07/12/2016

اصلاح المجال الديني


"اصلاح المجال الديني" هو عنوان الندوة العلمية التي عقدها مركز دراسات الوحدة العربية في تونس نهاية الشهر الماضي. في نفس الوقت نفسه تقريبا ، عقدت في بيروت ندوة مماثلة حول الحرية الدينية والمواطنة. كلا الندوتين والكثير من النقاشات المماثلة التي شهدناها هذا العام بالتحديد ، تشير الى انبعاث جديد لفكرة الاصلاح الديني ، باعتبارها طريقا ضروريا لحل اشكالات العلاقة بين الثقافة العامة والسياسة في العالم العربي.
منذ منتصف العام 2011 كان واضحا ان الأجيال العربية الجديدة ، تواجه عسرا في تحديد المسافة بين ما  هو موضوع ديني يعالج في إطار الشريعة ، وما هو متروك لعقول البشر وعلومهم. وأحتمل ان هذا العسر قد ساهم في تأزيم العلاقة بين أطراف التيار الديني ، و كذا علاقتها بالحكومات والقوى الاجتماعية الأخرى. نعلم ان الجدل المتواصل حول مشروعية السياسات ومعاني الوصف الديني ، وواقعية الحل الديني لقضايا الحياة العامة ، أمسى مبررا للتصنيف الحاد ، ومن ثم الانقسام بين من يصنفون كدعاة أو حماة للدين وبين ناقديهم. وهو انقسام مشهود في المجتمعات العربية دون استثناء.

ثلاث من اوراق النقاش التي طرحت أمام ندوة تونس ، ركزت على اشكاليات التعامل مع ما يسمى بالنص التأسيسي.  الدكتور عزيز العظمة مثلا لاحظ ان جميع المحاولات الاصلاحية في المجال الاسلامي ، توقفت عند مرجعية النص. نعلم ان التيار العام بين الفقهاء يتقبل فكرة الاجتهاد في النص ، مما سيؤدي – بشكل طبيعي – الى ظهور افهام جديدة واحكام جديدة. لكن واقع الحال يخبرنا ان التوقف عند النص ، لم يؤد الى تعالي النص عن الافهام والتفسيرات ، اي جعله موضوعا للاجتهاد المتحرر من قيود التفسيرات والافهام السابقة. تاريخ الاجتهاد يكشف عن تحول افهام السلف واجتهاداتهم الخاصة الى مرجع بديل عن النص ، بمعنى ان الفقيه لا يبحث الآن في النص القرآني او النبوي بشكل مباشر ، بل ينشغل في الحقيقة بكيفية فهم السابقين وتفسيراتهم له. وهذه التفسيرات والافهام تتحول الى إطار يوجه ويحدد عملية الاجتهاد. ولهذا فمن النادر ان تجد فقيها يخرج برأي أو تفسير ، لم يرد نظيره في تراث السابقين. وقد أوردت في تعقيبي على ورقة د. العظمة أمثلة صريحة عن اكتشاف فقيه ما لعيوب في اجتهاد السابقين ، لكنه – مع ذلك – يميل في استنتاجه النهائي ، الى متابعة ما اشتهر أو ادعي الاجماع عليه. وأظن ان هذا من ثمرات الهيمنة القوية للنسق الفقهي التقليدي ، التي قادت فعليا الى عزل جميع الآراء الغريبة عن المألوف والمتعارف ، بغض النظر عن أدلتها أو مطابقتها لروح التشريع.
المجال الديني ، مثل سائر مجالات الحياة الأخرى ، بحاجة الى مواكبة التحولات الاجتماعية ، واستيعاب التحديات الناتجة عن تطور حياة البشر وعلاقتهم مع الطبيعة. أظن ان جانبا من المشكلة يكمن في انكماش العلم الديني ورجاله ، وما حدث جراء ذلك من تفارق بينهم وبين سائر الناس ، في اللغة وأدوات الفهم والتعبير ، ونوعية الهموم والانشغالات الذهنية. يركز رجال الدين على السلوكيات الفردية ، ويريدون السلطة كأداة ضبط للسلوكيات الفردية ، لكنهم نادرا ما اهتموا بالمسارات المحركة للحياة العامة ، مثل الاقتصاد وانتاج العلم وحقوق الانسان ، وأمثالها.
اعتقد ان الاصلاح الديني لم يعد خيارا للمجتمعات العربية. بل أمسى لازما لاستعادة السلم الداخلي ، فضلا عن ضرورته للحفاظ على مكانة الاسلام كموجه لحياة البشر في عالم سريع التغير.
الشرق الاوسط 7 ديسمبر 2016
http://aawsat.com/node/801421

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...