
اجماع الفقهاء والشعب على دعم دستور الجمهورية الاسلامية ، شكل تشريعا نهائيا لرؤية جديدة فحواها الاقرار بالدولة كهيئة مستقلة ذات وظائف دنيوية محددة ، وان مؤسساتها الدستورية والسياسية لا تستمد شرعيتها من المعصوم ، بل من مصادر أخرى ، أبرزها الشعب والقانون الوطني والدولي.
أطلق هذا التحول سجالات واسعة حول المضمون الديني للدولة ، وحول المفاهيم التي أشار اليها شبستري. وبلغت ذروتها في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي ، حين تفاقم انقسام التيار الديني ، وتشكل على صورة جبهتين متقابلتين ، محافظة وإصلاحية ، لكل منهما طروحات فكرية وفقهية وكيانات سياسية متمايزة.

رؤية شمس الدين

عرف العالم العربي الشيخ محمد مهدي شمس الدين (1936-2001م) كنموذج عن دعاة الاصلاح بين علماء الشيعة المعاصرين. قدم شمس الدين مناقشة موسعة للاراء الفقهية الخاصة بالعمل السياسي والتعامل مع الحكومات القائمة في مختلف المستويات. وعرض اراء عدد كبير نسبيا من الفقهاء القدامى والمعاصرين ، كما ناقش ادلتهم. وخلص بعد بحث طويل الى ترجيح الفصل بين شرعية السلطة وجواز التعامل معها او العمل في ظلها. ومع انه اهتم باعادة تفسير الروايات واستعمل بشكل فعال ذات الاسلوب المتبع في الفقه التقليدي ، الا انه بنى جانبا مهما من استدلاله على الاحكام العقلية وترجيح المصالح العامة المثبتة عقلائيا ، على مفهوم بعض الروايات. وخصص الفصل الاخير من كتابه "في الاجتماع السياسي الاسلامي" لعرض اراء الفقهاء الذين اختاروا هذا الاتجاه.
فيما يخص الحكومة الاسلامية ، رأى شمس الدين ان اقامتها واجب مستقل على المسلمين ، واستعمل النقاش المتعارف في أصول الفقه ، حول الوجوب الأصلي والتبعي لمقدمة الفعل ، للبرهنة على أن الأوامر الالهية بالجهاد والقضاء واقامة الحدود وادارة الاموال العامة وأمثالها تنطوي في ذاتها على حقيقة الحكومة. لانه لا يتصور القيام بهذا النوع من الاعمال من دون سلطة سياسية فعالة. وهذا يخالف قليلا رأي الفقهاء الذين اعتبروا اقامة الحكومة من نوع المقدمات الواجبة وليست واجبا بذاته ، لانها ضرورة للقيام بالواجبات المذكورة[14]. ويقر شمس الدين بان رأيه هذا مخالف لرأي جمهور فقهاء الشيعة ، الذين مالوا الى نفي وجوب السعي لاقامة الحكومة الاسلامية في حال غيبة المعصوم[15].

نقد رؤية شمس الدين

أظن ان ابرز الاراء التي طرحها شمس الدين (فيما يخص مسألة الدولة) هي الثلاثة التالية:
الأول:  ولاية الامة على نفسها كبديل عن ولاية الفقيه. فهو يرى ان شرعية أي سلطة مستمدة من الله ، فوضها للمعصومين ، ثم انتقلت للأمة بعد غياب آخرهم.[16]  وهذا يطابق راي الطباطبائي الذي رأى ان " أمر الحكومة الاسلامية ،  بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد غيبة الامام كما في زماننا الحاضر ، إلى المسلمين من غير إشكال. والذى يمكن أن يستفاد من الكتاب في ذلك أن عليهم تعيين الحاكم"[17]. لكنه يخالف رأي منتظري الذي راى أن الله سبحانه قد اودع السلطة في المجتمع من دون واسطة. المجتمع يفوض السلطة الى من شاء ، من خلال طريق تفويض نظامية كالانتخابات. وهذا يشمل حتى النبي والامام ، الذي لا يحصل على  السلطة الفعلية الا من خلال البيعة العامة[18].
الثاني: اعادة بناء الموقف من حكم المتغلب على اصل "ضرورة النظام" وليس الشرعية الاصلية للولاية ، التي تربطها بالامامة أو إذن الامام. رأى شمس الدين ان التعامل مع الحكومة القائمة فيما يخدم المصالح العامة خال من أي إشكال شرعي. لأن هذا مقتضى النصوص وضرورة رعاية المصالح العامة للمسلمين ، سيما وحدتهم وانتظام أمرهم[19].
أهمية هذا الرأي تكمن في تطبيقه على علاقة المجتمعات الشيعية بالحكومات القائمة في أوطانها. فخلافا لاتجاه قديم يرجح اعتزالها ، فان شمس الدين – بناء على الرأي المذكور – يدعو الى الاندماج في المجتمع الوطني والتعامل مع حكومته باعتبارها شرعية ، لان حفظ النظام ورعاية المصالح العامة أغراض دينية.
الثالث: مهمة المعصوم ، حيث يرى انها تتعلق – في المقام الاول - بالجانب الروحي من حياة المجتمع ، لا بالوضع السياسي او الاداري. ويرى ان هذا هو مبرر اشتراط العصمة والافضلية[20]. ويتفارق هذا الرأي بشكل حاد مع اجماع علماء الشيعة على ان الولاية السياسية جزء طبيعي من الامامة. أهمية هذا الرأي تكمن في إخراجه للدولة من دائرة الموضوعات الدينية ، واعتبارها هيئة اعتيادية يقيمها المجتمع لانجاز حاجاته ، ولا تنطوي على جانب قدسي ، وأن وجودها بذاته لا يستدعي سؤال الشرعية.
مع أهمية التنظيرات التي اقترحها شمس الدين ، الا اني اظنها دون المتوقع من فقيه مثله في ظرف كظرفه. فيما يخص الولاية العامة مثلا بدا لي انه استخدم ما يشبه الهندسة العكسية. نظر الى التطبيق الفعلي لولاية الفقيه ، وفكر في نزع اشكالاته. لكنه لم يتعمق في مناقشة فكرة "الولاية" بذاتها ، ولم يناقش المصادر البديلة او الموازية لشرعية السلطة ، ولا في معنى المضمون الديني للسلطة. كما لم يتوسع في مناقشة الصلاحيات المدعاة للحاكم.
وفيما يخص موقع الامام في التنظيم السياسي ، نفى شمس الدين الارتباط الضروري للسلطة بالامامة. لكن هذا الرأي بالذات يتعارض داخليا مع قوله بان الامام يحتفظ بمنصب الامامة حتى لو كان خارج السلطة "باعتباره اماما للأمة وقيادة ثقافية ، تشريعية وسياسية"[21].
مما يرد على رؤية شمس الدين ايضا توصيفه لمفهوم الشعب وحقوق المواطنة. فهو  يقسم الشعب الى مسلمين وغير مسلمين. المسلمون عنده متساوون في الحقوق والواجبات اما غير المسلمين فان حقوقهم لا تطابق بالضرورة مواطنيهم المسلمين. مع انه يرى هذه المسألة فقهية اجتهادية[22] ، اي قابلة للتغيير.  لكنه يعود لاحقا الى تاكيد ذلك المعنى فيقول ان المواطنة قد تتساوى مع الانتماء الديني "حين يكون المجتمع السياسي كله ذا انتماء ديني واحد" فيتحد حينها مفهوم الامة مع مفهوم الوطن والدولة والمواطنة. وقد لا تتحد هذه المفاهيم فتكون امتان في وطن واحد ، لأن "دراسة نصوص صحيفة المدينة تدل على هذا".[23]
 يقترب هذا التوصيف من الراي السائد في الفقه التقليدي ، وفحواه ان المواطنة وما يترتب عليها من حقوق وعلاقات قانونية ، لا تنبعث من شراكة الناس في تراب وطنهم ، بل هي امتداد لهوية الدولة الدينية وشريعتها. بعبارة اخرى فان الشارع وليس الشعب هو الذي يملك الدولة ويمنحها السلطة والهوية ونظامها الدستوري.

==========        مخاض ما بعد الدولة  ========

اعتقد ان آية الله الخميني حاز قصب السبق في فتح باب النقد العلني للفقه التقليدي ، ولا سيما فرضياته الاساسية المتعقلة بفهم الدولة وطبيعتها وميكانيزماتها الخاصة. عدا عن اصراره على استكمال البناء المؤسسي والقانوني للدولة الجديدة ، فان خطبه ورسائله العديدة بين استلامه الحكم ووفاته (فبراير 1979-يونيو 1989) تكشف عن عزم جاد للتحرر من قيود المدرسة القديمة[24].
ولا يصعب ملاحظة البون الشاسع بين بياناته وبحوثه الفقهية قبل 1979 ، وبينها كتابه الشهير "الحكومة الاسلامية" ، وبين نظيرتها التالية لهذا التاريخ. هذا يذكرنا برأي ماكس فيبر ، الذي رأى أن الدولة ومؤسساتها البيروقراطية تمثل اقوى محرك لعقلنة المجتمع ، العقلنة التي أول تمظهراتها بناء القرارات والسياسية على حسابات عقلانية وعلمية ذات طبيعة معيارية ، تلحظ بشكل خاص المكاسب والخسائر القابلة للتقدير المسبق. وهو توجه يؤدي – بالضرورة –الى تهميش منتظم للعقائد الغيبية ، سواء كان مصدرها دينيا او اسطوريا[25].
بعد عقد واحد من قيام النظام الجديد ، شهدنا بروز مراجعات جذرية ، لا تقتصر على نقد نظرية "ولاية الفقيه" ،  وهي يومئذ بين أحدث النظريات السياسية في الفكر الديني الشيعي ، بل ذهبت بعيدا جدا ، لتطال الأساس الفلسفي للمدرسة الفقهية التي اقيمت النظرية في إطارها.

المحافظون والاصلاحيون

يستهدف العرض السابق لآراء شمس الدين ، إلقاء الضوء على جانب من المشكلات النظرية التي تواجه تلك الشريحة من الفقهاء والناشطين في المجال الديني ، الذين يسعون لتطوير مفاهيم عصرية عن الدولة ، من داخل المنهج الفقهي التقليدي وبالاعتماد على أدواته. بعض تلك المشكلات قابلة للمعالجة بتعديلات طفيفة في المنهج او بمراجعة التكييف الفقهي للموضوع محل النقاش. لكن ثمة منها ما لا يمكن علاجه دون تعديلات جوهرية ، تبدأ بالأسئلة الكبرى حول معنى الدين ودوره في الحياة العامة ، ومعنى الدولة الدينية ومصدر شرعيتها ، وطبيعة الرابطة الاجتماعية والمجتمع السياسي ، وانعكاسها على علاقة الشعب بالحكومة.. الخ.
الفارق بين نوعي المشكلات واسع جدا ، في المستوى النظري والتطبيقي. وكذلك من حيث الانعكاسات الواقعية للأخذ بهذا المنهج أو ذاك. ومن هنا فان تبني احد المنهجين ، قد تحول الى خط فاصل بين التيارين الاصلاحي والمحافظ. وأميل الى الظن بانه لا يوجد معيار موضوعي للمفاضلة بين المنهجين ، وبالتالي بين التيارين. فلكل منهما مبررات تكفي لاقناع من أراد الاقتناع. لكنها لا تكفي أبدا لاثبات ان الخيار الآخر خاطيء كليا. لكن لو أردت توصيفا عاما لقلت ان كلا من التيارين يمثل نسقا paradigm قائما بذاته ، وان تفضيل هذا او ذاك هو موقف شخصي ، يتفاوت بحسب الميول والتطلعات.
يعبر التيار المحافظ عن الاستمرارية والتواصل بين الحاضر والماضي. وهو ينظر الى الدين كنموذج متعال ونهائي ، يطلب من الافراد والجماعة التطلع الى مثالياته وتطبيق ما استطاعوا منها. ومن هنا فانه يستقطب الاشخاص الأميل الى صون تقاليد الجماعة. بينما يعبر التيار الاصلاحي عن قطيعة مع التراث والماضي. وهو ينظر الى الدين كجزء من التجربة الحياتية العامة ، التي يشارك الناس في صياغتها وتطويرها ، بالتوازي مع تطور تجاربهم الشخصية ونمط معيشتهم. بعبارة اخرى فان الاصلاحيين يؤمنون بكمال الدين ، لكنهم لا يعتبرون ايا من صيغه نهائية أو منفصلة عن حياة اتباعه. انها تجربة داخلية في التواصل بين الخلق والخالق ، تتشكل ويعاد تشكيلها تبعا لمؤثرات عديدة عبر الزمن. ومن هنا فان الشريحة الاجتماعية الرئيسية التي  يخاطبها التيار ، تنتمي في الغالب الى الطبقات الجديدة ، سيما الاشخاص الاكثر رغبة في تشكيل هويتهم الخاصة والتحكم في طريقة حياتهم.
هذا الوصف يضع التيار الاصلاحي في موقع أقرب الى الحداثة الليبرالية. ولو شئت المقارنة بالواقع السياسي في أوربا الغربية مثلا ، لقلت ان التيار الاصلاحي اقرب ما يكون الى الاحزاب المحافظة في اوربا ، التي تجمع بين القبول بالحداثة الليبرالية وشريحة محددة من القيم الموروثة. أما التيار المحافظ  فهو أقرب الى الجماعات الدينية في البلدان الشرقية ، التي تنظر للاسلام في صورته الموروثة ، كمنهج حياة ناجز ونهائي[26].
لا زال الاتجاه المحافظ هو الأكثر بروزا وانتشارا. وهو يتماهى مع المدرسة الفقهية التقليدية[27] التي حافظت على مكانتها كأبرز قوة في المجتمع الشيعي منذ قديم الزمان. محور اهتمام هذا التيار هو التأكيد على قيمة التراث العلمي للمدرسة ، وامكانية استنباط حلول للمشكلات المعاصرة من داخله ، وبالاعتماد على أدوات ومناهج البحث المتعارفة فيه.
اما الاتجاه الاصلاحي الذي ينتمي في غالبه الى الطبقات المدينية الجديدة ، فقد اتخذ منحى متخارجا عن المدرسة الفقهية ، بل ناقدا لها في غالب الأحيان. ظهر هذا التيار في ثمانينات القرن المنصرم ، منطلقا من الاشكالات التي تولدت عن دخول رجال الدين في الحياة السياسية ، وسعي الدولة لأسلمة الحياة العامة وفقا لمناهج الاجتهاد الموروثة. ومن هنا فان محور اهتمام هذا التيار هو تطوير نموذج نظري عن دولة مدنية تجمع بين القيم الدينية الكبرى ومباديء الدولة الحديثة.

أبرز سمات الخطاب السياسي للمحافظين

أ- الدين في الحياة العامة: ينطلق المحافظون من فرضية ان اقامة الدين هو غرض الحياة الانسانية ، ومعيار التفاضل بين البشر. وإقامة الحكومة واجب على المسلمين. كما يدعون لتطبيق تعاليم الدين في حده الأعلى [28]، والزام المجتمع والأفراد باتباعها ، واستعمال قوة الدولة في رعايتها. بكلمة موجزة ، فان الانسان والمجتمع والدولة خدم للدين ، والدولة أداة لتطبيقه وصون مكانته ونشر تعاليمه.
يتطابق مفهوم الدين عند المحافظين مع التصور الفقهي ، الذي يصرفه الى منظومة التكاليف المعروفة. ومن هنا يرون تولي الفقهاء زمام القيادة ، ضرورة لا غنى عنها.  ويعطون رجل الدين المكانة الأعلى في منظومة العلاقات الاجتماعية ، لأنه الاعلم بأغراض الدين والأكثر اهتماما  بتطبيقه[29].
ب- مضمون الرابطة الاجتماعية:  ينظر المحافظون الى المجتمع كوحدة عضوية ، تحيا بالمفاهيم والقيم المشتركة التي تتوارثها الاجيال ، وتقدم الاعراف والمعايير الضرورية لتنظيم العلاقة بين الأفراد. في إطار هذا المفهوم ينظر الى الفرد كعضو في الجماعة يستمد هويته منها ، وليس له هوية خاصة او قيمة مستقلة عنها[30]. كما ان علاقة المجتمع بالدولة ليست قائمة على مبدأ المواطنة ، وبالتالي فانه يمكن السماح بقدر من التمييز في الحقوق المدنية ونيل الفرص المتاحة في المجال العام ، بناء على معايير الايديولوجيا الرسمية[31].
ت-الشرعية السياسية: يقر المحافظون بدور للمجتمع في توليد الشرعية السياسية. لكنهم يختلفون في حدودها ، فبعضهم يراها مكملا ضروريا للمصدر الديني للشرعية ، وبعضهم يراها ملحقا بالمصدر الديني غير مستقل بذاته. شرعية الحكومة عند أغلبهم مستمدة من رئاسة الفقيه لها ، باعتباره صلة الوصل مع المنبع ، اي الامامة[32]. ويجادل بعضهم بان المنظور هنا هو منصب الولاية وليس شخص الولي: حين تطيع الفقيه فانك تطيع أمر الله الذي يأتيك من خلال اجتهاداته[33]. ومن هنا ذهب يزدي الى اعتبار طاعة الفقيه الحاكم واجبة كوجوب طاعة الامام ، وان مخالفته على حد الشرك بالله[34].
يعرض قائممقامي ، وهو من الجيل الجديد من رجال الدين المحافظين ، تفسيرا جديدا يركز على الفصل بين منصب الولاية وشخص الفقيه. منصب ولاية الفقيه قائم على ارضية دينية بحتة ، لكن سلطة الفقيه الحاكم قائمة على اساس الدستور ، ومشروطة بالتفويض الشعبي[35]. كما يجادل بان المناصب والمؤسسات السيادية الأخرى مرجعها الارادة العامة ، وان علاقة الفقيه بها محددة في الاشراف وليس الادارة[36].

