الداعون الى اعادة بناء الاجتهاد على ارضية مقاصد الشريعة ، يرون في دعوتهم حلا لابرز مشكلات الفقه المعاصر ، اي الفجوة الفاصلة بين الرأي الفقهي وواقع الحياة المعاصرة. وهم يرون ان معيار سلامة الرأي الفقهي هو انسجامه مع المقاصد الشرعية ، وابرزها – حسب ترتيب الفقيه الاندلسي ابراهيم بن موسى الشاطبي (توفي 1388م)- حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل.
هذه المقاربة تفترض معايرة لاحقة. بمعنى اختبار صلاحية الراي بالنظر في تاثيره سلبا او ايجابا على احد المقاصد المذكورة.
اني ادعو الى معادلة معكوسة تسمح - في رأيي – بتطوير جوهري في مفهوم الحكم الشرعي ومسارات الاجتهاد. كما تفسح مجالا رحبا للعلوم الجديدة والخبرات الانسانية كي تسهم في الصناعة الفقهية.
في
المعادلة الجديدة لا نبدأ بالسؤال عن الحكم ، بل بتحديد موضوعات المقصد ، وهي تشكل
الجزء الاعظم من العمل العلمي الذي ينتهي باصدار احكام فقهية. فلنأخذ مثلا المقصد
الخامس ، وهو "حفظ العقل". هنا نبدأ بسؤال: ما هي العوامل التي تساعد في
حفظ العقل ، وما هي العوامل التي تسهم في اضعافه. وكلا السؤالين يتفرع الى
احتمالات. منها مثلا: معنى حفظ العقل ، فهل معناه ابقاؤه في حالة ساكنة ام
تطويره؟. هذا يقودنا الى سؤال اخر: هل يتطور العقل مع زيادة المعلومات ام نقصها ،
باستماعه الى الاراء المتعارضة ام بجبره على مدرسة واحدة.
ناتج
هذه المقاربة سيكون احكاما شرعية من مستويين: اولها المستوى الارشادي اي:
السياسات اللازمة لتطوير العقول. وهذا يشكل جوابا على قضايا ملحة مثل تدفق
المعلومات وحرية التفكير والتعبير وتعدد المذاهب والمدارس الفكرية وتصنيف العلوم
النافعة وغير النافعة الخ. وثانيها هو المستوى القانوني الذي قد يكون احكاما فقهية
او قواعد قانونية ملزمة تعالج موقف المجتمع والدولة من تلك الامور. واظن ان اتخاذ
مقاربة كهذه ستكشف ان تقييد حرية التعبير ، وانكار التعددية الفكرية ، رجوعا الى
راي فقيه او بند قانوني ، تنطوي على مخالفة لضرورات الشريعة.
كذلك
الحال في المقصد الرابع اي حفظ المال ، والذي يبدأ بحثه بسؤال معنى الحفظ وكيفيته
والوسائل والطرق التي تؤدي اليه ، والفرق بين المال الشخصي والمال العام. ويصل الى
الاحكام الارشادية والقانونية التي تسهم في تنمية الثروة الفردية والعامة وتمنع
تآكلها او فسادها. هذا سيكشف لنا معاني اخرى لمفهوم الربا والاستغلال والقيمة
الشرعية لفائض القيمة والفائدة ، الخ.
خلاصة
القول
ان هذه المقاربة تدور بشكل رئيسي حول سؤال: كيف نجعل الفقه والقانون العام وسيلة
لتحقيق مقاصد الشريعة. ولهذا فهي تبدأ بدراسة تلك المقاصد وموضوعاتها التفصيلية
وسبلها ، وتنظر فيها كدليل لاستيضاح المصالح والمفاسد ، وبالتالي الاحكام الشرعية.
واظن ان اتباعها سينتج فقها يستوعب التحديات التي يواجهها الاسلام اليوم ، ويجسر
الفجوة بين الدين والحياة العامة.