‏إظهار الرسائل ذات التسميات ولي العهد الامير محمد بن سلمان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ولي العهد الامير محمد بن سلمان. إظهار كافة الرسائل

09/03/2022

في العلاقة الاشكالية بين الدين بالدولة

 

الحوار المطول الذي اجرته مجلة "اتلانتيك" الامريكية مع صاحب السمو الملكي ولي العهد حفظه الله ، طرق العديد من القضايا التي طالما أثارت الجدل في الصحافة الدولية وفي المجتمع. وتضمن مسائل من قبيل العلاقة بين الدين والدولة ، الحريات الفردية ، النموذج التنموي ، العلاقة مع الولايات المتحدة .. الخ. تعدد الموضوعات يتيح الفرصة لأشخاص من مشارب مختلفة ، كي يجدوا ما يجذب اهتمامهم.

بالنسبة لي فان الحوار في مجمله مهم ومفيد. لكن الموضوع الذي يثير اهتمامي أكثر من غيره ، هو ذلك المتصل بالتعددية الدينية والخطاب الديني الرسمي.

دعني أوضح أولا اني ادعو الى فصل تام بين الدولة والمؤسسة الدينية. هناك بطبيعة الحال هيئات حكومية ذات صلة بالدين ، ضمنية او صريحة ، نظير القضاء والاوقاف ورعاية الحرمين الشريفين والمساجد. دور الدولة في هذا المجال ، ينبغي ان يقتصر على الدعم والتنظيم فحسب. اما بالنسبة للقضاء ، فاني ارى ان يتحول تدريجيا الى قضاء مدني. وهذا يشمل حتى المجالات التي تتعلق بها مسائل وأحكام فقهية ، نظير الاحوال الشخصية والأوقاف ، فان الاحكام الشرعية المتصلة بها ، ينبغي ان توضع في قانون مكتوب ، كما هو الحال في غالب الدول الاسلامية ، بما فيها تلك التي تضم مذاهب متعددة كالعراق وايران والبحرين وغيرها.

فيما يخص التعددية الدينية ، فان تجربة العالم المعاصر ، توضح بجلاء ان الاحادية الثقافية والدينية قد باتت جزء من الماضي. الدول المتقدمة جميعا ، تتبنى النظام التعددي ، الذي يسمح لكافة الاديان والمذاهب والثقافات بالوجود والازدهار ، ويسمح لأتباعها بالتعبير عن قناعاتهم الخاصة في العلن ، في اطار القانون وتحت حمايته. وقد انعكس هذا على المؤسسات الدينية في تلك البلاد ، فأمست اكثر قناعة بالحوار والتفاهم ونبذ الميول الصدامية.

ان تيار الاصلاح الديني لا يملك فرصة النجاح ، الا اذا تبنى القيم الأساسية للحداثة ، وأبرزها احترام الحريات الفردية لاسيما حرية الاعتقاد والعبادة ، واحترام العلم الحديث ، وتقبل النقد الذاتي والنقد العلمي ، بل واعتباره منهجا لازما لتطوير المقومات النظرية والمواقف. وفي اعتقادي ان هذه الاعمدة الثلاثة (احترام الحريات الفردية ، احترام العلم ، وتقبل النقد) لا يمكن ان تنهض طالما واصلت المؤسسة الدينية استخدام سلطة الدولة.

لا تحتاج الدولة الى "خطاب ديني رسمي" ولا تحتاج الى "مؤسسة دينية رسمية". ان الخطاب الديني الرسمي يستدعي – بالضرورة - تبني اجتهاد محدد واقصاء الاجتهادات الموازية. اقصاء الاجتهادات الاخرى يجعل الدولة في الجانب المقابل لبعض مواطنيها. وهذا خلاف لمبدأ حاكمية القانون.

الأصل ان يكون القانون عاما ، ينطبق على الجميع بنفس القدر وبنفس المعايير. فهل تطبق احكام دينك على من لا يؤمن به ولا يقبله؟ وهل يصح له ان يفرض عليك ما لا تقبله ولا تؤمن به؟. انت ترى دينك صحيحا ، وهو يرى دينه أصح.. فهل نسمح له بالزامك ، ام نسمح لك بالزامه؟

ان جوهر مبدأ المواطنة هو المساواة امام القانون. وهذا يقتضي ان تكون الدولة للجميع ، مع الجميع وبهم ، باعتبارها الجهة التي تطبق القانون. وهذا يستدعي تحييد الدين ، والحيلولة دون تحوله الى حاجز بين الدولة والمجتمع او جزء منه.

كان مجتمعنا على الدوام متعددا متنوعا. وكان على الدوام ثريا بهذا التنوع ، في تجربته الحياتية وفي تاريخه وثقافته. لقد انزلقنا – فترة من الزمن – الى الاحادية ، وقد حان الوقت للتحرر من اعبائها ، كي نعيش حياة تعكس قناعاتنا ، وليس – بالضرورة – قناعات الاجداد.

الشرق الاوسط الأربعاء - 6 شعبان 1443 هـ - 09 مارس 2022 مـ رقم العدد [15807]

https://aawsat.com/node/3519636/

مقالات ذات صلة

الإخوان .. خطاب بديل

أن تزداد إيماناً وتزداد تخلفاً

جدل الدولة المدنية ، ام جدل الحرية

حول الفصل بين الدين والعلم

حول تطوير الفهم الديني للعالم

خاتمي وفكرة توطين الديمقراطية

الديمقراطية في بلد مسلم- الفصل الاول

 الـدين والمعـرفة الدينـية

العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل

العلمانية بين فريقين

العلمانية على الطريق

في تعريف الإسلامية

مثال على طبيعة التداخل بين الدين والعلم

نقد التجربة الدينية

هل تتلاءم الثقافة الإسلامية مع الديموقراطية؟

12/05/2021

من الراي الواحد الى التعددية الدينية

 

حديث صاحب السمو ولي العهد في منتصف رمضان ، حول الاعتدال والاجتهاد المستمر والمتجدد ، لفت أنظار المهتمين ، حتى أن بعضهم عده "غير مسبوق".

نعلم ان هذه الأقوال او نظائرها ، قد تكررت على ألسنة كبار المسؤولين في السنوات الماضية. لكن الصراحة تقتضي القول بانها اعتبرت يومذاك نوعا من الديباجات الرسمية ، التي تقال في سياق اعتذاري او دفاعي ، ردا على النقد الذي وجه للايديولوجيا الرسمية في الاعلام الخارجي. كان الكلام المتعارف فيما سبق ، يصر على ان المنهج الديني الرسمي ، مثال على الوسطية والاعتدال ، وكان الجميع يرى في الواقع شيئا آخر.

هذا احد الأسباب المهمة التي جعلت حديث ولي العهد ، ملفتا جدا للمهتمين بالمسار الثقافي/الديني ، فقد رأوه مختلفا عما قيل في الماضي. فهو لم يأت في سياق تبريري ولا دفاعي ، ولم يكن معنيا بالرد على نقد خارجي ، بل كان ببساطة يتحدث عن نهج جديد يراه بديلا اصلح لحاضر البلد ومستقبلها.

اننا نفهم هذا الحديث في اطار سياق عام ، هو مجموع السياسات التي تبنتها الحكومة خلال السنوات الأربع الأخيرة. وهو سياق يؤكد ان ولي العهد يطرح "خطابا جديدا" وليس مجرد نسخة جديدة من الديباجة القديمة. 

ولهذه المناسبة ، يهمني الإشارة الى ان نجاح "الخطاب الجديد" رهن بترسيخ النسق الذي يخدمه. النسق المنسجم مع مباديء الحداثة وحاجات الدولة الحديثة.

وأذكر في هذا الصدد عنصرين ، لهما صلة قوية بمفهومي الاعتدال والعقلانية اللذين طرحهما الأمير محمد ، وهما مبدأ التنوع الثقافي والديني ، ومحورية العلم الحديث في التوجيه العام.

فقد أشار ولي العهد الى انه لم يعد مناسبا ان يتكل المجتمع والدولة على آراء لشخص واحد في كل قضية. لو اردنا ترجمة هذا الكلام ، فان مقصوده ليس التوسع من مذهب واحد الى أربعة او خمسة أو اكثر او اقل ، بل الانفتاح على الرأي العلمي بكل أشكاله ومصادره.

سوف نواجه هنا إشكالية معروفة ، خلاصتها ان الفقهاء التقليديين قد تعارفوا على تقديم النص على أي دليل علمي حديث (انظر مثلا قضية رصد الهلال) وتقديمه على أي مصلحة عقلائية ظاهرة ، اذا كان مفاد هذه او ذاك مخالفا لما يفهمونه من النص.

وقد ابتكروا نظرية تقول بان النقل مقدم على العقل مطلقا. وهي تتداول فيما بينهم ، كما لو كانت آية من كتاب الله او بديهية من البديهيات ، مع انها مجرد رأي اجتهادي ، قاله أحدهم ورضي به الباقون.

ان الايات الدالة على مصدرية النقل ، لا تشكل ردا على هذا ، لأنهم في الحقيقة لا يستدلون بالآية او الحديث ، بل بفهمهم لمضمونه ومراده. ومع علمنا بان فهم الشخص لأي نص ، يتأثر بالضرورة ، بخلفيته وافقه التاريخي ، فان هذا الفهم لا يمكن اعتباره ذات المعنى المنطوي في النص ، بل أحد المعاني المحتملة. ولهذا لا مبرر لتقديم الاجتهاد التقليدي على غيره ، ولا مبرر لرفض الدليل العلمي بحجة ان النص اعلى منه.

زبدة القول ان ترسيخ التنوع وتجديد الفكر الديني ، رهن بالتعامل مع الدليل العلمي كفهم معتبر للشرع ، مماثل لسائر الافهام ، إضافة الى اشتراط احتواء الراي الفقهي على مصلحة عقلائية راجحة وصريحة ، قبل تطبيقها على المستوى العام ، وأخيرا إلغاء الرقابة على مصادر الثقافة الدينية ، من مختلف الأديان والمذاهب والاتجاهات ، بما فيها المصادر الناقدة للمدرسة التقليدية.

الشرق الأوسط الأربعاء - 30 شهر رمضان 1442 هـ - 12 مايو 2021 مـ رقم العدد [15506]

https://aawsat.com/node/2968146/

مقالات ذات علاقة

تأملات في حدود الديني والعرفي

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة التجديد بغيضة.... ولكن

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فقه جــديد لعصر جـديد

الفكــرة وزمن الفكـرة

نسبية المعرفة الدينية

نقد التجربة الدينية

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...