في التظاهرات التي شهدتها الاسبوع
الماضي بنغازي وتونس والخرطوم وصنعاء احتجاجا
على الفلم الامريكي المسيء للرسول (ص) ، هتف بعض المتظاهرين بشعارات تؤيد
"القاعدة"
ورفعوا اعلامها السوداء.
مبدئيا لا استطيع الجزم بان هؤلاء اعضاء في التنظيم او مناصرون ملتزمون له. في غالب الاحيان يبحث الناس عن اشد التعبيرات نكاية بعدوهم ، اذا شعروا بالعجز عن رد ظلمه. انها عملية تعويض نفسي تجري بشكل عفوي ، مثلما قيل في المثل العربي القديم "اوسعتهم سبا واودوا بالابل".
لكن المسألة اعمق من مجرد غضب
مؤقت. المسألة هي ان شريحة في الشارع العربي تؤمن في اعماقها بان
"القاعدة" هي المعادل السياسي "المسلم" للتحدي الغربي ،
الامريكي على وجه الخصوص. هذا يعني اولا انها تفهم العلاقة بين المسلمين والغرب
باعتبارها حربا ، وليست مجرد صراع سياسي او ثقافي. ويعني ثانيا ان هذه الشريحة ترى
في عمل "القاعدة" نموجا صحيحا لمواجهة ذلك التحدي.
كتب استاذنا د. عبد الوهاب الافندي قائلا ان
الهجوم على السفارات الامريكية قد لا يكون عملا عفويا. وان علينا ان نضع في
اعتبارنا احتمال وجود ايد خفية تعمل لدفع الامور في الشارع العربي في اتجاهات تخدم
اجندات خاصة ، معلنة او مكتومة. ولا استبعد وجود من يسعى لاقناع الاجيال العربية
الجديدة بالعودة الى تراث العنف القديم ، بعدما اصبح "اللاعنف" قيمة
معيارية في الجدل السياسي . وهو امر لم تعرفه
المجتمعات العربية قبل انطلاق الثورة التونسية. كما لا استبعد وجود من يسعى
لدفع الحكومات الجديدة نحو قمع المعارضين بدل ترسيخ الحريات المدنية والسياسية.
في كل من تونس وليبيا ، قال
مسؤولون حكوميون انهم حددوا الاشخاص المتورطين في الهجوم على السفارات. وظهر لهم
ان المسالة لم تكن عفوية كما بدا لأول وهلة. هذا قد يعزز الاحتمال الذي ذكرته ،
رغم اني لا اثق في كلام الرسميين في حالات كهذه.
ايا كان الامر ، فان ما يهمنا في
المسألة كلها نقطتان:
الاولى: اذا صح ان شريحة في المجتمع
العربي تنظر لتنظيم القاعدة كمعادل للغرب ، فهذا يعني ان التنظيم يرسخ وجوده في
الثقافة والمجتمع العربي ، خلافا للاعتقاد القديم بانه يحتضر بعدما فقد زعيمه.
الثانية:
يكشف تاريخ التنظيم ان المجتمع السعودي كان من بين البيئات التي افتتنت بخطابه.
وقد تحمل جراء ذلك عسرا وعنتا وكلفا جسيمة ، بشرية ومادية وسياسية.
نحن بحاجة الى دراسة معمقة لتلك
الاحتمالات ، ولا سيما انعكاساتها في مجتمعنا . وربما نحتاج – على ضوء هذه الدراسة
- الى مراجعة سياسات الاحتواء والمواجهة التي طبقت في السنوات الماضية. ظهور
"القاعدة" في الشوارع ليس مجرد حدث نرد عليه باستنكار الغلو او رمي
الناس بالجهالة. فهو اكثر جدية واشد خطرا من كلام بارد يقوله مذيع في التلفزيون او
خطيب على منبر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق