لو جاء رجل غريب الى بلادنا واطلع على ما يقال ويكتب حول اوضاع المجتمع لظن ان السعوديين على وشك ان ينقلبوا كفارا. لا يمر اسبوع دون ان نسمع او نقرأ تحذيرات عن انفلات اخلاقي او هجر للدين الحنيف او مؤامرات داخلية وخارجية تستهدف افساد الشباب.
لكن هذا ليس سوى نصف القصة. بقية القصة تقول ان من يبالغون في تصوير الاثم في المجتمع ، يشيرون ضمنا الى فشلهم هم ، الى فشل خطابهم وفشل ثقافتهم.
يصل عدد المساجد في المملكة الى 72 الفا. وتدير هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر 470 مكتبا في انحاء المملكة يشغلها قرابة 5000 موظف. وفي العام 2010 كان في البلاد مايزيد قليلا عن 25 الف حلقة تحفيظ قرآن ، تستوعب 515 ألف طالب في كل عام ، ويعمل فيها 26,500 معلم وموظف ، عدا 2077 مدرسة تحفيظ متخصصة تدقريرها زارة التربية. ونعلم ان جميع المدارس العامة تخصص نحو 15 بالمائة من جهد التعليم للثقافة الدينية . وذكر تقرير لوزارة الاوقاف انها اقامت ما يزيد عن 8 ملايين منشط دعوي في عام واحد. اضف الى ذلك نحو 60 ساعة بث اذاعي وتلفزيوني يوميا مخصصة للبرامج الدينية.
هذه النشاطات الدعوية تستهدف كما هو واضح اقناع الناس بالمحافظة على دينهم والالتزام بتعاليمه. وهي تجري دون توقف في جميع ايام السنة . بكلمة اخرى فان اي شاب سعودي وصل سن الخامسة والعشرين يكون قد تعرض للتثقيف الديني المباشر او الضمني بنسبة لا تقل عن ساعة يوميا طوال عشرين سنة من حياته . فهل يعقل ان يثمر كل هذا عن شخص منفلت او معاد للدين او سريع الاستجابة لدعاة الشيطان؟.
من ينادي بهذه الدعوى فهو يقول ضمنا ان تلك النشاطات الضخمة فارغة وفاشلة ، وان وجودها مثل عدمها. فهل نقبل هذه النتيجة؟.
اظن ان "تيار التخويف" يعلم جيدا ان مجتمعنا ليس بيئة اثمة. اظنهم يعلمون ان شبابنا ليسوا فرائس الشيطان. لكن التخويف تحول الى بضاعة رابحة لهم. يعرف السياسيون ان التخويف من المجهول اقوى وسيلة للسيطرة على قلوب الناس. ولهذا فاني ادعو "تيار التخويف" هذا للحديث بصراحة عما يريدون ، بدل اللعب على اوتار العاطفة الانسانية. فليقولوا بصراحة انهم يسعون وراء النفوذ الاجتماعي. سيقبل بهم بعض الناس وسيرفضهم اخرون. وهذا هو منطق الامور. هذا خير من تمزيق المجتمع وبث الريبة في اوساطه.
ايها الساعون للنفوذ لا تتوسلوا بعباءة الدين ، دعوا ديننا في مكانه الرفيع وابتكروا وسيلة اخرى ، او صارحو الناس بما تريدون وكفى.
الاقتصادية 31 يوليو 2012
http://www.aleqt.com/2012/07/31/article_679075.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق