04/03/2014

نقد مقولة "التغرير"


يميل الخطاب الرسمي الى تفسير تمرد الشباب كنتيجة لعجز ذهني. وهو يعبر عن هذا المعنى من خلال القول بانهم وقعوا ضحية التغرير من جانب اخرين. ويقصد بهؤلاء – عادة – المجموعات الايديولوجية او الحركية.
هذا التفسير يغفل حقائق اجتماعية بسيطة ، ابرزها التحولات الحياتية التي تسهم في تشكيل هوية الجيل الجديد على نحو مختلف عن الاجيال السابقة ، من حيث الهموم والتطلعات وفهم العالم. تطلع الشباب لحياة جديدة ، هو في العمق بحث عن ذات مباينة ومستقلة ،  بحث عن فرصة لتحقيق عالم خاص يبنيه بيديه ، كي يجسد همومه الخاصة واهتماماته.
في المجتمعات التقليدية يفسر هذا المسعى كتمرد يبرر الكبح والمواجهة. ان حرص الكبار على استمرارية النظام الاجتماعي ، يتساوى تقريبا مع استهانة الشباب بفائدته. يعرف الاجتماعيون ان الفرد في سن الشباب أقل اكتراثا بالأعراف ونظم القيم السائدة ، وأكثر ميلا إلى المثاليات المجردة ، كما أن تقديره للعواقب منخفض ، فهو لا يرى في أفكاره وطموحاته ، غير نتائجها الجميلة ، دون الثمن الواجب دفعه لبلوغها ، أو العقبات التي تحول دون الوصول إليها. وحين يواجه عقبة ما ، فان عجزه عن تجاوزها ، ينقلب الى نقمة على النظام الاجتماعي الذي يظنه سببا فيها. ولسوء الحظ فان المجتمعات العربية تحفل بالكثير من اسباب النقمة ، فالأزمات الاقتصادية والانسداد على المستوى السياسي ، تمثل كلها أسبابا لفشل الشباب في تحقيق طموحاتهم ، وشعورهم ـ اللاحق ـ بالاحباط تجاه النظام الاجتماعي.
عجز المجتمع عن تطوير الاطارات المناسبة لاستيعاب حاجات الاجيال الجديدة ، يوفر ارضية مناسبة لعمل الجماعات الايديولوجية والسياسية ، الساعية للاستحواذ على مصادر القوة. تعمل هذه الجماعات على تأجيج نزوع الأفراد إلى التعبير عن أنفسهم ضمن المجال الأوسع ، ثم تستقطبهم إلى دائرتها ، فتشكل ـ عندئذ ـ البديل الضروري لإشباع نزعة التوافق الاجتماعي الكامنة في كل إنسان. العلاقات المتينة بين اعضاء الجماعة المتمردة تسهل تحويل نزعة التوافق الفطرية عند الفرد ، من المجتمع العام إليها. توفر الجماعات السياسية إطارا مناسبا للتعبير عن الرغبة التي تجتاح الشباب في الحصول على مكان ، تقتضي سنة الحياة وضرورات النظام القائم في الكون ، أن يكون على حساب التراتب الاجتماعي السائد.
ومن هنا فان الطريقة التي يتعامل بها المجتمع مع أجياله الجديدة ، تقرر إلى حد كبير ، مكان هذه الأجيال:  ضمن قوى البناء والتجديد في المجتمع ، أو ضمن قوى الفتنة. ولكي نضمن السلامة وحسن استثمار الطاقة الكبيرة التي ينطوي عليها الشباب ، فلا بد من فسح المجال أمامهم كي يلعبوا الدور الذي يستوعب طموحاتهم ويتناسب مع قدراتهم ، فوق منحهم حرية التعبير عن ذواتهم وعناصر تميزهم ، ولو على حساب الجيل السابق.

الاقتصادية 4 مارس 2014   http://www.aleqt.com/2014/03/04/article_830240.html

مقالات ذات علاقة

·         تجارة الخوف
·         تجريم الكراهية
·         طريق التقاليد
·         فلان المتشدد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...