‏إظهار الرسائل ذات التسميات الشباب السعودي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الشباب السعودي. إظهار كافة الرسائل

06/01/2016

تأملات في حدود الفردانية

يبدو ان الفهم العام في مجتمعنا  ومعظم المجتمعات الشرقية ، يميل الى نبذ الفردانية كقيمة ، وإعلاء شأن الجماعة ، على نحو قد يلغي أي قيمة لوجود الفرد واستقلاله. في مجادلة هذه الرؤية ، ينبغي التمييز بين مقاربتين مختلفتين لمسألة الفردانية:

أ‌)        المقاربة الاخلاقية/القيمية ، التي تستهدف الحكم على المبدأ. نعرف ان عامة الناس ترى ان قيمة الفرد وهويته مستمدان من تمثله للتيار الاجتماعي العام واندماجه فيه. بينما يميل الفردانيون الى اعتبار الفرد كونا مستقلا ، وأن علاقته بالمجتمع عرضية. وبناء عليه فكلا من الاتجاهين يؤسس منظومته الاخلاقية والقانونية تبعا لاحدى القناعتين.

ب‌)   المقاربة العلمية التي تستهدف كشف العوامل المؤثرة في علاقة الفرد بالجماعة. حيث يتفق الباحثون على ان جانبا معتبرا من ذهنية الفرد وسلوكه اليومي هو انعكاس لتأثير علاقته بالمجتمع. لكنهم يختلفون في حدود هذا التأثير ، هل هو كلي ام جزئي ، وهل هو معروف للفرد وبالتالي طوعي ، أم انه غيرمدرك وينطوي بالتالي على نوع من الجبر.

تستهدف المقاربة العلمية كشف طبيعة الواقعة الاجتماعية ، وتحديد ما اذا كانت مجموعة افعال متشابهة لمجموعة افراد يمكن تفكيكها ، أو انها فعل واحد لكتلة اسمها المجتمع ، بغض النظر عن افعال الافراد وتمايزاتهم.

نعرف ان معظم الجدل الاجتماعي يتناول المقاربة الأولى. فالذين عارضوا الفردانية على اساس اخلاقي ، ركزوا على كونها غطاء او مبررا للانانية. وهم على حق في القول بأن الفرد لا ينمو وملكاته لا تتطور في معزل عن الجماعة. ولهذا فليس من الاخلاقي التنكر لها بعدما شب عن الطوق وبات قادرا على المساهمة في حياة الجماعة وارتقائها.

أما دعاة الفردانية ، فرأوا ان استقلال الفرد ذهنيا وروحيا عن الجماعة ضروري ، لجعل مساهمته في حياة الجماعة اكثر جذرية وتأثيرا. وهم يقولون ان اهم التطورات في حياة البشرية ، حققها أفراد تمردوا على الافكار والمسلمات السائدة. ولولا انهم تجاوزوا بخيالهم وطموحهم حدود المشهود والمتعارف ، لما ابدعوا جديدا. جميع المبتكرين والمفكرين وقادة الامم ، كانوا من هذا النوع من الافراد الذين تجرأوا على مخالفة السائد ، وذهبوا وراء ما اعتبره غيرهم تخيلات وأحلاما او ربما اوهاما سخيفة.

يرى هؤلاء ان مساهمة الفرد الذائب في الجماعة ، ليست سوى تكرار لما يفعله آلاف الناس وما فعلوه في الماضي. بينما يوفر استقلال الفرد بفكره وتطلعاته وقيمه ، فرصة لخيارات جديدة واحتمالات غير مألوفة ، وهذا ما ينتج التقدم على مستوى الجماعة ، وأحيانا على المستوى الكوني.

جوهر الاشكالية إذن هي كينونة الفرد القائمة بذاتها والمستقلة عن اي رابطة اجتماعية. هذا ليس انكارا لقيمة الجماعة ومساهمة الفرد في حياتها ، بل هو مجرد تأكيد على أهليته وحقه في إنكار ارادة الجماعة ، اذا قررت شيئا يتنافى مع قناعاته تنافيا حديا ، وحقه في اختيار ما يحقق تطلعاته من نموذج حياة او معتقد او منهج تفكير ، ولو كان غير متعارف.

نحن إذن نتحدث عن الحاجة لوضع خط واضح يميز بين ما نعتبره رابطة عقلانية تشد الفرد الى الجماعة ، وبين الانصهار الكلي الذي قد يقود لتبعية عمياء تذيب ذاتية الفرد وتلغيها. جوهر المسالة اذن هي القولبة والتنميط القسري الذي يلغي ذاتية الفرد ، ويحوله من رقم قابل لان يكبر وينتج ، الى صفر يضاف الى ارقام اخرى هي الدولة او الجماعة او الطائفة او السوق.

مقالات ذات علاقة

«21» الفردانية في التراث الديني

«22» الهوية الفردانية

اشكالية الهوية والتضاد الداخلي

الاقليات والهوية : كيف تتحول عوامل التنوع الى خطوط انقسام في المجتمع الوطني

أن نفهم الآخرين كما هم لا كما نتصورهم

الانسان الذئب

تأملات في حدود الفردانية

تكون الهوية الفردية

تلاميذ ارسطو

حزب الطائفة وحزب القبيلة

الحق أولا

حول الانقسام الاجتماعي

عدالة ارسطو التي ربما نستحقها

عن العالم المحبوب

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

كيف تولد الجماعة

المسألة القومية واستقلال الفرد

مكانة "العامة" في التفكير الديني

 

 الشرق الاوسط 6 يناير 2016

http://aawsat.com/node/537421/

16/07/2014

سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب)

يطرح الكتاب اشكالية موقع الدين في الحياة العامة. يناقش ابرز عوامل التحول في ثقافة الشباب السعودي ، وكيف تنعكس على الذهنية الدينية ودور الدين في الحياة الاجتماعية ، كما يدعو الى التفكير في الدين بمنحى تجديدي ينبذ التقاليد الموروثة ، ويؤكد على استيعاب تحديات العصر وحاجات المسلم المعاصر.

مقدمة الكتاب

ما ظننت المجتمع السعودي يعج بهذا الكم الهائل من الاسئلة قبل الاجتياح العراقي للكويت في اغسطس 1990. وما  ظننت ان تبقى تلك الاسئلة دائرة حول نفسها سنوات وسنوات حتى رأيت ما جرى بعد هجوم تنظيم "القاعدة" على نيويورك في سبتمبر 2001.

حين أتامل اليوم في المسائل التي يدور حولها جدل الصحافة المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت ، اجد انها ذاتها المسائل التي اهلكناها جدالا خلال ربع القرن المنصرم. ومع ذلك فلا زلنا ندور حول نقاط البداية نفسها ، وكأننا ما تحدثنا ولا ناقشنا ، او كأننا ندير حوار طرشان ، يقول كل منا ما يشتهي ، فيسمع الاخر فكرة مختلفة ، فيعود الاول الى تكرار ما قال ، فيستعيد الاخر ما كان يود ان يسمعه.

نقاشاتنا لم تؤد الى تطوير الاسئلة ، ولا هي اوصلتنا الى اي جواب. في 2013 قررت وزارة العمل معالجة البطالة المستفحلة بتحميل المشكلة على القطاع الخاص ضمن البرنامج الذي اطلق عليه اسم "نطاقات". مشكلة البطالة لم تبدا اليوم بل كانت واضحة منذ العام 1983وقد اثارت في وقتها نقاشات لم تتوقف حتى اليوم.  وفي ذلك العام ايضا حاولت النساء اقناع الحكومة برفع الحظر المفروض على حقهن في قيادة السيارة ، ونعلم ان المطالبة العلنية بهذا الحق بدأ في نوفمبر 1990 في اطار المظاهرة النسائية المشهورة. لا زلنا ايضا في العام 2014 نناقش الاسباب التي تدعو شبابنا للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة مثل "القاعدة" و "داعش" واخواتها ، مع ان القاعدة ظهرت ونفذت العديد من العمليات الارهابية في المملكة في 1995. ومنذ ذلك الوقت اريقت براميل من الحبر وسمع الناس مئات الساعات من الخطب حول هذه القضية. هذا الكلام عينه يقال عن قضايا التعليم والاصلاح الاداري والقضاء والخدمات العامة وتعزيز الهوية الوطنية وارساء سيادة القانون وعشرات من القضايا الاخرى.

استطيع الادعاء ان كل القضايا المطروحة في المجال العام اليوم ، كانت كذلك قبل عقد من الزمن او عقدين او اكثر. واستطيع الادعاء اننا ما نزال في نفس دائرة الجدل التي كانت قبل عقد او عقدين ، اي اننا لم نقترب في الواقع الى اي حل او تصور عن حل. ولا استبعد ان نعود بعد عشر سنين او عشرين سنة لنجد انفسنا في نفس الدائرة ، ندور حول نفس النقاط ، وكاننا ما زلنا في ثمانينات القرن العشرين او تسعيناته.

نحن ببساطة مجتمع يتسلى بالجدل حول القضايا الحرجة ، وطبيعة التسلية انها قصيرة الامد ، تظهر ثم تكبر فتثير الجدل ثم يظهر غيرها فينشغل الناس بالمسألة الجديدة ، وهكذا. ثم تمر سنين وتعود الازمات غير المحلولة فنتذكر انها اثارت النقاش في وقت سابق ، لكنها تعود – من جديد – الى نفس الدائرة ، وتبقى دون حل. ولهذا السبب فلا زلنا نناقش مسائل انتهى العالم منها  وطواها قبل عقود. 

اعلم ان القرار ليس بيد الناس ، وان صوتهم غير مسموع بالقدر الكافي. وهم – لهذا السبب – معذورون ان عادوا لمناقشة ما فرغت منه المجتمعات الاخرى ، فكل شيء معلق على رف الانتظار. اظن ان ضعف الثقافة السياسية وانعدام الاطار القانوني الذي ينظم المجتمع المدني ، وبالتالي عدم وجود منظمات مجتمع مدني فاعلة، اضافة الى هيمنة رأي واحد وما يعانيه اصحاب الرأي المختلف من عسر وتضييق ، كل هذه الاسباب تقف وراء الحالة التي وصفتها. لكننا مع ذلك بحاجة الى مواصلة النقاش ، حتى لو كان الامل في تأثيره ضئيلا. بحاجة الى تعميق النقاش وتفصيح الاسئلة ودعوة جيل الشباب خصوصا الى المشاركة في هذه النقاشات ، فليس امامنا طريق آخر غير ان نواصل التمسك بالوعي والدعوة للوعي وتعميق الوعي.

يضم هذا الكتاب مقالات كتبت ونشرت في اوقات مختلفة ، تحاول جميعها تفصيح الاسئلة التي تثير الجدل واقتراح مسارات للجدل ، على أمل ان تسهم في تعميق الوعي بقضايا الشأن العام الرئيسية. ليس هدف هذه الكتابة تقرير حلول او اقتراح حلول ، فغاية ما تريده هو تفصيح النقاش وتعميقه.



للقراءة براحة اكبر ، اضغط هنا
لتنزيل الملف ، اضغط هنا

}

مقالات ذات علاقة

·         تجارة الخوف
·         تجريم الكراهية
·         طريق التقاليد
·         فلان المتشدد

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...