‏إظهار الرسائل ذات التسميات موشومة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات موشومة. إظهار كافة الرسائل

30/12/2010

الهجوم على الليبرالية ليس سيئا

الصحافة السعودية مشغولة هذا الاسبوع بتداعيات هجوم المفكر السعودي عبد الله الغذامي على الليبرالية والليبراليين. احاديث الغذامي هذه جاءت في سياق محاضرة عامة ثم مقابلة تلفزيونية. يرجع الاهتمام الاعلامي بهذا الموضوع الى حقيقة ان المسألة ليس مجرد جدل في الثقافة. تشهد المملكة هذه الايام صراعا شديدا بين جبهتين: تجمع الاولى شرائح وافرادا ينتمون الى التيار الديني التقليدي ، وتجمع الثانية نظراء لهم يدعون الى الاصلاح والانفتاح ، وتضم في اطارها تيارات دينية اصلاحية وليبراليين وبيروقراطيين ونشطاء سياسيين. يتهم الطرف الاول منافسه بالليبرالية وتمييع الدين والعلمانية ، بينما يتهم هؤلاء اولئك بالتعصب والانغلاق وتعطيل الاصلاح السياسي والاجتماعي.
حديث الغذامي الشديد ضد الليبرالية وانصارها تحول الى جزء من هذا الصراع الطويل والمتشعب. الغذامي كان مصنفا في الاصل ضمن التيار الحداثي وقد حاربه التقليديون في سنوات سابقة وصدرت فتاوى بتكفيره واستحلال دمه. ولهذا اعتبر هجومه الحالي على الليبراليين مكسبا سياسيا هاما احتفى به التقليديون ايما احتفاء . بينما – في المقابل – واجهه انصار الغذامي السابقون ودعاة الاصلاح بشكل عام ، بالاستنكار والرفض.

يقول الغذامي ان الليبرالية السعودية وهم ، وانه لا يوجد في هذه البلاد اتجاه ليبرالي حقيقي ولا ليبراليون مخلصون لمبادئهم. واظن ان الفكرة قد راقت لبعض الناس ، اما لانهم يضعون الليبرالية الاوربية كمعيار للمقارنة ، او لانهم ينظرون اليها كايديولوجيا منجزة ، او لانهم – ببساطة – يميلون الى جلد الذات بدلا من فهمها وتفسيرها.
اغفل حديث الغذامي محطات منهجية هامة ، مثل التمييز بين الاطار الاجتماعي/السياسي للافكار وبين حقيقتها الفلسفية او النموذجية. وقفز على شروط المرحلة الاجتماعية/الثقافية التي تحكم الموضوع محل النقاش. وفي وقت سابق جادله احدهم في هذا فرد بانه ينظرالى المسالة كناقد ومفكر يهتم بحقيقة الاشياء لا بظرفها.
خلافا لما يبدو من النظرة الاولى ، اظن ان هجوم الغذامي سيكون له مردود ايجابي. كثير من الناشطين في المجال السياسي والثقافي ، وبعضهم ينتمي الى تيارات دينية ، ينظرون الى الليبرالية كتفسير مناسب او اطار لطروحات بديلة عن تلك التي ورثناها من الاسلاف وسادت في المجتمع السعودي باعتبارها فهما وحيدا للدين وتعبيرا مفردا عن الفضيلة. يعتقد الاصلاحيون ان حقيقة الدين لا تتجلى في غياب الحرية والتعددية ، وان الفضيلة لا يمكن ان تنمو في ظرف المجتمع الشبيه بالمعسكر. تتجلى فضائل الانسان الحقيقية حين يطورها بنفسه ويختارها بين بدائل عديدة. وهذا مستحيل التحقيق في غياب الحرية وصراع الافكار وتوفر الفرص والبدائل.
الخلافات الدائرة حول الحرية وتطبيقاتها لا تنفي قيمة الحرية وضرورتها . انها – في الجوهر – شكوك في اولوية الحرية على غيرها من الخيرات الاجتماعية.  كان الماركسيون يضعونها في مرتبة متاخرة عن العدالة الاجتماعية. ويقولون بان الحرية لا معنى لها اذا كنت جائعا او فقيرا معدما. واعتبر القوميون العرب الوحدة وتحرير الارض مقدمة على الحرية الفردية. وفي وقتنا الحاضر يرتاب الاسلاميون التقليديون في عواقب الحرية ، لا سيما انفلات الزمام وتدهور المعايير والاعراف التي يرونها ضرورية لصيانة اخلاقيات المجتمع والتزاماته الدينية.
رغم قناعة الجميع بالحرية ، ورغم قناعتهم ايضا بان النموذج الليبرالي يوفر منصة مناسبة للتعبير عن تطلعاتهم السياسية والاجتماعية ، الا ان معظم هؤلاء يتردد في الاقرار بانه ليبرالي او الدعوة صراحة التي تبني الليبرالية كمنصة او اطار نظري وتفسيري لدعوة الاصلاح. سبب هذا التردد يكمن في الصورة المشوهة عن الليبرالية التي عممها التقليديون .

اقول ان هجوم الغذامي سيكون ذا مردود ايجابي ، لانه سيعجل في اخراج دعاة الاصلاح من دائرة التردد. وسنجد في الايام القادمة من يقول صراحة انه ليبرالي وان الليبرالية تمثل اطارا مناسبا لمباديء الاصلاح السياسي والاجتماعي الذي ندعو اليه. نحن ندعو الى الليبرالية ، ليس فقط لانها تتوافق - في الجوهر - مع القيم الدينية ، بل لانها ايضا تخلق الظرف الضروري لتحويل القيم الاسلامية الرفيعة من كلام نظري في الدين الى تفسير للحياة ودافع للتقدم.
شبكة مصدر 30 ديسمبر 2010

مقالات ذات علاقة 


الطريق الليبرالي http://talsaif.blogspot.com/2009/06/blog-post.html

عن الليبرالية وتوق الانسان للتحرر: اجابات http://talsaif.blogspot.com/2011/04/blog-post_28.html

الليبرالية ليست خيارا http://talsaif.blogspot.com/2004/03/blog-post_27.html

الليبرات والليبرون المكبوتون المخدوعون  http://talsaif.blogspot.com/2007/10/blog-post.html

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...