صباح عيد الاضحى ، اقامت الشرطة السويدية خطا أمنيا أمام المسجد الكبير في العاصمة ستوكهولم ، لحماية سلوان موميكا ، الذي أعلن انه سيحرق نسخة من المصحف ويدوسه بقدميه ، تأكيدا على انضمامه لتيار اليمين المتشدد. ومعروف ان الرجل لاجيء من العراق ، يسعى لاقناع الطيف المعادي للمسلمين بدعم محاولاته للدخول مبكرا في الحياة السياسية.
بعد هذا بساعات كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يزور الجامع الكبير بمدينة
دربند
، على ساحل بحر قزوين ، حيث ظهر امام كاميرات التلفزيون وهو يضم نسخة من مصحف قديم الى
صدره ، ويحيطه بيديه ، بينما يحدث مستقبليه عن احترام الدولة
الروسية للقرآن وكافة الكتب المقدسة ، ورفضها اي اهانة او جرح لمشاعر أتباعها
"خلافا لما يجري في دول أخرى حيث يهان الكتاب المقدس ، ولا تفعل الدولة اي
شيء للتعبير عن احترام معتقدات سكانها".
بوتين خلال زيارته الجامع الكبير في دربند 29 يونيو 2023 |
الجديد في الحادث الأخير ، هو تزامنه مع الصدامات الواسعة التي شهدتها فرنسا
بعد مقتل
الشاب الجزائري ، نائل المرزوقي على يد الشرطة يوم 27 يونيو
المنصرم. لكن هناك ايضا عدة حوادث تساهم جميعا في تحويل هذا الحادث الى قضية
متشعبة الانعكاسات ، ونشير خصوصا الى موقف الرئيس الروسي ، الذي سيجير دون شك للصراع
السياسي الموازي للحرب في اوكرانيا ، وهو – كما نعتقد - حلقة من حلقات الصراع
الاوسع نطاقا ، الذي يدور حول عودة نظام القطبية الثنائية (روسيا والصين من جهة والدول
الصناعية الاخرى في الجهة المقابلة).
ويظهر ان رسالة بوتين قد وصلت فعلا ، حيث تحدث بيان
للجامع الازهر بامتنان ، عن موقف الرئيس الروسي ، بينما ندد بما يمكن
اعتباره موقفا سلبيا من جانب الحكومة السويدية. لا اعتقد ان روسيا قد كسبت – بشكل
نهائي – تعاطف العالم الاسلامي ، فلديها – هي الاخرى – مشكلاتها. لكن كلمة الرئيس
بوتين في الجامع القديم ، قدمت جوابا للسؤال الذي يدور في أذهان الكثير من
المسلمين ، سؤال: من يقف معنا اذا تعرضت هويتنا او مقدساتنا للتهديد او الاهانة.
جواب كهذا لا بد ان يزعج التحالف الغربي ، لأنه ببساطة يمهد الطريق لعودة
التحالفات القديمة بين موسكو والعالم الثالث. وهو يشي بتحول جوهري في نظام
العلاقات الدولية.
الحوادث التي تزامنت مع حرق المصحف ، تشكل في مجموعها اطارا تحليليا جديدا ،
لا بد ان يؤخذ بعين الاعتبار في الدوائر الأوروبية. واحتمل ان نقاشاتهم التالية لن
تتمحور حول حرية التعبير أو احترام المقدسات ، كما حصل في المرة السابقة ، بل حول
الانعكاسات التي يمكن ان يقود اليها حادث من هذا النوع ، نظير اضطرابات باريس ، أو
استثمار سياسي عالمي النطاق ، كما يظهر من توجهات الرئيس الروسي.
هذه اذن لحظة مواتية للمسلمين في اوربا. احتمل ان الخطاب السياسي للنخبة
الحاكمة ، لن ينشغل في الأيام القادمة بمفهوم الدمج الثقافي الجبري ، كما جرت
العادة في الاشهر الماضية ، بل سيدور غالبا حول الاستيعاب السياسي في اطار تعددي ،
كما فعلت بريطانيا والولايات المتحدة من قبل.
انها فرصة لمن استوعب معناها. واظن ان على المسلمين المسارعة في اغتنامها ،
بالانخراط الواسع في الحياة السياسية والمشاركة الفاعلة في الانتخابات العامة
والمحلية ، لانها الطريق الوحيد للحصول على ما يطالبون به ، في اطار القانون.
الشرق الاوسط الأربعاء - 17 ذو الحِجّة 1444 هـ - 5
يوليو 2023م https://aawsat.com/node/4416236
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق