‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحرية في الفقه. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحرية في الفقه. إظهار كافة الرسائل

01/07/2020

ملاحظات على حديث قصير – غريب


انه شريط فيديونشر الاسبوع الماضي على الانترنت ، شريط لا يصل طوله ثلاث دقائق ، يوجز الفارق بين حرية التفكير التي ينبغي ان تكون مطلقة ، وحرية الفعل والسلوك التي ينبغي ان تلتزم حدود القانون. ردود الفعل على هذا الشريط كشفت لي ان قيمة رفيعة مثل الحرية لازالت غريبة في ثقافتنا العامة. ولذا لا يبعد ان ترى اناسا يديرون رؤوسهم قائلين: ولكن الحرية مفهوم غير واضح .. فما هي الحرية التي تقصدها؟.
هذا القول مما ينطبق عليه عنوان "المضحك المبكي".. فمن الذي لايعرف معنى الحرية في هذا العالم ، لاسيما في هذا العصر؟.

لكن هذا يهون حين تقرأ لاستاذ جامعي بارز قولا فحواه ان حرية التفكير مثل حرية السلوك ، يجب ان تحكمها  قواعد. ويستدل على هذا بأن جماعة متعصبة مثل "داعش" انحرفت أولا على المستوى الذهني ، ثم تمظهر انحرافها في السلوك اليومي.
لقد لاحظت تكرار ا ان النقاش حول قيم عليا ، كالمساواة والحرية والنظام ، يستدرج سريعا نقائض متخيلة من زاويتين: زاوية تتعلق بتطبيق هذه القيم في الغرب. فكأن المعترض فهم ان الكلام عن المساواة مثلا ، هدفه تقليد نمط العيش الاوربي. وهذا بدوره يستدعي أزمة الهوية والعلاقة المتازمة بين المسلمين والحضارة الغربية. اما الزاوية الثانية ، فتتمثل في السؤال الأبدي المضمر ، الذي فحواه: اذا كانت المساواة قيمة طيبة فلم أمر الاسلام بخلافها ، واذا كانت الحرية امرا طيبا فلم نرى ان الدعوة اليها تأتي من الغرب ، بينما يعارضها المسلمون؟.  
أقول ان هذا سؤال مضمر. لأن الغالبية تدرك انه غير معقول. فعدم معرفتنا سابقا بهذه القيم ، او عدم اكتراثنا بها ، لايعني انها معيبة. انهم يدركون حقا انها قيم رفيعة ، لكنهم لايشعرون بالارتياح النفسي لها بذاتها ، كما لا يرتاحون لفكرة ان يتقبلوا دعوة قادمة من الغرب ، وكان بالامكان ان تأتي من داخل تراث المسلمين ، كي تكون امتدادا لنفس النسيج ، لاعضوا غريبا يجري اقحامه كيفما اتفق.
احتمل ايضا ان عدم ارتياحنا للحديث حول الحرية والمساواة وأمثالها من القيم ، مرجعه خوف دفين من فقدان النظام القيمي ، الذي نتخيل ان سنده الوحيد هو التوزيع الموروث للسلطة في المجتمع: الاباء والامهات بالنسبة لابنائهم والرجال على نسائهم وهكذا.
هذا الموقف مدعوم ثقافيا بكم ضخم من التوجيه الايديولوجي ، تلقيناه خلال الربع الاخير من القرن العشرين ، على يد الموجهين والاساتذة الذين تولوا دفة التعليم والثقافة في بلادنا. وقد استهدف هذا التوجيه بصورة متعمدة ، تأكيد النظام الابوي في المجتمع ، وتعزيز منظومة قيمية تستهدف عن قصد ، تعميق أوجه التناقض مع المجتمعات الصناعية. والمبرر في هذا هو خوف التأثر بالأمم الغالبة ، على النحو الذي قرره عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته الشهيرة.
اختتم هذه الملاحظات بالاشارة الى حاجتنا لتعميق معرفتنا بالقيم الرفيعة في حياة البشر ، مثل قيمة الحرية والمساواة والعدل وحقوق الانسان والتراحم والنظام ، وامثالهم ، وذلك بجعلها موضع نقاش لا يتوقف ، من اجل ان نعزز في أذهاننا وفي نفوسنا جميعا ، الاسس الكبرى التي تقوم عليها الحياة الانسانية الكريمة ، والعلاقات البناءة في داخل المجتمع ، وبين مجتمعنا ونظرائه. 
نحن بحاجة حقا الى هذا النقاش ، كي لا نتأخر عن مسيرة البشرية فوق ما تأخرنا حتى الآن.
الشرق الاوسط الأربعاء - 10 ذو القعدة 1441 هـ - 01 يوليو 2020 مـ رقم العدد [15191]

06/02/2019

الحرية في الفقه.. مشكلة المفهوم

||انفصال المعرفة الدينية عن تيارات الحداثة ، أبقى ثقافتنا العامة اسيرة للتراث القديم بلغته ومفاهيمه وطرق تعبيره الخاصة.||


النقاش حول مقالة الاسبوع الماضي ، لفت انتباهي الى غفلتنا عن التحول التاريخي للمفاهيم والمصطلحات وحتى المعاني الأولية للالفاظ. وذكرني هذا بقصة في بواكير دراستي لاصول الفقه ، قبل اربعة عقود تقريبا. فقد اطنب الاستاذ في شرح العلاقة بين اللفظ و المعنى والفرق بينهما ، وبين العام والمصطلح ، وبين المعنى الحقيقي والمجازي.. الخ.

لا اتذكر الآن مما تعلمته يومذاك ، سوى اشارات بقيت في الذهن ، من بينها تأكيد الاستاذ على ان "التبادر علامة الحقيقة". والمقصود بهذا القول ان لكل لفظ معنى حقيقي ، نعرفه اذا تبادر قبل غيره الى أذهاننا. ووفق ما تعلمته يومئذ فان المعنى الأول للفظ يبقى لصيقا به على الدوام.
ومرت السنين ، فتعلمت ان اللغة ليست كائنا مستقلا ، بل هي جزء من ثقافة المجتمع الذي يتحدثها ، وانها – خلافا لما تعلمته سابقا – لا تنتج المعاني. فالمجتمع هو الذي ينتج المعاني ، ويلصق بكل منها اللفظ الذي يراه قادرا على حمل المعنى وايصاله.
اما المعاني فهي التصوير الذهني لعناصر الواقع ، المادية مثل التعاملات ، والنظرية مثل الاخلاقيات والمعارف والجماليات والمثل والاعراف.

المعاني اذن هي ما نريد التعبير عنه حين نتحدث. اما اللفظ فهو وعاء المعنى او ظرف الرسالة. ونعلم ان الناس لا ياكلون الوعاء ، بل الطعام الذي فيه ، ولا يهتمون بالظرف الذي يحمل الرسالة ، بل بالرسالة التي في الظرف.
بعد هذا الاستطراد  اعود الى مقالة الاسبوع الماضي ، التي ذكرت فيها ان مفهوم الحرية في التراث الفقهي الاسلامي محدود في معنيين ، هما الاسر/السجن والرق/العبودية. فقد اثارت هذه الدعوى جدلا ، فحواه انها تنطوي على رجم للفقه وأهله بالقصور او التقصير.

Image result for ‫أشعيا برلين‬‎
ايزايا برلين
لكن صديقي المهندس فؤاد عسيري لفت انتباهي الى حقيقة غفلت عنها ، وخلاصتها ان مفهوم الحرية الذي نعرفه اليوم ، لم يكن متداولا في غابر الزمان. وقد ذكر المفكر البريطاني-الروسي  ايزايا برلين انه أحصى 200 تعريف للحرية ، يشير كل منها الى معنى متمايز عن نظيره. ذكر برلين هذا في محاضرة شهيرة جدا سنة 1958 عنوانها "مفهومان للحرية" وقد اصبحت نصا مرجعيا في التراث الفلسفي الخاص بالحرية. وفقا لهذا التعداد فان اكثر من ثلاثة ارباع تلك التعريفات/المعاني يرجع الى القرن السابع عشر وما بعده.

بعبارة اخرى فان معظم المعاني التي ينطوي عليها مفهوم الحرية ، لم تكن معروفة أو متداولة في الماضي ، بل تطورت وتبلورت في سياق التطور العام الذي مر به المجتمع الانساني خلال القرون الثلاثة الماضية.

هذا لا يعفينا – على اي حال – من الاشارة الاجمالية الى نقطتين مهمتين:

الاولى: ان اغفال البحث الفقهي لمفهوم الحرية الحديث ، ناتج – حسب ظني – عن اعتزاله لتيارات العلم والفلسفة الجديدة ، رغم سعة تأثيرها في حياة البشر جميعا ، المسلمين وغيرهم. الحرية من القيم المعيارية الكبرى ، وهي تشكل ارضية لشريحة واسعة من احكام الشريعة والقانون. ونعلم ان الزمان متغير اساسي في تشكيل موضوع الحكم الشرعي وأغراضه.

الثانية: ان انفصال المعرفة الدينية عن تيارات الحداثة ، أبقى ثقافتنا العامة اسيرة للتراث القديم بلغته ومفاهيمه وطرق تعبيره الخاصة. هذا احد الاسباب الذي تجعلنا نتعامل مع قيمة عظيمة مثل الحرية بشيء من الارتياب ، وتضطرنا لتبرير ارتيابنا بان معانيها ولدت او تطورت في الاطار المعرفي الغربي ، وندعي ان لدينا مفهوما مختلفا. وهذا بعيد عن الحقيقة. ولو كان لبان.

الشرق الاوسط الأربعاء - 1 جمادى الآخرة 1440 هـ - 06 فبراير 2019 مـ رقم العدد [14680]

30/01/2019

الحرية عند أهل الفقه



||مبدأ الحرية ، رغم وضوح مفهومه وتعدد تطبيقاته في القرآن الكريم ، لم ينل حظا من الاهتمام بين مفسري القرآن واهل العلم الشرعي ، القدامى والمحدثين||

للوهلة الأولى يتخيل الناس ان القمع المباشر هو الناقض الوحيد للحرية. بعبارة اخرى ، فانت تفقد حريتك حين يتسلط عليك من هو اقوى منك ، فيحرمك من فعل ما تريد. هذا يشبه تماما ان يدفعك احدهم الى داخل غرفة ، ثم يقفل الباب عليك.
لاشك ان هذا المثال تجسيد واضح لنقض الحرية. بل ربما يكون المعنى الأول الذي يتبادر للذهن. لأن المعاناة النفسية او الذهنية التي يختبرها الانسان ،  تترجم على شكل شعور بالاذلال او المهانة من جهة ، والمسكنة أو التصاغر من جهة ثانية.
في مثل هذه الحالة ، يصعب القطع بالعنصر الاكثر تأثيرا في نفس الانسان: هل هو فقدانه لحريته ، ام هو شعوره بالمهانة ام بالصغار. ونعلم ان كلا من هذه الحالات مختلف عن الآخر ، في طبيعته ومخرجاته. 

أردت بالشرح السابق الاجابة عن سؤال: لماذا لا يشعر معظم الناس بافتقارهم للحرية ، الا حين يواجهون قهرا ماديا ، او عنفا صريحا (مثل الاسر او الحصر). ومحور مجادلتي هي ان شعور الفرد في مثل هذا  الحال ، مركز على الاذلال او المسكنة ، وليس فقدان الحرية. لكنه يقرنه بتجسيد مادي يتمثل في حالة الاسر ، التي تساوي انعدام الحرية.
يميل البشر بطبعهم الى تصور المعاني المجردة او المشاعر الداخلية ، في اشكال مادية ، يظنونها مطابقة لما في نفوسهم. لأن الاحتفاظ بالمعاني والمشاعر في حالة التجريد المطلق ، يحتاج لطاقة ذهنية وروحية كبيرة جدا ، لا يطيقها غالبية الناس.

-         ما هي اهمية هذا الكلام ، وما الفائدة منه؟
لقد حاولت – مثل غيري – استنباط مفهوم للحرية من تراثنا الاسلامي ، قابل للمقارنة بنظيره المتعارف في الفلسفة السياسية المعاصرة. فما وجدت تصويرا واضحا للفكرة ، سوى ما ينصرف الى معنيين: معنى الأسر/السجن ، ومعنى الرق/العبودية.
وبدا لي ان مبدأ الحرية ، رغم وضوح مفهومه وتعدد تطبيقاته في القرآن الكريم ، لم ينل حظا من الاهتمام بين مفسري القرآن واهل العلم الشرعي ، القدامى والمحدثين. ولهذا السبب ربما ، لم يتحول الى مبدأ راسخ في ثقافتنا العامة ، لا سيما الجزء الموروث منها ، وهو الاعظم والاكثر تاثيرا.


لتوضيح المسألة سوف أضرب مثالا بواحد من المعاني ، التي ينصرف اليها مفهوم الحرية في الفلسفة الحديثة. وهو الحرية في معنى تعدد الخيارات المتاحة امام الانسان.
الفقه هو ابرز علوم الشريعة ، ليس فقط من حيث عدد المشتغلين به في الوسط الديني ، بل ايضا لأنه الاكثر التصاقا بحياة الناس اليومية. ولهذا فليس مستغربا ان تجد الفهم الفقهي للدين ، هو السائد في مجامع العلم الشرعي وبين عامة الناس على حد سواء. وهذا ما يجعله النموذج الثابت للمقارنة بين الاسلام والاديان الاخرى ، او بينه وبين القانون الوضعي.

حيثما بحثت في علم الفقه ستجد ان مفهوم الحرية مفقود او منتقص. لا يعترف الفقه بالتنوع الديني والاجتماعي ، ولا يعترف بحق الاختيار ، كما لا يقر بحرية الاعتقاد والتعبير. ولهذا تجد ان النخبة الدينية ، تنكر دون تحفظ ، مشروعية الافهام والتفسيرات والاجتهادات الجديدة للنص الديني.  لأنها تتعارض مع مايرونه صورة وحيدة للحق. بعبارة اخرى فان الملتزمين بتقاليد المدرسة الفقهية ينكرون الحرية في الجوهر. لكنهم لايرون هذا الانكار معارضا لروح الدين والقيم العليا. لأن مفهوم الحرية السائد بينهم ، لايساوي تعدد الخيارات. ولان نقض الحرية المتعارف عندهم ينصرف الى صورة وحيدة هي الاذلال والقهر المادي.

الشرق الاوسط الأربعاء - 24 جمادى الأولى 1440 هـ - 30 يناير 2019 مـ رقم العدد [14673]
https://aawsat.com/node/1567676/

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...