‏إظهار الرسائل ذات التسميات طالبان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات طالبان. إظهار كافة الرسائل

28/12/2022

هل انتهى نموذج الحكم الديني؟

ليس من السهل الادعاء بان فكرة ما قد خرجت من التاريخ. هذه دعوى عريضة ، سيما اذا تناولت فكرة عظيمة التأثير ، مثل نموذج الحكم الديني المعاصر.

قد تكون الدعوى صحيحة أو خاطئة. لكنها – على أي حال – احتمال ممكن. دعنا ننظر في نموذج قريب جدا منها ، وهو "الخلافة الإسلامية" التي سادت نحو 13 قرنا من تاريخ الإسلام (من السنة العاشرة للهجرة = 632م حتى 1342 = 1924م). لقد حظي نموذج "الخلافة" بقدر وافر من التنظير والتبجيل ، كما حظيت بعمق عاطفي جعلها محط آمال النخبة والعامة معا. لكنا نعلم ان تطبيق الفكرة في اطار الدولة العثمانية ، قد قضى على القليل من المبررات التي احتفظت بها من تاريخها القديم. ومع سقوط الدولة العثمانية في 1924 ، لم تعد احتمالا جديا او جديرا بالعناء عند احد من المسلمين. الاستثناء الوحيد هو "حزب التحرير" الذي بقي مخلصا لفكرة الخلافة حتى اليوم. لكن سيرة الحزب ذاته دليل على القول السابق ، فقد اخفق تماما في اقناع الجمهور كما اخفق في الحصول على مكان في الحياة السياسية ، منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا. اما تجربة داعش ، فلا تعد امتدادا او تمثيلا لنظرية الخلافة الإسلامية التي نتحدث عنها ، فمضمونها اقرب الى نموذج الميليشيا الفاشية الحديثة.

ايرانيات يخلعن الحجاب رفضا لسياسات التدين القسري - اكتوبر 2022

الخلافة التي اعتبرها معظم المسلمين نموذجا للسياسة الفاضلة ، لم تعد منذ مطلع القرن العشرين ، احتمالا جديا او مرغوبا. ولهذا لا تجد بين جمهور المسلمين ، فضلا عن المفكرين والعاملين في الحقل السياسي ، من يسعى اليها. واذا تحدثوا عنها ، تحدثوا عن ماض جميل ، لا عن مشروع ممكن. هذا يعني ببساطة ان الخلافة قد خرجت من التاريخ وباتت جزء من المكتبة. وقد اعتاد العرب على التعبير عن الشيء الذي خرج من التاريخ ، بالقول انه امسى في "خبر كان". ولا شك ان فكرة الخلافة قد امست كذلك.

بعد هذه المقدمة الطويلة ، سوف اضع مؤشرين لتبرير ما ادعيته في مطلع المقالة: أولهما الصدام الواسع النطاق بين الجيل الجديد من الإيرانيين وبين حكومتهم ، حول مسألة الحجاب خصوصا. هذا الصدام المستمر منذ سبتمبر ، جعل سياسات التدين القسري موضوعا للتحدي بين الدولة التي تمتلك أدوات العنف ، وجيل الشباب الذي يملك المستقبل. اما المؤشر الثاني فهو قرار حكومة طالبان بإلغاء التعليم الثانوي والجامعي للبنات.

اني واثق بنسبة عالية جدا ، ان كلا الحكومتين ، سوف تتراجعان وتخضعان لمطالب الجمهور. واذا حصل هذا ، ولو ناقصا ، فسوف يسقط عنصر محوري في الخطاب الديني الرسمي ، وهو الحق المفترض للدولة الدينية في فرض نموذج موحد لسلوك الافراد ، أي نمط اللباس والعمل والاداب العامة.

الذي يحمل الحكومتين على التراجع ، هو التفكك الحاصل فعلا في الدوائر الاجتماعية التي تساند النخبة السياسية لاسباب دينية بحتة ، من دون ان تكون شريكة في القرار (يدخل في هذا الصنف المدارس الدينية ومعظم العلماء التقليديين). هذه النخبة مهمة جدا لانها واسعة النفوذ ، وهي تمثل ملجأ روحيا لعامة الناس في أوقات الأزمة ، لانها لاتتحمل وزر السياسات الحكومية الخشنة.

