‏إظهار الرسائل ذات التسميات عبد الجبار الرفاعي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عبد الجبار الرفاعي. إظهار كافة الرسائل

22/12/2021

في علاقة الزمن بالفكرة

 

دفعني لهذه الكتابة مقال للمفكر المعروف الدكتور عبد الجبار الرفاعي ، خلاصته ان تفاسير القرآن لا بد ان تتمايز عن بعضها وتختلف ، لأن كلا منها يعكس فهم المفسر لعالمه. بعبارة أخرى فانك ترى بين ثنايا التفسير ، روح الزمان والمكان الذي عاش فيه المفسر.

عبد الجبار الرفاعي
وقد مر بنا زمن سادت فيه الدعوة لما أسموه تفسير القرآن بالقرآن. ومرادهم ان معنى الآية ، يدرك من خلال رصفها مع مجموع الآيات المماثلة في اللفظ او المعنى والموضوع. وقريبا من هذا الدعوة  لتفسير القرآن بالروايات ذات الصلة بآية بعينها او موضوع بعينه. ومثلها التفسير الموضوعي ، الذي يذهب أصحابه الى تصنيف الموضوعات الواردة في القرآن ، وجعلها موضوعا واحدا للدراسة والتحليل.

وقد مال عامة الفقهاء الى منهج التفسير بالروايات ، لأن مرادهم هو الحصول على حكم أو إشارة لحكم في النص ، كي لا يضطروا للأخذ بالدليل العقلي المحض. ونعلم ان غالبية الفقهاء المسلمين من كافة المذاهب ، يرجحون الحكم الوارد في النص على نظيره المستند لدليل عقلي ، حتى لو كان غريبا أو منافيا لعرف العقلاء. ومن ذلك مثلا قول بعضهم ، ايام محنة الايزديين في العراق (2014م) بأن سبي النساء واسترقاقهن والمتاجرة بهن ، لا ينافي شريعة الاسلام. وان من ينكر جوازه فهو ينكر معروفا من الدين.

واعلم ان هذا الرأي موجود في كتب التراث ، وفيه روايات وآيات. لكني اجزم انه قول لا يصح في هذا اليوم ، لأن جمهور المسلمين لا يقبل به ، كما ينكره انكارا مطلقا كل العقلاء ، أيا كانت ملتهم.

ضربت هذا المثال كي يأخذنا الى محور هذه الكتابة ، أي دور "الأفق التاريخي" في تحديد الصحيح والسقيم من الأحكام والقيم والمستهدفات الشرعية. "الافق التاريخي" هو مجموع العوامل التي تؤثر على ذهن الانسان لحظة تفكيره في شيء. وتشمل تطلعاته وتوقعاته ومصادر قلقه ، المستوى العام للمعرفة ، نوعية القيم والمعايير الاخلاقية السائدة ، والمشكلات التي يتعلق بها التفسير او الحكم الفقهي.

كل من هذه العناصر يؤثر على ذهن الانسان ، لحظة تلقيه للنص او الفكرة الدينية (بل اي فكرة اخرى) ويشارك في تحديد المعنى النهائي للنص ، اي ما نسميه فهم المتلقي. ومن هنا اشتهر التمييز بين النص وفهم النص او بين الدين والمعرفة الدينية. يختلف الناس في نوعية العوامل التي تؤثر على أذهانهم. وهو اختلاف يؤثر في فهمهم للنص والدليل ، بل يؤثر حتى على التجربة العملية ، التي نتخذها دليلا على صحة المدعى او بطلانه.

هذه الدعوى تثير اسئلة اخرى ، يحتاج مسلمو هذا الزمان لمجادلتها بشجاعة وتجرد. بعض تلك الاسئلة يتعلق بالمنهج ، مثل السؤال البديهي: هل يمكن لنا أن نحدد العوامل المذكورة اعلاه ونتحكم في تاثيرها؟. ومنها السؤال المتعلق بدور المسلم العادي في التشريع: هل له الحق في قبول او رفض حكم ما ، ام يجب عليه التسليم دون نقاش؟. ومنها ايضا قيمة الاجتهادات والتفسيرات التي انتجها فقهاء سابقون ، هل نتعامل معها كسوابق حكمية يبنى عليها ، ام كخيارات علمية ، نظير المراجع العلمية الاخرى. ومثلها الاجتهادات المتعارضة التي تظهر في وقت واحد: هل ننظر اليها كتعبيرات مختلفة عن حقيقة واحدة ام كاحتمالات ذات صفة شخصية؟.

سأعود في كتابة أخرى بعون الله لبعض تلك الاسئلة لاسيما فكرة الاحتمالات وعلاقتها بالزمن.  

الشرق الاوسط الأربعاء - 18 جمادى الأولى 1443 هـ - 22 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [15730]

https://aawsat.com/node/3371966/

 

16/03/2016

انقاذ النزعة الانسانية في الدين


يبدو المفكر العراقي د. عبد الجبار الرفاعي متشائما جدا من اتساع الموجة الدينية في هذه الأيام. وهو موقف غريب من جانب شخص يصنف كرجل دين وباحث في العلوم الدينية.
يوضح الرفاعي في كتابه المثير "انقاذ النزعة الانسانية في الدين" اسباب تشاؤمه بتعبيرات محددة. بعضها بسيط جدا وبعضها في غاية التعقيد. لكن القضية المحورية التي شكلت خلفية الكتاب هي ما يصفه بأدلجة الدين. اي انتزاع مضمونه الروحي واستخدامه كسلعة في سوق السياسة ، او كمركب للقوة والسلطة والنفوذ.
أدلجة الدين اسوأ أثرا من الالحاد حسب رأي الرفاعي. ربما تكون لا دينيا لكنك منسجم مع الكون الذي تعيش فيه ، مشاركا في  عمرانه. اما الدين المؤدلج فهو منقطع عن الوظيفة الاولى للايمان ، اي تعظيم قيمة الانسان ، وهو ، من جهة أخرى ، منفصل عن العالم الحقيقي ، يدور حول ذاته ، منشغل بالتغلب على بقية الخلق عن مشاركتهم في عمران الدنيا.
الدين المؤدلج لا يرى غير نفسه ، لا يرى العالم المتغير ولا يرى البشر المختلفين ، ولهذا فهو لا يشعر بتحولات الزمان. ونتيجة لهذا فهو لا يسهم في تلك التحولات ، ولا يشجع أتباعه على المشاركة فيها. لعل هذا يفسر ، جزئيا على الاقل ، سبب انكفاء المسلمين على انفسهم وضآلة اسهامهم في تيارات التطور التي تموج في عالم اليوم.
اسلامنا بحاجة الى "مصالحة بين المتدين ومحيطه والعصر الذي يعيش فيه ، والاصغاء لايقاع الحياة المتسارعة التغيير ، ووتيرة العلوم والتكنولوجيا التي تفاجئنا كل يوم بجديد تتبدل معه صورة العالم".
هذي هي خلاصة الرسالة التي اراد الرفاعي ابلاغها لمن يهمه أمر الدين وأمر المسلمين.
كان الرفاعي ولا زال قريبا من الجماعات الاسلامية الناشطة في الساحة. لكنه يشعر باحباط شديد ازاء ما حققته من نفوذ جماهيري وانتصارات سياسية. وسبب احباطه يكمن في ما يظنه انقلابا في طبيعة الجماعة الدينية واستهدافاتها. في زمن سابق كان رجال الجماعة يتحدثون عن دين يدعو الى المحبة والتعاطف مع القريب والغريب ، دين يقدس العلم ويعلي شأن الانسان ، دين يمجد الايثار وانكار الذات ، ويعتبر الجزاء الاخروي مكافأة تستحق التضحية بالمكاسب الدنيوية.
اما اليوم فان رجال الجماعة ذاتهم مشغولون بالصراع مع القريب والغريب على النفوذ ومكاسب السياسة. الكلام عن المحبة والتعاطف حله محله خطاب مشحون بمفردات الفخر بالقوة والمفاصلة مع المختلف وتهديد المخالف. مفردات مثل الحلم واللين والحكمة والسلام حلت محلها لغة الحرب والقوة والغلبة والدم وتمجيد البندقية. وباتوا يتحدثون عن "هلاك" مناوئيهم و "الدعس" على معارضيهم كما لو ان الامر لعبة كمبيوتر.
لم يعد السعي لرضا الله ورجاء عفوه محور حياتهم كما في الماضي ، فيومياتهم مشغولة بحسابات الارباح والخسائر في سوق السياسة والنفوذ الجماهيري وحساب عدد الاتباع والمحازبين.
حقق الاسلاميون الكثير مما سعوا اليه من القوة والنفوذ. وكان حريا بهم ان يوجهوا جهدهم لحاجات شعوبهم ، واكثرها حرجا استئصال الفقر والارتقاء بالعلم وتنشيط الاقتصاد واصلاح جهاز الدولة والمصالحة مع العالم. لكن الواضح انهم في واد آخر ، فهم لازالوا مشغولين بتكرار قصص الماضي واوهامه.
هذه بعض النتائج المأساوية لتحويل الدين من "رحمة للعالمين" الى أيديولوجيا. ولهذا يرى د. الرفاعي اننا كمسلمين بحاجة الى انقاذ انفسنا ، كما اننا بحاجة الى انقاذ ديننا. نحن بحاجة الى استعادة المضمون الانساني في الدين الحنيف ، الدين الذي كان رحمة وطريقا للخلاص وتحرر الانسان من عبودية القوة وعبودية الماضي. 
الشرق الاوسط 16 مارس 2016

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...