||
الحلول الميتافيزيقية هي تلك الاجوبة السجالية التي تدعونا
للبحث عن الحلول والاجوبة في التراث. هؤلاء يرون التراث دينا من عند الله ، وهو
يحوي جوابا لكل سؤال وحلا لكل مشكلة||
قبل سنوات قال سياسي عراقي ان تحقيقا داخليا كشف عن آلاف "الجنود الفضائيين" على
قوائم رواتب الجيش. وعلمنا فيما بعد ان المقصود بالفضائي هو الاسم الذي لا مسمى
له. فقد يكون اسما لشخص ميت ، أو لشخص لم يولد أصلا.
"الحلول الفضائية" مثل نظيرها العراقي ، اسماء بلا مسمى ،
لكنها بالطبع ليست في الجيش. بل في الجدالات اليومية لدعاة الاصلاح الديني.
د. محمد مجتهد شبستري |
ويغلب على ظني ان كافة القراء الاعزاء يعرفون
الحلول والنظريات الفضائية ، ولعل بعضهم يستعملها أيضا. وكنت التفت اليها حين قرأت للفقيه المعاصر محمد مجتهد شبستري ، حديثا عن "الحلول
الميتافيزيقية" ، وهي مرادفة لأختها الفضائية. وتنطبق على قصة رجل جيء به لمحكمة
يرأسها عالم رفيع الشأن. فتحدث الشيخ أولا عن عدل الاسلام ، وسبقه للغرب في اقرار
حقوق الانسان وضمانه لكافة الحريات الانسانية. لكنه في نهاية الجلسة ، حكم على المتهم
بالسجن ، لتأليفه ونشره كتابا يعارض آراء فقهية مشهورة ، ويدعو لاستبدالها بقانون
وضعي.
وفقا لتعريف شبستري ، فان الحلول الميتافيزيقية هي تلك الاجوبة السجالية
التي تقول انه يتوجب علينا البحث عن الحلول والاجوبة في التراث ، لانه من عند الله
، فهو يحوي جوابا لكل سؤال وحلا لكل مشكلة.
حسنا نحن نصدق هذا.. لكننا نريد ان نراه في ارض الواقع. لسنا بحاجة
لمن يخبرنا عن سبق الاسلام للغرب في اقرار الحريات الشخصية ، بل نحتاج للاقرار بحق
الاشخاص الذين معنا في ان يعبروا عن رأيهم
، حتى لو تعارض مع معتقداتنا او فقهنا. نحن ندعو حراس العقيدة الى تبني مبدأ حرية
الاعتقاد والعبادة والتعبير عن الراي في الدين وغير الدين ، كي نصدق انهم يؤمنون
بما قالوه عن سبق الاسلام الى حقوق الانسان وتفوقه على الغرب في حمايتها. ان حديث
القاضي عن عدالة الاسلام ليس سوى حل فضائي لا علاقة له بالواقع أصلا. أما الذي جرى
في الواقع فهو ان شخصا عوقب بالسجن دون أن يرتكب جرما ، سوى تعبيره عن رأيه بطريقة
متمدنة.
اظن ان الصلة بين الجنود الفضائيين والحلول الفضائية قد اتضحت الآن.
فهذه وتلك اسماء وحقائق مفترضة ، يتحدثون عنها ويقيمون لها اعتبارا ، لكنها غير
موجودة في أرض الواقع.
لقد ذكرت مثال حرية التعبير
، سيما نقد الخطاب الديني ، لأنه واضح ومتكرر. ولأن منع النقد مدعوم بفتاوى
وروايات. ولأن اشخاصا قتلوا واخرين سجنوا
أو جردوا من حقوقهم المدنية ، بعدما مارسوا ما يفترض انه حق اصلي في التعبير عن الرأي.
لكن عدا هذا فهناك مسالة التجديد ، ومكافحة الفقر ومنع الاستغلال
وحماية الضعفاء وقضايا المساواة والعدالة التوزيعية الخ.
والذي ألاحظه ان اصحاب الحلول الفضائية يمارسون لعبة ظريفة: حين تقول
مثلا ان المعاملات التي ابتكرها الفقهاء لتحليل معاملات البنوك ، لا تعالج المشكل
الاصلي اي الاستغلال ، سيردون عليك بآيات وأحاديث تؤكد على العدالة والرحمة
بالضعيف الخ.. فاذا جادلتهم بان هذا مجرد توجيه وارشاد ، وان المهم هو ما حوله
الفقهاء الى فتوى او قانون ، أجابوك بأنهم اهل الاختصاص في معرفة النص ، وربما تواضعوا
قليلا فقالوا ان تقصير الفقهاء لا يعني قصور الاسلام. لكننا نعلم ان هذه الاجوبة
كلها فضائية ، تحاول ابعاد الانظار عن موضوع السؤال الاصلي ، بطرح موضوع جديد ، يحول
النقاش الى نقاش حول الاسماء ، بدل الموضوعات والوقائع. هذه ببساطة فكرة الحلول
الفضائية.
الشرق الاوسط الأربعاء - 12 محرم 1441 هـ - 11 سبتمبر
2019 مـ رقم العدد [14897]
https://aawsat.com/node/1896956/
مقالات ذات علاقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق