مقدمة الكتاب
ما ظننت المجتمع
السعودي يعج بهذا الكم الهائل من الاسئلة قبل الاجتياح العراقي للكويت في اغسطس 1990. وما ظننت ان تبقى تلك الاسئلة
دائرة حول نفسها سنوات وسنوات حتى رأيت ما جرى بعد هجوم تنظيم "القاعدة"
على نيويورك في سبتمبر 2001.
حين أتامل اليوم في
المسائل التي يدور حولها جدل الصحافة المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي على
الانترنت ، اجد انها ذاتها المسائل التي اهلكناها جدالا خلال ربع القرن المنصرم.
ومع ذلك فلا زلنا ندور حول نقاط البداية نفسها ، وكأننا ما تحدثنا ولا ناقشنا ، او
كأننا ندير حوار طرشان ، يقول كل منا ما يشتهي ، فيسمع الاخر فكرة مختلفة ، فيعود
الاول الى تكرار ما قال ، فيستعيد الاخر ما كان يود ان يسمعه.
نقاشاتنا لم تؤد الى
تطوير الاسئلة ، ولا هي اوصلتنا الى اي جواب. في 2013 قررت وزارة العمل
معالجة البطالة المستفحلة بتحميل المشكلة على القطاع الخاص ضمن البرنامج الذي اطلق
عليه اسم "نطاقات". مشكلة البطالة لم تبدا اليوم بل كانت واضحة منذ
العام 1983وقد اثارت في وقتها نقاشات لم تتوقف حتى اليوم. وفي ذلك العام ايضا حاولت النساء اقناع الحكومة
برفع الحظر المفروض على حقهن في قيادة السيارة ، ونعلم ان المطالبة العلنية بهذا
الحق بدأ في نوفمبر 1990 في اطار المظاهرة النسائية المشهورة. لا زلنا
ايضا في العام 2014 نناقش الاسباب التي تدعو شبابنا للالتحاق
بالتنظيمات المتطرفة مثل "القاعدة" و "داعش" واخواتها ، مع ان
القاعدة ظهرت ونفذت العديد من العمليات الارهابية في المملكة في 1995.
ومنذ ذلك الوقت اريقت براميل من الحبر وسمع الناس مئات الساعات من الخطب حول هذه
القضية. هذا الكلام عينه يقال عن قضايا التعليم والاصلاح الاداري والقضاء والخدمات
العامة وتعزيز الهوية الوطنية وارساء سيادة القانون وعشرات من القضايا الاخرى.
استطيع الادعاء ان كل
القضايا المطروحة في المجال العام اليوم ، كانت كذلك قبل عقد من الزمن او عقدين او
اكثر. واستطيع الادعاء اننا ما نزال في نفس دائرة الجدل التي كانت قبل عقد او
عقدين ، اي اننا لم نقترب في الواقع الى اي حل او تصور عن حل. ولا استبعد ان نعود
بعد عشر سنين او عشرين سنة لنجد انفسنا في نفس الدائرة ، ندور حول نفس النقاط ،
وكاننا ما زلنا في ثمانينات القرن العشرين او تسعيناته.
نحن ببساطة مجتمع يتسلى بالجدل حول القضايا الحرجة ، وطبيعة التسلية انها
قصيرة الامد ، تظهر ثم تكبر فتثير الجدل ثم يظهر غيرها فينشغل الناس بالمسألة
الجديدة ، وهكذا. ثم تمر سنين وتعود الازمات غير المحلولة فنتذكر انها اثارت
النقاش في وقت سابق ، لكنها تعود – من جديد – الى نفس الدائرة ، وتبقى دون حل.
ولهذا السبب فلا زلنا نناقش مسائل انتهى العالم منها وطواها قبل عقود.
اعلم ان القرار ليس
بيد الناس ، وان صوتهم غير مسموع بالقدر الكافي. وهم – لهذا السبب – معذورون ان
عادوا لمناقشة ما فرغت منه المجتمعات الاخرى ، فكل شيء معلق على رف الانتظار. اظن
ان ضعف الثقافة السياسية وانعدام الاطار القانوني الذي ينظم المجتمع المدني ،
وبالتالي عدم وجود منظمات مجتمع مدني فاعلة، اضافة الى هيمنة رأي واحد وما يعانيه
اصحاب الرأي المختلف من عسر وتضييق ، كل هذه الاسباب تقف وراء الحالة التي وصفتها.
لكننا مع ذلك بحاجة الى مواصلة النقاش ، حتى لو كان الامل في تأثيره ضئيلا. بحاجة
الى تعميق النقاش وتفصيح الاسئلة ودعوة جيل الشباب خصوصا الى المشاركة في هذه
النقاشات ، فليس امامنا طريق آخر غير ان نواصل التمسك بالوعي والدعوة للوعي وتعميق
الوعي.
يضم هذا الكتاب
مقالات كتبت ونشرت في اوقات مختلفة ، تحاول جميعها تفصيح الاسئلة التي تثير الجدل
واقتراح مسارات للجدل ، على أمل ان تسهم في تعميق الوعي بقضايا الشأن العام
الرئيسية. ليس هدف هذه الكتابة تقرير حلول او اقتراح حلول ، فغاية ما تريده هو
تفصيح النقاش وتعميقه.
للقراءة براحة اكبر ، اضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق