|| سألت
نفسي كثيرا: لماذا لم يخبرني ابي عن حقوقي عليه وعلى مجتمعي. ولماذا لم يخبرني
معلمي عن حقوقي على المدرسة والدولة. ولماذا لم يخبرني شيخي عن حقوقي على ربي وعلى
ديني ||
فكرة
هذا المقال جدلية وقد لا تكون صحيحة. لكنها على أي حال تستحق التأمل. وخلاصتها ان
معرفة الانسان بحقوقه تمكنه من ادراك حقوق الآخرين ، ولذا فهي تمهيد لازم لتقديرها
واحترامها. إذا صحت هذه الدعوى ، فانه ينبغي التأكيد على معرفة أبنائنا لحقوقهم
الشخصية والمدنية ، كي نضمن احترام كل منهم لحقوق الآخرين ، ولا سيما الحقوق
العامة المشتركة بين جميع الناس.
أحتمل
ان بعض القراء سيقول في نفسه: حسنا.. ربما تكون الفكرة صحيحة ، لكن ما الجديد او
المهم فيها؟. لطالما سألت نفسي هذا السؤال حين لاحظت ان مفهوم الحق ضعيف وضامر في
ثقافتنا العامة.
لتوضيح
المسألة أشير أولا للفارق بين مفهومين مختلفين ، أولهما الحق الذي يقابل الباطل ،
وهو الاكثر شيوعا في الثقافة الرائجة ، والحق الذي يقابل الواجب. ويعبر عن المعنى
الاول بالقول مثلا: انا على حق ، او ان رايي هو الحق. فالقصد هنا انه صحيح ومطابق
لمعيار معين. ولا يقتضي بالضرورة ان يكون الراي المقابل باطلا او خطأ ، خاصة عند المؤمنين
بتعدد أوجه الحقيقة أو نسبيتها. اما المعنى الثاني فيظهر حين تدعي ان لك حقا على
شخص. فانت تقول ضمنيا ان هذا الشخص عليه واجب ، ينبغي ان يؤديه اليك. فالحق هنا يعنى
الامتياز او الاختصاص بمنفعة. ومقصودنا كما اتضح الآن هو هذا المعنى وليس الاول.
سألت
نفسي كثيرا: لماذا لم يخبرني ابي عن حقوقي عليه وعلى مجتمعي. ولماذا لم يخبرني
معلمي عن حقوقي على المدرسة والدولة. ولماذا لم يخبرني شيخي عن حقوقي على ربي وعلى
ديني. وفي سنوات سابقة كنت أبحث في هذه المسألة ، فسألت العديد من الناس عما إذا
كان أحد قد أخبرهم عن حقوقهم ، فوجدتهم جميعا مثلي.
وحين
تأملت في طرق التربية العائلية والمدرسية ، وفي التوجيه الديني والرسمي ، وجدت
جميعها يركز على "واجبات" الأفراد ، ولا يتحدث أبدا عن حقوقهم. وحين
درست "الاحكام السلطانية" للفقيه الماوردي مثلا ، وجدته يتحدث عن
"حقوق الناس" كجمع ، ولا يتحدث عن حقوق الأفراد. ووجدت بحوثا مطولة لفقهاء
واصوليين معاصرين حول مفهومي الحق والتكليف ، انتهت الى ان التكاليف لها اولوية
مطلقة ان اراد الانسان النجاة في الآخرة. وهذا الاستنتاج يعني ان الحق متأخر عن
الواجب او متفرع عنه ، أو ربما غير ضروري أصلا. وجدت أيضا اننا نعتبر الولد مهذبا
اذا كان مطيعا حسن الاستماع ، أما الذي يكثر النقاش او يلح في طلب حقه ، فقد
نعتبره "شين وقوي عين".
زبدة
القول ان معادلة الحق - الواجب مختلة في تربيتنا العائلية والمدرسية ، ولهذا فهي
مختلة أيضا في ثقافتنا العامة. وأحتمل ان قلة اكتراثنا بتعليم الابناء حقوقهم ،
وتدريبهم على السبل الصحيحة لتنجيزها ، تسبب في اختلال معادلات العلاقة بين اعضاء
المجتمع. بعضنا يخجل من المطالبة بحقه كي لا يوصف بانه "شين وقوي عين" ،
وبعضنا يقول صراحة "قم بواجباتك قبل الحديث عن حقك". وكلنا نتحدث عن
واجباتنا الدينية والوطنية ، لكنا لا نتحدث أبدا عن حقوقنا على الدين والوطن.
الصحيح
ان نبدأ دائما بتقرير حق الفرد ثم واجباته. فاذا فهمها ، فهم أيضا ان كل شخص آخر
له حق مماثل وعليه واجبات مماثلة. وهذا في ظني هو الطريق السليم كي نفهم بعضنا
بصورة أفضل ، ونقيم علاقات اكثر توازنا واعتدالا.
الشرق
الاوسط 4 ربيع الأول 1439 هـ - 22 نوفمبر 2017 م
http://aawsat.com/node/1090871
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق