تتشكل
هوية الأفراد، طبقا لاريك اريكسون الذي يعتبر مرجعا في هذا الحقل، خلال كفاح طويل
هدفه تركيب عنصرين:
أ) الكفاءة الفردية التي يتحدد معناها وتطبيقاتها على ضوء
العرف السائد في المحيط الاجتماعي.
ب) حاجة الفرد للاندماج في
عالم ذي معنى، أي محيط تعارف مناسب يقدر وجود الفرد وقيمته ودوره. يصوغ الفرد
شخصيته وطريقة عيشه على نحو يجعله مألوفا ومقبولا في محيطه الاجتماعي. حين يولد
الفرد وسط جماعة محددة، فإن موقفها العام وموقف الآخرين منها يصبح جزءا من هويته،
حيث تعمق الصراعات ميل الفرد للاندماج في جماعته الخاصة، كوسيلة لتوفير الأمان
الروحي والثقافي.
اريك اريكسون |
طبقا لأمين معلوف فإننا «غالبا ما نتعرف إلى أنفسنا في الانتماء
الأكثر عرضة للتهجم».. الأصل الإفريقي يمثل رابطة بين السود في الولايات المتحدة،
والانتماء إلى الإسلام يمثل رابطة تجمع بين الألبان في صربيا. العامل المحوري في
تشكيل الهوية الفرعية، سواء كان دينا أو مذهبا أو لغة أو عرقا أو لونا، يمثل رمز
التعريف للجماعة وجوهر الرابطة التي تجمع أفرادها.
يبرز تمايز الجماعة عن غيرها
عندما يشار إلى الرابطة الجمعية أو العامل المشترك بين أفرادها «مثل المذهب أو
الجنس أو الانتماء الأثني» كمبرر لموقف مضاد. وتتحول تلك الرابطة إلى عامل تصليب وتوحيد
حين تتعرض الجماعة للقمع أو الإذلال أو التهديد. ويرى اريكسون أن الامتهان يولد
ميلا شديدا عند الأفراد لصياغة هوية جمعية جوهرها الشعور بالتمايز، وربما العداوة
مع الطرف الذي يمارس الامتهان.
ينطلق الامتهان من دوافع سياسية، حتى لو حمل مبررات
أخرى، ويستهدف غالبا تبرير الهيمنة. وهو يبدأ بما يصفه اريكسون بالتصنيف الزائف
الذي يغفل الكفاءة والفروق الفردية، ويعطي لجميع المنتمين إلى شريحة محددة وصفا
واحدا، قد يكون بذاته محايدا، لكنه ينطوي على تنميط سلبي في أذهان الآخرين مثل
القول بأن «المرأة عورة» أو «السود متخلفون»، وهو تنميط يؤدي بالضرورة إلى تسويغ
العدوان على تلك الشريحة أو انتقاص حقوقها:
حين نقرر انتقاص ذلك الآخر، أي الفرد الذي يقع في رأينا في الموضع الخطأ أو الصنف الخطأ أو اللباس ، فإننا نهون قدره، ونخرجه من دائرة التعامل الأخلاقي، فنتساهل في عيبه وذمه، ويصبح من ثم هدفا محتملا لنوازع العداون في نفوسنا، ولا نتردد في خرق إنسانيته، بل حتى حياته نفسها..
رد فعل الجماعة التي تتعرض
للامتهان سوف يتراوح بين الميل للاستسلام والتخلي عن ذلك العامل الذي يميزها عن
الآخرين، وصولا إلى الذوبان في الجماعة الأكبر، وبين تحويله إلى رمز للمقاومة،
بالإصرار عليه وأحيانا المبالغة في تضخيم قيمته، حتى يتحول إلى محور رئيس للحياة
اليومية أو مضمون لشريحة واسعة من النشاطات الحيوية للجماعة.
فهم هوية الآخر المختلف
واحترامها هو المفتاح لعلاقة طبيعية تحكمها المثل الأخلاقية ومبدأ المساواة في
الحقوق والواجبات. جميع الذين نتعرف عليهم أو نتصل بهم في حياتنا اليومية مختلفون
عنا بشكل أو بآخر. ويميل الإنسان بشكل طبيعي إلى تحديد نمط علاقة بينه وبين هؤلاء
الناس، تبدأ عادة بتصنيف ذلك الفرد، أي تحديد هويته وتحديد الخطوط التي تصله به أو
المسافة التي تفصله عنه. وفي هذه النقطة بالذات تبرز الحاجة إلى تصنيف الفرد ضمن
الطيف الاجتماعي الذي ينتمي إليه، سواء كان قبيلة أو دينا أو منطقة أو بلدا أو
تيارا اجتماعيا أو ثقافيا أو اتجاها مذهبيا أو ايديولوجيا.
التصنيف الصحيح والمنصف هو
الذي ينظر إلى الفرد بذاته، أي صفاته الشخصية وكفاءته ودوره الفعلي. والتصنيف
الخطأ أو الظالم هو الذي ينتهي إلى تحديد موقف من الفرد طبقا لنظرة «نمطية» للإطار
الاجتماعي الذي ينتمي إليه. ينطلق التصنيف السلبي من صورة ذهنية نمطية نحملها عن
الآخرين كمجموعات لا كأفراد. هذا التصوير النمطي هو الذي يجعل مواقفنا منحازة
ومتشددة، وهو الذي يجعلنا عاجزين عن فهم العالم كما هو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق