‏إظهار الرسائل ذات التسميات رؤية 2030. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات رؤية 2030. إظهار كافة الرسائل

06/04/2022

الذات الجمعية وعقلية القطيع

 

ذكرت في الاسبوع الماضي ان اول مقدسات التغيير هو تعزيز الايمان بالذات الجمعية ، وخلاصتها اننا – كمجموع – قادرون على النهوض وصناعة مستقبل مختلف. وقد أشكل الصديق سامي الخزاعي على هذه الفكرة ، بأنها قد تنتهي الى تسويد عقلية القطيع ، وقتل الروح الفردانية الضرورية للنهضة.

وقد وجدت الخزاعي محقا في قلقه. لدينا تجارب عديدة تشير لانقلاب الحراك النهضوي الى حالة شعبوية ، تخدم مصالح خاصة لطبقة او فئة حزبية ، او ربما تخضع لقناعات شخصية ، يصعب القطع بكونها مطابقة لمصالح المجتمع العليا.

مصنع مدرعات في المانيا النازية

أمامي أمثلة عديدة ، أبرزها تجربة الحزب النازي الذي نجح خلال فترة وجيزة في انهاء الفوضى العارمة التي أغرقت ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى ، وحولها الى دولة صناعية في غاية القوة والانضباط. لقد انضم غالبية الألمان الى مشروع النهضة هذا ، إيمانا بشعاره المحوري "ألمانيا فوق الجميع" ، الذي شكل صلة الوصل بين مشروع النهضة والمجتمع الألماني. لكننا نعلم ان هذا المشروع العظيم ، انقلب الى مبرر للقضاء على كل راي مخالف ، وقمع كل مختلف أو معارض للأيديولوجيا الرسمية.

وجدنا حالة قريبة من هذه في مصر الناصرية ، التي سعت لحشد المجتمع وراء فكرة التحرير والنصر على اسرائيل. ونعرف ان مصر قد تأخرت بمسافة شاسعة عن أقرب منافسيها ، بسبب هيمنة العسكر والمصفقين ، وانكفاء اصحاب الرأي والخبرة او اقصائهم. واسمع عن حالة قريبة من هذه في المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله في لبنان ، حيث لا يسمح بأي صوت يتعارض مع شعارات الحزب ومتبنياته الايديولوجية والسياسية ، وكل ذلك تحت عباءة المقاومة والتصدي لما يسمونه المؤامرة الدولية.

ورأيت بعيني تطبيقا لنفس الفكرة في ليبيا في عهد العقيد القذافي ، الذي نجح في جعل أساتذة الجامعات واهل الرأي ، يرتجفون رعبا أمام موظف حصل بالكاد على الشهادة الثانوية ، لا لشيء الا لأنه حفظ مقولات "الكتاب الأخضر" واقاصيص الزعيم الملهم.

هذه اذن مشروعات ، بدأت – ربما - بحسن نية ، وساندها جمهور الناس عن قناعة بأن الحركة – ولو كانت خاطئة – خير من الجمود. لكنها انقلبت الى حركات شعبوية ، تحول الناس من فاعلين في الحياة او صانعين للحياة ، الى كومبارس في فرقة موسيقية ، دورهم الوحيد هو ترديد ما يقوله الرئيس/المايسترو.

لا ينبغي الظن بأن هذا مصير كل حركة نهضوية. فلدينا تاريخ البشرية كله ، شاهد على أن غالبية التجارب النهضوية ، انتجت حضارات او شاركت في انتاج مسارات حضارية. ولولا ان معظمها نجح وأفلح ، لما كنا نستمتع اليوم بعالم متطور تكنولوجيا ومتطور قانونيا وانسانيا. في تجربة الهند واليابان والولايات المتحدة وغيرها ، أمثلة ناصعة على قابلية المجتمع لتوليف حراك جمعي ، رغم كثرة الاختلاف بين اطيافه ، وفيها أيضا دليل على قابلية المجتمع الناهض ، للحفاظ على التوازن الضروري بين بروز الذات الجمعية من جهة ، واحترام استقلال الأفراد من جهة ثانية.

زبدة القول انه ليس مستبعدا ، ان يتحول النهوض الاجتماعي الى محرقة للحريات العامة وحقوق الانسان. لكن تجربة الانسانية التي كشفت لنا عن هذه الامكانية ، أكدت لنا ايضا ان معظم التجارب انتهت الى نتائج سعيدة للانسان وعالمه.

أبرز ما نستخلصه من تلك التجارب ، هو الترتيب الموضوعي بين المقصد الاساس ، اي النهضة ، وبين النواتج الجانبية المحتملة ، مثل الاستبداد وقمع الحريات العامة. لا ينبغي بطبيعة الحال التهوين من خطورة هذا الناتج. لكن علينا ان لا نغفل ايضا حقيقة انه يأتي في المرتبة الثانية ، فلا يصح التردد في المشروع النهضوي خوفا من الاحتمالات السلبية المصاحبة له.

الشرق الأوسط الأربعاء - 5 شهر رمضان 1443 هـ - 06 أبريل 2022 مـ رقم العدد [15835]

https://aawsat.com/node/3574801

 

مقالات ذات علاقة

احتواء التحدي وتحييده

اخلاق المدينة وحدودها

استنهاض روح الجماعة

اعادة بناء الاجماع الوطني

انهيار الاجماع القديم

حول الاجماع الوطني

مقدسات التغيير

مقدسات التغيير: مراجعة أولى

من الكويت الى نيوزيلندا: "هذولا عيالي..."

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

30/03/2022

مقدسات التغيير: مراجعة أولى


ولدت هذه الفكرة بعدما قرأت عتابا للصديق عبد العزيز بن حمد ، على "تويتر" ، منصة التدوين القصير المشهورة. وفحوى ذلك العتاب ان كاتب هذه السطور وعد تكرارا بالعودة لاستكمال فكرة ناقصة ، في مقال آخر ، لكنه لم يفعل. ومن أبرز ما حضرني اثناء قراءة هذا العتاب ، مقالة نشرتها في صحيفة الاقتصادية قبل 8 سنين ، وهي مستوحاة من رؤية المؤرخ المعروف أرنولد توينبي ، حول قابلية المجتمع لمواجهة التحديات الكبرى. وقلت يومها اننا بحاجة لتبني ثلاثة مبادئ ، بل رفعها الى مرتبة القداسة ، كي تكون دليلا لحركتنا نحو المستقبل. ووعدت في نهاية المقالة المختصرة بالعودة الى شرح الأفكار ، لكني – للانصاف – لم أرجع لها الا لماما أو عابرا.

سوف اخصص هذه المساحة للتذكير بالمبدأ الأول من مقدسات التغيير ، وهو  تعزيز الايمان بالذات الجمعية. وخلاصته اننا – كمجموع – قادرون على حل مشكلاتنا بأنفسنا ، قادرون على تجاوز خلافاتنا والانصهار في بوتقة فكرة قائدة ، هي فكرة التقدم. بل نحن قادرون أيضا على منافسة الآخرين الذين تقدموا علينا ، في بعض الجوانب على الأقل ، بما يقيم نوعا من التوازن النفسي ويعزز الثقة في الذات.

لا أظن أحدا يخالف هذه الفكرة. فنحن نسمعها من عشرات المتحدثين ، بين حين وآخر. لكننا مع ذلك لا نشعر اننا نسير حثيثا في طريق التقدم. هذا على الأقل ما تلمسه من مقالات الصحافة المحلية ، ومن تعليقات الناس في منصات التواصل الاجتماعي.

والذي أظن ان الفكرة السابقة ككل ، غير واضحة في أذهان غالبية الناس. فهناك أولا اختلاط هدف التقدم ، باعتباره الغاية الأسمى للنظام الاجتماعي ، مع الأهداف الصغيرة او الآنية ، مثل عدم توفر وظائف للجميع ، غلاء المعيشة ، ضعف مستوى الخدمات البلدية.. الخ. ان انشغال الناس بأمثال هذه المشكلات يحملهم على الاعتقاد بان التقدم الذي يذكرونه ، ليس له معنى غير علاج تلك المشكلات. واضافة الى هذا ، فهناك من يلخص فكرة التقدم في الرفاهية ، التي تعني مزيدا من المال والاستهلاك وتجميل مرافق العيش.

لعل اقرب نموذج عملي لفكرة التقدم (في التجربة السعودية على الأقل) هي "رؤية 2030" والبرامج العملية المساندة لها.  وهي مخطط ضخم جدا ، اعتقد أنه سيغير وجه الحياة في المملكة ، حتى لو انجز نصف المشروعات المخططة في إطاره فقط.

وضعت "رؤية 2030" على ضوء نظرية التنمية الكلاسيكية ، التي تربط النمو الاجتماعي المتعدد الجوانب بالمحرك الاقتصادي. ومن هنا فان غالب مشروعاتها تندرج ضمن نسق تحديث الاقتصاد ، وهو ايضا المبرر الرئيس للدور المحدود - نسبيا – للمجتمع الأهلي في سياسات "الرؤية" ومشروعاتها.

خلال الاعوام الثلاثة الأخيرة ، لاحظت اهتماما أكبر بدور المجتمع الأهلي ، ولا سيما في مساندة التحولات الثقافية المرافقة لتطور مشروعات "الرؤية". لكن المسافة لازالت شاسعة بين الواقع الراهن والدور الذي ينبغي للمجتمع ان يؤديه في دعم الرؤية وحمايتها.

في اعتقادي ان انفعال المجتمع بهدف "التقدم" ، وتبنيه لعناصره ومفاهيمه ، هو السبيل الوحيد كي يتحول المجتمع من متفرج على برامج الانماء ، الى شريك فاعل في انشائها وحمايتها وتطويرها. المجتمع الذي نتحدث عنه هو الجماعة الوطنية ، اي كافة المواطنين باعتبارهم أمة واحدة ، هذا يفهم وفقا للقول المشهور "التعدد في اطار الوحدة الوطنية" اي هوية جامعة تحتضن بين جناحيها هويات قومية ومذهبية ودينية وثقافية متباينة ، تتفاعل ولا تتزاحم.

الشرق الأوسط الأربعاء - 27 شعبان 1443 هـ - 30 مارس 2022 مـ رقم العدد [15828]

https://aawsat.com/node/3561826/

 

مقالات ذات صلة

 اختيار التقدم

استنهاض روح الجماعة

الأمل الآن وليس في آخر الطريق

بقية من ظلال الماضين

التقدم اختيار.. ولكن

 تلميذ يتعلم وزبون يشتري

 التمكين من خلال التعليم

الحداثة تجديد الحياة

حول برنامج التحول الوطني

خطباء وعلماء وحدادون

 شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

الطريق الى 2030

عجلة التنمية المتعثرة

فكرة التقدم باختصار

الفكرة القائدة ، مثال الواتس اب

كيف نتقدم.. سؤال المليون

المكنسة وما بعدها

هيروهيتو ام عصا موسى؟

24/02/2021

حرية الاختيار وجودة الحياة

 "برنامج جودة الحياة 2020" واحد من 12 مسارا استراتيجيا لتنفيذ رؤية المملكة 2030. وهو يستهدف – كما في وثيقته الرئيسية - جعل المملكة "مكانا افضل للعيش" من خلال تطوير الخدمات العامة الاساسية ، والمرافق الترفيهية والثقافية ، على نحو يزيد من رضا السكان عن حياتهم وصولا الى تحقيق السعادة.

اقترح على القراء الاعزاء مراجعة وثيقة البرنامج المتاحة على الموقع الالكتروني لرؤية المملكة ، فهي تحوي الكثير مما يجدر معرفته ومناقشته. وقد خصصت هذه المقالة لجانب اظنه يشكل خلفية مهمة للتفكير في البرنامج وتطبيقاته.

غرض البرنامج هو تحقيق "رضا العامة" من خلال تمكين الأفراد من اختيار نمط العيش الذي يلائمهم. هذا يعني بالضرورة توفر خيارات معيشية متعددة ، والضمان القانوني لحرية الفرد في اختيار ما يراه طريقا لتحقيق سعادته.

يذكرنا هذا بجدل قديم جدا ، لكنه يتجدد باستمرار ، جدل يتناول مفهوم السعادة والرضا. وأبدأ هنا بقول مشهور ينسب للامام الشافعي: "رضا الناس غاية لاتدرك". ومضمونه راسخ في ثقافتنا العامة ، بل هو أقرب الى المسلمات التي لا يجادل في صحتها أحد (مع انه في اعتقادي رأي ضعيف). وقد وجدت ان التسليم بهذا القول قاد الى  التباس شديد بين مفهومين للرضا ، أحدهما مطلب نسبي وهو رضا الجمهور عن الحاكم او عن شخص بعينه ، والثاني مطلب معياري هو رضا الناس عن حياتهم. وبسبب هذا الالتباس ، وبالنظر لرسوخ تلك المقولة ، فقد تحولت الى مبرر عند اهل الحكم في الكثير من بلدان العرب ، لعدم الاكتراث برأي الناس (لان رضاهم مستحيل).

إن اتفاق كافة الناس على الحكومة غير مطلوب ، وهذا معروف في كل المجتمعات. ولهذا توصلوا الى التصويت والانتخاب ، واعتمدوا موقف الأكثرية معيارا لحسم الخلاف والاختلاف.

لكن – وكما اسلفت – فان الرضا المقصود في "برنامج جودة الحياة" مختلف عن هذا. فالمقصود هنا هو رضا الناس عن حياتهم ، وهذا ناتج عن الأمان المادي والاطمئنان للمستقبل.

ويهمني إضافة عنصر "الأمان النفسي" الذي أراه ضروريا لربط الأمان المادي بمفهوم السعادة ، الذي يصنف عند الفلاسفة كهدف أسمى لكل نظام اجتماعي.

يتولد الأمان النفسي (ومن ثم الشعور بالسعادة) كنتيجة لقناعة الفرد بتوفر إمكانية فعلية لتحقيق ذاته. أي اعتقاده بأن البنية الاجتماعية والنظام القانوني يساعدانه ، او على الأقل يسمحان له بالسعي الى نموذج السعادة الذي يلائمه ، او نموذج العيش الذي يعتبره قرينا للسعادة ، وهذا ما نسميه بحرية الاختيار.

كان المفكر الإيطالي المعروف نيكولو مكيافيلي ، قد اقترح مفهوما فريدا للحرية ، خلاصته ان "الناس يريدون الحرية لانها تمنحهم الأمان". الحرية هنا تعني ببساطة ان يكون القانون في صفك ،  حين يتدخل الناس في حياتك او يستخدمون قوتهم المالية او نفوذهم الاجتماعي او مناصبهم ، في منعك من العيش حسب اختيارك. أنت إذن آمن من مزاحمة الآخرين ، لأن القانون يحمي حريتك في الاختيار.

في اعتقادي ان مجتمعنا (والمجتمع العربي ككل) مطالب بترسيخ قيمة الحرية في هذا المعنى على وجه الخصوص ، أعني حرية كل فرد في اختيار هدف حياته ونمط العيش الذي يحقق سعادته ، وان يعتبر هذا حقا للفرد يحميه القانون.

لا يتوجب على الحكومة ان تضمن السعادة للناس. لكن يجب عليها توفير الظرف القانوني والمؤسسي الذي يسمح للناس بالسعي نحو سعادتهم الخاصة ، التي قد تكون مختلفة عن تلك التي يسعى اليها الشيخ او القاضي او الوزير.

الشرق الأوسط الأربعاء - 12 رجب 1442 هـ - 24 فبراير 2021 مـ رقم العدد [15429]

https://aawsat.com/node/2824361/


مقالات ذات علاقة

ام عبد العزيز

سيادة القانون ورضا العامة

صيانة الوطن في سيادة القانون

الطريق الى 2030

القانون للصالحين من عباد الله

نبدأ حيث نحتاج

نقاط الاحتكاك بين المجتمع والدولة

واتس اب (1/2) أغراض القانون

واتس اب (2/2) عتبة البيت

 التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة

هل نحتاج حقا إلى طريق ثالث ؟

 العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

 عدالة ارسطو التي ربما نستحقها

الليبرالية في نسخة جديدة: رؤية جون رولز

 

18/05/2016

الطريق الى 2030

اكثر ما أثار اهتمامي في (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) هو تأكيدها على أننا نستطيع التغيير ، وأننا قادرون على صنع مستقبل أفضل من حاضرنا.

ركزت وثيقة الرؤية على الجانب الاقتصادي. وهناك بالطبع قضايا عديدة تشكل اجزاء ضرورية لبرنامج  التحول في معناه الشامل ، أهمها في ظني اربعة:
أ)  ترسيخ سيادة القانون وجعله سقفا فوق الجميع وحاكما على الجميع دون تمييز. هذا يعني بشكل محدد التقليص المنتظم للسلطات الشخصية للاداريين ، وتمكين عامة الناس من الرجوع دوما الى نصوص قانونية واضحة وثابتة. سيادة القانون وثباته عامل حيوي لتحفيز الاستثمار وتعزيز الأمل في المستقبل. تتطلع وثيقة الرؤية الى زيادة الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى 5.7% واستثمارات القطاع الخاص الى 65% من الناتج القومي الاجمالي. ونعلم ان هذا غير قابل للتحقق من دون تخفيض معدلات المخاطرة التي يتسبب فيها عدم استقرار القانون ، او عدم حاكميته على الميول الشخصية للاداريين.
الشفافية التي تم التأكيد عليها في وثيقة الرؤية ستجد معناه الكامل اذا ترسخت سيادة القانون. العلنية والشفافية تمكن الناس من الحصول على المعلومات الضرورية للمنافسة العادلة ، وهي بالتاكيد تساعدهم على كشف خيوط الفساد واستغلال السلطة. لكن مجرد توفر المعلومات لا يكفي لقيام منافسة عادلة. القانون القوي والمهيمن على الجميع ، هو الذي يحمي حقوق جميع الاطراف ، أيا كانت مراكزهم او سلطاتهم.
ب)  مبدأ سيادة القانون يبدو أكثر ضرورة في المجتمعات التي تهيمن التقاليد على ثقافتها العامة ونظامها الاجتماعي. وقد رأينا هذا بوضوح فيما يخص حقوق النساء. اني اتفهم ميل السياسيين الى تأجيل الاستحقاقات المكلفة سياسيا. لكني أخشى ان نتغافل عن مواجهة الحقيقة الكبرى ، حقيقة ان اي مستقبل مختلف رهن بالتحرر من التقاليد المعطلة. اني واثق من ان قادة البلاد وصناع القرار يدركون الثمن الذي يدفعه المجتمع والاقتصاد بسبب التردد في حسم قضايا مثل "قيادة المرأة للسيارة". وهم بالتأكيد يعرفون ان اقتصاد المملكة يخسر ما لا يقل عن 30 مليار ريال سنويا على شكل تحويلات خارجية وتعطيل وفقد جانب من قوة العمل وكلف أضافية مرتبطة جميعا بعدم تمكين النساء من قيادة السيارات. اني واثق انهم يتطلعون الى يوم ننتهي من هذا كله ، ويعود النصف المعطل من المجتمع الى المساهمة الكاملة في الحياة العامة والاقتصاد الوطني. ولهذا ادعو بكل احترام الى تحديد موعد للافراج عن هذا الحق ، كجزء من رؤية موسعة للتحرر من التقاليد المعيقة ، وجعل القانون الواحد والعادل مرجعا وسقفا للجميع ، رجالا ونساء ، حكاما ومحكومين.
ج ) المفهوم الحديث للدولة ينظر اليها كجهة تخطيط وإدارة ، هدفها مساعدة المجتمع على تحسين حياته. المجتمع هو العنصر الرئيس والمستهدف في كل السياسات والقوانين. لكن فكرة "التحكم" هي المهيمنة على ذهنية الاكثرية الساحقة من الاداريين ، وفحواها ان كل شيء ممنوع مالم يوافق عليه جهاز حكومي ما. هذا المفهوم العتيق أشد عوامل التعطيل أثرا وأكثرها اساءة لعلاقة المواطنين مع الاجهزة الرسمية.
إني اخشى جديا من تعطيل المبادرات الخلاقة التي اعلنتها رؤية المملكة 2030 او تفريغها من محتواها ، اذا لم نعالج تلك الذهنية العتيقة ، اذا لم نرسخ مفهوم ان الاصل في كل شيء انه مباح ومسموح ما لم يكن ثمة قانون ينظمه او يمنعه. لهذا ادعو قادة البلاد الى التأكيد المكرر على هذا المبدأ ، كي لا تتعطل مشروعات التطوير ، لأن مديرا قصير النظر هنا او ضيق الأفق هناك لم يجد في أوراقه لائحة تقول ان تلك المبادرة مسموحة او مباحة.
د ) أكدت وثيقة الرؤية على تدعيم قنوات التواصل بين الاجهزة الحكومية والمواطنين ، ومشاركة المجتمع في المسؤولية عن نفسه ومستقبله. دعونا نتقدم خطوة اخرى الى المشاركة الشعبية المنظمة في الشأن العام ككل ، في القرار السياسي والاقتصادي وكل شأن آخر يتعلق بمجموع الناس ، حاضرهم ومستقبلهم. المشاركة الشعبية المنظمة من خلال المجالس المنتخبة  ، والمشاركة الشعبية من خلال منظمات المجتمع المدني وحرية التعبير المصونة بالقانون هي القناة الاوسع لتحمل الشعب المسؤولية الكاملة عن وطنه ، وهي الاداة الفعالة لتعزيز قوة الدولة وتحسين كفاءة الخدمات العامة.
بلادنا قادرة بعون الله على مواجهة تحديات حاضرها وصناعة مستقبلها عبر التعاون الفعال بين المجتمع والدولة. وكل ما نحتاجه هو فتح قنوات المشاركة والتواصل. رؤية المملكة 2030 التي أعلنت يوم الاثنين المنصرم خطوة أولى كبيرة ، نأمل ان تليها خطوات تعزز الأمل وتفتح أبواب المستقبل.
الشرق الاوسط 18 مايو 2016 http://aawsat.com/node/643041

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...