‏إظهار الرسائل ذات التسميات الدين والدنيا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الدين والدنيا. إظهار كافة الرسائل

01/06/2022

معنى البعد الدنيوي للدين


بعض القراء الأعزاء عارض ما قال انه اتهام للدين الحنيف باغفال الدنيا. وهو يعني المقالات الثلاثة السابقة. كما جادل في صحة استخدام المعايير الدنيوية لاثبات او نفي الحقائق الدينية. وهو يعني بهذا دعوة الكاتب الى دراسة النتائح التي تمخضت عنها تطبيقات الأحكام الشرعية وآراء الفقهاء.

وقد وجدت هذا النقد متداولا بين كثير من الناس ، حتى ان احد الخطباء الكرام قاله على المنبر. والحق ان ما قيل لا يخلو من وجاهة ، حتى لو خالفته. ولذا أرى في مجادلته تعميقا للفكرة التي وددت بيانها في تلك المقالات ، أي البعد الإنساني/الدنيوي في التفكير الديني ، ودور المسلمين المعاصرين ، في انتاج تجربتهم الدينية ، من دون التزام بفكر الأسلاف واجتهاداتهم.

وأبدأ بقصة اهتمام الإسلام بالدنيا. فهذا أمر بديهي يعرفه جميع المسلمين. لكن القضية ليست في الاهتمام ، بل في المباشرة والتفاعل. كمثال: افترض ان مدير الشركة التي نعمل فيها ، اخبرنا انه مهتم جدا بالعمل ، ولهذا نشر مقالات ، يطلب منا قراءتها. سوف نقول ان هذا المدير مهتم ، لكنه لا يباشر العمل الإداري ، ولا يتفاعل مع يوميات الشركة. انه اقرب الى الاهتمام بالمراسلة ، حيث يتجلى الاهتمام الشعوري وليس العملي.

ان اهتمام الإسلام بالدنيا ، ينبغي ان يتجلى أولا في تفاعل قيم الإسلام واحكامه مع تحولات الدنيا وتطوراتها. التفاعل ينطوي على تشارك في الفعل بين الطرفين ، أي ان كلا منهما يؤثر ويتأثر ، وهكذا يتطوران معا. اما ما نراه في واقع الامر  ، فليس تفاعلا ، بل هو أقرب الى انفعال بتحولات العالم ، يجري الرد عليه بأحكام أحادية البعد ، لا تأخذ بعين الاعتبار حقيقة المشكلة وابعادها ، بل تعتمد على تصور ذهني يحدد اطارها القيمي فقط.

لقد ضربت في الأسبوع الماضي مثالا بالمشروع الضخم المسمى "المصرفية الإسلامية" التي لم تهتم أصلا بدور المال في الدورة الاقتصادية ، ولا باحتمالات الاستغلال ، ولا بالتوازن بين راس المال والعمل في توليد فائض القيمة ، ولا بالفارق بين الانفاق الاستثماري والاستهلاكي ، بل كرست كل اهتمامها لشيء أسموه "الفائدة المشروطة" واعتبروه وعاء الحكم.

ومن الأمثلة التي تذكر أيضا ، مسألة التبرع بالاعضاء باجر او بدون أجر ، من الميت او من الحي ، ومثله تشريح الجسد الميت ، وتفريقهم بين جسد المسلم وغير المسلم. والاحكام المعروفة في كل هذه الموضوعات راجعة الى روايات ، فسرها قدامى الفقهاء على نحو معين ، ثم جاء فقهاء اليوم فأخذوا بهذه التفسيرات وطبقوها على موضوعات ، لم يعرفها المسلمون أصلا قبل القرن العشرين. فكيف امكن لفقهاء عاشوا قبل قرون ان ينسبوا الأسماء  المعروفة لموضوعات لم تكن قد وجدت أصلا.

أعلم طبعا ان غالب الناس (وانا منهم في بعض الأحيان) سيردون على هذا القول بالجواب الاعتذاري المعروف ، وفحواه ان ما قيل لا يدل على قصور في الدين ، بل هو تقصير من اهله ، ولاسيما اهل العلم فيهم. لكن هذا قول ضعيف في رايي.

القول الذي أدعو اليه هو ان الدين مثل أي منظومة ثقافية/ايديولوجية ، لا يتطور الا اذا أنصت لصوت الزمن ، أي حاجات الانسان في كل عصر ، أيا كان دينه وطريقة عيشه ، ودخل في تفاعل إيجابي مع ذلك الصوت ، وتقبل احتمال التخلي عن بعض ما أنتهى دوره من قيم وأحكام ، وتبني قيم واحكام وطرائق عمل جديدة ، اقدر على تلبية حاجات الانسان في هذا الزمان. اعتقد ان هذا هو جوهر البعد الإنساني للدين في هذا العصر.

الأربعاء - 2 ذو القعدة 1443 هـ - 01 يونيو 2022 مـ رقم العدد [15891]

https://aawsat.com/node/3677131/

مقالات ذات علاقة

 التشريع بين المحلي والكوني

حول تطوير الفهم الديني للعالم

الخروج من قفص التاريخ

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

الـدين والمعـرفة الدينـية

فقه جــديد لعصر جـديد

الفكــرة وزمن الفكـرة

 في مبررات العودة الى التاريخ

نسبية المعرفة الدينية

دواء لما بعد الموت؟

دعوة لترك المفاصلة والانفصال عن العالم

 

25/05/2022

دواء لما بعد الموت؟

 


في سياق الجدل الجاري حول التفكير الديني ، نبهني صديق الى أهمية التجربة الواقعية ، كدليل على سلامة الفكرة ، وقابليتها للنزول من رفوف المكتبات الى ميدان الحياة. ان دراسة التجارب والتطبيقات الفعلية للأفكار ، نادرة جدا في المجال الديني (لعلي أقول انها معدومة ، لكني لا أستطيع الجزم بهذا).

-         ماذا نعني بالتجارب الواقعية؟.

تخيل أنك سألت الطبيب: هل لهذا الدواء أي فائدة؟. فأجابك قائلا: نعم ، سوف تعرف الفائدة بعد وفاتك وليس في هذه الدنيا. فهل ستقبل نصيحته ، ام ستبحث عن دواء آخر ينفعك اليوم ، في هذه الحياة ، وليس في الآخرة؟.

لا يمكن طبعا مقارنة الدين بالطبيب او بأي شيء في الدنيا. لكن لو راجعنا ما يقال في سياق التعريف بالدين ، لوجدنا مثلا ان الإسلام تجاوز المسيحية في اهتمامه بالجانب المادي وإصلاح الدنيا. كما نقرأ  عند بعض العلماء تأكيدا لهذا المعنى ، مثل القول بان "الدنيا مزرعة الآخرة" ، وان "من لا معاش له لا معاد له".. والكثير مما يجري مجراها.

-         كيف اذن نفهم دور الدين في الدنيا؟.

-         يمكننا معالجة السؤال بثلاث طرق:

الأولى: تكرار القول بان الإسلام يهتم بالدنيا واستعراض النصوص التي تؤكد نفس الكلام.

الثانية: رد السؤال بسؤال مضاد استنكاري ، مثل القول: هل يعقل ان دينا بهذه العظمة ، يتبعه هذا العدد من الناس ، دينا اقام امبراطورية تمتد بين المشرق والمغرب ، هل يعقل ان دينا كهذا لا يهتم بالدنيا؟. او ننتقد الأديان الأخرى ، نظير القول: لماذا لا تسأل البوذيين عن موقع الدنيا في دينهم ، ولماذا لا تسأل الكاثوليك والهندوس.. الخ؟.

الطريقة الثالثة: ان نعرض أمثلة واقعية عن تطبيقات وتجارب ، تخبرنا ان السياسات او البرامج الدينية التي تم تطبيقها ، قد نجحت في تحقيق أهدافها ، خلال الوقت المحدد وبالكلفة المحددة.

واضح ان الطريقتين الأوليين سجال فارغ ، وان الثالثة هي التي ستقود النقاش ، لأنها تقترح تمثيلا واقعيا للنقاش النظري: تجربة تثبت صحة الدعوى او تثبت بطلانها. نتحدث طبعا عن التجارب المعاصرة. اما تجارب القرون السالفة فلا نعرف ظروفها ولا نملك معلومات دقيقة عنها. والحقيقة ان تدوين التجارب لم يكن تقليدا جاريا عند أسلافنا. ولذا لا نملك تفصيلات مفيدة عن حروبهم واقتصاديات مدنهم وغيرها.

توثيق التجارب المعاصرة ، يعني مثلا دراسة نتائج المشروع الضخم المسمى بالمصرفية الإسلامية: هل أدى الى انهاء الاستغلال الناتج عن الربا ، وهل زاد معدلات التنمية الاقتصادية ، وهل أسهم في توزيع الثروة؟. كذلك الحال في الزكاة (والخمس عند الشيعة) ، هل اثمرت عن انهاء الفقر وسوء التغذية. ومثلها تطبيق الحدود (في البلاد التي تطبقها): هل نجحت في انهاء الجريمة (بقياس تاريخي ، ومقارن مع الدول الأخرى ، وموضوعي يقارنها مع العقوبات غير الدينية)؟. كذلك الحال في قضايا الثقافة والتنمية البشرية والعلم والمعيشة والمساهمة في السلم الدولي.. الخ.

-         حسنا.. لماذا نتحدث في هذا الموضوع؟

ان غرضنا الأساس هو التأكيد على حاجة المسلمين المعاصرين ، لمراجعة المفاهيم والمسلمات الموروثة ، حول معاني النسبة للاسلام ، والبدء بالنظر العلمي والعقلاني فيما ينشر تحت عنوان الفكر الإسلامي او الفقه الإسلامي. لقد اعتدنا القاء الوصف الديني على كل رأي في قضايا الدنيا ، أمكن دعمه بآية او حديث. بل لعل بعضنا يعتبره ملزما للناس. لكننا نعرف من تجارب معاصرة ان كثيرا من الفتاوى والآراء والتفسيرات ، فشلت في اثبات صحتها عند التجربة ، وان بعضها مخالف لأوليات العلم او المنطق. فهل نريد دينا يصلح دنيانا ام نكتفي بالدواء الذي لن نكتشف جدواه الا بعد الموت؟.

الشرق الأوسط الأربعاء - 24 شوال 1443 هـ - 25 مايو 2022 مـ رقم العدد [15884]

https://aawsat.com/node/3664006/

15/08/2018

عودة الى نقاش الدور التشريعي للعقل

||الجدل في الدور التشريعي للعقل يركز الان على نتائتج تطبيق الحكم الشرعي: هل يعزز العدالة ام الظلم ، هل يعزز المصلحة الفردية والعامة ام العكس||
 
الذين اعترضوا على مقال الاسبوع الماضي (سطوة الموروث)  جادلوا بشكل رئيسي دعوة الكاتب لمنح العقل دورا موازيا للنص في التشريع. والحق أن هذا جدل قديم جدا ، يرجع الى القرن العاشر الميلادي ، ويعود إلى الواجهة كلما انبعث النقاش حول التجديد في الفكر الديني. وهو يتصل عضويا بمباحث اصول الفقه من جهة ، وفلسفة الدين من جهة أخرى.


Creativity isn't a Skill, it is a State of Mind. - Steve Glaveski ...
واحتمل أن المحرك الأقوى للاعتراض ، هو الخوف من تغليب العقل على النص ، على نحو يهمش القرآن الكريم والسنة النبوية. لكن هناك – بجانب هذا الخوف المشروع – حجة معقولة ، فحواها أن النص القرآني والنبوي معصوم لا يحتمل فيه الخطأ ، بخلاف حكم العقل ، الذي يصيب مرة ويخطيء أخرى. فكيف نساوي المعصوم بغيره في المكانة. سيما وأن المطلوب من المسلم ، هو بذل الجهد لمعرفة أمر ربه والالتزام به قدر المستطاع.

وللحق فهذه الاعتراضات مدعومة بابحاث واستدلالات معمقة ، وليست مجرد كلام انطباعي. فلا يصح رميها بالقصور. لكن العلم بطبعه لايقف عند احتجاج أو دليل ، مهما كانت قوته. فكل استدلال يمكن رده باستدلال مقابل. ولولا مجادلة الأدلة لما تطور العلم.
سأحاول إلقاء مزيد من الضوء على هذا النقاش في مقالات لاحقة. وسأخصص هذه المقالة لتقديم صورة أولية عن هذا الجدل فيما يخص الفقه.
تمحور الجدل القديم حول مسألة الحسن والقبح العقليين. وهي تتلخص في ثلاثة اسئلة: أ) هل يمكن وصف الفعل الإنساني بأنه حسن أو قبيح ، قبل أن يخبرنا الشارع بذلك.  ب) هل يمكن للعقل تشخيص مواضع الحسن والقبح في افعال البشر. ج) اذا حكم العقل بحسن الفعل أو قبحه ، فهل لهذا الحكم قيمة شرعية.
كمثال على ذلك: يقوم شخص بقطع شجرة في الصحراء ، فهل يستطيع العقل تحديد ما اذا كان هذا الفعل حسنا او قبيحا ، واذا حكم بقبحه مثلا ، فهل يمكن إلزام الفاعل بالامتناع عنه؟.
الذين انحازوا الى دور العقل ، قالوا بان الافعال تنطوي في داخلها على حسن وقبح ، وان العقل قادر على تشخيصه. وقال بعضهم ان الشرع يمضي حكم العقل. والذين عارضوهم قالوا بان الحسن والقبح اوصاف شرعية ، تتبعها التزامات. وليس ثمة فعل حسن او قبيح الا اذا وصفه الشارع بذلك. ومن هنا فليس للعقل دور في التشخيص ولا الحكم. هذا من حيث العموم ، وهناك تفاصيل واستثناءات لا يتسع المقام لبيانها.
لا زالت المسألة موضع نقاش في العصور الحديثة. لكنها تركز الان على الأثر الناتج عن تطبيق الحكم. ونخص بالذكر عنصرين  مهمين ، أولهما: هل يؤدي تطبيق الحكم الشرعي الى تعزيز العدالة ام الظلم . والثاني: هل يؤدي إلى تعزيز المصلحة الفردية والعامة ام العكس.
كلا العنصرين (العدالة والمصلحة) يتعلق في المقام الأول بأحكام المعاملات. لانها محكومة بقانون الندرة ، وهي قابلة للقياس المادي. اما العبادات فهي مبنية على التسليم والايثار. وقياس نتائجها يعتمد على أدوات ومفاهيم  وراء-مادية. ولذا فغالبية مسائلها ، سيما المتعلقة بالعبادات الفردية ،  خارج إطار النقاش.
يوضح العرض السابق ان كلا الطرفين: القائلين بدخالة العقل في التشريع ، ودعاة التسليم للنص ، ينطلقون من مبررات يصعب اغفالها. بديهي ان الطرف الاول لا يريد الغاء النص ، كما ان الطرف الثاني لا ينكر كليا دور العقل. فالنقاش بين الطرفين يتعلق بالحدود والدوائر التي يقدم فيها هذا على ذاك او العكس. 

الشرق الاوسط الأربعاء - 4 ذو الحجة 1439 هـ - 15 أغسطس 2018 مـ رقم العدد [14505]

http://aawsat.com/node/1363566

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...