‏إظهار الرسائل ذات التسميات ideal type. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ideal type. إظهار كافة الرسائل

12/12/2018

حول الخمول والثبات على الاصول

||الجهل صفة للمجتمعات التي يغلب عليها الخمول الثقافي، اي ألفة الموروث الى حد اعتباره معيارا يقاس عليه كل جديد في الفكر والحياة||
لطالما توقفت عند طروحات استاذنا ابراهيم البليهي ، لا سيما تلك التي يجادل فيها حول قابلية الجهل للتعميم ، والانتقال عبر الاجيال. ينبغي القول ابتداء ان الجهل المقصود هنا ليس الانعدام التام للمعرفة. فمن المستبعد جدا ان يخلو عقل بشري من معرفة ، قليلة او كثيرة. المقصود هو هيمنة الثقافة السكونية التي تعطل فاعلية العقل ، فتجرد الانسان من الاداة الوحيدة التي تمكنه من اكتشاف ذاته ككينونة مستقلة ، مؤهلة لصياغة عالمها الخاص. اكتشاف الذات المستقلة تمهيد ضروري لتحول الفرد من كائن منفعل ، الى عقل متفاعل مع العوالم التي يصنعها الاخرون.
وفقا لهذه الرؤية ، فان الجهل صفة للمجتمعات التي يغلب عليها الخمول الثقافي ، اي ألفة الموروث الى حد اعتباره ، في الجملة والتفصيل ، معيارا يقاس عليه كل جديد في الفكر والحياة.
ينبغي ان لا يؤخذ هذا الوصف كتقرير عن الواقع. انه أقرب الى صورة الواقع في حدوده القصوى ، او ال Ideal Type وفق تعبير ماكس فيبر. وغرضه هو ايضاح فكرة الماضوية والارتياب في المستقبل.
من ناحية أخرى فان جدلية الثبات والتحول ، لا ينبغي ان تفهم كانكار مطلق لقيمة الماضي وفائدة الموروث. يتركز الانكار على "حاكمية الماضي على الحاضر والمستقبل" اي اعتبار الماضي مصدرا وحيدا او رئيسيا للمعارف والمعايير والاعراف والاخلاقيات. نقرر هذا ، نظرا لان جانبا مهما من قدرتنا على التعامل مع الواقع ، بل وقدرتنا على تبديله أو اصلاحه ، هي ثمرة لتجارب الاجيال التي سبقتنا والمعارف التي ابدعوها ، فجعلت عالمنا اكثر وضوحا ، وجعلتنا اقدر على التعامل مع تحدياته.
بالنسبة للانسان الحديث ، فان الماضي كان مفيدا وقيما مثل الحاضر. لكن هذه القيمة نسبية ومرهونة للعوامل التي شكلت ظرف ولادتها. بعبارة أخرى فان كلا الزمنين يعرف كظرف ثقافي لعمل الانسان ، وليس قيدا عليه او نهاية لنشاطه الذهني والحياتي. الانسان الذي صنع الماضي واعطاه قيمته ، هو ذات الانسان الذي يصنع الحاضر ويعطيه قيمته ، وهو ذاته الذي سيعبر من حدوده الى مستقبل مختلف.
التفكير في الزمن كظرف تجربة ، أو محطة عمل للانسان ، هو - على الأرجح - أبرز أركان الحداثة. ولهذا قيل ان جوهر التمايز بين عصر التقاليد وعصر الحداثة ، يكمن في تعظيم قيمة الانسان الفرد ، وتحريضه على اكتشاف قابلياته الذهنية ودوره كفاعل عاقل ومستقل ، قادر على صنع التغيير او المشاركة في صنع التغيير. ان "انسانية" الثقافة والنظام الاجتماعي لا تقاس بملاينتها للافراد او عطفها عليهم ، بل بالمدى الذي تتيحه والفرص التي توفرها ، لانعتاق الفرد من قيود الطبيعة وحدود الجماعة وما الفته من ثقافة وأخلاقيات عمل.
تميل الثقافات الخاملة الى كبح الافكار الجديدة ، إذ ترى فيها بدعا مثيرة للارتياب. وهي ترتاب فيها حتى قبل تمحيصها وتجريبها. يكفي ان تكون الفكرة الجديدة معارضة للموروث والمألوف ، كي ترمى بكل عيب. أما الثقافات النشطة فهي تنظر للافكار الجديدة كفرص إضافية ، ربما تصيب وربما تخيب. لكن تجربة البشر خلال التاريخ برهنت على أن العديد من الافكار التي قوبلت – عند ظهورها - بالانكار أو الارتياب او حتى عدم الاكتراث ، أثبتت لاحقا انها كانت مفتاح العالم الجديد.
تخبرنا تجربة التاريخ البشري ان الموقف من التغيير ودعاته ، هو الذي يضع الأمم على سكة التقدم او – على العكس – يلقي بها في هامش التاريخ.
الشرق الاوسط الأربعاء - 4 شهر ربيع الثاني 1440 هـ - 12 ديسمبر 2018 مـ رقم العدد [14624]
https://aawsat.com/node/1500811

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...