ان العنصر المميز لنموذج الحكم الديني المعاصر ، هو قدرته على صنع مجال عام غير متاثر (ظاهريا على الأقل) بنمط الحياة الغربي. وهذا يبرز بأجلى صوره في المظهر الخارجي للرجال والنساء (الحجاب في المقام الأول). واذا وقف الجمهور في مواجهة الدولة ، فلن يمكنها المحافظة على هذا المظهر ، الا باستعمال العنف الصريح ، وعندها لن يكون الدين أداة لتعزيز الشرعية السياسية ، كما جرى حتى الآن. سيكون العنف العاري او الاغراء هو الإداة الوحيدة الممكنة للحفاظ على النظام العام ، وعندئذ فان "الخطاب السياسي الديني" سينتهي ، وتحل محله "الخطابة الدينية" ، أي الكلام الذي يفهم الناس جميعا انه "عدة شغل" تحمله حكومة عادية لا تكترث بحدود الدين حتى لو تمسكت بلغته.

 

الأربعاء - 4 جمادى الآخرة 1444 هـ - 28 ديسمبر 2022 مـ رقم العدد [16101]

https://aawsat.com/home/article/4067006/

مقالات ذات صلة

الاساس النظري لدور الامة في الدولة
الايديولوجيا السياسية للتيار المحافظ في ايران
تطور فكرة الدولة في المجال الديني الشيعي
تنبيه الامة وتنزيه الملة : رسالة فقهية في الحكم الدستوري (كتاب)
توفيق السيف... جدلية العلاقة بين الواقع المتغير والعقل الفلسفي
حدود الديمقراطية الدينية : عرض كتاب
حول الحاجة الى فقه سياسي جديد
دور الخميني في تعديل نظرية السلطة عند الشيعة
الديمقراطية في بلد مسلم (كتاب)
سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب)
السلطة باعتبارها وكالة عن المجتمع
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي
الشرعية السياسية في حكومة دينية حديثة
قراءة في كتاب "حدود الديمقراطية الدينية"
مفهوم الحق ومصادره
مكانة العامة في التفكير السياسي الديني: نقد الرؤية الفقهية التقليدية للسلطة والاجتماع السياسي
نظرية السلطة في الفقه الشيعي: ما بعد ولاية الفقيه (كتاب)
هل الديموقراطية فعلاً بضاعتنا التي رُدَّت إلينا؟
 هل تتلاءم الثقافة الإسلامية مع الديموقراطية؟

03/11/2021

في معنى "الدروشة" وتطبيقاتها


قرأت قبل مدة دعوة لامام مسجد في قرية من قرى السودان ، فحواها ان هذه القرية التي يسكنها بضع مئات ، تشكو من العطش ، لافتقارها الى مضخة لاستخراج الماء من البئر. وان الرجل يدعو كل من وصله الخبر ، لمساعدة اهالي القرية في شراء المضخة العتيدة.

في وقت مقارب قرأت قصة ويليام كامكوامبا ، وهو فتى من قرية صغيرة غرب جمهورية مالاوي الافريقية. يقال ان هذا الفتى قلب المشهد في قريته رأسا على عقب ، حين صنع مولدا للكهرباء من طاقة الرياح ، فوفر لهم الاضاءة ومضخة الماء التي مكنت الأهالي من العودة للزراعة ، بعدما كاد الجفاف الشديد ان يودي بمصدر عيشهم الوحيد.

لم يكن الأمر سهلا. فحين اخبرهم ويليام عن فكرة مولد الكهرباء ، ضحكوا عليه ، وحين بدأ في جمع الاخشاب ولحاء الشجر وقطع السكراب والعجلات المكسورة ، غضبوا منه. لكنهم في نهاية المطاف رأوا المصابيح تضيء والماء يتدفق من فم المضخة.

هذا الحادث جعل كل شخص في تلك القرية ، يعيد النظر في طريقة حياته ونظرته الى نفسه ومن حوله. وعندئذ تحولت القرية الى محج للباحثين عن فكرة مبدعة أو إلهام.

كيف نفهم الفرق بين المثالين ، وأي معيار نعتمد في المقارنة بينهما؟.

دعني أذكر القاريء بقصة "الدروشة" التي نقلتها عن المرحوم مالك بن نبي في مقال سابق. وكان الاستاذ مالك يحذر من الانزلاق الاعمى الى ما اسماه الدروشة ، التي احد تمثيلاتها هو ربط التحولات المادية في العالم ، بالممارسات التي تحمل طابعا روحيا. من ذلك مثلا الاعتقاد السائد بأن التزام الناس بالشعائر الدينية ، أو حتى اعلان تطبيق الشريعة في بلد ما ، أو وصول أشخاص معروفين بالتدين الى سدة الحكم ، سوف يؤدي بصورة شبه اوتوماتيكية ، الى تحول في الحياة والاقتصاد ، بحيث تتنزل النعم والبركات على الناس من دون سعي ولا حساب. وذكرت يومذاك الآية المباركة "ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض" التي راج الاستشهاد بها بعد اعلان الجنرال ضياء الحق تطبيق الشريعة الاسلامية في باكستان سنة 1979 ، ومثله انقلاب السودان سنة 1989 وانتصار الثورة الايرانية في 1979 وانتصار حركة طالبان في 1996. ونظير هذا ما قرأناه قبل حوالي شهر ، من ان معدلات الجريمة في كابل ، عاصمة افغانستان ، وصلت الى الصفر منذ ان سيطرت عليها حركة "طالبان".

والذي نعلم طبقا لما يتوفر من احصاءات وأرقام ، فضلا عما نراه عيانا ، ان جميع البلدان المذكورة ، لم يتحسن حالها بعد اعلان الشريعة او صعود الاسلاميين الى السلطة ، بل الذي حدث هو العكس تماما ، فقد تدهورت معايش الناس وتعثر الاقتصاد الوطني ، فبات أشد ارتباطا بالخارج ، كما بات الناس اقل رضى بحالهم ، وأشد رغبة في تغيير سياسي واجتماعي واسع النطاق.

دعنا ننظر في مثال القرية السودانية التي طلب امامها العون من الآخرين ، مقارنة بالقرية الملاوية التي شهدت تجربة في استنباط حلول محلية للمشكلات ، اعتمادا على المعرفة وعمل الذهن ، و – بطبيعة الحال – الارادة القوية. اي المثالين أقرب الى حقيقة الايمان ، ايهما أقرب من مراد الخالق في الخلق ، الامام الذي طلب العون من الناس ، ام الفتى الذي ابتكر الحل معتمدا على عقله أولا وعلى ما يتوفر من مواد في البيئة المحلية؟. اي المثالين اقرب الى معنى الدروشة وايهما اقرب الى معنى بركات السماء؟.

الشرق الاوسط الأربعاء - 28 شهر ربيع الأول 1443 هـ - 03 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [15681]

https://aawsat.com/node/3281901/

مقالات ذات صلة 

 اختيار التقدم

الأمل الآن وليس في آخر الطريق

بقية من ظلال الماضين

 تأملات في حدود الديني والعرفي

تفكيك التداخلات

التقدم اختيار.. ولكن

 تلميذ يتعلم وزبون يشتري

 التمكين من خلال التعليم

الحداثة تجديد الحياة

خطباء وعلماء وحدادون

دعوة التجديد بغيضة.... ولكن

رأي الفقيه ليس حكم الله

 شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

فكرة التقدم باختصار

الفكرة القائدة ، مثال الواتس اب

كيف نتقدم.. سؤال المليون

المكنسة وما بعدها

نسبية المعرفة الدينية

نقد التجربة الدينية

هيروهيتو ام عصا موسى؟

01/09/2021

الاسئلة الخطأ

 

استيلاء حركة "طالبان" على العاصمة كابل ، أثار – كما توقع الجميع – نقاشات مستجدة حول الحكومة الدينية وسلطة رجال الدين. ومرة اخرى ذهبت نقاشاتنا في اتجاه لا يفيد معرفة ولا يثبت رأيا. في اعتقادي ان سؤال: هل حكومة "طالبان" اسلامية ام لا ، سؤال خطأ ، فلا يمكن ان يأتي بجواب صحيح مهما حاولت.

سواء اعتبرنا حركة "طالبان" جيدة او سيئة ، اسلامية ام قبلية ، فان السؤال المتعلق بتشكيل الحكومة ينبغي ان يبدأ في نقطة أخرى ، هي الشرعية السياسية.

بكلمة موجزة ، تعرف الشرعية السياسية ب "الحق او المبرر الذي يسوغ لاشخاص محددين اصدار الاوامر للناس والتصرف في المال العام ، والحق او المبرر الذي يسوغ للمواطنين طاعتهم من دون ان يشعروا بان أولئك الاشخاص يستعبدونهم". أقرب مثال يوضح الفكرة هو علاقة الموظف بمديره: حين يأمرك المدير بأمر ، فان كليكما يعرف الاساس او المبرر الذي يسوغ له اصدار الامر ، ويسوغ لك طاعة الامر ، رغم انك لست عبدا له. المبرر طبعا هو عقد العمل الذي وقعته مع رب عملك.

بالعودة الى افغانستان.. فان دستورها الصادر في 2004 هو وثيقة العقد الاجتماعي بين المواطنين ، والتي تشكل مصدر الشرعية القانونية ، كما تحدد طريقة نيل الشرعية السياسية. هذا الدستور هو القانون الاعلى للبلاد ، وهو مرجع كافة القوانين ، واليه يرجع تفويض السلطات وتبريرها.

لكن السؤال الذي يسبق الدستور ، هو بالتأكيد سؤال الدولة ذاتها: ما هي هذه الدولة التي ستنظم امورها طبقا لهذا الدستور؟. نسمع طبعا من يتحدث عن "امارة اسلامية". لكن ليس لدينا نموذج مماثل في هذا العصر كي نقيس عليه ، اما نموذج الحكم الذي اقامته "طالبان" نفسها بين عامي 1996 و 2001  فقد كان فوضويا وغير مستقر ، ولذا لا يمكن القياس عليه ، بل حتى زعماء طالبان يقولون بشكل صريح او ضمني انهم لن يكرروا تلك التجربة.

يمكن ان تناقش سؤال الدولة من اي زاوية. لكنك مضطر ، في نهاية المطاف ، لطرح نموذج الدولة القومية الحديثة ، لأنها النموذج الوحيد المتلائم مع النظام الدولي والقوانين التي تحكم العلاقات بين الأمم. بعبارة اخرى ، فان اي دولة مضطرة الى اقامة علاقات مع دول العالم الاخرى ، ولن تستطيع العيش في  عزلة. هذه العلاقات منظمة فعليا في اطارات قانونية ومؤسسية راسخة ، لا تفسح مجالا إلا لنموذج الدولة القومية.

لعل طالبان تعتزم اقامة دولة قومية ، وتطلق عليها اسم الامارة الاسلامية ، فهناك العديد من الدول ، من بينها افغانستان نفسها وباكستان وايران وموريتانيا ، تحمل اسم الجمهورية الاسلامية ، لكنها في واقع الامر دول قومية.

لا بد لحركة "طالبان" ان تسير في هذا الاتجاه (بغض النظر عن الاسم) ، اي ان تقيم دولة قومية ذات نهج تعددي ، يحترم كافة المكونات القومية والدينية ، ويقيم هوية وطنية جامعة ، لا ترهن علاقة المواطن مع بلده او مع حكومته ، بعرقه ولا بدينه او قبيلته او طريقة حياته. يمكن للمواطن ان يكون مسلما او بوذيا او هندوسيا ، ويمكن ان يكون من البشتون او الازبك. لكن ما هو مهم هو الهوية الوطنية التي لا تميز بين اي من هؤلاء.

تمثل الدولة القومية إطارا مناسبا للمشاركة المتساوية في الحقوق والفرص المتاحة في المجال العام ، والوصول الى الوظائف العامة. هذه المساواة القانونية هي التي تعزز امل المواطنين في المستقبل ، وتبرر تحميلهم الواجبات والمسؤوليات المقابلة لتلك الحقوق ، وابرزها واجب الدفاع عن البلد والمساهمة في بنائه.

ان اي حكومة ، في اي بلد ، مسؤولة في المقام الاول عن دنيا الناس وعمرانها ، اما آخرتهم ، فكل منهم مسؤول بشكل شخصي عن مصيره "وكلهم آتيه يوم القيامة فردا".

الشرق الاوسط الأربعاء - 23 محرم 1443 هـ - 01 سبتمبر 2021 مـ رقم العدد [15618]

https://aawsat.com/home/article/3163791/

مقالات ذات علاقة

توفيق السيف في مقابلة تلفزيونية حول الربيع العربي وصعود التيار الاسلامي

مصر ما زالت متدينة لكنها خائفة من التيار الديني

التحدي الذي يواجه الاخوان المسلمين

الصعود السياسي للاسلاميين وعودة الدولة الشمولية

مباديء اهل السياسة ومصالحهم

اقامة الشريعة بالاختيار

الحد الفاصل بين الاسلام و الحركة

الحركة الاسلامية: الصعــود السـر يـع و الا سئـلة الكبرى

الحل الاسلامي بديع .. لكن ما هو هذا الحل ؟

جدل السياسة من الشعارات الى البرامج

حاكمية الاسـلام … تحــولات المفـهــوم

نقد المشروع طريق الى المعاصرة

مشروع للتطبيق لا تعويذة للبركـة

الحركة الاسلامية ، الجمهور والسياسة

الديمقراطية والاسلام السياسي

من الحلم الى السياسة

ان تكون سياسيا يعني ان تكون واقعيا

 

سلع سريعة الفساد

 

25/08/2021

الخطة ب: افغانستان وتعزيز الاتجاه التصالحي

اريد في هذه السطور اقتراح استراتيجية عمل لإنقاذ افغانستان من السيطرة الأحادية لحركة "طالبان" ، في حال مالت الحركة للاستئثار بالسلطة ، أو عاملت المواطنين بتعسف ، على نحو ما فعلت في تجربتها السابقة. يتسع المقام لعرض المفهوم فقط ، ومن يتابع التحولات السياسية لن يصعب عليه استنباط التفاصيل. جوهر هذه الاستراتيجية هو احتواء الحركة وتوجيه مسارها السياسي وصولا الى تأهيلها ، بدل قمعها او اطلاق يديها. الغرض النهائي هو تلافي قيام بؤرة لتصدير العنف الذي يتلبس برداء الدين الحنيف ، كما جرى قبل 20 عاما.

خريطة افغانستان: الملاذ الآمن المقترح هو المثلث الواقع شمال غرب البلاد

اما الأغراض التكتيكية فهي ثلاثة: اولها الحيلولة دون استئثار طالبان بالسلطة. نظرا لأنه سيؤدي الى فراغ سياسي وأمني في شمال وغرب البلاد ، يسمح بقيام تمردات مسلحة او انتشار الفوضى ، ومن ثم تفاقم الاتجاهات المتطرفة في "طالبان" وغيرها.

أما الغرض الثاني فهو تعزيز الاتجاه التصالحي وسط الحاضن الشعبي للحركة ، من خلال الاستمرار في توفير مصادر العيش الطبيعي ، والحيلولة دون تدهور حاد لمستوى المعيشة. هذا سيعزز – طبيعيا - الميل للمسالمة بين اعضاء الحركة نفسها ، وهو امر مطلوب لذاته ، خاصة بعدما انفردت بالسلطة.

الغرض الثالث هو توسيع فاعلية المجتمع ، من خلال المحافظة على مسار التحول نحو الحداثة ، الذي بدأ مع سقوط حكومة طالبان الاولى نهاية 2001. المجتمع الافغاني اليوم اكثر ميلا للحداثة من  أي وقت. انظر للصور التي يبثها التلفزيون ، سترى ان معظم الناس يحملون اجهزة اتصالات ذكية ، بمن فيهم مقاتلو طالبان نفسها. هذه الوسيلة التي تصل الانسان بالعالم ، هي اقوى تحد لأي حكومة قمعية او تقليدية. يجب المحافظة على شبكات الاتصال والانترنت ، مهما كانت الكلفة ، فهذا جزء مهم من الجهد الضروري لاتقاء موجة ارهابية محتملة. الهاتف والانترنت مثال ، ومقصودنا عموما هو  الاستمرار في تعزيز الحراك الحداثي واضعاف هيمنة التقاليد ، في التعليم والتفكير وانماط العيش والاقتصاد وغيرها.

جوهر الاستراتيجية المقترحة هو إنشاء "ملاذ آمن" أي منطقة حكم ذاتي ، تديره حكومة مستقلة مؤقتا عن الإدارة المركزية في العاصمة. وتضم المحافظات الواقعة من باميان حتى هرات في الغرب ومزار شريف في الشمال ، أي نحو 15 من اصل 34 محافظة.

على المستوى الإنساني ، يمكن لهذه المنطقة الواسعة نسبيا ، ان توفر ملاذا للهاربين من سيطرة "طالبان". وعلى المستوى السياسي والاستراتيجي ، ستشكل عامل ضغط شديد على قيادة الحركة ، للقبول بنظام سياسي ديمقراطي او توافقي ، ومنع استبداد أي طرف بمصادر القوة او اقصاء الآخرين.

مبدئيا يمكن تأليف الحكومة من الائتلاف الذي كان يدير البلاد سابقا برئاسة الرئيس الأسبق حامد كرزاي. ويجب ان يعترف العالم بهذه الحكومة ، وان يتعامل معها كممثل رسمي للبلاد (منفردة او كشريك في السيادة) رجوعا الى الدستور الافغاني الذي يعتبر الانتخابات العامة ، طريقا وحيدا لنيل الشرعية السياسية وتقلد المناصب العامة.

الفرضية العامة التي تقوم عليها الاستراتيجية المقترحة ، هي ان طالبان اليوم غير التي عرفناها قبل 20 عاما ، وانها راغبة في ممارسة السلطة لأغراض دنيوية ، أي ان تفكيرها يتأثر بعامل المصلحة العقلانية ، إضافة للأيديولوجيا. كما ان جسمها البشري لم يعد مقتصرا على طلبة العلوم الشرعية في باكستان او قندهار. انها اليوم اقرب الى ميليشيا عادية تستهدف نيل السلطة ، ويعمل أعضاؤها مقابل اجر مادي وليس طلبا للاخرة.

المجتمع الافغاني تغير هو الاخر ، ولم يعد جاهلا بحال العالم ، مغيبا عن الشأن العام ، ولا خاضعا للاعراف القبلية. هذه الأرضية تعطينا فكرة عن: كيف تفكر طالبان  وكيف يفكر الأفغان.

لا يتسع المجال لشرح أوسع. لكن لا بد من الإشارة الى ان فكرة الملاذ الآمن قد لا تقي من حرب أهلية. وهذا يستدعي التفكير في العديد من الخيارات الموازية. لكن المؤكد ان وجودها يقلل من الكلفة الإنسانية لتلك الحرب ان وقعت.

الشرق الاوسط الأربعاء - 17 محرم 1443 هـ - 25 أغسطس 2021 مـ رقم العدد [15611]

https://aawsat.com/node/3150261/

   

مقالات ذات صلة

 ابعد من تماثيل بوذا

الاسئلة الخطأ

البلاد بوصفها مسرح العرائس

التحدي الذي يواجه الاخوان المسلمين

الحد الفاصل بين الاسلام و الحركة

الحركة الاسلامية: الصعــود السـر يـع و الا سئلة الكبرى

الحل الاسلامي بديع .. لكن ما هو هذا الحل ؟

الديمقراطية والاسلام السياسي

الصعود السياسي للاسلاميين وعودة الدولة الشمولية

مباديء اهل السياسة ومصالحهم

05/08/2007

السعادة الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا



المدينة الفاضلة والمجتمع المثالي هي اجمل احلام البشر وأعلى تطلعاتهم. لكنها في الوقت نفسه سابع المستحيلات، والسعي وراء المستحيل عبث لا جدوى وراءه. رغم انها مجرد حلم فانها غير ذات ضرر، بل ربما كان التأمل فيها مفيدا في المقارنة بين واقع الحال وبين المثال الاعلى. نحن بحاجة إلى نقد متواصل للواقع كي نستطيع تطويره. فالجمود والتخلف يبدآن في اللحظة التي يقرر الناس انه «ليس في الامكان ابدع مما كان» وانهم قد وصلوا إلى نقطة الكمال الكلي اي «نهاية التاريخ». إذا كان الامر كذلك فما هي اهمية الموضوع اذن؟.

تكمن اهمية المسألة في الصور الاخرى للدعوات المثالية، وهي صور موجودة في مجتمعنا وفي الكثير من المجتمعات الاخرى، دعوات تصور لاتباعها عالما افتراضيا، خياليا، لكنها تجعلهم يؤمنون بوجوده المادي أو إمكانية ايجاده. من ذلك مثلا كتاب الشيخ ابو بكر الجزائري «الدولة الاسلامية» الذي يصور مدينة خالية من العبث والاهواء وأسباب الفحش، هذه المدينة ليس فيها تلفزيون أو اذاعة بل ميكروفونات تبث القرآن الكريم طوال اليوم كي لا تفوت الناس فرصة الاستماع إلى كلام الله. وهي مدينة لا تدرس فيها البنات غير العلوم المتعلقة بتدبير المنزل وحسن رعاية الزوج والاطفال.

 اما الاعمال الاخرى التي تستدعي عمل النساء فتختص بها بنات الفقراء المحتاجات للعمل دون بنات الاغنياء. وهي مدينة لا يوجد فيها اجنبي أو غير مسلم، وربما لا توجد حاجة للاتصال بالاجانب والتعامل معهم. كتب الشيخ هذا الكتاب قبل ظهور القنوات الفضائية والانترنت، وقبل تبلور فكرة العلاقة الحيوية مع العالم. ولو قدر له ان يعيد كتابته اليوم فلربما غير الكثير. لكنه على اي حال نموذج عن تطلعات مثالية موجودة ولها اتباع في مجتمعنا وغير مجتمعنا.

