20/04/2016

قاعدة أبو ستة


يبدو ان العالم العربي بحاجة الى تكرار النموذج الليبي الذي عرفناه في القاعدة البحرية التي تحمل اسم "أبو ستة" كأسلوب لحل الصراعات التي انغمس فيها طوال السنوات الخمس الماضية.
لقد فوجئت ، واظن ان غيري من المراقبين قد فوجيء أيضا ، بالمبادرة الشجاعة للسيد فايز السراج ، رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية ، يوم اقتحم العاصمة طرابلس من دون جيش ولا مواكب ، ليعلن انطلاقا فعليا للحكومة الجديدة بعد أسابيع من التشكيك والتنازع والمعارك اللفظية.
طيلة السنوات التي تلت سقوط نظام القذافي أواخر 2011 تحولت ليبيا الى ساحة صراع بين قوى محلية واقليمية ، وظهرت فيها دعوات للفيدرالية. وتشكلت خلال هذه الازمة اربع حكومات على الأقل ، لم يسيطر أي منها على أكثر من مدينة واحدة. اما بقية المدن والارياف فكانت خاضعة لمليشيات محلية ، لبس بعضها رداء ايديولوجيا ، وانشغل آخرون بجمع المال من خلال تهريب البشر والبترول وكل شيء. وفي ظل هذه الفوضى العارمة ظهر تنظيم "القاعدة" واستولى شقيقها "داعش" على سواحل ذات اهمية جيواستراتيجية ، اكتشف العالم خطورتها بعدما وصلت مئات من قوارب المهاجرين الى شواطيء ايطاليا الجنوبية.
بذل مارتن كوبلر مبعوث الأمم المتحدة المكلف بمعالجة الازمة الليبية ، جهودا متواصلة على مدى العام الماضي. ونجح فعليا في اقناع المتنازعين بقواعد أساسية لانهاء الحرب الأهلية ، وحصل منهم على تعهدات صريحة بدعم الحل السياسي. كما نجح في استقطاب دعم اوربي وأممي لمشروع الانتقال السلمي. لكن يبدو ان كل طرف كان ينتظر حلا لصالحه في المقام الأول. وهذا يعني – بالضرورة - العودة الى مربع الحرب.
كانت سيطرة الميليشيات المعارضة للحل السياسي على طرابلس وموانيء تصدير البترول ، ابرز نقاط الضعف في مشروع الحل السياسي. فمن دون العاصمة ومن دون مصادر المال ، لن يتحمس أحد لدعم حكومة الوفاق الوطني. سعى بعض الأطراف لاقناع القوى الخارجية الداعمة لتلك الميليشيات ، بتسهيل الحل. وحاول آخرون اقناع حلف الناتو بتوجيه ضربات جوية ضد مواقعها لاجبارها على التراجع.
اما السراج فقد اختار طريقا آخر. في الثلاثين من مارس المنصرم ، ركب مع مجموعة من مساعديه قاربا حملهم من الشواطيء التونسية الى "قاعدة أبو ستة" البحرية في طرابلس. فور وصوله ، أعلن ان حكومة الوفاق موجودة فعليا في العاصمة ، وانها باشرت اعمالها. بعد هذا الاعلان بساعات قليلة ، تجاوبت عشرات البلديات والقوى الاجتماعية بتأكيد ولائها للحكومة الجديدة ، كما بدأ عدد من قادة الميليشيات المحلية وجنود الجيش السابقين في التواصل معها ، فيما يعني الاعتراف بها كحكومة شرعية لكل ليبيا.
هذا النوع من المبادرات يوحي بالطرق التي يسلكها الشباب والمغامرون ، الذين لا يعبأون كثيرا بحسابات الربح والخسارة والمخاطر والاحتمالات السيئة. انه – بعبارة اخرى – حل من خارج الصندوق.
بعد ثلاثة اسابيع من تلك المبادرة ، يشعر الليبيون انهم قد وصلوا الى نهاية النفق. الحكومة السابقة المتمردة بدأت تتفكك ، والقوات المسلحة النظامية بدأت تتشكل ، ووزراء أوروبيون بدأوا في التوافد على ليبيا ، تأكيدا على الدعم الدولي لحكومة الوفاق.
النموذج الليبي الذي تجلى في "قاعدة أبو ستة" يوحي بان أزمات العرب ومشكلاتهم باتت مستعصية على الحلول التقليدية. لعل حلولا من خارج الصندوق ، شبيهة لما جرى في ليبيا ، هي التي يحتاجها العرب اليوم.
الشرق الاوسط 23 مارس 2016

http://aawsat.com/node/620471

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...