نحتفل هذا الأسبوع باليوم الوطني للمملكة
العربية السعودية ، ذكرى مرور 90 عاما على توحيد
البلاد ، التي كانت بقاعا مشتتة وامارات متنازعة ، فانعم الله على أهلها بالسلام
والأمان والألفة. في مناسبة كهذه يستذكر الناس محاسن بلادهم ، كما يتأملون الطريق
الى مستقبلهم. ولحسن الحظ فان بلادنا حزمت أمرها – بعد مكابدة طويلة - فانضمت الى
ركب الحداثة. ورأينا ثمار هذه الشجرة
الطيبة ، ونأمل مزيدا منها في قادم الايام.
نعلم ان التحولات الكبرى تحمل في طياتها تحديات جديدة ، كما تكشف عيوبا مستورة. وقد شهدنا بعضها ، خلال السنوات القليلة الماضية. لكن الانصاف يقتضي القول انها مرت بسلام ، حتى ليظن الناظر من بعد أن الأمور كانت هكذا على الدوام.
يهمنا ونحن نحتفي بالحاضر ، ان نلقي نظرة على
المرحلة التالية والطريق اليها ، وما تقتضيه من مهمات ، أبرزها في رأيي الحريات الشخصية والمدنية
وضمانها بالقانون. بديهي ان هذه لا ترتبط بالمناسبة لذاتها. لكنها جديرة بان تطرح
في كل وقت ، وفي هذه المناسبة خصوصا ، لان إقرار الحريات العامة هو الجزء الجوهري
في عملية التحديث. ان اختيارنا للحداثة يعني أن المجتمع والدولة يريدان الالتحاق بصف
الدول الحديثة ، التي ابرز سماتها انها دولة الامة. دولة الأمة تعني ببساطة ان
الإدارة الحكومية وما يتبعها من مؤسسات ، أي كل ما يندرج تحت مسمى "القطاع
العام" قائم لخدمة المواطنين وليس للسيطرة عليهم.
في الدولة الحديثة ، الشعب هو محور
عمل الدولة وهو غايتها وهو أداتها أيضا. المواطن في الدولة الحديثة شريك في ملكية تراب الوطن ، ولذا
فهو مسؤول عن هذا التراب ، مكلف بعمرانه وكف الأذى عنه وعن ساكنيه. ملكية التراب
الوطني هي مصدر الحقوق الثابتة للمواطن. ونعلم بطبيعة الحال ان كل حق يترتب عليه
واجب. لا توجد حقوق لا تقابلها واجبات وتكاليف. لكن يجب التأكيد على ان الحقوق
سابقة للواجبات في عالم السياسة والقانون.
نفهم ان إقرار الحريات المدنية والفردية ، قد يثير
تعارضات في المجتمع. لاننا عشنا سنوات طويلة ضمن نسق ثقافي/مجتمعي لا يرى الفرد
الا تابعا للجماعة وامتدادا لقناعاتها ، ولا يفهم الجماعة الا كامتداد لسلفها ، وتأكيد
على حضورهم الثقافي والرمزي في كل العصور. ولهذا وجدنا المجتمع قلقا من كل جديد ،
في الاقتصاد وفي العلم والتكنولوجيا والتعليم ، بل في كل جانب. وهو قلق ينصرف
دائما الى تقييد الحريات الفردية. ربما يذكر القراء الأعزاء المعلم الذي يحمل
المقص ، ويفحص "طول شعر" الطلاب
في طابور المدرسة الصباحي ، لقمع موضات
الشعر الطويل في تلك الأيام. لم يعد "مقص المعلم" حاضرا هذه الأيام ،
لكن الضيق بالمختلف والمبتدع والمتمرد على التقاليد ، لازال حاضرا بصور وأشكال
متنوعة ، كلها تقود – موضوعيا - الى نتيجة واحدة ، هي التدخل الاعتباطي في حياة
الأفراد والتضييق على حرياتهم.
اعلم ان الخلاص من التدخل الاعتباطي في حياة الناس
، يحتاج الى علاج ثقافي في المقام الأول. لاننا لا نستطيع الدعوة الى قمع المجتمع
، بينما ندافع عن الحريات الفردية. وليس من المناسب تكميم افواه شريحة من الناس ،
كي تتمتع الشريحة الأخرى بحريتها. مفهوم أيضا ان العلاج الثقافي يحتاج الى زمن.
لكن الخطوة الأولى قانونية وسياسية ، خلاصتها تبني الدولة لقواعد قانونية تقر صراحة
بالحرية الفردية والمدنية لكل مواطن ، وحقه في الاستمتاع بحياته على النحو الذي
يريد.
اعتقد ان اعظم انجاز لأي مجتمع سياسي ، سيكون في
تعظيم مكانة الفرد ، أي حماية حقه في اختيار نمط الحياة الذي يريد.
الشرق الأوسط الأربعاء - 25 صفر 1444 هـ - 21 سبتمبر 2022 مـ رقم العدد [16003]
https://aawsat.com/node/3885876