لم يبخل احد من الحركيين الاسلاميين في
عرض الادلة ، على ان موقفه خلال الاجتياح العراقي للكويت في اغسطس 1990 ، كان
تعبيرا عن مصلحة مؤكدة للاسلام كدين وللمسلمين كأمة ، لكن ولسوء الحظ ، فإن هذه
المواقف تباينت الى حد التناقض ، وترتب عليها اتهامات متبادلة من جانب المتعارضين
، في الادلة والاسباب التي حملتهم على اتخاذ مواقفهم ، واعتبر كل من الطرفين ان
الآخر لم يَرْعَ متطلبات معينة في الشريعة ، يعتقد أنها أولى بأن تقدم في الاعتبار .
ستجد ان هذا الاختلاف في الموقف ، كان
هو السائد ايضا وسط التيارات الاخرى غير الاسلامية ، بل يمكن القول ان الجماعات
السياسية في كل بلد قد تبنت الموقف الذي ساد في بلدها ، بغض النظر عن متبنياتها
الفكرية الخاصة ، وفي هذا اشارة الى ان الاساس الذي بني عليه الموقف لم يكن تنظيرا
ايديولوجيا مجردا ، بل ادلجة للتوجهات الاجتماعية التي هي نتاج خالص لشروط البيئة
الاجتماعية وانعكاساتها ، والفرق كبير بين العودة الى مجردات الايديولوجيا ، وبين
وضع التوجهات المجتمعية في اطار ايديولوجي ، ففي هذه الحالة ستكون الايديولوجيا مجرد
مصدر لتبرير الارادات الخاصة او العامة ، وليست اساسا للحكم
، فهي محكومة بالمجتمع وليست دليلا له
.
تناقض
المواقف
رأى الاسلاميون في الخليج ان الغزو بما
هو عدوان ، وتضييع للحقوق وانتهاك للحرمات ، هو اولى بان يكون الأساس في التقدير ،
وان ما تبعه من تطورات ، ولاسيما الإستعانة بغير المسلمين في رد المسلم المعتدي ،
انما هو تسلسل للضرورة الاولى المتمثلة في الاعتداء ، وليس حدثا منفصلا يتطلب
موقفا منفصلا عن الأول ، خاصة مع عدم التمكن من رد العدوان بأي وسيلة أخرى .
اما الاسلاميون من الدول الاخرى فاختلفوا أولاً في تقييم
الحدث الاول وهو الغزو ، فرأى معظمهم انه غير مقبول ، بالنظر الى ما يرتبه من آثار
عامة ، حتى مع التحفظ في التفاصيل ، لكن معظمهم عاد ـ من ثم ـ الى اعتبار موضوع الغزو ثانويا ، بعد ان
تدخلت القوات الاجنبية في المعركة ، بناء على ان الحرب بين الكافر والمسلم ، توجب
نصرة المسلم مهما كانت طبيعة القضية .
وقد حدث تلاوم كثير بين اصحاب هذا
الاتجاه واصحاب الاتجاه الآخر ، أدى من الناحية الفعلية الى انشقاق في التيار
الاسلامي ، شبيه للانشقاق الذي احدثته الازمة على مستوى الحكومات العربية ، ووصف
الخليجيون الاخرين بأنهم مكيافيليون ، تنبع مواقفهم من الرغبة في الاستثمار
السياسي السريع المردود ، بينما وصف هؤلاء اولئك بالسطحية في تقدير الامور ،
والنظر اليها من زاوية المصالح الشخصية ، والخوف على نعيم الحياة الذي يمثل مجتمع
الخليج البترولي رمزه الابرز .
ومع ان هذه الاوصاف هي نتاج للانفعال
الفوري بانعكاسات الازمة ، ويصعب التدليل على صحتها او سقمها ، الا انها من ناحية
اخرى ، تكشف عن قبول الطرفين باعتماد (المصلحة) اساسا في تقييم الموضوعات واتخاذ
المواقف .
وربما بدا هذا الاستنتاج بديهيا لكثير
من القراء ، فليس ثمة عاقل الا وهو يلاحظ مصالحه حين يقدم على اي عمل ، لكن الامر
ليس بنفس العفوية في الحياة السياسية ، فعلى الرغم من ان الاكثرية الساحقة من
السياسيين والنشطين في المجال الاجتماعي ـ اذا لم نقل جميعهم ـ يؤسسون مواقفهم
المكتومة والمعلنة على (المصلحة) التي
يرونها لانفسهم او للوسط الاجتماعي الذي يعتمدون على دعمه ، المصلحة الفورية عادة
، والبعيدة الامد في بعض الاحيان ، الا ان الجميع يتنصل من هذه الحقيقة ، وربما
اعتبر مثل هذا القول ( تهمة ) تستوجب النفي والتكذيب ، وهو يجاهد بكل ما استطاع
للتدليل على ان مواقفه وأراءه ، هي التجسيد الكامل والدقيق لمرادات الايديولوجيا
التي يتبناها (الشريعة او غيرها) .
وبالنظر الى غموض العلاقة بين فكرتي
المصلحة والمبدأ ، فقد اصبح من الاعتيادي ان ينظر الى فريق من السياسيين ،
باعتبارهم مبدئيين ، والى غيرهم باعتبارهم مصلحيين (او براغماتيين حسب التعبير
المتداول حاليا) ويشار الى الفريق الاول باعتباره اكثر تمسكا بالعقيدة ، والى
الثاني باعتباره متحررا ، والحقيقة ـ كما هي في الحياة السياسية على اقل التقادير
ـ ان الفريق الاول لا يختلف عن الثاني ، في اعتبار المصلحة العاجلة او البعيدة
الامد منطلقا واساسا لمواقفه العملية ، وغاية ما يميزه عن منافسه هو قدرته اللغوية
او المعلوماتية ، التي تتيح له عرض موقفه في اطار يبدو لصيقا بالايديولوجيا ،
بينما يفتقر الثاني الى البراعة اللفظية والاعلامية التي يتمتع بها الاول .
من الواضح ان فكرة ( المصلحة )
والتاسيس عليها والدفاع العلني عنها ، غير موجودة ، او لنقل ـ على سبيل التحفظ ـ
انها غائبة في الثقافة الاسلامية المتداولة ، ولا سيما الشعبية ، ولذلك نجد ان
الخطاب الرسمي كالخطاب الشعبي تماما ، يتحدث عن علاقة الدولة بالمجتمع ، وعلاقة
الدولة بالدول الاخرى ، وعلاقة الاطراف الاجتماعية ببعضها باعتبارها تجسيدا لقيم
او متبنيات ذات ظلال معنوية بحتة ، بينما هي في الواقع ، وينبغي ان تكون ، تعبيرا
عن مصالح تتقارب او تتباعد ، ان اقرب الاصدقاء في السياسة قد تبعده مصالحه عنك ،
كما قد تقربك مصالحك الى البعيد القصي ، وبالنسبة للزعيم او الجماعة السياسية ،
فان صدقيتها في تبني مصالح المجتمع الذي تدعي تمثيله ، ستكون رهينة بمدى حرصها على تحقيق مصالحه المباشرة والمحددة
، وليس في انسجامها مع متبنياتها الايديولوجية التي تخصها وحدها ، حينئذ فان
المبدئية الحقة ستكون في حجم الانجازات المحققة للجمهور ، أي في قدرتها على تحقيق
المصلحة العامة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق