ربما
نعم وربما لا. الثورة الشعبية من الظواهر التي لازالت غامضة. لا أعرف في علم
الاجتماع أو السياسة ، نظرية متقنة ، تسمح بقياس قابلية ظرف سياسي محدد لاطلاق
ثورة او نجاحها. لهذا أظن ان أسئلة من نوع هل ستنفجر الثورة ومتى وكيف وهل تنتصر ،
غير واقعية على الاطلاق ، رغم انها ما زالت تثير خيال الباحثين.
عند
انطلاق الربيع العربي تابعت
بشكل حثيث مسارات الأحداث ، وتأملت طويلا في العوامل التي اتفق الدارسون على انها
"خطوط انكسار" اي
تلك الصدوع في بنية النظام الاجتماعي/السياسي ، التي تدعم احتمالات سقوط نظام
سياسي او صموده. وتوصلت حينها الى ترجيح احتمال سقوط النظام السوري وصمود النظام التونسي.
لكنا نرى الآن ان النتيجة جاءت معاكسة تماما. أعلم ان باحثين آخرين رجحوا
الاحتمالات نفسها التي اكتشفنا لاحقا انها خاطئة في الحالتين.
نستطيع
القول ان أسئلة "هل" و "متى" ليس لها جواب مبني على اساس
علمي. لهذا يميل الباحثون للاهتمام بنطاق آخر ، يرونه أكثر فائدة من الناحية
العملية ، يدور حول سؤال: كيف يمكن للنظام الاجتماعي ان يتفادى الثورة.
أهمية
هذا السؤال تأتي من حقيقة ان الثورة ليست من التحولات المريحة لغالبية الناس. انها
قفزة في المجهول ، فرارا من حالة يأس عام من إصلاح النظام السياسي اعتمادا على
ادواته القانونية او عرف المجتمع.
أرى ان
جميع المعالجات المندرجة ضمن استراتيجية تفادي الثورة ، تستهدف نتيجة واحدة ، هي
تعزيز الأمل في قابلية النظام للاصلاح بالادوات التي يتيحها النظام ذاته. وحين
يتلاشى هذا الأمل ، فسوف يتجه الى واحد من خيارين: اعتزال الدولة واغفالها تماما ،
او التفكير في استبدالها.
فيما
يخص ايران ، أظن ان فقدان الأمل يرجع لعاملين متعاضدين ، هما: استيلاء الدولة على
المجال الأهلي ، وتخشب القانون.
تاريخيا
كان المجال الديني خارج هيمنة الدولة ، وحاضنا لجانب واسع جدا من النشاط الاهلي
المدني ، حيث تعاون الناس فيما بينهم على حل مشكلاتهم. منذ 1979 وسعت الحكومة هيمنتها على المجال الديني ،
فتحول الى صدى للسياسات الرسمية. ومع الاخذ بعين الاعتبار ان اي خطاب ديني رسمي
ينطوي – بالضرورة – على مضمون إقصائي ، فان الصوت الآخر غاب عن المجال الاهلي او
عزل في نطاقات ضيقة.
اما
تخشب القانون ، فمرجعه أن قواعد القانون واللوائح التنفيذية تستهدف في المقام
الأول اغلاق الفجوات على المخالفين للقانون ، وليس تمكين الاكثرية الصالحة من
تحصيل حقوقها ، أي كون القانون منبعثا من الارتياب في طبيعة الانسان وليس الثقة به
او بميله الفطري الى الخير. بحسب علمي فان القانون في ايران ضيق وعسير. ويزيد من
عسره كون الحكم شديد المركزية ، مهووسا بالقلق من تدخل الاجانب او معارضي الحكم
الديني.
المجتمع
المدني الحر يمكن الناس من التعاون على حل مشكلاتهم ، والقانون اللين الواسع الأفق
يعين الاكثرية على نيل حقوقها. وحين يغيب هذا وذاك عن بلد ، فان عامة الناس
سيعجزون عن حل مشكلاتهم بأي وسيلة قانونية او غير مكلفة.
لا
تستطيع تفادي الثورة بدعوة الانصار الى تظاهرات معاكسة. ولا تستطيع تفاديها باتهام
الأجانب ، ولا باغلاق قنوات التواصل بين الناس. الحل الوحيد هو توسيع افق القانون
وتليينه وتمكين الجمهور من المشاركة في حل مشكلاته.
تبدأ
الانهيارات في العادة بتظاهرات صغيرة ، وقد تكون مهذبة ولطيفة ، يمكن احتواؤها
بسهولة ، اذا تواضع الحاكمون وانصتوا لصوت التغيير. لكن لو كرروا سؤال "من
أنتم" الذي قاله العقيد القذافي يوما ما ، فسيسمعون الجواب الذي يكرهه كل
حاكم ، كما حصل فعلا في ليبيا وغيرها.
مقالات ذات علاقة
الانتخابات الايرانية : صراع بين منطقين
الانتخابات الايرانية وعالم السياسة المتغير
الايديولوجيا السياسية للتيار الاصلاحي في ايران
بدل الانشغال بالتفاصيل ، راهنوا على تغير النسق
تأثير الاتفاق النووي على بنية السلطة في ايران
حدود الديمقراطية الدينية : عرض كتاب
د. توفيق السيف: ولاية الفقيه نظرية ادت غرضها وحان الوقت لتجاوزها
دور الخميني في تعديل نظرية السلطة عند الشيعة
الديمقراطية في بلد مسلم- الفصل الاول
قراءة في كتاب "حدود الديمقراطية الدينية"
المرأة الغامضة في مفاوضات جنيف