مضى الان ربع قرن على ذلك
الجدل الساخن الذي واجهني يوم انتقدت مبالغة المعارضة العراقية في تصوير الادوار
التي يلعبها الرئيس السابق صدام حسين. جرى هذا الجدل في مؤتمر حاشد ، شارك فيه
معظم الجماعات السياسية العراقية التي نعرفها اليوم. قلت في كلمتي ان المعارضين
ينسبون كل مشكلة في واقعهم الى رئيس النظام. واخشى انه تحول الى "فايروس
ثقافي" يتحكم في عقول المتحدثين ورؤيتهم لانفسهم والعالم. كان صدام حسين قويا
وسيئا ، لكنه لم يكن بالتاكيد قادرا على فعل ما ينسبونه اليه. قلت للحضور اني اخشى
ان يتحول "صدام" الى مجرد تبرير للفشل والاستكانة والانتظار السلبي ، ولذا
فمن الافضل لمعارضيه ان يمسحوه من اذهانهم ، قبل ان يمسي موجها لسلوكهم بدل ان
يكون هدفا لكفاحهم. لم يقبل احد بذلك الكلام ، ولعل بعضهم نظر الي بازدراء ، واظنه
معذورا في هذا. |
د. علي الدين هلال |
تذكرت هذه القصة مساء السبت
الماضي ، بينما كنت اشارك في مؤتمر علمي حول "مستقبل الاسلام السياسي في
العالم العربي". تحدث د. سعد الدين ابراهيم ، وهو مفكر وسياسي معروف ، عن
رؤيته لتجربة الاخوان المسلمين في مصر.
وعقب عليه د. علي الدين هلال ، وهو مفكر مثله. وجدت في حديث الرجلين ، كما
في عدد اخر من المشاركات ، نفس المنحى الذي استطيع وصفه الان بـ "فيروس
الاخوان". اصفه بهذا تشبيها بفايروس
الكمبيوتر الذي يتحكم في افعال الجهاز وردود فعله ، حتى ينسى كل شغل اخر عداه.
تعرفت على الاخوان منذ زمن
طويل ، كما تعرفت على الكثير من الجماعات السياسية والدينية الاخرى. واستطيع
الادعاء دون تحفظ ، ان اي جماعة مهما بلغت قوتها ودورها ، لا تستطيع ان تملك القوة
والانسجام والانضباط والتاثير الذي وصفه السادة المتحدثون. لكن هذا ليس جوهر
الموضوع.
جوهر المسألة ان التصوير
المبالغ فيه لدور الاخوان قد يتسبب في ، او يؤدي الى ، قناعة ذاتية بان احدا لم
يخطيء سواهم ، وان معالجة الازمة المستفحلة في مصر ، لا تتطلب غير حذف الاخوان من
المشهد السياسي. هذه القناعة تقود اتوماتيكيا لتسويغ الاستبداد والغاء المنافسين ،
ثم تناسي المشكلات الواقعية التي تواجه البلد ونخبتها السياسية.
اني مقتنع تماما بان
الاخوان ارتكبوا اخطاء كارثية خلال العامين الماضيين. لكني اردد قول السيد المسيح
"من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". فشل النخبة السياسية لا يمكن
تبريره باخطاء الاخوان. واخشى حقا ان يؤدي هذا الفايروس الى استسلام الشارع المصري
لما وصفته حفيدة المرحوم لطفي السيد بليبرالية الباشوات ، اي القبول بتوافق قوى
محددة على اقتسام السلطة فيما بينها واقصاء الاخرين. ونعلم ان قسمة كهذه ستحول الدولة
الى غنيمة بدل ان تكون وكيلا عن الشعب وممثلا لارادته.
الاقتصادية http://www.aleqt.com/2013/12/03/article_804649.html