=========         تحول جذري ، خطاب جديد      =========

في ابريل 1988 نشرت مجلة "كيهان" الثقافية الشهرية الحلقة الاولى من دراسة بعنوان "القبض والبسط النظري في الشريعة"[37]. قدر لها ان تثير سجالا واسعا في الوسط الديني وخارجه ، لازال متواصلا حتى اليوم. للوهلة الأولى بدا ان المقالة تدور حول قضية لا يختلف عليها الكثيرون ، وهي التمييز بين الدين والمعرفة الدينية ، التي تشمل ما أنتجه البشر من تراث وثقافة وعلوم متعلقة بالنص الديني او حوله. لكن رجال الدين والمثقفين المحافظين نظروا الى الرسالة النهائية التي تنطوي عليها هذه النظرية ، اي وصفها للتراث الديني كتصورات مؤقتة تنتسب للظرف التاريخي الذي شهد ولادتها. وهي – لهذا السبب - تعبير عن ذلك الافق التاريخي وليست جزء من جوهر الدين.
أثبت المحافظون انهم كانوا على حق حين عارضوا تلك النظرية. فالحلقات التالية من الدراسة ، والنقاشات التي أثيرت حولها ، ذهبت الى معالجات أعمق ، حول معنى الدين ودوره في الحياة العامة ، وقيمة الخطاب الديني وعلاقة المتلقي به وبأصحابه. تجاوز سروش اللحظة السياسية الراهنة ، فلم يولها كبير اهتمام. لكنها كتجربة جمعية ، كانت حاضرة بقوة في امتدادات البحث وانعكاساته ، كما لاحظ د. كوثراني. فاذا كانت المعرفة الدينية نسبية وتاريخية ، وهي محكومة بقانون التحول الدائم ، فكيف سيكون الخطاب السياسي الذي يقدم في ثوب ديني ويجري التمهيد له بمبررات دينية[38].
خلال العقد التالي باتت فرضيات واسئلة الخطاب الاصلاحي محرك الجدل ومحوره الرئيس في الوسط الديني. وانعكس هذا على المحافظين ، الذين بدأوا يقدمون رؤى أكثر تقدما وأكثر عناية بالتأسيس العلمي ، رغم انها لم تصل الى الحدود التي طرقها الاصلاحيون. كما ان الفقهاء القريبين من التيار الاصلاحي بدأوا في تقديم مراجعات جذرية حول "ولاية الفقيه" وسيادة القانون والحقوق المدنية. وأشير بشكل خاص الى الدراسات الفقهية الهامة لكل من حسين علي منتظري ، يوسف صانعي ، محمد جناتي ، والثلاثة ضمن الصف الاول من المرجعيات الدينية. و كنت قد شرحت بالتفصيل في دراسة سابقة للعوامل التي ساهمت في صعود الخطاب الاصلاحي وابرز رموزه[39]. لهذا اقتصر هنا على اشارات موجزة للطروحات التي شكلت محور السجال السياسي ، وساهمت الى حد بعيد في تعزيز الاهتمام بالديمقراطية ، كأحد الخيارات الممكنة للحكم الديني.
تعرض هذه المقالة آراء ثلاثة مفكرين ، وهم د. عبد الكريم سروش ، وهو اكثر المفكرين تأثيرا ، ومحمد مجتهد شبستري وهو فقيه وفيلسوف ، واخيرا  مصطفى ملكيان ، الاستاذ في الحوزة العلمية بمدينة قم. واقتصرنا على هؤلاء لأن طروحاتهم تشكل اليوم أبرز محركات الجدل حول الدين والدولة في المجتمع الديني الشيعي.
يسعى المفكرون الثلاثة لبناء علم كلام جديد. غرض هذا العلم وفقا لملكيان ، هو وضع نسق متماسك لمجموعة تعاليم النصوص المقدسة والدين ، ومن ثم اعادة صياغة التعاليم الدينية في منظومة معرفية متناسقة ، وتحديد الرسالة المحورية لتلك التعاليم[40]. وهو يشكل – وفقا لهذا التعريف – القاعدة الفلسفية التي تقوم عليها احكام الشريعة وتعاليمها ومناهج البحث فيها.
يرجع علم الكلام في الاصل الى النقاشات الفلسفية في العقيدة ، التي عرفها العالم الاسلامي في القرنين التاسع ثم الحادي عشر الميلادي وما بعده. وكان محورها يومئذ هو الدفاع عن العقائد الدينية الرئيسية ، سيما التوحيد والنبوة والامامة. اما الكلام الجديد فمحوره الانسان وحقوقه ، وعلاقته بالدين ودور الدين في حياته.

بعض المحاور الرئيسية لرؤية الاصلاحيين السياسية:

دور الدين في المجال العام: لا يقدم الدين نظاما محددا للحكم او شكلا خاصا للدولة ، بل يقتصر على التذكير بالقيم العليا والمعايير العامة. تدبير السياسة وكل ما يجري في المجال العام ، عمل عقلائي يدور حول المصالح العامة. وهي لا تنطوي على امور ثابتة او غيبية[41]. يمكن للمجتمع المسلم ان يقيم حكومته على الصورة التي يراها أقرب الى تطلعاته ، ويمكن له ان يغيرها او يعيد صياغتها بين زمن وآخر ، حتى لو خالفت الصور التاريخية التي تعتبر معيارية ، لأن تلك الصور من المعارف الدينية أو اعراض الدين ، وليست جزء من جوهره [42].
 يذهب ملكيان مسافة أبعد ، فيقرر ان الدولة الدينية ليست على الدوام ضرورة للمجتمع الديني. بل من المحبذ احيانا افتراق الدين عن السياسة. الشرط الوحيد لقيام مجتمع ديني سليم هو امتناع الحكومة عن مناهضة الدين. بعبارة أخرى فان دور الحكومة قصر على تلبية الحاجات الدنيوية للناس ، ولا شأن لها بحياتهم الدينية [43]. أما شبسترى فرأى ان التعددية الدينية والثقافية المصونة بالقانون هي الظرف الأمثل لنمو الايمان والمعرفة الدينية. وبالعكس من هذا فان تبني الدولة لمنهج محدد واعتباره خطابا رسميا ، سوف يقود بالضرورة الى قمع أو إقصاء الآراء المتعارضة معه[44].
الشرعية السياسية: يهتم طلاب العلوم السياسية بمصدر شرعية الحكومة ، لانها تحدد قيمة أوامرها ، ومبرر طاعتها من جانب المواطنين. وكان التصور الفقهي يميل الى اعتبار الطاعة واجبة حين يكون النظام كامل الشرعية: "خلافة على منهاج نبوة" حسب الرأي السني ، او ولاية الامام المعصوم ، حسب الرأي الشيعي.
بعدما تحول الحكم عن هذه الصفة ، تعارف كلا الفريقين على ربط الطاعة بضرورة النظام العام[45]. وهو في ذاته مصلحة شرعية. لكن الأوامر الخاصة به لا ترقى الى الوجوب الذاتي. ولاسيما اذا كان توصيف المصلحة وتطبيق مقتضياتها ، مستندا الى حكم العقل وليس النص الصريح. الاحكام المستندة الى التحسين والتقبيح العقلي لا يترتب عليها – بالضرورة – ثواب أو عقاب أخروي[46].
يعتقد معظم الاصلاحيين ان اتصاف دولة ما بوصف "الاسلامية" لا يمنحها شرعية دينية. يمكن ان تكون الحكومة دينية لكنها مستبدة ، كما يمكن ان تكون علمانية لكنها عادلة[47]. وصف الاسلامية مستمد من تعبيرها عن ارادة المجتمع وتمثيلها له. أما آية الله منتظري فمال الى الفصل بين  الشرعية الدينية للنظام السياسي ، والشرعية السياسية للحكومة. فقرر ان الاولى رهن بالتزام النظام بالقيم الدينية ، والثانية رهن بالتفويض الشعبي الحر والقانوني للحاكمين ، كما في الانتخابات العامة مثلا.[48]
الدولة الصالحة: تبعا لاعتقادهم بان الدولة ونظم الحكم من انشاءات البشر وليس الشارع المقدس ، رأى الاصلاحيون بان ما يهم الدين هو التزام الدولة بالقيم العليا التي جاء بها أو اقرها ، ولا سيما قيمتي العدالة والحرية. لا يريد المؤمنون حكومة تضمن لهم الجنة ، ولا يعتقدون ان هذا ممكن. لكنهم يريدون حكومة توفر الظروف المادية الضرورية كي يعيشوا في انسجام مع معتقداتهم الروحية. يتساءل شبستري: لو سأل المسلمون انفسهم: ما هو النظام السياسي – الاجتماعي الذي يوفر فرصة اكبر كي نعيش في انسجام مع ايماننا ومعتقداتنا وقيمنا الدينية ، هل هو النظام الديمقراطي ام الاستبداد؟[49]. ويتخذ هذا كتمهيد للاجابة على سؤال التوافق بين الاسلام والديمقراطية ، حيث يقرر  انه لا يمكن العثور على الجواب في كتب الفقه ولا حتى في النص الديني ، بل في غايات الدين واغراضه. إذا آمنا ان الدين يسعى لمحو الظلم والقهر وترسيخ العدالة الاجتماعية ، وأنه ينظر الى هذه الاغراض كمسؤولية مشتركة يساهم في انجازها جميع الناس. فهذا يكفي للبرهنة على التوافق المدعى بين الدين والديمقراطية.

خلاصة:

رغم ان عنوانا مثل "مفهوم الدولة في المجال الديني" يوحي بوجود نظرية منجزة ونهائية ، الا ان المفاهيم الدينية ، مثل سائر منتجات العقل البشري ، تتحرك وتتطور انبساطا وانقباضا في تفاعل لايتوقف مع تغير حاجات البشر وهمومهم وتطور مداركهم وفهمهم لذواتهم والعالم المحيط بهم.
بدأ فهم الشيعة للسلطة محدودا في نطاق الامامة. ثم انفتح قليلا وانتقل جانبه المدرسي الى الحقل الفقهي حيث تلعب الزامات وحاجات الواقع دورا في تشكيل رؤية الفقيه. في مرحلة تالية مال المجتمع الشيعي الى توحيد قيادته وتكثيفها في حملة العلم الديني ، فتبلور مفهوم نيابة الفقيه للامام ، ثم ولايته العامة.
وصول الفقهاء الى السلطة أتاح الفرصة لاختبار كفاءة التراث الفقهي في الحياة الواقعية. لكن العقد الاول من عمر الجمهورية الاسلامية ، كشف عن غربة الفقه عن عصره. نتيجة لذلك ، تبلور في داخل المجتمع الديني تيار يدعو صراحة الى طي صفحة الفقه والكلام القديم ، وبناء منظومة فكر ديني جديدة كليا ، تتضمن – بين أمور أخرى – تصورا مختلفا عن الدولة العادلة ومعنى الدين ودوره في الحياة العامة. وقد أوضحت المقالة ان الاتجاه العام لهذه الدعوات يميل بقوة الى المنهج الليبرالي في الفلسفة والسياسة ، وهو يطرح دون مواربة ، الديمقراطية الليبرالية كنظام سياسي  أمثل للمجتمع المسلم في هذا العصر.


مقالات ذات علاقة



 

  --------- الهوامش  ------- 

[1] المفيد ، محمد بن محمد النعمان العكبري: المقنعة ، مؤسسة النشر الاسلامي ، (قم 1990) ، ص 809
[2] الشريف المرتضى: : رسائل الشريف المرتضى ، اعداد السيد مهدي رجائي ، دار القرآن الكريم ، (قم 1405) 2/89
[3] حسن روملو : احسن التواريخ (تهران 1978) ج 12 ص 249
انظر أيضا Said Amir Arjomand, The Shadow of God and The Hidden Imam, U. of Chicago Press (Chicago 1984), p. 133.
[4] لتفاصيل أوفى حول الظروف التاريخية التي ولدت فيها هذه الآراء ، راجع توفيق السيف: نظرية السلطة في الفقه الشيعي ، المركز الثقافي العربي (بيروت 2002) الباب الثاني.
[5] مرتضى الانصاري: المكاسب ، ط3 مجمع الفكر الاسلامي (قم 1420) ، 3/553. ن. إ: http://www.alseraj.net/maktaba/kotob/feqh/yasoob/books/htm1/m001/03/no0354.html
[6] تجدر الاشارة الى ان الأنصاري انفرد بتقرير ان "نفس الانسان" ليس موضوعا للولاية. وحسب تعبيره فان الولاية "له لا عليه" اي انها مقيد لتصرفاته الخارجية فحسب. ومثالها ولاية السلطان على مصالح البلد وشؤون الناس. الانصاري ، المصدر السابق 1/412
[7]  محمد حسين الاصفهاني: حاشية المكاسب ، تحقيق عباس آل سباع، انوار الهدى (قم 1418). 2/397
[8] ابو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين ، دار ابن حزم (بيروت 2005) 1/136 
[9]  الاصفهاني: المصدر السابق ، 2/390
[10] محمد باقر الصدر: "الاتجاهات المستقبلة لحركة الاجتهاد" ، فقه أهل البيت (دورية) العدد الاول 1995 ، صص 13-21. http://www.islamicfeqh.com/magshow.php?kind=83
[11] محمد مهدي شمس الدين: في الاجتماع السياسي الاسلامي ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر (بيروت 1992) ص. 251
[12] محمد مجتهد شبستري : نقدى بر قراءت رسمى از دين ، طرح نو (تهران 2000) ، ص 186
[13] جعفر كاشف الغطاء: كشف الغطاء عن محكمات الشريعة الغراء ، دفتر تبليغات اسلامى (قم 1422هـ) 4/334 ن. إ: http://books.rafed.net/view.php?type=c_fbook&b_id=1600
 [14] شمس الدين: في الاجتماع السياسي 262
لمزيد من المعلومات حول الفرق بين مقدمات الواجب ، انظر محمد رضا المظفر: اصول الفقه ، ط2 ، الأعلمي للمطبوعات (بيروت 1990) 1/226
[15] شمس الدين: في الاجتماع السياسي 265
[16] محمد مهدي شمس الدين: نظام الحكم والادارة في الاسلام ، ط2 ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر (بيروت 1991) ص  410
[17]محمد حسين الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن ، الاعلمي للمطبوعات (بيروت 1997) 4/128
[18] حسين علي منتظري : دراسات في ولاية الفقيه ، ط2 ، الدار الاسلامية (بيروت 1988) ، 1/527
[19] شمس الدين ، في الاجتماع السياسي ، ص 214
[20] شمس الدين: نظام الحكم ، ص 383
[21] شمس الدين: نفس المصدر ، ص 383
[22] شمس الدين: نفس المصدر ، ص 391
[23] شمس الدين: نفس المصدر  535-536
[24] نشرت بيانات الخميني ورسائله وخطبه بعد وفاته ، في 22 مجلدا ، تحت عنوان صحیفه امام:‏‏ مجموعه آثار امام خمینی‏‏ ، ط 5 ،  ‏‏مؤسسه تنظیم ونشر آثار امام خمینی‏ (تهران 1389=2011). ن.إ: http://www.imam-khomeini.ir/fa/page/194/
[25]  For more , see Bryan Turner, Max Weber: From History to Modernity, Routledge, (London 1993), p. 140
[26] قدم اندرو هيوود عرضا جيدا لسمات الايديولوجيات المحافظة ونظيرتها الليبرالية في الاطار الاوربي، وهو مفيد في فهم المسارات الرئيسية لكل من الاتجاهين. انظر   Andrew Heywood: Political Ideologies: An Introduction, 2nd edition. Palgrave,  (New York 1998)
[27] طبقا لمصباح يزدي فان "القراءة التقليدية للدين هي القراءة الوحيدةالاصيلة" وكل القراءات الاخرى تحريفية.  محمد تقي مصباح يزدي: نظريه سياسي اسلام ، ط 6 مؤسسه آموزشى و پژوهشى امام خمينى (قم 2012) 1/206  http://mesbahyazdi.ir/node/2152
[28] حول رؤية المحافظين لهذا المفهوم ،انظر داور محبى: نظريه "دين حد اكثر" ، نقد ونظر (دروية) ، السنة 6 العدد 23-24 صيف 1379  (1999).
للمقارنة مع رؤية الاصلاحيين في هذا الباب ، انظر عبد الكريم سروش: بسط تجربه نبوى ، ط3 ، مؤسسه صراط ، (تهران 1379=2000م) ص 83
[29] محمدمهدی نادری: "مقایسۀ دیدگاه آیة الله جوادی آملی و آیة الله مصباح یزدی در زمینۀ ادلۀ اثبات ولایت فقیه" ، فصلنامه حکومت اسلامی ، العدد 80 ، صيف 2016 http://www.rcipt.ir/index.aspx?siteid=1&pageid=266#
[30] محمد جواد لاريجاني: نقد دينداري ومدرنيسم ، ط2 ، مؤسسه اطلاعات (تهران 1997) ، ص 192
[31] مصباح يزدي : نظريه سياسي اسلام ، مصدر سابق 1/311  http://mesbahyazdi.ir/node/2160
[32] للمقارنة بين اراء مختلفة في هذا الصدد ، انظر محمد جواد ارسطا: "مجلس خبرگان از ديدگاه نظريه ولايت فقيه" ، مجله حكومت اسلامي ، العدد 8 ، صيف 1998 ، صص 57-102    http://www.rcipt.ir/index.aspx?siteid=1&pageid=142&p=1&g=19&showitem=119
[33] مهدی میرباقری: "کسى که ولایت می‌‌کند، فقیه است یا فقه؟" شبكه اجتهاد  (15-12-1395=مارس 2017)  https://goo.gl/igsALO
[34] محمد تقي مصباح یزدی: "مخالفت با ولی فقیه در حد شرك بالله است" ، شبكه تبيان (11-2-1390 =مايو 2011)  https://goo.gl/YZqEuS
[35]  عباس قائممقامي: قدرت و مشروعيت : رويكردى نو و نقادانه به نظريه هاى مشروعيت در ولايت فقيه ، انتشارات سوره (تهران 2000)  صص 147-8
[36]  قائممقامي : المصدر السابق ، ص 145
[37]  عبد الكريم سروش: "بسط وقبض تئوریک شریعت ، تكامل معرفت ديني-1" ، كيهان فرهنگي، السنة 5 ، العدد 2 ، ارديبهشت 1367 (ابريل 1988) صص 12-18            http://www.noormags.ir/view/fa/articlepage/14689/
[38] وجيه كوثراني: "قراءة في القبض والبسط في الشريعة لعبدالكريم سروش" ، جريدة الوسط 17 يوليو 2008 ، http://www.alwasatnews.com/news/158488.html
[39] انظر توفيق السيف: حدود الديمقراطية الدينية ، دار الساقي (بيروت 2008) ، سيما الفصل الثالث والخامس.
[40] مصطفى ملكيان: "الكلام الجديد في ايران" (حوار) ، قضايا اسلامية معاصرة  (دورية) العدد 18 السنة 2002 ، صص 11-58
[41] محسن كديور: دغدغهاى حكومت ديني، ط2 نشر نى (تهران 2001) ، ص 190
[42] عبد الكريم سروش: "الذاتي والعرضي في الاديان" ، قضايا اسلامية معاصرة  ، العدد 22 ، (شتاء 2003) صص 173-208  ، ص 201
[43] مصطفى ملكيان : العقلانية والمعنوية ، ترجمة عبد الجبار الرفاعي وحيدر نجف ، الدار العربية للعلوم (بيروت 2010) ص 49
[44] محمد مجتهد شبستري: قراءة بشرية للدين ، ترجمة احمد القبانجي ، دار الجمل (بيروت 2009) ص 82
[45] انظر مثلا ابو حامد الغزالي: المصدر السابق
[46] للمزيد ، انظر محمد تقي الحكيم : الاصول العامة للفقه المقارن، ط2 مؤسسة اهل البيت (قم 1979) 1/271
[47] محمد مجتهد شبستري: "الحكومة الاسلامية الديمقراطية" في أحمد القبانجي (محرر): مطارحات في عقلانية الدين والسلطة ، منشورات الجمل (بيروت 2009) ص 118
[48] منتظري ، حسين علي : دراسات في ولاية الفقيه ، (بيروت 1988) ، ج 1 ، ص 493
[49] شبستري: قراءة بشرية للدين ، ص 175

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...