اثار الهجوم الارهابي على كنيستين
مصريتين هذا الاسبوع موجة استنكار واسعة بين كافة المسلمين ، علماء وعامة
وسياسيين. وأحمد الله انا ما عدنا نسمع أحدا يرحب بهذه الجرائم او يبررها. وهذا
تطور طيب.
وسط بيانات الاستنكار ، لفت نظري
الاستعمال المتكرر لمصطلحات مثل "مستأمنين" و "ذميين" و
"اهل الكتاب" في وصف المواطنين الأقباط ، الذين وقعوا ضحية للهجوم
الغادر. ومثل هذه المصطلحات ترد عادة في أحاديث رجال الدين ، تأكيدا على حرمة العدوان
على غير المسلمين.
تلك التعابير ليست اطلاقات لغوية محايدة
، بل "حقائق شرعية" حسب عرف الاصوليين ، اي مصطلحات خاصة ذات محمول
محدد. وتقال في سياق الكلام ، بقصد الاشارة الى جملة علائق وأحكام ، أو وحدة
مفهومية ، تصف قيمة الاشخاص المعنيين وموقعهم بالنسبة للمتحدث.
هذه الاوصاف مستمدة من الفهم الفقهي
للواقع. لكنها خاطئة في المنظور الواقعي المعاصر. هذا يشير إذن الى تباين بين
الفهم الفقهي للواقع وبين الواقع نفسه. ومن حيث التصنيف فهي تنتمي الى مرحلة
تاريخية سابقة ، الامر الذي يكشف عن سبب التباين.
ولدت تلك الأوصاف في مرحلة نهوض
الدولة الاسلامية ، حين كانت جيوشها تغزو البلدان ، فتتوسع الدولة وتنمو معها
علاقات المسلمين بغيرهم. كان ضروريا يومها تنظيم العلاقة بين القوة الكبرى
المنتصرة ورجالها الاقوياء ، وبين الافراد والمجتمعات الضعيفة التي خضعت لها رغبة
أو كرها. ضمن هذا الظرف الخاص ، كان مضمون هذه العبارات هو التأكيد على الولاية
السياسية ومسؤولية الدولة عن كل رعاياها ، كقاعدة عمل موازية لولاية الايمان ، التي
تشير الى تعاضد أهل الاسلام فيما بينهم.
مع مرور الزمن وهيمنة التفكير
الفقهي على الثقافة العامة ، تحول الانتماء الديني الى مضمون وحيد للرابطة
الاجتماعية. ومع ان فكرة الحماية والضمان ، بقيت مركزية في تحديد العلاقة مع غير
المسلم ، الا انه لم يعتبر شريكا متساويا في كافة الحقوق ، او "مواطنا"
بحسب المفهوم الحديث.
انتقلت هذه المقاربة الى الفقه
الاسلامي المعاصر. وتكفي نظرة سريعة على اي مما كتبه الفقهاء والكتاب الاسلاميون
المعاصرون حول الموضوع ، كي تكتشف المشكلة التي واجهوها ، حين ارادوا وضع تصور
يتلاءم مع الموروث الديني من جهة ، ومع المباديء السياسية والقانونية وحقوق
الانسان من جهة ثانية ، ومباديء العدالة من جهة ثالثة.
والحق انه لا مجال لتسوية الاشكال.
الدولة الحديثة تنتمي لعالم مفهومي مختلف عن ذلك الذي كان قائما في عصر الدولة
الاسلامية القديمة. اي انها موضوع مختلف ، لا يمكن فهمه وفق المنظور الفقهي القديم
، ولا التكييفات والاحكام التي استعملت فيه. علاقة الدولة الحديثة برعاياها قائمة
على مبدأ المواطنة ، الذي يعني تساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات ، أيا
كانت أديانهم وانتماءاتهم الاجتماعية. كل مواطن شريك في ملكية تراب وطنه. وهو
يستمد حقوقه المدنية من هذه الملكية ، وليس من انتمائه الديني. ومن هنا فليس في
عالم اليوم من يصح وصفه بالذمي والمستأمن. المواطن مواطن فقط وفقط.
بالنسبة لعامة الناس فان هذه
النتيجة لا تحمل اي جديد. لكني اردتها مناسبة لتنبيه أهل الفقه وطلابه الى التباين
القائم بين التفكير الموروث ، وبين واقع الحال في عالم اليوم. انها دعوة للتحرر من
المفاهيم القديمة ، التي ما عادت مفيدة او واقعية. دعوة لتوجيه الذهن الى العالم
الواقعي ، بدل حصره في عالم الاوراق والكتب القديمة.
دعا المفكر السياسي السعودي الدكتور توفيق السيف
حكومة بلاده إلى الإقرار بالتعددية المذهبية في المملكة وتجريم التمييز الطائفي
وتعزيز سيادة القانون وعدالة التمثيل في الجهاز الإداري والسياسي.
وأعرب في لقاء على قناة الجزيرة الفضائية أول من
أمس عن اعتقاده بأن "العقدة الرئيسية" التي تواجه المواطنين الشيعة في
المملكة تكمن في غياب الحقوق السياسية.
وضمن مشاركته في برنامج "في العمق" الذي
يقدمه علي الظفيري دعا السيف حكومة بلاده إلى اقامة حوار سياسي مع مواطنيها الشيعة
لتبديد ما وصفه "عملية تصنيع وإعادة إنتاج القلق" تجاه المطالب الشيعية.
وقال بأن الشيعة مستعدون لمناقشة جميع الخيارات
شريطة أن يجدوا أمامهم استعدادا وقبولا مماثلا من جانب الدولة على حد تعبيره.
وخاطب مسئولي الدولة بالقول "إذا كنتم مرتابين في مسألة سواء تعلقت بالمجتمع الشيعي ككل أو بأفراد منه فضعوها على الطاولة دعنا نناقشها لعلنا نستطيع أن نقتنع برأيكم أو لعلنا نستطيع أن نكشف لكم عن خطأ ما تقولون".
وانتقد السيف ما وصفه بالتسويف لدى مسئولي الدولة تجاه انهاء مشكلة التمييز الطائفي الذي يتعرض له المواطنين الشيعة.
وقال "لا زال كبار المسؤولين يرون أن هذه المطالب محقة ولكنها تحتاج إلى زمنونحن نعتقد أن هذا تسويف".
وأضاف بأن هناك طبقة تجد أن من مصلحتها استمرار التمييز ضد الشيعة بالتركيز على الوجه المذهبي للمواطن بدلا من الوجه الوطني.
ودعا الدكتور السيف الحكومة إلى التعاطي مع مواطنيها الشيعة كسائر المواطنين "لهم نفس الحقوق ويتمتعون بنفس الفرص.. ولا يعاملون كما لو كانوا أناسا مشكوكين أو مشبوهين أو مواطنين درجة ثانية".
وأضاف بأن المطلب الوحيد للشيعة السعوديين هو أن يعاملوا كمواطنين لهم حقوق متساوية وعليهم واجبات متساوية.
وقال "لا معنى أن الدولة السعودية على سبيل المثال خلال مائة سنة وصل فيها كلها سفير شيعي واحد إلى هذه المرتبة، لم يصل وزير يعني شيعي واحد إلى مرتبة الوزارة أو وكالة وزارة".
وطالب بأن يعامل الناس باعتبارهم مواطنين وبشرا بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم وانتماءاتهم القبلية.
وحول مدى التأثير الخارجي على السعوديين الشيعة اعتبر السيف أن الضغط والحرمان من الحقوق هي "المشكلة الأكبر" التي تدفع الناس لليأس وتوفر الفرصة للتأثيرات الخارجية.
وتساءل ضمن اللقاء الذي تنشره شبكة راصد الاخبارية في وقت لاحق؛ لماذا لا نحصن ترابنا الوطني حتى لا يكون قابلا لتأثير الخارج.
وتابع بأن المواطنين الشيعة في المملكة "يريدون أن يعيشوا بكرامة، أعطهم العيش الكريم، أعطهم حقوقهم، أرهم أنك تحتضنهم، وأنك قادر على أن تكون مظلتهم ولن يفكروا أو يستمعوا إلى أحد آخر".
وأضاف السيف بأن السعوديين الشيعة لا يريدون شيئا أكثر من أن يكونوا مواطنين بمواطنية كاملة بما هي منظومة حقوق وواجبات.
نص الحوار
عوامل الاحتقان بين الشيعة والسنة ومطالبات الشيعة
علي
الظفيري: ماذا يريد المواطنون الخليجيون الشيعة تحديدا في دولهم التي يتواجدون
بها؟
توفيق
السيف: أولا أشكركم لدعوتي لهذا المكان وأنا سعيد لكوني في خدمتكم وفي خدمة سماحة
الشيخ والسادة المشاهدين، كما أثني بالشكر أخينا الدكتور محسن العواجي على كلامه
الطيب وهو على أي حال أحد يعني يمثل وجها بارزا من الوجوه الساعية للإصلاح وتطوير
الخطاب السياسي في الإطار الديني السلفي في المملكة بالخصوص وهو حقا خطاب يحتاج
إلى تطوير ولعل موضوع العلاقة مع أطياف المجتمع القبلية والدينية هو أحد المفردات
الهامة التي يحتاج التيار السلفي إلى تطوير رؤاه حولها لأنه كان في الماضي لديه
مشكلات في هذا النوع على أي حال أحييه مرة أخرى. يعني نحن نتحدث عن الشيعة في ضمن
منظورين، الشيعة كمدرسة علمية ودينية هذه موجودة ولها أصولها ولها كتبها ولها
علماؤها وهي قديمة سواء تقبل بها أو لا تقبل هي موجودة ولها أتباع مثل سائر
المدارس هنالك الشافعية والحنبلية والحنفية وبقية المدارس يعني..
علي الظفيري
«مقاطعا»: الجانب..
توفيق
السيف: الجانب الثاني..
علي
الظفيري: المواطنة أو المواطن نفسه.
توفيق
السيف: نعم، الجانب الثاني في النقاش هو الشيعة كمجتمع يعني كمواطنين في دولهم
يعني السؤال الذي يرد إلى الذهن دائما ماذا تريد الحكومات أن تفعل مع مواطنيها
سواء كانوا شيعة أو سنة أو مسلمين أو مسيحيين أو أبناء قبيلة أو أبناء منطقة، هل
تريد أن تعاملهم كمواطنين أو تريد أن تعاملهم كأهل ذمة كمستأمنين حسب التعبير
الجديد - الخطأ في رأيي أيضا -؟ نحن نقول يجب أن يعامل الناس باعتبارهم مواطنين
باعتبارهم بشرا بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم وانتماءاتهم القبلية، لا يريد
الشيعة شيئا غير هذا، أن يعاملوا كمواطنين لهم حقوق متساوية وعليهم واجبات
متساوية، المساواة في الحقوق والواجبات هي المطلب الوحيد للشيعة على الأقل بالنسبة
للشيعة السعوديين وهذا ما أكدناه دائما وتحدثنا عنه وكتبنا عنه وطالب به الشيعة في
خطابات يعني رسمية ومعلنة وموجهة إلى أولي الأمر وإلى عامة الناس، لا يريد الشيعة
شيئا أكثر من أن يكونوا مواطنين بمواطنية كاملة، المواطنة بما هي منظومة حقوق
وواجبات.
علي
الظفيري: من يرفض ذلك ولماذا؟ أو من يقف حجر عثرة أمام تحقيق هذا الهدف المشروع
لكل مواطن؟
توفيق
السيف: لدينا مشكلة في يعني أتحدث عن المملكة العربية السعودية بشكل خاص، فكرة
المواطنة مبدأ غير ناضج يعني الناس يعني في الفكر الديني بالمناسبة بشكل عام يعني
عند الشيعة والسنة في السعودية وفي غيرها لا ينظر إلى الإنسان كمواطن بل ينظر إليه
كمكلف يعني مجموع السكان هم مجتمع مكلفين وليسوا مجتمع مواطنين، فكرة المواطنة هي
ليست فكرة تطورت في الإطار المعرفي الإسلامي أو العربي نحن استوردناها مثلما
استوردنا إطار الدولة الوطنية أو الدولة القومية نحاول اليوم تطويرها وجعلها أمرا
متفقا عليه..
علي الظفيري
«مقاطعا»: إذاً دكتور من هنا يعني المشكلة ليست مشكلة مقصورة بالشيعة وبالمجتمع
الشيعي هي مشكلة تمس كافة المواطنين..
توفيق
السيف: تماما صحيح نعم.
علي
الظفيري: ومن ضمنهم الشيعة ولكن لا يوجد ترصد أو استقصاد للشيعة.
توفيق
السيف: لا، الحقيقة هنالك يعني مشكلة متفرعة عن هذا لأن مبدأ المواطنة ليس هو
المعيار في العلاقة بين المجتمع والدولة وإنما معايير أخرى قبلية أو طائفية أو غير
ذلك ولأن الدولة تنظر إلى نفسها كرقم واحد ممثل لإقليم معين أو مذهب معين ورقم
اثنين ممثل لجميع السعوديين
لذلك نشأت طبقة لنقل أو شريحة ذات مصلحة في الحفاظ
على هذا التمايز يعني هم يسعون إلى التمييز ضد الشيعة والتركيز على أن الشيعة شيء
مختلف، التركيز على الوجه المذهبي للمواطن بدلا من الوجه الوطني للمواطن من أجل
الاستئثار بمصالح.
علي
الظفيري: شيخ علي مباشرة إلى النقطة التي ترتبط بالمواطنة وهذا يقال من رجل الشارع
إن هناك إشكالية انتماء خالص في الحالة الشيعية بمعنى هذه المرجعيات الدينية التي
تتواجد خارج الحدود الوطنية هي تؤثر على الشيعة وتؤثر في قرارهم السياسي
والاجتماعي والاقتصادي وما إلى ذلك، كيف يمكن أن يسعى إلى المواطنة أشخاص لا يقدمون
واجباتها بالكامل حسبما يثار؟
توفيق
السيف «مقاطعا»: حتى عفوا يعني بين الذين تحدثوا مثل الدكتور طبطبائي تحدث ومرجعه
هو المفتي العام في المملكة وسابقا كان الشيخ بن باز وهو تحدث عن هذا فهل هذا يخل
بكونه نائبا في البرلمان مثلا وطنيته كاملة؟
تطور الخطاب الشيعي وأخطاء السلوك الديني والسياسي
علي
الظفيري: دكتور توفيق قدتم نضالا طويلا تجاه.. يعني في قضية الحصول على الحقوق
التي تطالبون بها، في البداية يعني كان هناك القطع التام ربما مع الدولة والعمل
خارج.. خارج السعودية تحديدا بعد ذلك عادت الحركة وأصبح هناك نوع من التواصل
والحوار مع الدولة، الآن أظن مر أكثر من عقدين تقريبا، كيف تقيمون هذه التجربة، هل
تعتقد أن الخوض في حوار والعمل من الداخل هو الأجدى تجاه الحصول على الحقوق
الشيعية؟
توفيق
السيف: يعني بغض النظر عن جدواه نحن نعتقد بضرورة أن نكون ضمن هذا النظام يعني ضمن
النظام الاجتماعي السياسي الذي اسمه الوطن وفي هذا المجال لا أميز كثيرا بين أن
يكون الإنسان خارج البلد أو داخل البلد طالما هو ضمن المعادلة..
علي الظفيري
«مقاطعا»: كنتم خارج المعادلة في يوم من الأيام؟
توفيق
السيف: كنا خارج المعادلة نعم.
علي
الظفيري: ما هي التصورات في ذلك الوقت كانت؟
توفيق
السيف: يعني في ذلك الوقت لم يكن متاحا لنا أن نقول كلمة، حينما أتيحت أصبحنا في
الداخل..
علي
الظفيري: ماذا كانت تصوراتكم حينما كنتم خارج المعادلة حينما لم يكن يسمح لكم
بشيء؟
توفيق
السيف: يعني لنقل إن خطابنا تطور يعني كان خطاب قطيعة ثم أصبح خطاب بحث عن حلول
ويعني حينما ينضج الخطاب فعلا يتجه من الصدام والتركيز على نقاط الانفصال إلى
التركيز على نقاط الاتصال.
علي
الظفيري: ماذا تحقق دكتور من هذا التطور هذا النضج في الخطاب؟
توفيق
السيف: عفوا؟
علي
الظفيري: ماذا تحقق بعد أن تغير هذا الأمر وأصبحتم جزءا من المعادلة الوطنية؟
بمعنى حركة حقوقية حركة وطنية.
توفيق
السيف: يعني أبرز ما تحقق هو أن مساحة المقتنعين والمتفهمين لمطالبنا قد ازدادت
كثيرا ووجدنا في وسط الدولة أيضا يعني شريحة كبيرة جدا ممن يتقبل هذا الخطاب بغض
النظر عن نجاحنا في الوصول إلى ما نسعى إليه أم لا لكن يعني فيما مضى لم يكن أحد
يتقبل، الآن هنالك شريحة كبيرة تتقبل الخطاب ولا شك أن هذا يمهد لتغيرات في
المستقبل. ما سعينا إليه تحقق جزء منه يعني يختلف التقييم بعض الناس يرون ما تحقق
قليلا وبعضهم يرونه متوسطا أو كثيرا ولكن
لا تزال العقدة الرئيسية هي في الحقوق السياسية
يعني أن يعامل الناس الشيعة كما يعامل غيرهم أن يعتبروا مواطنين لهم نفس الحقوق
ويتمتعون بنفس الفرص يعني في الوظائف العامة وفي الحقوق العامة ويعني لا يعاملون
كما لو كانوا أناسا مشكوكين أو مشبوهين..
علي الظفيري: يعني في حالة
اتهام دائم.
توفيق
السيف: أو مواطنين درجة ثانية.
علي الظفيري: تعتقد أنه ما
زال القلق قائما من قبل السلطة السياسية تجاه المطالب الشيعية؟
توفيق
السيف: أعتقد هنالك عملية تصنيع وإعادة إنتاج للقلق يعني ليس عليها دليل ونحن
نطالب دائما بمناقشة الموضوعات نقول إذا كنتم مرتابين في مسألة سواء تعلقت
بالمجتمع الشيعي ككل أو بأفراد منه فضعوها على الطاولة دعنا نناقشها لعلنا نستطيع
أن نقتنع برأيكم أو لعلنا نستطيع أن نكشف لكم عن خطأ ما تقولون، لكن للأسف حتى
الآن القضايا الرئيسية لم توضع على الطاولة، لا زال يعني كبار المسؤولين يرون أن
هذه المطالب محقة ولكنها تحتاج إلى زمن ونحن نعتقد أن هذا تسويف.
حول البرنامج الوطني وبنية ومطالب الجماعات
والأحزاب السياسية
علي الظفيري: لماذا كل
المجموعات الشيعية مجموعات شيعية خالصة وصرفة وكل الحديث عن مطالب مذهبية؟
توفيق
السيف: يعني هذا يشبه تماما أن جميع يعني من وقع على مذكرة النصيحة مثلا هم سلفيون
ليس بينهم أحد من خارج الإطار السلفي تحديدا الحنبلي السلفي أو مثل أن الحركة
السلفية في الكويت ليس فيها أحد غير سلفي أو الإخوان المسلمون يعني في الكويت أو بقية
دول العالم ليس فيهم أحد شيعي على سبيل المثال أو من مذاهب أخرى، هذه مشكلة حقيقة
سببها أن مجتمعاتنا دولنا القومية تطورت بشكل عليل بشكل غير سليم، كان ينبغي أن
تسعى الدولة كما طورت إدارتها ونظامها السياسي أن تسعى إلى تطوير إجماع وطني،
الإجماع الوطني يعني صياغة المبادئ الأساسية التي يتفق الناس حولها بينهم وبين
زعمائهم أن يتفقوا على طريقة لحل مشكلاتهم هذه ستعطي مادة للقاء الناس بما هم
مواطنين بغض النظر عن انتمائهم لكن الدولة بدلا من ذلك أهملت هذا الموضوع ولم يشعر
المواطنون بوجود إطار يستطيعون من خلاله التعبير عن أنفسهم ومطالبهم فلجؤوا إلى
الانتماءات الطبيعية..
علي
الظفيري: الأولية.
توفيق
السيف: الأولية القبيلة والطائفة والمنطقة وما إلى ذلك، حينما لا يكون الحزب
السياسي مسموحا ولا يكون آمنا أن تكون عضوا في حزب سياسي فعليك أن يعني ستجد نفسك
مضطرا لأن تنتمي إلى جمع حتى تعرف نفسك حتى تحتمي وتعبر عن نفسك عند ذلك لا يوجد
بديل عن الطائفة والقبيلة والإقليم والمشيخة وما إلى ذلك، أظن أن هذه مسألة
اضطرارية ناتجة عن عيوب في النظام الاجتماعي والسياسي الذي قام في العالم العربي
ككل بالمناسبة وهي لا تختص بالشيعة وإنما هي سائدة في كل الجماعات.
تأثير الاستقطاب والخلافات السياسية والأولويات
المطلوبة لردم الهوة
علي الظفيري: نعم. دكتور توفيق ما مدى تأثير الخارج؟
هناك لدينا مركز، دولة إسلامية تمثل مركزا للشيعة ودولة أيضا مركز للسنة إذا مجازا
في المملكة العربية السعودية، حالة الاستقطاب والخلافات السياسية ما تأثيرها على
هذا الاستقرار والتعايش في دول الخليج؟
توفيق
السيف: يعني هو تأثير طبيعي، لا يمكن أن ننكر أن يعني الصراع بين الدول ينعكس
بصورة من الصور على دواخلها سواء كان الانعكاس على شكل جدل مذهبي أو على شكل جدل
سياسي وشهدناه في الأزمنة الماضية حينما يعني تصارعت السعودية مع مصر ومع سوريا
ومع العراق كانت يعني..
علي الظفيري
«مقاطعا»: لكن هنا بما أنه في استقطاب طائفي تحدث مشكلة أكبر.
توفيق
السيف: لا أعتقد أن المشكلة أكبر يعني في وقت اللي كانت المملكة في صراع مع مصر
حدثت انقلابات عسكرية أو محاولات انقلاب ولم يحدث هذا في هذا الزمن، لا أظن أن هذا
أخطر أو أكبر، هنالك دائما مشكلات لكن المشكلة الأكبر هي وضع السماد على التربة
حتى تستقبل هذه البذور يعني لماذا لا نحصن ترابنا الوطني حتى لا يكون قابلا لتأثير
الخارج؟ بعبارة أخرى حينما تضغط على الناس حينما تحرم الناس من حقوقهم حينما
تدفعهم إلى اليأس منك ومن دولتك فأنت يعني تعطي للآخر فرصة كي يستثمر،
الحل الصحيح والطريق الصحيح أن تجتذب الناس أن
تحسن إليهم أن تجعلهم يأملون فيك ويشعرون بالاقتراب منك وبالقناعة فيك وهذا دائما
ممكن يعني الأغلبية الساحقة من الجمهور يعني أناس يريدون أن يعيشوا بكرامة، يمكن
هنالك سياسي أو أكثر يسعون لأهداف سياسية لكن
الأغلبية الساحقة يريدون أن يعيشوا بكرامة، أعطهم
العيش الكريم أعطهم حقوقهم أرهم أنك تحتضنهم أنك قادر على أن تكون مظلتهم ولن
يفكروا أو يستمعوا إلى أحد آخر.
علي الظفيري
«مقاطعا»: برنامج عملي للخروج من هذه الفكرة تماما يعني في منطقة الخليج ومناطق
أخرى لكن في منطقة الخليج بشكل خاص، نريد أن نخرج من هذه القضية قضية شيعة سنة، ما
هو الذي يأتي على رأس الأولويات؟
توفيق
السيف: أنا أريد ثلاث مسائل فقط، الأولى أن يأتي كبار المسؤولين الملك ولي العهد
النائب الثاني هذه الطبقة أن يقولوا للناس بشكل علني إن بلادنا فيها شيعة وسنة
وصوفية وغير ذلك وكلهم مواطنون..
علي
الظفيري: «مقاطعا»: استقبلوا قادة الشيعة والتقوا معهم..
توفيق
السيف: أن يتحدثوا بلسانهم، أن يقولوا إن هؤلاء جميعهم مواطنون وإنه لا فرق بينهم
وإن الدولة تجرم أي تمييز..
علي
الظفيري: هذا واحد.
توفيق
السيف: الثاني إقرار سيادة القانون، سيادة القانون تعزز الدولة تحمي الدولة وتعطي
للمواطنين حقوقهم التي يريدونها بغض النظر عن مذاهبهم، الثالث الانفتاح الذي يتمثل
في التمثيل في الجهاز الإداري والسياسي يعني لا معنى أن الدولة السعودية على سبيل
المثال خلال مائة سنة وصل فيها كلها سفير شيعي واحد إلى هذه المرتبة، لم يصل وزير
يعني شيعي واحد إلى مرتبة الوزارة أو وكالة وزارة أو ما أشبه، هذا يعطي للناس أملا
في دولتهم ويعطي للدولة نافذة على هذه الشريحة من المواطنين يجعل الناس يرسل رسالة
إلى المتشددين في كل الأطراف بأن الحل في إطار القانون..
علي الظفيري
«مقاطعا»: ماذا بخصوص الشيعي دكتور أو الحالة الشيعية؟
توفيق
السيف: أنا كما..
علي
الظفيري: باختصار لو تكرمت.
توفيق
السيف: أنا أعلم من خلال معايشة فعلية أن الشيعة مستعدون لكل شيء كل شيء يعني كل
شيء تريده الدولة هم مستعدون له بشرط أن يجدوا أمامهم استعدادا وقبولا مماثلا من
جانب الدولة.
سواء استطعنا الفراغ من الجدالات المذهبية ، او عجزنا عن ذلك ، فاننا بحاجة الى الفصل بين هذا النوع من الاختلافات وبين العلاقة التي تفرضها علينا شراكة الوطن والمصالح . منذ زمن طويل وحتى سنوات قليلة مضت ، جرت عادة النخبة السياسية الخليجية على انكار – او على الاقل اغفال - التعدد القبلي والطائفي الذي لا تخلو منه اي دولة في الخليج كما في العالم كله . وفي ظني ان هذا الاغفال كان سببا مهما لتحول التعدد الطبيعي من عامل اغناء للحياة الثقافية والاجتماعية الى عامل انقسام مؤثر في الحياة السياسية نشهد بعض تأثيراته السلبية اليوم .
كان علينا منذ قيام النموذج الاول للدولة الخليجية ان نبادر بتعريف نظامنا السياسي : هل هو دولة اقلية ام دولة اكثرية ام دولة الجميع . هل نحن كتلة اجتماعية واحدة (في اطار قبيلة او طائفة) ام مجتمع متنوع . وهل ترتبط شرعية السلطة بتمثيلها لمصالح الجميع ام هي مستمدة من مصادر خارج الدائرة الاجتماعية . واخيرا هل هي دولة المجموع ام سلطة عليهم .
مثل هذه الاسئلة كانت قائمة ، لكنها بقيت محصورة بين النخبة الثقافية القليلة العدد والبعيدة عن التاثير في السياسة . اما في السنوات الاخيرة فقد تحولت تلك الاسئلة الى خلفية للكثير من النقاشات في كل ركن من اركان المجتمع الخليجي . وقد لا يكون من قبيل المبالغة الادعاء بان جميع النقاشات الدائرة حول الاصلاح السياسي ، والمشاركة الشعبية ، وحاكمية القانون ، والدور السياسي للدين ، ومشاركة النساء في الحياة السياسية ، بل وحتى تحديث الاقتصاد والتعليم ، هي اطراف لعقدة واحدة اسمها : غياب تعريف متفق عليه للنظام السياسي .
في هذه الايام فان جميع الناس ، الحاكمين والمحكومين ، يتفقون على القول بان النظام السياسي الامثل هو النظام الذي تتمثل فيه جميع الكتل الاجتماعية بعيوبها وهمومها ومصالحها وتطلعاتها واشخاصها. لكن بين الاعتقاد بافضلية هذا النظام وبين تحقيقه على ارض الواقع ثمة مسافة طويلة ، يجب علينا – مجتمعا ودولة – ان نتعاون في تقريبها . طريقنا الى ذلك النظام المأمول يمر عبر محطات ثقافية وسياسية وقانونية نستطيع بناءها الواحدة بعد الاخرى . واول تلك المحطات واهمها هو اعادة تعريف المواطنة . المواطن في كل بلد شريك في ملكية ذلك البلد ، شريك في ملكية التراب وما تحته وما فوقه. شريك في كل حبة تراب يقف عليها هو او غيره . شراكة متساوية في المغانم والمغارم ، في الفرص والمسؤوليات ، في الحاضر والمستقبل. شراكة التراب شراكة مادية حقيقية سابقة على كل انتماء الى دين او مذهب او قبيلة اوثقافة او جماعة.
ويترتب على هذه الشراكة حقوق للافراد والمجموعات ، يجب حمايتها بالقانون من اجل صيانة العلاقة التي تربط بين جميع الشركاء . وابرزها الحق في التعبير الحر عن الراي والمعتقد ، والحق في الانتماء والحق في المشاركة في كل شأن عام.
في ظني ان الجدل المذهبي لن ينتهي في المدى المنظور ، كما انه في الوقت نفسه لن ينجح في الوصول الى اي هدف من اهدافه ، وتكفينا تجربة خمسة قرون من الزمن لاكتشاف ان هذه الجدالات قد اساءت الى اخلاقنا واساءت الى مصالحنا واساءت الى ثقافتنا بما يزيد كثيرا على ذلك القدر من الانتصارات الوهمية التي كسبناها . ولهذا فلا يجب ان نعلق الاصلاح السياسي على الفراغ من هذا الجدل العقيم . بل يجب ان نقر بمجتمعنا كما هو : مجتمع متعدد مذهبيا واجتماعيا وثقافيا. وان نقر بان لكل اهل البلاد حقوقا طبيعية قائمة على كونهم شركاء متساوين بغض النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية والثقافية . يجب ان يعامل الشيعي باعتباره مواطنا اولا واخيرا ، ويجب ان يعامل السني باعتباره مواطنا اولا واخيرا ، وكذلك الامر بالنسبة للقبلي والحضري ، الاصيل والمتجنس ، يجب ان يعاملوا كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.
السبيل الوحيد لضمان الوحدة الوطنية هو احترام المجتمع كما هو ، بتنوعاته واختلافاته . كما ان سر الاستقرار السياسي يكمن في تمثيل جميع الكتل الاجتماعية في جهاز الدولة ولا سيما في الجزء الاعلى من الهرم السياسي . واظن ان من واجب الكتل الاجتماعية ان تكافح للحصول على مكان في قمة الهرم ، كما ان من واجب الدولة ان تساعدها للحصول على ذلك المكان . هذا ليس حقا اضافيا يمكن التنازل عنه ، بل هو ضرورة للسلام الاجتماعي والاستقرار.