يميل الخطاب الرسمي الى تفسير تمرد الشباب كنتيجة
لعجز ذهني. وهو يعبر عن هذا المعنى من خلال القول بانهم وقعوا ضحية التغرير من
جانب اخرين. ويقصد بهؤلاء – عادة – المجموعات الايديولوجية او الحركية.
هذا التفسير يغفل حقائق اجتماعية بسيطة ، ابرزها
التحولات الحياتية التي تسهم في تشكيل هوية الجيل الجديد على نحو مختلف عن الاجيال
السابقة ، من حيث الهموم والتطلعات وفهم العالم. تطلع الشباب لحياة جديدة ، هو في
العمق بحث عن ذات مباينة ومستقلة ، بحث عن
فرصة لتحقيق عالم خاص يبنيه بيديه ، كي يجسد همومه الخاصة واهتماماته.
في المجتمعات التقليدية يفسر هذا المسعى كتمرد يبرر
الكبح والمواجهة. ان حرص الكبار على استمرارية النظام الاجتماعي ، يتساوى تقريبا
مع استهانة الشباب بفائدته. يعرف الاجتماعيون ان الفرد في سن الشباب أقل اكتراثا بالأعراف
ونظم القيم السائدة ، وأكثر ميلا إلى المثاليات المجردة ، كما أن تقديره للعواقب
منخفض ، فهو لا يرى في أفكاره وطموحاته ، غير نتائجها الجميلة ، دون الثمن الواجب
دفعه لبلوغها ، أو العقبات التي تحول دون الوصول إليها. وحين يواجه عقبة ما ، فان
عجزه عن تجاوزها ، ينقلب الى نقمة على النظام الاجتماعي الذي يظنه سببا فيها. ولسوء
الحظ فان المجتمعات العربية تحفل بالكثير من اسباب النقمة ، فالأزمات الاقتصادية
والانسداد على المستوى السياسي ، تمثل كلها أسبابا لفشل الشباب في تحقيق طموحاتهم
، وشعورهم ـ اللاحق ـ بالاحباط تجاه النظام الاجتماعي.
عجز المجتمع عن تطوير الاطارات المناسبة لاستيعاب
حاجات الاجيال الجديدة ، يوفر ارضية مناسبة لعمل الجماعات الايديولوجية والسياسية ،
الساعية للاستحواذ على مصادر القوة. تعمل هذه الجماعات على تأجيج نزوع الأفراد إلى
التعبير عن أنفسهم ضمن المجال الأوسع ، ثم تستقطبهم إلى دائرتها ، فتشكل ـ عندئذ ـ
البديل الضروري لإشباع نزعة التوافق الاجتماعي الكامنة في كل إنسان. العلاقات
المتينة بين اعضاء الجماعة المتمردة تسهل تحويل نزعة التوافق الفطرية عند الفرد ،
من المجتمع العام إليها. توفر الجماعات السياسية إطارا مناسبا للتعبير عن الرغبة
التي تجتاح الشباب في الحصول على مكان ، تقتضي سنة الحياة وضرورات النظام القائم
في الكون ، أن يكون على حساب التراتب الاجتماعي السائد.
ومن هنا فان الطريقة التي يتعامل بها المجتمع مع
أجياله الجديدة ، تقرر إلى حد كبير ، مكان هذه الأجيال: ضمن قوى البناء والتجديد في المجتمع ، أو ضمن
قوى الفتنة. ولكي نضمن السلامة وحسن استثمار الطاقة الكبيرة التي ينطوي عليها
الشباب ، فلا بد من فسح المجال أمامهم كي يلعبوا الدور الذي يستوعب طموحاتهم
ويتناسب مع قدراتهم ، فوق منحهم حرية التعبير عن ذواتهم وعناصر تميزهم ، ولو على
حساب الجيل السابق.
الاقتصادية 4 مارس 2014 http://www.aleqt.com/2014/03/04/article_830240.html