05/07/2005

كي نتحول الى دولة صناعية


يستغرب الزميل عبده خال ان المملكة لا زالت – بعد سنوات طويلة من تدفق البترول – دولة غير صناعية. واظن ان بعض الناس سيجيب الزميل بسؤال آخر : هل قررنا التحول الى دولة صناعية وفشلنا ؟.
ان ابرز المشروعات الصناعية القائمة اليوم هي ثمرة الخطط التي وضعت في النصف الثاني من السبعينات. ولو اعتبرت تلك بداية واستكملت بمشروعات جديدة من نفس الحجم ، فلربما كانت المملكة اليوم دولة شبه صناعية. في ظني ان عدم التوجه الى الصناعة كخيار رئيسي للاقتصاد الوطني هو ثمرة لغياب فلسفة شاملة للاقتصاد.

بكلمة اخرى : نحن لا نعرف على وجه التحديد ما هو قطب النشاط الاقتصادي في هذه البلاد . ثمة دول قررت فعلا خيارها العام ، ولهذا فقد وجهت سياسات الدولة وخطط عملها كي تخدم هذا الخيار ، وحققت نجاحا لا ينكر. لبنان مثلا يتمتع بقابلية للانتاج الزراعي والصناعي ، لكنه اختار السياحة كقطب لاقتصاده ، وخلال السنوات العشر الاخيرة صبت الحكومة جل جهدها ومواردها لتحويل هذا النشاط الى مولد اول للموارد وفرص التشغيل وقد نجحت في ذلك نجاحا باهرا.

 اما امارة دبي فقد اختارت الخدمات المالية والتجارية كقطب لاقتصادها ، فتحولت خلال عقد من الزمن الى مصنع هائل للمال والوظائف ونمت بشكل لا يحتاج الى وصف. ان لبنان اليوم هو مركز سياحي في المقام الاول ، بينما دبي هي مركز تجاري. بعبارة موجزة فان التحول الى دولة صناعية - اذا كان هذا هو المثال الافضل – يتوقف على قرار باعتبار الصناعة قطبا للاقتصاد الوطني ، ومن ثم اعادة توجيه الموارد المالية ومناهج التعليم والتدريب ، والعلاقات الخارجية ، اضافة الى اصلاح القوانين والمقررات الرسمية ، لكي تخدم جميعها هذا التحول .

معروف لدى الجميع ان تصدير البترول هو المصدر الاول للدخل الوطني ، كما ان النشاطات المرتبطة باستخراجه وتصديره تمثل فعليا قوة التشغيل الرئيسية لليد العاملة والى حد ما حركة السوق. وفي ظني ان صناعة البترول يمكن ان تكون القاعدة الرئيسية لاي خيار اقتصادي مستقبلي. فيما عدا نسبة صغيرة جدا تستهلكها الصناعات المحلية فان الجزء الاكبر من البترول يصدر خاما الى الاسواق العالمية. ولا يحتاج الامر الى خبراء لفهم ان القيمة المضافة الناتجة عن تكرير الخام او استعماله مدخلا للصناعات التحويلية تعادل اضعاف قيمة الخام . برميل البترول الذي يتحول الى منتج وسيط او نهائي في الجبيل يوفر اضعاف قيمته الاولية ، لا سيما اذا اخذنا بعين الاعتبار القيم الاضافية مثل توفير فرص العمل وتنشيط الاقتصاد المحلي وتوطين التقنية ، وهي جميعا مما نفقده اذا اقتصرنا على تصدير البترول الخام.

اذا اعتبرنا الصناعة البترولية قطب الاقتصاد الوطني ، فيجب ان ننظر ايضا الى الصناعات المساندة. تستهلك صناعة البترول ما يعادل عشرات الملايين من المواد المصنعة والمعدات والالات المختلفة كل يوم ، وفي ظني ان اختيار هذه الصناعة كقطب للاقتصاد ينبغي ان ياخذ في الاعتبار اقامة نطاق من الصناعات المساندة ، اي تلك التي توفر قطع الغيار والالات والمواد التي تحتاجها صناعة البترول .

خلاصة القول ان التحول الى دولة صناعية يتوقف على قرار باعتبار الصناعة قطبا اول للاقتصاد الوطني ، واظن ان التركيز على الصناعات المرتبطة بالبترول يمكن ان يكون قاطرة قوية لحركة من هذا النوع. خاصة واننا نملك المقومات الاساسية لهذا التحول اذا قررناه .
يوليو 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...