‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسلمون والغرب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسلمون والغرب. إظهار كافة الرسائل

05/07/2023

من دربند الى ستوكهولم: خط التحول المنتظر

صباح عيد الاضحى ، اقامت الشرطة السويدية خطا أمنيا أمام المسجد الكبير في العاصمة ستوكهولم ، لحماية سلوان موميكا ، الذي أعلن انه سيحرق نسخة من المصحف ويدوسه بقدميه ، تأكيدا على انضمامه لتيار اليمين المتشدد. ومعروف ان الرجل لاجيء من العراق ، يسعى لاقناع الطيف المعادي للمسلمين بدعم محاولاته للدخول مبكرا في الحياة السياسية.

بعد هذا بساعات كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يزور الجامع الكبير بمدينة دربند ، على ساحل بحر قزوين ، حيث ظهر امام كاميرات التلفزيون وهو يضم نسخة من مصحف قديم الى صدره ، ويحيطه بيديه ، بينما يحدث مستقبليه عن احترام الدولة الروسية للقرآن وكافة الكتب المقدسة ، ورفضها اي اهانة او جرح لمشاعر أتباعها "خلافا لما يجري في دول أخرى حيث يهان الكتاب المقدس ، ولا تفعل الدولة اي شيء للتعبير عن احترام معتقدات سكانها".

بوتين خلال زيارته الجامع الكبير في دربند 29 يونيو 2023
جريمة حرق المصحف ، قد تتحول الى حجر زاوية في السياسات الأوروبية الخاصة بالتعدد الثقافي والهجرة والاندماج. نعلم ان هذا ليس الحادث الأول من نوعه. فقد جرى بنفس التفاصيل تقريبا في ابريل 2020 ، ثم في يناير من العام الجاري. وفي المرة الأولى اثمرت الحادثة عن صدامات واسعة بين الشرطة ومهاجرين محتجين ، وسجلت اصابات واحرقت سيارات ، واعتقل عدة اشخاص.

الجديد في الحادث الأخير ، هو تزامنه مع الصدامات الواسعة التي شهدتها فرنسا بعد مقتل الشاب الجزائري ، نائل المرزوقي على يد الشرطة يوم 27 يونيو المنصرم. لكن هناك ايضا عدة حوادث تساهم جميعا في تحويل هذا الحادث الى قضية متشعبة الانعكاسات ، ونشير خصوصا الى موقف الرئيس الروسي ، الذي سيجير دون شك للصراع السياسي الموازي للحرب في اوكرانيا ، وهو – كما نعتقد - حلقة من حلقات الصراع الاوسع نطاقا ، الذي يدور حول عودة نظام القطبية الثنائية (روسيا والصين من جهة والدول الصناعية الاخرى في الجهة المقابلة).

ويظهر ان رسالة بوتين قد وصلت فعلا ، حيث تحدث بيان للجامع الازهر بامتنان ، عن موقف الرئيس الروسي ، بينما ندد بما يمكن اعتباره موقفا سلبيا من جانب الحكومة السويدية. لا اعتقد ان روسيا قد كسبت – بشكل نهائي – تعاطف العالم الاسلامي ، فلديها – هي الاخرى – مشكلاتها. لكن كلمة الرئيس بوتين في الجامع القديم ، قدمت جوابا للسؤال الذي يدور في أذهان الكثير من المسلمين ، سؤال: من يقف معنا اذا تعرضت هويتنا او مقدساتنا للتهديد او الاهانة.

جواب كهذا لا بد ان يزعج التحالف الغربي ، لأنه ببساطة يمهد الطريق لعودة التحالفات القديمة بين موسكو والعالم الثالث. وهو يشي بتحول جوهري في نظام العلاقات الدولية.

الحوادث التي تزامنت مع حرق المصحف ، تشكل في مجموعها اطارا تحليليا جديدا ، لا بد ان يؤخذ بعين الاعتبار في الدوائر الأوروبية. واحتمل ان نقاشاتهم التالية لن تتمحور حول حرية التعبير أو احترام المقدسات ، كما حصل في المرة السابقة ، بل حول الانعكاسات التي يمكن ان يقود اليها حادث من هذا النوع ، نظير اضطرابات باريس ، أو استثمار سياسي عالمي النطاق ، كما يظهر من توجهات الرئيس الروسي.

هذه اذن لحظة مواتية للمسلمين في اوربا. احتمل ان الخطاب السياسي للنخبة الحاكمة ، لن ينشغل في الأيام القادمة بمفهوم الدمج الثقافي الجبري ، كما جرت العادة في الاشهر الماضية ، بل سيدور غالبا حول الاستيعاب السياسي في اطار تعددي ، كما فعلت بريطانيا والولايات المتحدة من قبل.

انها فرصة لمن استوعب معناها. واظن ان على المسلمين المسارعة في اغتنامها ، بالانخراط الواسع في الحياة السياسية والمشاركة الفاعلة في الانتخابات العامة والمحلية ، لانها الطريق الوحيد للحصول على ما يطالبون به ، في اطار القانون.

الشرق الاوسط الأربعاء - 17 ذو الحِجّة 1444 هـ - 5 يوليو 2023م     https://aawsat.com/node/4416236

مقالات ذات صلة

ابعد من تماثيل بوذا

حرب الرموز

استنهاض روح الجماعة

الاسئلة الباريسية

الاسئلة التي تزيدنا جهلا

تلميذ يتعلم وزبون يشتري

ثقافة العيب

حديث الغرائز

الحر كة الا سلامية ، الغرب والسيا سة ( 2 من 3 )

حول طبيعة السؤال الديني

خطباء وعلماء وحدادون

داريوش الذي مضى

الدرس الباريسي

دعوة لمراجعة مفهوم الامة/القومية/الوطنية

الشيخ القرني في باريس

العلاج الجذري لفتن العنصريين

عن العولمة والبقالين والحمالين و السمكرية و

قادة الغرب يقولون دمروا الاسلام ابيدوا اهله

المسلمون البريطانيون ومشكلة الهوية

وهم الصراع بين الحضارات

اليوم التالي لزوال الغرب

05/04/2023

وهم الاستعلاء

  

مقال الأسبوع الماضي أثار الكثير من الجدل ، الذي جاء معظمه في صيغة "الرد" على الكاتب او المقال ، وليس مناقشة الفكرة التي يطرحها. وقد أكدت لي هذه الردود ملاحظة ذكرتها في كتابات سابقة ، فحواها ان غالبية من يجادلون الكتابات المتعلقة بمسألة دينية او التي لها ظلال دينية ، ينطلقون من خوف على الدين ، خوف من ان أي فكرة جديدة او نقد للممارسات الرائجة ، ربما يؤدي لهدم الدين ، حتى لو كان غير مقصود في الأصل. والحق ان معظم هذه الكتابات ينشرها اشخاص حريصون ، وبعضهم متخصص في مجاله. لكن أيا كان الأمر فاننا بحاجة لفهم دواعي الخوف المذكور ، سواء قبلناه او أنكرناه.

د. خير الدين حسيب

علاقة المسلمين بالأمم الأخرى ، واحدة من أبرز انشغالات العقل المسلم في عصرنا الحاضر. وهو انشغال يشترك فيه عامة المسلمين ونخبتهم. من هنا بات موضوعا أثيرا للكلام الشعبي والخطابة ، فضلا عن البحث العلمي. وفي حالة كهذه ، فالمتوقع ان يكون للكتابات الخفيفة وما يجاريها من خطب منبرية ، دور أكبر في تكوين الرأي العام المتعلق بالمسألة.

تدور الأبحاث العلمية المتعلقة بالموضوع حول أسئلة من قبيل: ما الذي نستفيد من علاقتنا بالغرب ، وكيف نعظم الفوائد ، تأثير هذه العلاقة على الاستقلال الوطني ، التأثيرات المتبادلة بين المسارات المتعددة للعلاقة ، أي تاثير العلاقة الاقتصادية على الوضع السياسي والثقافي ، وتأثير هذه على تلك ، الخ. وأريد لهذه المناسبة استذكار الجهد الباهر للمرحوم د. خير الدين حسيب ، مؤسس مركز دراسات الوحدة العربية ، الذي اشرف على عدد كبير من الأبحاث المتعلقة بالموضوع ، واذكر خصوصا الدراسات الخاصة بالانكشاف الاقتصادي والأمني ، وسبل التعامل معه على مستوى الوطن العربي. اود الإشارة أيضا الى اعمال المرحوم مالك بن نبي ، المفكر الجزائري المعروف ، الذي حاول الإجابة عن سؤال: كيف نجسر الفجوة التقنية /العلمية مع الغرب ، من دون ان نضحي باستقلالنا السياسي وخصائصنا الثقافية؟. هناك أيضا باحثون كثيرون عرب واوروبيون ، ونظراء لهم من آسيا وامريكا اللاتينية ، قدموا اعمالا في غاية الأهمية ، عالجت زوايا مختلفة للموضوع. وهي تشكل – في مجموعها – مصدرا لا غنى عنه ، ان أردنا التوصل لفهم موضوعي ، او وضع خطة علمية لعلاقة مثمرة بين العالم العربي/الاسلامي والغرب.

اما الخطب المنبرية وما يجاريها من كتابات خفيفة ، فقد وقع معظمها في فخ الخلط بين التوجيه التعبوي المناسب لمراحل الصراع ، والتحذير مما يزعم انه مؤامرة غربية ، وبين احكام الفقه القديم المبنية على الخوف او التخويف من الاختلاط بالمخالف والمختلف الديني.

وردت ابرز التنظيرات لفكرة "استعلاء الايمان" و"استعلاء المؤمن" في كتابي "معالم في الطريق" و "في ظلال القرآن" لسيد قطب ، وتناولها فيما بعد الخطباء والكتاب المتأثرون بفكره. لا بد من القول ان تعبير "استعلاء" لم يرد في القرآن ولا التراث الإسلامي القديم كسمة لأهل الايمان ، بل أورد القرآن الكريم لفظ "استعلى" على لسان فرعون.

التوجيه القرآني يؤكد ان الله رفع عباده بعملهم ، لا بمجرد انتمائهم. لكن نفوذ فكرة الاستعلاء في التثقيف الديني العام ، ولا سيما على السنة الخطباء والدعاة ، أسس لحالة نفسية محورها الترفع/الكبرياء الشخصي ، يمارسه الشخص المتدين حين يقارن نفسه بالآخرين. وقد اتخذ في بعض الأحيان مدخلا لنفي الحاجة الى العلم او بقية القوى المادية ، في المقارنة مع من يملكها. فكأن المؤمن يقول لنفسه: انا متدين ولا أملك شيئا ماديا ، غيري يملك كل شيء لكنه غير متدين ، إذن أنا ارفع منه.

بطبيعة الحال لا احد يقول هذا صراحة. لكنه يجري في داخل النفس على شكل تعويض تخيلي عن بعض الإخفاقات. ولهذا حديث آخر نعود اليه في قادم الأيام ان شاء الله.

الشرق الاوسط الاربعاء - 14 رَمضان 1444 هـ - 5 أبريل 2023 م

https://aawsat.com/node/4253851

29/03/2023

"عالم آخر" لكنه مثلنا


مقال الأستاذ مشعل السديري في "الشرق الأوسط" يوم الاحد الماضي ، المعنون "لكم دينكم ولي دين" حرك في نفسي أسئلة كثيرة ، يدور أكثرها حول نقطة واحدة ، هي ضيقنا بالآخرين الذين يشاركوننا الحياة في هذا الكون الذي بات صغيرا ومتصل الأجزاء. لطالما حاولت فهم السر وراء شوقنا لتصنيف الذين يختلفون عنا قليلا او كثيرا ، تصنيفا يضعهم "دائما" في مكان آخر ، غير مكاننا. واعلم ان هذا الميل القوي كان أرضية لنشوء التفكير الديني الذي ينظر للمختلف باعتباره مشكلة ، فيضع لها احكاما ومعايير علاقة تنطلق من هذا المعنى وتؤكده.

الواقع اني غير متأكد من هذه النقطة تحديدا: هل شعورنا بالفوقية على الغير ، هو الذي جعلنا ننشيء احكاما شرعية تبرر وتدعم هذا الشعور ، ام ان العكس هو الصحيح ، أي ان وجود تراث ديني يدعو للتعالي على المختلف ، هو الذي وضع الأساس النظري والروحي لهذا النوع من السلوك تجاه الغير.

واقع الامر اننا لا نتعامل مع المختلف الديني او المذهبي ، باعتباره "شخصا آخر" مثلما جارك شخص آخر وابن القرية الأخرى شخص آخر. المختلف هو "عالم آخر" ، ولهذا فثمة منظومة أحكام شرعية تتناول العلاقة معه ، حتى في أبسط تمثيلاتها ، مثل: ماذا تفعل إذا رأيت هذا "العالم الآخر" ، وماذا تفعل اذا ابتلاك بالسلام عليك ، او دعاك لزيارته او تشارك معك في مال الخ..

هذه الامثلة ليست من قبيل المزاح ، فلدينا أكثر من فتوى تستند الى روايات ، تخبرك ان تعبس/تكشر في وجه ذلك "العالم" اذا لقيته صدفة في الطريق او في مصعد العمارة ، او القته الاقدار امامك في المقهى ، او وجدته على يسارك في كرسي الطائرة. وهناك فتوى أخرى تخبرك ان تتبع طريقة خاصة في "رد السلام" اذا جاءك من "العالم الآخر" ، طريقة تختلف عن رد السلام العادي.

لا أريد الاسترسال في الأمثلة التي قد تأخذنا لأمور موجعة من قبيل: ماذا لو كان هذا الآخر امك او زوجك او جارك.. الخ. لكن زبدة القول ان تراثنا لم ينظر الى الاختلاف بين الناس ، باعتباره فرصة لتحريك فضول المعرفة ، أو دافعا للتعرف والتعارف ، بل نظر اليه كمشكلة ، جرى حلها بعزله ووضع دائرة محددة لحركته واتصاله ببقية أعضاء "الجماعة".

والعجيب ان التيار التقليدي يفاخر – كلاميا – بان التاريخ يشهد على حسن تعامل المسلمين مع غيرهم. وقد يكون هذا الكلام صحيحا او نصف صحيح. لكن السؤال: ماذا عن التراث الضخم الذي يصنف "العالم الاخر" باعتباره في مرتبة أدنى ، ويتعامل معه كمشكلة توضع في التعامل معها احكام وتعاليم ، غير احكام وارشادات العلاقة مع سائر الناس؟.

انا اتقبل ان مفهومنا للعلاقة الحسنة ، صحيح ، اذا نظرنا لتلك العلاقة ضمن شروطها التاريخية. لكن ماذا يفيدنا هذا الوصف اليوم؟. هل نستطيع استعمال الاحكام المشار اليها ، ام نواصل الافتخار بما سمعناه عن تاريخ الاسلاف ، ام نضع هذا وذاك وراء ظهورنا ونطرح السؤال الصحيح ، سؤال: ماهو الاصلح للإنسان وللاسلام في عالمنا الحاضر.. الانفتاح الكامل على كافة المختلفين ، ام التمسك باملاءات الفقه القديم المبنية على الخوف من العالم وترجيح اعتزاله؟.

يقترح الأستاذ مشعل السديري ان نضع انفسنا في مكان "العالم الآخر" كي نتعرف على وضعه الحقيقي ، كي نفهم مشاعره ، كي نستوعب فكرته ورؤيته لذاته وعالمه. وهو يضرب بعض الأمثلة ، امثلة عن أناس من ذلك "العالم الاخر" حاولوا ان يضعوا انفسهم محلنا ، ان يعيشوا حياتنا. انا اعرف امثلة أخرى ، وأرى ان هذه تجربة جديرة بالتأمل. لدينا مبررات قوية لقناعاتنا وطريقة حياتنا ، وللآخرين مبررات قوية أيضا. نحن نعتقد اننا نفعل خيرا ، وكذلك هم.. الا يجدر بنا ان ننظر للعالم بعيونهم ، ولو على سبيل التجربة؟.

الشرق الاوسط الاربعاء - 07 رَمضان 1444 هـ - 29 مارس 2023 م

https://aawsat.com/node/4239746

مقالات ذات صلة


01/02/2023

العلاج الجذري لفتن العنصريين


حرق وتمزيق المصحف الشريف على يد بضعة متعصبين في هولندا والسويد ، أثار غضب المسلمين وربما غيرهم أيضا.

هذا موضوع مثير للمشاعر بطبعه. وقراءته من أي زاوية سوى التنديد الصريح ، ستكون – على الأرجح – مثار ارتياب او غضب ، يحركه البعد العاطفي للموضوع. مع علمي بهذا ، فاني اجد لزاما علينا ان نتوقف للتأمل في جوانب المسألة ، التي ربما لم يلتفت اليها بعضنا ، او لعله لم يعتبرها ذات قيمة حين طرحت.

على سطح الحدث حجتان واضحتان: يقول المسلمون ان حرق المصحف مهين لمشاعر المسلمين ، وهو بمثابة العدوان الشخصي على كل فرد. بينما يقول الطرف الآخر (الهولندي والسويدي) ان هذا الفعل يصنف في اطار ممارسة الحق الشخصي في التعبير الحر عن الرأي ، وهو لا يخرق قانونا معلنا ، رغم ان كثيرا من الناس – وفيهم بعض قادة الدولة طبعا – قد نددوا به. ولابد انهم يخشون من اختلالات أمنية ربما تترتب عليه ، نظير ما حصل في فرنسا بعد نشر رسوم مسيئة للنبي محمد (ص) في 2006.

بعبارة أخرى فان حجة المسلمين تقوم على دليل معياري ، فحواه أن إهانة المقدسات ضرر يبرر تقييد الحرية. ويقر الطرف الآخر بهذه الحجة ، لكنه لا يراها قوية بما يكفي لوضع قانون استباقي يجرم المحاولات المماثلة.

بيان ذلك: ان تمزيق المصحف أو أي كتاب مقدس ، على النحو الذي جرى في الأسبوع الماضي ، ليس حادثا يقع باستمرار او بشكل واحد ، ولا هو ممارسة يقوم بها كثير من الناس. انه اقرب الى مبادرات فردية نادرة ، غرضها على وجه الخصوص هو تحريك المشاعر المضادة عند المهاجرين ، ثم صنع زوبعة إعلامية ، تخدم أغراضا سياسية للشخص او الجماعة التي قامت بالفعل.  ومن هنا فانها لا تعالج بإصدار المزيد من القوانين ، التي ستؤدي – شئنا ام ابينا – الى توسيع القيود ، بل بالمبادرات السياسية والثقافية.

المبادرات السياسية تتضمن التزام كافة اطراف المشهد السياسي وجمعيات المجتمع المدني ، بإدانة هذا الفعل ، والتنديد باستخدام المقدسات في الصراع السياسي والانتخابي. اما المبادرات الثقافية فتتضمن تعزيز اندماج المهاجرين (وخاصة المسلمين) في النظام الاجتماعي ، والتزامهم بالمشاركة القوية في الانتخابات العامة ، كي يكون لهم صوت مؤثر ينتفع به الصديق ويخشاه العدو.

ان تجربة المهاجرين الآسيويين والافارقة في بريطانيا ، جديرة بالتأمل. نعلم ان ريشي سوناك رئيس الحكومة الحالي ينتمي لعائلة هندية مهاجرة. وخلال السنوات العشر الماضية ، تولى مهاجرون عديدون مناصب سياسية ، وبينهم نسبة بارزة من المسلمين. ولم يكن هذا ممكنا لولا الاندماج المتزايد للمهاجرين في النظام الاجتماعي-السياسي للمملكة المتحدة.

يمكن بالتأكيد تكرار هذه التجربة في السويد وهولندا. وقد حدث بالفعل في وقت سابق ، حين تولى وزارتي العدل والعمل في هولندا سياسيان مسلمان ، كما تولت سيدة مسلمة وزارة التعليم في السويد. فضلا عن مناصب أخرى.

زبدة القول ان حرق المصحف او تمزيقه ، فتنة أريد بها تأجيج الصراع بين المهاجرين المسلمين والمجتمعات التي تستضيفهم. وهو صراع يستثمره بأكمله تقريبا التيار العنصري المعادي للمهاجرين. فاذا انزلق المسلمون في نزاع عنيف فسيخدمون اهداف هذا التيار. لكن لو أرادوا اجتثاث هذه الفتنة وقتلها الى الأبد ، فان الطريق هو الاندماج السياسي والاجتماعي ، وتكوين كتلة سياسية مؤثرة في الحياة العامة. عندئذ سوف يسعى كل طرف للتقرب منهم والدفاع عن مطالبهم. لن يستفيد المسلمون من اعتزال المجتمع الأوروبي ، ومن يدعوهم الى هذا ، فانما يدفعهم الى الزوال والفناء. تجربة بريطانيا جديرة بالتأمل والاحتذاء ، والسعيد من اتعظ بتجارب غيره.

الأربعاء - 10 رجب 1444 هـ - 01 فبراير 2023 مـ رقم العدد [16136]

 https://aawsat.com/home/article/

مقالات ذات صلة

 

 

25/11/2020

حول أزمة الهوية


هذه تكملة لمقال الاسبوع الماضي ،  الذي تعرضت فيه لما ظننته هوية متأزمة ، يعانيها كثير من المسلمين المعاصرين ، لاسيما هؤلاء الذين استوطنوا في اوربا ، حيث الثقافة والأعراف غير ما عرفوه في بلدانهم ، او ما ظنوه أصدق تمثيلا لمرادات الدين الحنيف.

كتبت تكرارا عن مشكلة الهوية في السنوات الماضية. وظننت انها باتت مفهوما واضحا لغالبية الناس. لكن النقاشات التي أطلعت عليها هذه الأيام ، أوضحت لي ان الغموض المحيط بالفكرة لازال كما  تركته قبل بضع سنين. ليس هذا بالأمر الغريب ، فمفهوم "الهوية" جديد على الثقافة العربية ، ولو راجعت المعاجم القديمة  لما وجدت له عينا ولا أثرا.

انه مثال عن مئات التعابير التي نتداولها ونظنها عربية صميمة. لكنها ليست كذلك ، فهي مستوردة من إطار معرفي مختلف. ولهذا فان حمولتها المفهومية والقيمية متباينة بين شخص وآخر ، تبعا لقبوله بمغازيها.  وكنت قد التفت لهذه المشكلة ، حين وجدت من يدعو الناس لاختيار حرج بين الدين والوطنية والقومية ، ووجدت الناس مضطرين للقول بانهم مسلمون فقط او مسلمون أولا ، خشية ان يكون القول بالهويات الثلاث معا ، خادشا لصفاء الاعتقاد.

هذا الشعور المرتبك يكشف جانبا من مشكلة الهوية التي يعانيها المسلم اليوم. وهي قليلة الخطورة في ظني ، مع انها تثير التباسا غير محمود. انها مشكلة نظرية ،  فردية غالبا. اما الجانب الأصعب من المشكل ، فيتجسد في حالة المسلمين الذين استقروا في البلدان الصناعية. هؤلاء يعيشون أزمة مضاعفة ، دينية وثقافية. 

فالمجتمعات التي استوطنوها لا تقيم للدين اعتبارا خاصا ، كحال مجتمعاتهم الاصلية ، وبالتالي فان العرف والقانون لا يقف في صفهم. وهم يواجهون كل يوم تقريبا سلوكيات مزعجة ، وقد تنطوي على مضمون عدواني (هذا يظهر خصوصا في المظهر الشخصي والعلاقات بين الجنسين). 

ولعل بعض القراء قد تابع الجدالات الواسعة ، التي أعقبت منع النقاب في دول اوربية ، مثل الدانمارك وبلجيكا هولندا. ان عدد الذين يستعملون النقاب قليل جدا ، لكن منعه كان إشارة الى تغيير (قانوني) لعلاقة الآباء المسلمين مع نسائهم. وهو يولد ضغطا شديدا على نفوسهم ، وربما يودي بهم الى مزيد من الانكماش على الذات.

حسنا.. لماذا نذكر هذه الامثلة في سياق الحديث عن "أزمة هوية"؟.

يقودنا هذا السؤال الى جوهر المشكلة. لقد افترض بعض الناس ان الهوية الدينية متمثلة في النموذج الاجتماعي الذي يشمل خصوصا موقع الفرد في نظام العلاقات الاجتماعية ، مظهره الشخصي ، والتزامه بالاعراف السائدة. ويعج التراث العربي بنصوص وشروح حول كل من هذه العناصر ، وثمة تأكيد على علاقتها بالدين او حتى كونها جزء منه ، كحال النقاب الذي ذكرته آنفا.  

حين تكون في مجتمع يطلب هذه المظاهر او يتقبلها ، فلن يكون ثمة مشكلة. لكنها ستبرز حتما حينما تعيش في مجتمع يعارضها او يفضل غيرها ، كحال المجتمعات الاوروبية اليوم. اقول ان هذا يعيد طرح السؤال من جديد: هل الزي (بما فيه الشكل المسمى حجابا شرعيا) وبقية المظاهر ، وكذلك الاعراف الحياتية ، هل هذه جميعا من جوهر الدين ، وان الدين لا يقوم الا به ، ام انها من اعراض الحياة التي اكتسبت لونا  دينيا ، او احتملت لونا دينيا ، مع انها ليست من جوهر الدين؟.

اني اعلم بنوعية الاجوبة التي تقابل سؤالا كهذا. لكن الجواب الانطباعي او العاطفي المألوف ، لا يفيدنا كثيرا. مانحتاجه هو التأمل العميق في الاشكال الحقيقي ، اعني جدل العلاقة بين الاسلام والعصر ، وان تمظهر اليوم في اطار ما نسميه "ازمة الهوية".

الشرق الأوسط الأربعاء - 10 شهر ربيع الثاني 1442 هـ - 25 نوفمبر 2020 مـ رقم العدد [15338]

https://aawsat.com/node/2645236/

مقالات ذات صلة

اشكالية الهوية والتضاد الداخلي

الاقليات والهوية : كيف تتحول عوامل التنوع الى خطوط انقسام في المجتمع الوطني

أمين معلوف... الهويات القاتلة

تأملات في حدود الفردانية

تكون الهوية الفردية

حزب الطائفة وحزب القبيلة

حول الانقسام الاجتماعي

حول المضمون القومي للصحوة الدينية

الخيار الحرج بين الهوية والتقدم

عن الهوية والمجتمع

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

الهوية المتأزمة

20/05/2015

الهوية المتأزمة



ازعم ان الميل العميق للتمثل بالتاريخ ، سيما عند مسلمي الشرق الاوسط ، يمثل انعكاسا لهوية متأزمة. تقديس رجالات التاريخ واعتبار مجرياته معيارا يقاس عليه الحاضر ، يؤدي بالضرورة الى انكار الحاضر واعتباره نكسة. رغم ان التحليل الواقعي يؤكد عكس هذا تماما. 
صحيح ان المسلمين لم يعودوا سادة العالم ، لكن انتشار الاسلام اليوم ، وما يملكه اتباعه من علم وثروة وقوة يفوق كثيرا ما كان لديهم في ذروة مجدهم الغابر. اعتبار الماضي نموذجا ، يصدق في شيء واحد فقط ، هو تفوقنا السابق على غيرنا.
تصوير الاسلاميين والقوميين للغرب كعدو مطلق او كسبب لفشلنا الحضاري ، يعبر في احد وجوهه عن تلك الهوية المتأزمة ، التي لا تتشكل في سياق وصف مستقل للذات ، بل في سياق التناقض المقصود او العفوي مع "الاخر" الغربي الذي يوصف ايضا بالكافر. اما السبب المباشر لتأزم الهوية فيكمن في عجزنا عن المنافسة ، وهو ليس عجزا عضويا او تكوينيا. ان سببه كما اظن هو عدم الرغبة في دفع الثمن الضروري للتمكن من المنافسة. هذا الثمن هو ببساطة التماثل الاولي والتعلم ثم اعادة انتاج القوة ، تمهيدا لمنافسة الآخر على قدم المساواة وربما تجاوزه.
معظم النزاعات الدائرة حولنا تحمل هوية تناقضية. هذه نزاعات يحركها او يعمقها تناقض هوياتي ، يجري تبريره بمبررات دينية او قومية. ولذا فهي تسهم في تعزيز المفاصلة بين الدين والعصر ، وتشدد على ربط الدين بالماضي بدل الحاضر ، وبالتالي فهي تعزز اغترابنا عن عالمنا الواقعي.
من ملامح الهوية المتأزمة ايضا انها تحمل في داخلها ازدواجية مدمرة. تؤكد بحوث ميدانية ان معظم عرب المشرق يعتبرون "الغرب" سيما امريكا والولايات المتحدة عدوا حضاريا ، او على الاقل ، مصدر تهديد. لكن ارقام المبتعثين السعوديين مثلا تشير الى ان 67 بالمائة منهم اختاروا الدراسة في هذه الدول ، وعلى الخصوص الدول التي شاركت في حرب الخليج (1991) التي اعتبرها بعض الدعاة ذروة الهجوم الغربي (النصراني) على قلب العالم الاسلامي. ومن الطريف ان كثيرا من اولئك الدعاة رحبوا باختيار ابنائهم لتلك الدول بالذات للدراسات العليا. هذه الازدواجية تعني اننا نكره الاخر (الغرب) ونعتبره عدوا ، بل ونرحب بمن يقاتله.  لكننا بموازاة ذلك نحتفي به ونحب ان نكون مثله.
هذا يوضح اننا لا نشكل هويتنا ، اي معرفتنا بذاتنا وتصورنا لذاتنا بطريقة ايجابية تنطلق من الرغبة في ان اكون كما احب او كما يليق بي ، او - على الاقل – ان اكون كما استطيع. على العكس من ذلك فاننا نشكل هويتنا من خلال مناظرة الاخر ، اي في سياق التعارض معه والتباعد عنه ، ولو على المستوى الشعوري ، مع رغبتنا في تقليده على المستوى المادي.
خط التأزم هذا يحيل نقد الغرب الى مجرد كلام للتسلية وتبرير المواقف ، لكنه على اي حال يبقى فعالا في تعطيل التفاعل الايجابي البناء مع الغرب المعرفي والحضاري ، تفاعلا يقود الى التعلم العميق المؤدي للقدرة على المنافسة فالاستقلال.
من الناحية الواقعية لسنا قادرين على مناوأة الغرب ، ولا يوجد بيننا من يعتقد  - جادا – انه قادر على التحرر من الحاجة اليه في المدى المنظور. ومثل هذا الشعور المتناقض يحول التصارع الى جدل مؤرق داخل النفس ، الامر الذي يتطلب تنفيسا من نوع ما. ولسوء حظنا فقد استبدلنا المنازعة الملكلفة مع الغرب بمنازعة تبدو سهلة مع اطراف اخرى في المجتمع ، نختلف معها سياسيا او فكريا. العجز عن مناوأة الغرب يدفع دعاة الصراع الى مناوأة من يصفونها بالنخبة المتغربة او المتاثرين بالغرب اي – بعبارة اخرى – تحويل الصراع الخارجي المكلف الى صراع داخلي يبدو قليل الكلفة.
زبدة القول ان الهوية المتأزمة تفسر العديد من الصراعات الاجتماعية والسياسية ، التي يستعمل فيها الدين اوالقومية كشعار او كمبرر. انها تعبير عن ارادة للتحرر من "آخر" تجاوزنا ، ونشعر بالعجز عن مجاراته. لكن عجزنا عن دفع الثمن الضروري للمنافسة جعلنا ننشغل قاصدين او غافلين ، بصراعات داخلية بديلة ، تشير الى العدو لكنها لا تصل اليه.
الشرق الاوسط -  1 شعبان 1436 هـ - 20 مايو 2015 مـ
http://bit.ly/1LlwrlI

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...