. ليست المشكلة في وجود تطلعات من هذا النوع، بل في ايمان اصحابها بأنها (حق مطلق)، وان على الناس ان يأخذوا به والا وقعوا في الاثم والخطيئة. ويزيد الطين بلة تحول بعض اولئك من محاولة اقناع الناس باللين إلى التشنيع عليهم وجبرهم والتفكير في تدميرهم بل والعمل احيانا على تدميرهم. ولو قدر لهؤلاء ان يحصلوا على مصدر قوة فربما لا يترددون في اختصار الزمن. إن بطلقة واحدة أو قنبلة تنهي مهمة تحتاج الكثير من الوقت لو اريد انجازها من خلال الجدل والنقاش العقلاني. في العام 1981 أعلن الخميني ما وصف بالثورة الثقافية التي كان اول خطواتها إغلاق الجامعات من اجل (تطهيرها). وفي 1996 اغلقت حركة طالبان جامعة كابل ومحطة تلفزيونها الوحيدة وجميع مدارس البنات.

 وفي العام 2000 نسفت تمثال بوذا ضمن حركة استهدفت التخلص من الاثار التي تشير إلى عصور ما قبل الاسلام. وفي العام الماضي، سمعنا جميعا اعلان تنظيم القاعدة عن اقامة «الدولة الاسلامية في بلاد الرافدين» وتضمن ذلك الاعلان تجريما لكل من خالف هذه الدولة الافتراضية وهدرا لدمه باعتباره خارجا عن الدين واجماع المؤمنين. فكان اصحاب هذه الدولة يقولون للجميع البس ثوبنا والا فانت ميت. هذه الخطوات التي اكتشف اصحابها خطأها لاحقا، تشير إلى نمط من التفكير يزاوج بين الخيال والحقيقة، كما يزاوج بين الدعوة والجبر.

اشرنا في مقال سابق إلى ان المثاليين، سواء كانوا وعاظا أو سياسيين أو حركيين أو فلاسفة أو مفكرين أو اتباعا لهؤلاء واولئك، يتفقون على اعتبار أنفسهم «الفئة الناجية» أو «حلف المطيبين» أو «جماعة اهل الحق» وان قلوا، وان اراءهم تنطوي على وصف للحقيقة الكاملة. وهم يتحدثون عنها كواجبات ملزمة لعامة الناس. كما يصنفون الناس إلى صالح وفاسد، من دون ان يكلفوا انفسهم مشقة سؤال هؤلاء الناس عما إذا كانوا يريدون ذلك أم لا، وما إذا كانوا يقبلون به أم لا، وما إذا كانوا يفهمونه أم لا.

وكأن عامة الناس قطيع اغنام يساق من حظيرة إلى مرعى ومن مرعى إلى حظيرة، في اوقات محددة ولاغراض محددة، قررها صاحب القطيع لغاية في نفسه، أو فهم اتبعه، أو علم ظن انه يملك كماله. يريد المثاليون السعادة للانسان من خلال ايصاله إلى المجتمع-الحلم. وهذا يقتضي حسب رأيهم التزام الناس جميعا باستراتيجية العمل التي يفترض ان توصلهم إلى هذه الغاية.

 اما من عارض فيعتبر خارجا عن الاجماع ومثيرا للفتنة، ومستحقا للقمع والعقوبة. انها –بعبارة أخرى– سعادة جبرية يفترض حصولها في المستقبل، وعلى الانسان ان يقبل بها ويقبل بالوسائل التي توصل اليها حتى لو تحمل بعض الناس أو ربما جميعهم قدرا من التعاسة والالم في الحاضر. انها اذن سعادة في الحلم ثمنها تعاسة في الواقع.
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070805/Con20070805130119.htm
عكاظ الأحد 22/07/1428هـ ) 05/ أغسطس /2007  العدد : 2240           

15/03/2001

ابعد من تماثيل بوذا



عدا عن تماثيل بوذا ، التي دمرها مقاتلو حركة طالبان الافغانية (مارس 2001) ومن قبلها الكثير من المعالم الحضارية في افغانستان ، التي دمرتها طالبان وغير طالبان ، فان ما يستوجب التوقف هو السياق الثقافي والسياسي الذي اوصل إلى تلك النتائج ، وهو سياق لا زال فاعلا ومؤثرا ، وقد ياتي في الغد بما يفوق هذا الحدث اثارة ومرارة .

فهمي هويدي
ربما يصح وصف الظرف القائم في افغانستان اليوم بانه ظرف العزلة المطلقة ، فهي بلد محاصر اقتصاديا ، ومعزول سياسيا ، وما يزيد الطين بلة ، ان الحزب الحاكم قد عالج انعدام الاجماع الوطني حوله ، بالمبالغة في حصر القوة السياسية والمادية في اطاره الخاص ، مما ادى الى تغير موقع الحزب من مدير للدولة إلى مالك للدولة .
وفي ظني ان ظرف العزلة المطلقة هو محصلة لثلاثة سياقات متفاعلة ومترابطة ، اولها النسق الثقافي الخاص للحزب الحاكم ، وثانيها ندرة مصادر العيش وتدهور مستوى المعيشة ، وثالثها الحصار السياسي الذي قطع التواصل بين الحكومة والعالم .
طبقا لراي الاستاذ فهمي هويدي فان العيب الجوهري في تفكير زعماء طالبان يعود إلى التصور القروي للدولة ، وقد توصل هويدي إلى هذا الرأي بعد مقابلته عددا من زعماء الحركة وملاحظات ميدانية عندما زار افغانستان في اواخر 1998 ، ومن بين الملاحظات المهمة التي سجلها ، ان كثيرا من قادة طالبان لم يكونوا قد رأوا العاصمة كابل ، إلا بعد ان اصبحوا حكاما ، وهم لم يذهبوا إلى أي بقعة من افغانستان خارج مدنهم ، فضلا عن زيارة دول العالم الأخرى ، ولهذا فان صورة الدولة التي كانت في اذهانهم ، لم تكن غير تمديد لصورة القرية التي يحكمها شيخ قرية ، وهذا يفسر انشغالهم الشديد بالامور الصغيرة ، مثل الملابس والهيئة الشخصية للمواطن ، ويفسر موقفهم من التعليم والاعلام والمرأة والعالم .
تتميز الثقافة القروية بالميل إلى التبسيط والتعميم والتشدد في التقاليد ، اضافة إلى طغيان الطابع الشخصي بدلا من المعياري في التعامل مع المتغيرات .
أما  الفقر وندرة موارد العيش ، فهو يزيد من شعور الانسان بالارتياب والمرارة ، كما يدفعه إلى الاستهانة بالمخاطر ، فهو في لحظة من اللحظات يجد ان ليس لديه ما يخسر أو يوجب الاسف ، وبالتالي فان الشعور بالمسؤولية عن حقوق الغير يتضاءل في نفسه ، تبعا لشعوره بالحرمان من حقوقه أو من فرص الحياة المتكافئة ، ويذكر في هذا المجال ان كثيرا من الافغانيين العاديين قاموا خلال السنوات الماضية بزراعة الافيون وبيعه ، وسرق آخرون الآثار وباعوها للاجانب ، وتاجر غيرهم في عظام الموتى من اجل تامين لقمة العيش ، وهو ما يذكر بالقول المأثور (كاد الفقر ان يكون كفرا) .
والمؤسف ان الفقر يتفاقم في افغانستان مع اشتداد العقوبات الدولية ، ويموت الناس جوعا وبردا ومرضا ، وهذه الحال لا يتوقع ان تنتج غير شخصية قلقة ، متطرفة ، وقليلة الاكتراث بعواقب المغامرة .
أما  الحصار السياسي فهو ثالثة الاثافي ، فرغم ان غرضه الاصلي كان الضغط على طالبان كي تلين ، إلا ان الواضح انه ادى إلى عكس النتيجة ، فهو قد زادها تشددا ، وتفسير ذلك ان الاتصال مع العالم ، ولا سيما الاشقاء والاصدقاء يعزز روحية المهادنة والمساومة ، بينما القطيعة تعزز روحية العدوان والكراهية ، كما انها تحجب فوائد المشاركة مع الغير ، فالانسان الاكثر اتصالا مع الاقران ، هو الاقدر على التوصل إلى اتفاقات ، وهو الاكثر استعدادا لتقديم التنازلات ، بخلاف المنعزل ، العاجز عن التوافق ، والمتشدد في التمسك بارائه ومواقفه .
وفي رايي ان مشكلة افغانستان لا تكمن في طالبان وحدها ، كما ان حل هذه المشكلة لا يكمن في سياسة الحصار والعزل ، بالعكس من ذلك فاني اجد ان الحرب الاهلية هي المشكلة الحقيقية ، وهذه ستبقى مع طالبان ومع غيرها ، كما ان سياسة العزل سوف تزيد ميل طالبان إلى التشدد .
واعتقد ان على الدول الاسلامية ان تبادر إلى حوار نقدي مع طالبان ، حوار يكشف فوائد اللين واضرار التشدد ، حوار مدعوم بحملة لاغاثة الشعب الذي يموت ببطء ، فلعل هذا يرسي اساسا مناسبا لوقف مسار التدهور ، حتى لو كنا عاجزين عن معالجة الاسباب الجوهرية للمشكلة ، في المدى المنظور على الاقل. 
15 مارس 2001
مقالات ذات علاقة


اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...