18/10/2007

الليبرات والليبرون المكبوتون المخدوعون

هذا تقريض لمقال للاستاذ عبد الكريم عائض نشرته جريدة الوطن السعودية في 15/10/2007 ، وهو نموذج عن الطريقة السائدة في معالجة قضايا السياسة والفلسفة في بلادنا.

وقد بدأ زميلنا البارع مقالته بالتاكيد على انه لا يهتم بالليبرالية ولا يأبه لها ، ولعله بهذا التاكيد اراد تلافي سوء الظن بانه ربما يكون من اولئك الطائشين الذين يهتمون بالليبرالية او يأبهون لها . بل انه استدل على ذلك بدليل يفلق الصخر لو تجلى له ، وهو انه لم يطالع حلقة طاش ما طاش المشهورة عن الليبراليين . وهذا لعمري دليل فات كل عالم .
 
 ثم ان الكاتب الكريم رأف بحالنا نحن الذين ابتلينا بالاهتمام بالليبرالية والبحث عنها ، خاصة بعد سقوط سوق الاسهم ثم ارتفاع اسعار الاغذية ، فعوضنا عن كل ذلك بشرح مختصر عن الليبرالية التي لم يأبه بها ابدا ، فاخبرنا ان اصلها كلمة “ليبر” وانها لاتينية تعني الحر ، وان “ليبراليسم” تعني الحرية (او تعين الحرية حسبما ورد في نص المقال – والله العالم ايهما الصحيح). فجزى الله الكاتب خيرا على هذه الفوائد العظيمة التي كان قراء الجريدة ومثقفو البلاد متعطشين لها ، وايما عطش .

 اخبرنا ايضا زاد الله فوائده ان الحرية كلمة ساحرة وان الدعوة اليها بهرت الكثير من المساكين من اخواننا الذين عانوا قبل سفرهم الى بلاد الله البعيدة من كبت جنسي واسري ومن اذى مطوع الحارة ، فاقبلوا عليها اقبال الطفل على جمرة يظنها حلوى ملونة ولا يخفى على القاريء ان الاستاذ عائض قد توصل في هذا التحليل البارع الى تفسير لم يسبقه به احد من فلاسفة الغرب والشرق ، في قديم الزمان وحديثه ، ولهذا فمن الممكن ان يسجل كرأي مرجعي يأخذ به الفلاسفة والباحثون حين يتحدثون عن الليبرالية واسرار افتتان الناس بجمالها ، خاصة بعدما اعرض كثير من العلماء عن نظرية فرويد المعروفة في التحليل النفسي ولا سيما تركيزه على الباعث الجنسي للافعال والميول الانسانية.

ولم ينس الاستاذ عائض تذكيرنا – جزاه الله خيرا – بان الباحثين واساتذة العلوم السياسية السعوديين وغيرهم من المثقفين الذين قرأوا الفلسفة الغربية وربما كتبوا عن الليبرالية ، لم يفهموا الليبرالية ، بل ربما لم يعرفوا حتى معناها ، ولهذا تفضل علينا – اكرمه الله – بتوضيح ان اصل الليبرالية هي كلمة “ليبر” اليونانية اي الحر وان الليبرالية تعني الحرية ، كما اوضحنا اعلاه.

فلله الحمد على ان اكرمني وغيري من طلبة العلوم السياسية بقراءة مقال الاستاذ عائض ، فعرفنا بعد سنين طويلة اضعناها في الدراسة والبحث والكتابة ، ان اصل الليبرالية هي ليبر وانها يونانية وتعني الرجل الحر وان ليبراليسم معناها الحرية. وربما يسمح لنا الاستاذ عائض باضافة المرأة الحرة ايضا ، خاصة للغربيات واشباههن من نسائنا المسترجلات. فيمكن – اذا سمح الاستاذ – ان نقول لهذه : “ياليبره” على وزن “ياحرمه” الذي نقوله لنسائنا العفيفات اللاتي لم ينخدعن بالليبرالية وبلاويها . كما نقول للرجل المخدوع بالغرب والاعيبه : ” ياليبر” ، على وزن “ياولد” الذي يقوله بعضنا للصبيان حين يغضب عليهم.

ولا تنتهي فوائد مقال الاستاذ عائض عند هذا الحد ، فهو يستثمر المناسبة لاخبارنا ايضا بان مباديء الحرية والاخاء والمساواة هي شعارات خداعة انبهرت بها شخصيات فكرية وسياسية فوقعت في فخاخ الماسونية. وهذا لعمري اكتشاف اعظم من سابقه ، فقد ظننت قبل مقال الاستاذ عائض بان السياسي والمفكر لا ينخدع بسهولة ولا ينبهر بجميل الكلام ، بل يجادل كل فكرة قبل تبنيها .

لكني اهتديت الان الى قلة بضاعتي وجهلي بالامور ، فالمفكرون والسياسيون ، حتى الدهاة منهم ، يقعون في شراك الخديعة ، ربما بصورة اسهل من باعة السمك في سوق القطيف لاني اسمع ان احدا لم ينجح حتى اليوم في مخادعة هؤلاء البائعين ، فلله الحمد والمنة على ان عرفنا قبل فوات الاوان بان باعة سوق السمك احسن من مفكرينا ومثقفينا ، لا سيما حين يتعلق الامر بالقيم الانسانية الرفيعة ، مثل الحرية والمساواة والاخاء .

ولا نكرر ذكر الليبرالية لان الاستاذ عائض قد اخبرنا سابقا بان ليبراليسم معناها الحرية ، والظاهر من المقال ان تلك الحرية هي نفس هذه الحرية التي انخدع بها دهاة السياسيين والمفكرين ووقعوا بسببها في حبائل الماسونية واشباهها.

والحقيقة ان فوائد مقال الاستاذ عائض لا تحصى وربما تحتاج الى مجلدات لشرحها ، ولا سيما تعيينه لمعنى الليبر والليبراليسم ، ثم الاسئلة التي طرحها (وربما لم يهتد اليها احد قبله فضلا عن ان يجيب عليها) ، وتاكيده بان الاجوبة لن تاتي من عند ليبراليينا (كتب في نص المقال “من عند ليبراليونا” ولعله يقصد شخصا او مكانا او اناسا اخرين غير “ليبراليينا” الذين نعرفهم ، او ربما هي شيء اخر غير الجمع العربي لكلمة ليبر- ليبرالي المشار اليها اعلاه).

وخلاصة القول ان الاستاذ عائض وجريدة الوطن قد سجلا هدف الموسم في هذا المقال الذي ارى ان تعاد طباعته في اعداد الجريدة القادمة وان يوزع على المثقفين واساتذة الجامعات والكتاب ، حتى يفهموا معنى الليبر والليبراليسم وما تقود اليه الحرية والمساواة من بلاء الانزلاق في شراك الماسونية.

موقع دروب 18 اكتوبر 2007
http://www.doroob.com/archives/?p=21901د
مقال الاستاذ عائض عبد الكريم "الليبرالية التي لم يفهمها احد" نشر في صحيفة الوطن السعودية  15 اكتوبر 2007 واعيد نشره في العربية. نت في 16 اكتوبر 2007 http://www.alarabiya.net/views/2007/10/16/40384.html

مقالات ذات علاقة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...